عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 03-30-2017, 12:48 PM
 
البارت الثاني : مغفلون ... في الحب .
يا صغيرة ..بيننا شيء كبير ..ليس بحب قفير
بيننا كلام كثير ... لا ..لا تنظري بلهفة يسير
فهو ليس بخزعبلات العشق ... الوفير
اسمعي .... إنه مجرد انتقام ..قديم
يا صغيرة .. كفاك نواحا على ما غاب
فما مضى فات .. وما ذهب مات
يا صغيرة توقفي عن اللعب بالنار
فستحرق أناملك الضئيلة .. ...
وكفاك حبا بالله ..عبثا مع الثيران ..
قد تسحقك بأقدامها الكبيرة ...
و أي جرأة هذه تملكين حتى تعبثي مع قلب أبوابه من حديد
و أسواره عاتية تلاحقها أشباح الماضي من جديد
ثم ... فجأة ...تهربين ....تاركة الألم و الحزن تلهب النار في الوريد .
أو تجرؤين ....على قلبي تتمردين ..


~

هل كانت هذه بداية النهاية ، أم أنها مجرد رحلة عابرة للحدود التي رسمتها حولها في دائرة حمراء ممنوع تخطيها ، زفرت بضيق شديد تحسه يكبت على نفسها ، تنفست ملأ رئتيها و هي تنظر من نافذة الطائرة المستديرة لم تشعر بما حولها ، فقط كانت تنظر في الفراغ .. بينما الطائرة تشق الهواء ملامسة أعنان السماء و محلقة بثبات قاطعة المساحات
أطلقت زفرة أخرى نابعة عن توتر تشعر به يجمد أوصالها ، خاطبت نفسها بسخرية :“ تمالكي نفسك يا فتاة لم أعهدك تخافين المرتفعات”
نظرت إلى السيدة الجالسة أمامها بغير انتباه كانت تحرك شفتيها ، هل تخاطبها هي يا ترى ؟
لكن الطنين الصاخب غلف أذنيها عن سماع أي شيء .
“ هل أنت بخير طفلتي ؟“
رفعت عينيها إلى السيدة مجددا كانت تبدو في أواسط عقدها الخامس ، لا تعرف لما لاحت صورة السيدة دادلي أمامها ، لكن هذه المرأة بتقاطيع وجهها الناعمة التي لم يستطع الزمن محوها وعينيها بسواد جميل يشع بحنان فطري يبدو كأنه ولد معها تغدقه على الجميع دون استثناء ، هاهي ذي تحرك شفتيها الرقيقتين بقلق واضح :“ طفلتي ؟“
تساؤل نابع من القلب أخرجها من هوة التوتر و الأفكار المزعجة .
ازدردت أنطوانيت ريقها بصعوبة وكأنها تبتلع الحجارة ثم تنحنت لتنقح حلقها وقالت :“ أنا بخير سيدتي ”
سارعت المرأة لتقول :“ نادني ميرندا طفلتي وهذا زوجي أرسينو ”

انتبهت أنطوانيت لأول مرة للرجل الجالس بجانب زوجته كان يبدو عليه الوقار بشعر الرمادي مع شعيرات بيضاء تتخلل صدغيه مضيفة رونقا لطيف كانت عيناه خضراء صافية قال لها بلطف :“ لابد وأنها رحلتك الأولى يا ...”
بتر جملته لتكملها هي :“ ءنطوانيت ..و نعم إنها الأولى ”
قال بصوت هادىء :“ لا تقلقي لقد سافرنا أنا وزوجتي مرات عديدة ولم يحدث شيء يدعو كل هذا التوتر ولن يحدث بإذن الله ”
قالت أنطوانيت بصوت يغلب عليه التشاؤم:” إذن صدقوني ستحدث هذه المر....”
لم تكمل كلامها لتدخل الطائرة في مطب هوائي و يأكد حظها على كلامها و بإلحاح شديد .
هل تعرفون ذلك الخوف الذي يداهم المرء بغتة خوف مفاجىء يأتي من لامكان ليضيق الخناق على صاحبه ، يلف مجساته حول عنقه محاولا سرقة أنفاسه ، ربما تجدون هذا الخوف طفوليا ، سخيفا ، مزعجا ولكنه يظل حقيقة بحتة لأنطوانيت التي شعرت بأن نبضات قلبها تؤخذ منها قسرا .. بعد لحظات قصيرة أحست بها سنوات طويلة سكنت الطائرة لتعود إلى ثباتها المعهود ولتهدىء معها أنطوانيت ، لاحظت بحرج شديد ترجمته وجنتيها بغزو طفيف من لون أحمر داكن نظرات جميع الركاب إلى تصلبها الغريب ، نظرات تراوحت ما بين مفاجأة ولامبالاة .
انتبهت إلى يد ميرندا التي تسللت إلى يدها لشفقة .
استعادت رباطة جأشها وقالت بصوت خافت أقرب للهمس خرج كتمتمة من بين شفتيها بصعوبة :“ أنا بخير ”
قالت ميرندا بحنو :“ في بلد ليس لأي منهما كان اللقاء ”
قالت أنطوانيت مستفهمة :“ عفوا ؟“
ثم تدارك عقلها الموقف ، السيدة اللطيفة تحاول تشتيت ذهنها عن أي شيء آخر بقصة على ما يبدو قصتها هي .
أردفت ميرندا بلمعان غريب طغى عينيها :“
في بلد ليس لأي منهما كان اللقاء
قصة لم تكن لأي منهما
قصة كانوا ضيوف الشرف فيها
فتحولوا لأبطالها
خيوط القدر تشابكت لتجعل طرقهما تتقاطع في لهفة للقاء
هي كانت فتاة وحيدة ، غريبة ، قهرتها الحياة
هنا تكلم زوجها :“
هو كان رجلا وحيدا يستنجد حبا حرمته منه الحياة .
تساءلت أنطوانيت بغبطة :
“ وكيف كان اللقاء ”
أجابت ميرندا :“كانت فتاة يائسة
تائهة في ظلمات الشوارع المقفرة تتمشى بضياع و بقلة انتباه ، بدون تركيز فقد كانت تشعر بالحزن ينفذ لداخلها دون استئذان
ثم وجدت الحل لكل المشكلات واقفا أمامها بشموخ استفزها لتتسلقه
هو برج إيفل وعندما صارت على علو كاف برضي هدفها
تطلعت بعينين دامعتين إلى مدينة باريس
جالت بناظريها فوق المدينة المتألقة بأضواء الربيع
مسحت دمعة فارة من سجن الأحزان
أسبلت أهدابها ثم تركت جسدها يتهاوى كاسرا كل القيود .. نعم لقد حاولت الإنتحار و نسيان كل الذكريات المشبعة بالآلام .
شهقة استنكار أفلتت من ثغر أنطوانيت فهي تؤمن أن الحياة هبة يجب الحفاظ عليها بكل الجوارح .
أكمل زوجها والحب يقطر من كلامه :“ سقطت فوق سيارة زرقاء تنتمي لرجل كئيب وهذا الرجل الكئيب ظل شاكرا حامدا ربه على اللحظة التي ألهمه فيها لترك سيارتة تحت البرج لتتلقف فتاة غزت حياته وهو يارقبها كل يوم في المستشفى من بعيد عسى يأتي يوم تعتبره الحبيب القريب
وبعدها تعرفنا على بعض
تقربنا من بعضنا البعض
عشقنا بعضنا البعض ثم
توجنا حبنا بأكليل الزواج الأزلي ليختمه عشقنا الأبدي وها نحن ذا
مع بعضنا البعض .
تدحرجت دمعة راكضة على وجنة ميريندا وزوجها ممسك يدها واسما قبلته عليها .
غفت أنطوانيت على هذا الحب الجميل الذي عصف بتوترها و أذهبه أدراج الريح .
♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥
استيقظ روبيرتو على هزة من المضيفة تخبره بأن الطائرة رقدت بسلام على مطار باريس ، نفض عن نفسه تبعات النوم واستقام متثائبا ثم نط قافزا بسرعة و كأنه تذكر شيئا ليخرج بسرعة وهو يغمز بمشاكسة للمضيفة الجميلة حقا هذا الزير لم يترك إمرأة فوق السابعة عشر و تحت الخمسين لم يغازلها المهم أن يصحب إسمها أنثى
خرج سريعا وهو يمسح بعينيه غرفة الإستقبال بالمطار وهاهو يتوقف على شخص جذب النظرات الضاحكة من كل مكان ، لا يصدق عيناه هل هذا صديقه الوقور مرتديا فستان زهريا يصل إلى الركبتين وقبعة كبيرة عليها ريشة وهاهو ذا يتقدم بخطواته النزقة الغاضبة حاملا باقة أزهار رخيصة
سارع إلى القول :“ عزيزتي ألم تشتاقي لي ؟“
ضربه فرانس بباقة الزهور وهو يردد مهددا :“ اخرس و إلا قطعت لسانك ”
قال روب مازحا :“ يا إلهي !!ما هذا الإستقبال الحار عزيزتي ل كنت أدري ....”
استدار فرانس ذاهبا بينما لحقه روب بخطوات مهرولة محاولا مجاراته .
قال من بين أنفاسه :“ لا تكوني هكذا عزيزتي ! هذا العبوس لا يليق بوجهك ستحدث لك تجاعيد أنت في غنى عنها ”
استدار فرانس مواجها روب وقال وهو يكز على أسنانه :“ إن قلت مجددا عزيزتي سأخنقك بيدي ”
تجاهل روب تهديده و قال ساخرا :“ حبيبتي البخيلة ألم تجدي غير هذه الزهور .. الرخيصة يالكي من فتاة شحيحة”
هدر فرانس بغضب :“رووووبيرتو ، كف عن سماجتك هذه ”
تبعه الأخير مستسلما لنوبة ضحك هيستيرية .
---------
خرجت أنطوانيت من الطائرة عابرة قاعة الإستقبال وما إن لاح لها طيف تعرفه جيدا حتى تركت العنان لقدميها ورمت بجسدها في أحضان صديقتها فيوليت ، تركتها بعد عناق طويل ثم تمعنت النظر في مظهرها الجديد ، ابتداءا من شعرها الداكن القصير بخصلاته المتمردة والتي تحيط بوجهها البراق وعينيها البندقيتين اللتان تفيضان شوقا .
قالت أنطوانيت بتأثر :“ لقد مر وقت طويل ”
“ لا تبالغي كلها سنتين ،هيا لنذهب من هنا لقد فرغت القاعة تقريبا ”
تحركت الفتاتان معا لتركبا سيارة أجرة و كانت الوجهة هي المنزل .
♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥
في إحدى الأحياء الفقيرة التي طلى البؤس جدرانها و عم الحزن أرجائها وغزا اليأس سكانها
حي تهالكت بيوته
حي كان ملجئا لكل معطوب مسكين
حي تطير في سماءه الغربان
وتجول في شوارعه الضربان
وعندما أقول الغربان و الضربان فأنا أقصد كل محتال نصاب
كل مخادع يتلون كالحرباء
كل ظالم متجبر لا يخشى الإله
ولكن حتى في أكثر المستنقعات قذارة
يوجد ذالك الجمال النقي المغلف بالبراءة
نقاوة ما بعدها نقاوة
لكن للأسف تلوكها ألسنة أناس لا تعرف إلا الحقارة
صوت تعالى من إحدى البيوت المنهارة
“أنا لا أستطيع الإحتمال أكثر ، لم أعد أحتمل
لقد مات ...مات في أشنع موقف ... مات بذبحة قلبية على فراش الخيانة ...مع ... مع ..تلك الساقطة الحقيرة تاركا شرخا لا يبرأ بعد كل هذا العمر ..يخون أمي ويكذب علينا بشأن العمل
لقد مات ولكن قذارته لا تزال تفوح ليشتمها جميع الناس
قالت أختها الكبرى بألم :“ لا تتكلمي عن والدنا هكذا مايفس ”
قالت باستنكار :“ليس لي أب كهذا ولا أتشرف بصفة البنوة له بعد أن مرغ أنوفنا بالعار ، لقد هربنا من أمريكا بعد أن كانت تتربص بنا العصابات ”
تناهى لها صوت أمها وهي تحاول كبت نشيجها الأليم .
ولكنها لم تهتم بل أكملت بغضب :“كل يوم أعمل لأخرج بعض الجنيهات بشق الأنفس لنضعها في بحر الديون اللعينة الذي لا ينضب ”
قالت أختها إيزمي بشراسة لم تعهدها فيها :“هل تظنين أنك الوحيدة التي تعاني ، أفيقي يا ابنة أبيها ولا تصبي علينا جام غضبك الذي ليس لنا يد فيه، أفيقي يا قطته البرية ، و تقبلي الواقع المرير، ونعم سنعمل و نعمل حتى نقف على أرجلنا من جديد ، ولا تتكلمي عن والدنا بالسوء ”
“لقد لطخ نفسه بالسوء ،لا أفهم كيف تثقين به رغم كل الذي حدث ”
ردت إيزمي بصوت أجش :“ لا تدعي بعض الجرائد تشوه صورة والدنا العزيز ، الذي ضحا بكل شيء من أجل قواريره ”صمتت قليلا ثم أطردت بعطف :“ ألا تذكرين ؟! كيف كان ينادينا زهراته ، لقد كنت المفضلة لديه ، بكل عنفوانك و شراستك ، كنت الصبي الذي حلم به ،كنت زهرته البرية ”
صمت مايفس أذنيها عن سماع أي شيءوقالت بتحرشج :“ لقد رأيته بعيناي ، رأيته في فراش الخليعة ”
قالت إيزمي و الحزن يكتنف كلماتها :“لا تخدعنك المظاهر أيتها البرية بل صدقي همس قلبك بالحقيقة”

خرجت مايفس كالملسوعة وهي تحس أنها منبوذة
كل هذا وهي تحاول بجهد ارتداء قناع الصلابة ليواجهها رجل تفوح منه النتانة وقال مكشرا عن أسنانه الصفراء التي تبعث الإشمئزاز ، لا تصدق أنها هي مايفس لي تصبح على وجه شر هذا
قالت بحنق :“ ما كان ينقصني إلا أنت ،ماذا تريد ؟“
قال بصوته الأشبه بنهيق الحمار وبين كل كلمة و أخرى يخرج لعابه كرشاش المياه :“ الإيجار يا ست الحسن و الجمال ”
فرك إبهامه بسبابته دلالة على المال ، ابتعدت مايفس بقرف عنه في مسافة الأمان .
زمجرت بعنف و هي تصك على أسنانه حتى كادت تهشمها :“ رباه !!!! بيت القصدير هذا لا تقبله الكلاب و ها أنت منذ الصباح تقف على عتبة الباب من أجل حفنة جنيهات ”
عاود نهيق الحمار بصوت عال متذمر :“ يا مرأة لست في مزاج لسماع تفاهاتك ، وما أكثر البيوت الفاخرة والفنادق الفخمة و الأرض واسعة ، إذ لم يعجبك لا يوجد من يمسك يدك ، و الآن ادفعي الإيجار .
زجرت مايفس وحدجته بنظرات مسمومة ثم أخرجت المال ورمته في وجهه وهي تقول باستهزاء :“ لا يخرجن عرقك يا رجل ”
وتركته وهي تحرث الأرض حرثا .
.......
......
..
استفاقت إيزمي من ثورتها على أختها العنيدة ذات رأس متحجر كصخرة الجلمود
و انتبهت لأختيها جيانا و أيدا فتداركت غفوتها الساهمة في أراضي الهموم لتقول بحزم يضخ بالعطف :“ و أنتما أليس لديكما مدرسة اليوم ... هيا هيا أسرعا ”
خرجت الفتيات وتركن والدتهما بين غبنات الحزن يتآكلها كوضع الأسيد على اللحم .
تأوهت الأم بحزن و قد تغضن وجهها بتجاعيد الألم :“ آه ... و ألف آه منك يا قرة القلب أهكذا ترد عشرة سنين .. سامحك الله ..كيف تفرط ببستان الزهور ”


................

لم يشح كولين نظره من بوابة المدرسة :“ لماذا تأخرت ...هل حدث معها شيء ... أيمكن أن يتعرض لها الأذي في الطريق ..؟”
أجفل من صوت توأمه الساخر اللاذع :“ ألم تظهر حبيبة القلب ؟“
“ أغرب عني كيفن ؟“
كيفن الفتى المشاكس اللعوب و حتى وهو يدعي الامبالاة ولكنه يسترق النظر لينتظر دخول الشقيقتين اللتين عصفتا بعقليهما وهزتا الكيان ، إنه حب الطفولة ... بريء ، ناعم و أهم شيء صادق ، إنه الحب ، حب لا يستطيع المرء إخفاءه فالرجل تفضحه الغيرة و المرأة يكشفها الإهتمام ،
حب يجعل الأفئدة تلوع والقلوب تتوجع بألم لذيذ
نعم إنه الحب الفتي .
...........................
......
يرغي و يزبد على مهل ، يغلى كالماء على نار
هذا حال فرانس وهو جالس على طاولة العشاء في بيت أخته بينما روبيرتو يريهم صوره وهو في ذلك الفستان اللعين ، لا يكفيه همسات الناس في الشارع كيف جعل نفسه أضحوكة اليوم ، وومضات آلة التصوير لبعض المتطفيلين تلحقه وهو في زيه السخيف ، لقد جعل من نفسه لقمة سائغة لعناوينهم الجائعة
شتم من بين أنفاسه و هو يهدر بحنق :“ أقسم بالرحيل ، إذ لم تتوقفوا عن هذا الهرج السخيف ”
قالت جوانا وهي تمسح دمعة الضحك من عينيها :“لم أدري أن لي أختا حسناء بهذا الجمال”
قال فرانس بنزق ” مضحك جدا ”
يتبع ......
رد مع اقتباس