عرض مشاركة واحدة
  #103  
قديم 03-27-2017, 10:37 PM
 



قراءة ممتعه :

العلة لا تكون دوما في الأرواح المرضة ، فقد تكتسي العقول العادية عللا من حين لحين ويتجلى لها العالم بأسره كلوحة متداخلة تخيط الضيق على القلب ،
فيتهادى حتف الأنفس كل ليله على مرآك ، ويتحول كل ما تراه لأداه تحاول قتلك
لا تدري كيف تتخلص منها ، إذ أنها منك وفيك وقد تقضي عليك إن لم تدس على وجدانك وتقتلها أولا .

ـــــ

كصوت الرياح الجنوبية القادمة في الخارج والثقل الذي تحمله السحب من مزن غزير قارب على الهطول ، كانت العمة تنشر صوتها الآمر على الخدم منزلة بقلوبهم كرها لها ،
أخرجت من حقيبتها الغالية ملفا وأودعت كل واحد منهم ورقة كانت بداخله ،
لم تمرّ دقائق حتى كست وجوههم الدهشة وتوجهوا إليها بنظرة ذهول هقدت ألسنتهم .
راحت تراقب تعابيرهم و قد صدقت أكثر أنها ستملكهم ، صفقت بلطف لتجلب انتباههم وقالت :
" أعزائي العاملين ، بعد رؤيتكم لما كتب في تلك الأوراق أظن أنكم تعلمون الآن أني أملك الكثير
من الأشياء التي قد استخدمها إن لم تطيعوني ، كونوا لطفاء مطيعين أكن لطيفة وأمسك لساني عن قول أي شيء ، حسنا ؟ هل وضحت رؤيتكم الآن حول ما أطمح إليه نحوكم ؟ "
توجهت أنظار العمة الباسمة نحو المدخل وراحت تنصت لراوند الذي أغلق الباب منذ حين وهو يقول ببرود :
" عمتي ، مالذي يحدث ؟ "
أجابته بنفس التعابير : " لا شيء "
ثم نظرت مليا في عيون كل واحد من الخدم والحراس وهي تخبره :
" أردت إعطاءهم بعض النصائح في ترتيب الفيلا ، خاصة حول دخولهم لغرفتي وتنظيفها وتغييرهم لمواضع أشيائي ، لم أعد أحبذ ذلك ، أرغب فقط بأن أكون المسؤولة عن تنظيفها ،
يمكنني ذلك راوند صحيح ؟ "
أومأ لها راوند وهو يصعد الدرج نحو غرفته غير مهتم بسماع المزيد منها ،
وهناك أمرتهم لعمة بالعودة إلى أعمالهم وتوجهت من فورها لعملها ،
في حين كانت قد أحدثت تشتتا في ذهن الخدم ، ولم يفهموا بعد كيف
أمكنها قول ذلك ، أو هل من اللازم اعتبار كلامها تهديدا أم مجرد تعنيف .

ـ

" لابد أن الشتاء سيحل قريبا فالبرد بدأ بنفث ريحه على المدن هنا "
تمتمت إستيرا وهي تفرك يديها بسرعة بعد جلوسها على كرسيها ...
وضعت رأسها بين كتفيها محاولة استذكار آخر درس تناولته في الأسبوع الماضي
فقاطعتها آلي بصوتها المرح المعتاد :
" هل فكرت في عرض الأمس ؟ "
نظرت استيرا لها بريبة وقالت فجأة بلا تعابير :
" لن أستطيع اليوم ... عليّ أن أدرس "
تأففت آلي بعفوية وهي تجيبها :
" كل ما تفعلينه منذ مجيئك هو الدراسة ، أراهن ان عقلك متعب ، لم يمرّ
أسبوعان على وجودك معنا مع ذلك لا تكفين عن الدراسة !
إنك لا تجدين وقتا للتعرف بنا ، تذاكرين قبل الحصص و أثناء وقت الغداء
حتى في حصة الرياضة تزورين المكتبة لتدرسي ، ولا تأتين معنا أي مكان
خارج وقت المدرسة لأنك مشغولة في شقتك بالمذاكرة أيضا ، ماهذا !
"
نظرت لها استيرا تنتظر منها الصمت لكنّ آلي أكملت :
" إننا نريد فعلا التعرف عليك أكثر وأخبرناك أنه ليس عليك القلق فكلنا نستطيع مساعدتك
في أي مأزق يحل بك أثناء المراجعة ، أوقفي هذا الجنون إندمجي مع غيرك ، ووافقي على الخروج معنا من حين لآخر ، صدقيني ستستمتعين كثيرا .
"
لكلام آلي صدى وعبق رقيق لطيف في نفس كل مستمع ، جميل أن يعلم الإنسان
أن له قيمة عاليه عند بعض البشر وأنهم يهتمون به ، - على الأقل كما يظهرون -
لكنّ استيرا لم تكن من المنصتين للعبارات والنصائح النابعة من قلب آلي ،
إذ أكتفت بمراقبة النافذة ولم تردّ على الأخيرة ، وهذا ما جعل آلي تستشيط غضبا
وتعود لمكانها حانقة .

ولسان حال إستيرا يردد ' كيف سأخرج مع غيري وأستمتع معهم وانا لا أقدر على إمتاع نفسي ؟
مالذي يؤكد لي أنهم صادقون في مشاعرهم حيالي ؟ وأنهم فعلا يريدون التعرف عليّ ، لا أنهم يودون استغلالي في مصلحة ما أو ينكبون عليّ بأسئلتهم المزعجة ، لست مستعدة لخسارة نفسي مرة أخرى بين يدي أشخاص مجهولين ، فلازلت أبحث عن نفسي القديمة الضائعة ،'

مرت الحصتان الأوليتان سريعا ، فيما تلاهما حصة رسم في قاعه الفن ، تزاحم الطلاب
ليدخلوا ويتخذوا اماكنهم أمام أوراق بيضاء ناصعة ، وطالبهم الأستاذ بنقل فكرهم وتخيلاتهم من عالم عصبوني لآخر ملموس ، فانكب الكل يكد و يلوّن ويبدع .
بالحديث عن بطلتنا ومدى براعتها في الرسم ، فذاك الشغف قد انطفأ لهيبه ، إذ لم يتعدّ
هواية لقتل الفراغ أما الآن فلديها الكثير لتفكر به ، أكثر من رسم الخطوط الإنسيابية المطالبة بتجسيدها الآن وتشكيل لوحة فنيه بها .
أحست بأسى أنه لم يعد في جعبتها الكثير لتقدمه وأن إلهامها خفّ بريقه ، وظنت انها
استنفذت كل شيء ، لذا رمت نظرها من خلال النافذة وراقبت الباب الرئيسي للثانوية ،
ظلت تتابع إحدى الفتيات وهي تجتاز الطريق قبل أن تدخل المؤسسة وتستمر بالمضي نحو المبنى الدراسي ، لا تعلم لم يثير اهتمامها شكل الفتاة تلك و طريقه مشيها ،
كم تشبه ..... !
حركت عينيها لا شعوريا في عدة إتجاهات وبدأ تنفسها يضيق ثو وقفت قائلة بسرعه :
" عليّ الخروج يا أستاذ "
سمح لها بذلك فهو الآخر منشغل بالرسم ،
جرت لتنزل السلالم و الغيظ يحتدم داخلها ، حريق يكتسح جسدها
تشعر بالضجيج يغلف أظنيها حتى ما عادت تسمع إلا همهمات تنفسها التي لا تسمع
وصلت اخيرا للطابق السفلي تحديدا للمبنى الذي دخلت إليه الفتاة ،
ما تزال متأكدة انها ستجدها ، ستجدها ...
أخذت بالجري بين الممرات تتابع كل زاوية باحثة عن فريستها
إلى أن اصطدمت بمن استنكرت ذلك قائلة بانزعاج :
" ما بك ؟ كفي عن الجري "
إحتدمت زرقتا عينيّ استيرا وشدت بيديها على ذراعيّ الفتاة وأجابتها بحدة :
" أتعني لك عيارة مساعدة مجرم في ليلة قرب الميناء شيئا ما ؟ "
تدلت شفتا الفتاة تلك بعدم استيعاب إلى أن شهقت وهي تتذكر ببطء وجه استيرا
صاحت : " أنت هي .... "
قاطعها صوت اللطمة الشديدة التي اخترقت مسام خدها الأيمن وماكادت تستفيق من
هول الصدمة حتى دفعتها استيرا لداخل احدى الحجرات الفارغة وأنشأت تكيل لها الضربات السريعة مقتنصة فرصة عدم تمكن الفتاة من ردها مرددة بصوت متهدج صادر من قلب مجروح لتذكره الماضي :
" كنت وحيدة خائفة في ذاك الميناء لم يطلب أليك أحد مساعدتي لكنك فعلت ، لم اكن بحاجتك لكنك وعدتِ بإيصالي لمركز الشرطة في سيارة أجرة ، أيتها الكاذبة لم فعلت ذلك ؟ مقابل بضع دولارات ؟ ألم تفكري فيما قد يحدث لي ؟ إنك حقيرة .... "
لم تقوى ليندا على الدفاع عن نفسها أمام وحش الإنتقام الحزين فأغمضت عينيها راجية منها ان تتوقف ، لتخنقها إستيرا وهي تهمس بحقد :
" سلمتني لذلك المجرم مقابل مال قليل ، أتريدين اللحاق به للسجن ؟
أتريدين أن أشكو بك للشرطة كمساعدة له ؟ صدقيني هو بنفسه سيشهد ضدك لتكوني في السجن مثله ، اترغبين بذلك ؟؟ أجيبي !!! "
كانت ترى عينيها تنغلقان ولونها يزرق لكنها لم تتركها فكل لحظة تمر كانت تحمل اللحظات التي ذاقتها من ديفيد وتعذيبه بسبب هذه الفتاة ...
كانت لتقضي عليها لولا ذاك الصوت التي نادى من الخارج :
" ليندا أين انتِ الآن ؟ "
حيها فقط إستفاقت إستيرا وابتعدت عن ليندا مهددة :
" حاولي إخبار احد بما جرى هنا وسأسلمك بنفسي للشرطة "
مشت نحو الباب وفتحته آمرة إياها دون النظر لوجهها :
" لا أريد رؤيتك مرة أخرى ولو بالمصادفة لاني سأقتلك حينها فعلا
ومن الأفضل أن تعودي لمدينتك المقيته حتى نتجنب كل ذلك "
اغلقت الباب بشدة تاركة ليندا تتوعدها بوعيد لم تر مثله من قبل .

ـ

راقب راوند بعينين جاحظتين التقارير الأخيرة التي تسلمها حول حال الفروع
في المدن الغربية ، و التنبآت بقرب حدوث أزمة إقتصادية لن ينجو منها إلا
الأقوياء المخضرمون ، حك رأسه بقلة حيلة وهو يفكر
كل هذا يتزامن مع تلقيه إنذارا من جامعته لتكرر غيابته فإما ان يعود أو يطرد
هذه الأحداث المتتالية تطغى على عقله وتذهي نعاسه كل ليلة .
ركزّ عينيه على صديق والده الذي دخل عليه قبل برهة وسلمه ملفات جديدة
ناصحا إياه بالإسراع في إستكمال تنقيحها ، وماكاد يخرج بعد أن أكمل ذلك
حتى استوقفه راوند بقوله الهادئ :
" هل عليّ ترك الجامعة في نظرك ؟ "
أخذ الرجل وقتا طويلا قبل ان يستدير ليجيبه بإبتسامة زينت محياه :
" صدقني يا ولدي العزيز إنه مامن ألم يضاهي أوجاع ندم يخلد في الفؤاد على أمر
كان بيدك وضيعته حتى ألم الفراق ، ذاك لأن الموت يحدث رغما عن إرادتك أما ما ترميه بإرادتك فسيعذب ضميرك مدى الدهر - إن كان طبعا شيئا طيبا خيرا مفيدا -
لا تترك الجامعة بني ، يمكنك أخذ الإذن بإيقاف دراستك لهذا العام وعندما يتعود الموظفون على سيرورة العمل وتعود المياه لمجاريها يمكنك مزاولة اخذك للدروس بإنتظام
"
ترك راوند صدى صوت ذاك لناصح يتردد داخل عقله فيما خرج ذاك الصديق وعلى شفتيه ذات الإبتسامة .
حمل راوند هاتفه واتصل بأحد أصدقاءه
- مرحبا
- اهلا راوند كيف حالك ؟
- بخير وأنت ؟
- في أحسن حال ، هل قررت ؟
- نعم ، أظنني لن أترك الجامعة ، قررت قبلا فعل ذلك والآن اخذت نصيحة من
أحد أصدقاء والدي الذي نصحني بإيقاف دراستي لهذه السنة إلى أن تستقر الأمور
وتعود الاحوال لنصابها حينها يمكنني إكمال هذه السنة

- أوه ! هذه فكرة جيدة ، أنا سعيد لاك لن تترك الدراسة
- هل يمكنني طلب شيء منك ؟
- نعم ، ماهو ؟
- بعد ساعة سآتي للجامعة لآخذ الإذن بإيقاف دراستي مرقتا أريد أن أقابلك على الباب
- حسنا يمكننا ذلك ليس لدي محاضرة في ذاك الوقت .
- نلتقي إذن بعد ساعه ،
- وداعا
أغلق هاتفه ونهض مهرولا لسيارته ، إنه دقيق
في مواعيده جدا .

ـــ

تردني مكالمات من حين لآخر من راوند وعمتي فأطمئن عنهما ويطمئنان عليّ ، لكن لم أعد في الفترة الأخيرة قادرة على الحديث ، أحاول الاختصار قدر الإمكان في كلامي معهما فلا وقت لديّ لأضيعه ، كل دقيقه تمر سأحاسب عليها فيما بعد ، هذا يبدو غريبا بشكل ما ، لكن مع عودتي المتأخرة للدراسة صرت مشغولة أغلب الوقت ، صحيح أن راوند يرسل المال لي ويمنعني من العمل ، إذن لا شيء يلتهم وقتي ، إلا ان الاعتناء بالشقة و الإهتمام بمتطلبات ثلاجتي مع دراستي المضنية يكفون لإستنفاذ كل وقتي ,,,
مع أني امل كثيرا من حياتي المملة الرتيبة ، فضميري لا يسمح لي بالاستمتاع مع الآخرين ، لذا دوما أرفض الخروج مع زملائي الذين يدعونني كوني أعلم أنّ الوقت الذي سأهدره معهم سيكلفني الكثير فيما بعد من ساعات إضافية في الكد والسهر ، إضافة لأنني أثق أن عقلي لا بد وأن يسبح في بحر تخيلاتي ، وبدل أن أستمع واستمتع بما يقولونه سأشرد كثيرا مسبب الإحراج لنفسي و استغرابهم ، يكفيني أن العديدين لاحظوا غرابتي وأطلقوا بعض المسميات عليّ
كنكات يتضاحكون عليها من حين لآخر أثناء تناولي الغداء ومشيي في الممرات أو وقوفي بجانب خزانتي في الرواق عبارت ك
-كم هي غريبة ،
- إنها وحيدة دوما وترفض مساعدة غيرها أو قبول مساعدة الآخرين لها ،
-إنها لا تصادق أحدا
-لم تختال هكذا في مشيتها ، ألا تعلم أن الكل اغنياء هنا ؟ أتظن نفسها في مدرسة حكومية ؟
- سمعت انها تسعى الوصول لمراتب الأولى فهي لا تكف عن الدراسة
- تظن نفسها عبقرية
- يقولون إنها ضعيفة و تستطيع لعب الرياضة بشكل جيد
وغيرها الكثييير ...
بعض ما اسمعه أستغرب منه و أتساءل من هو الشخص المبدع ذو الخيال الكبير الذي قالها أول مره ، اما البعض الآخر من الكلام فأجده صحيحا ، لكني لا اعلم كيف يهتم
هؤلاء الأغنياء المتعجرفون بهذه التفاهات ! غريب حقا !

وضعت استيرا تفكيرها ذاك بعيدا وتناولت حاسوبها لتكمل بحثها التاريخي عن
حياة لويس الرابع عشر .

ـــــــ

في عتمة مدلهمة خيمت على كل أرجاء المكتب إلا من بعض البريق المتلألأ من إنعكاس نور البدر على جواهر فستان السيدة الأولى لذاك المنزل ، وهي تتمتم بثقة :
" لدي بعض الخطط ساحاول تنفيذها إلى جانب ما ستفعله أنت من أجل اخراج ديف
عل تود سماعها ؟ "
أجابها صوت أجش صادر من كهل أنيق :
" افعلي ما ترينه مناسبا إني أثق بك ، "
ثم انتبه وقال :
" مازال علي اخبارك أنك ستذبين غدا لرؤية ديف ذاك
ثم التقي في مكتبي على الساعة الثانية عشر بالمحامي الموكل على قضيته وسلميه المال"
حانت منها نظرة جانبية وهي تسأل بلا تعابير :
" سأفعل ، لكن هل تظن ان الأمور ستكون بخير ؟ لا أجدني مرتاحة لوقوفنا في وجهه
يا أليكساندر "
وكتلطيف للجو قال بمرح :
" لنذهب للسينما إذن فغذا يوم حافل "
اجابته بلطف : هيا إذن
وبينما انطلقت السيارة بهما عادت الزوجة تسأل :
- مازال في تركيا ؟
- نعم
- امتأكد من أنه لا يعرف خططنا ؟
- من سيخبره ؟
- تعلم انه داهية ؟
- إني أذكى منه
- إذن متأكد من انه لا يملك جواسيس في صفنا ؟
- ما هذه الأسئلة ؟ هل تشكين بي ؟
- ليس الأمر كذلك لكني أخاف أن نساق للسجن
- إنك لا تثقين بي أكثر من ثقتك في قوته
- لا تنزعج أرجوك ، إني أتأكد فقط
- كل الأمور بخير فلا تقلقي
- أرى أن تحاول إدخال جواسيس في صفه وفي لحظة حاسمة قم بالهجوم
- أخبرتك أني أريد الهجوم عليه من باب آخر
- وماذا إن فشلنا ؟ نحتاج طرقا عديدة صحيح ؟
- عدت تشككين فيّ مره أخرى ، لنوقف هذا النقاش
،
- حسنا ، آعتذر إن ازعجتك .
- لا بأس ، لنحاول الاستمتاع بالفيلم

ــــ





آلي :

جوش :

ليندا :

رد مع اقتباس