عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 03-23-2017, 08:19 PM
 
البارت الأول :

أن تتنفس لا يعني أنك حي .
نظرت من خلف الشفق تطلعت بعين الأمل إلى الأفق
الجميع يهمس يا ذات الحظ الأسود الذي خرج في الغسق
ليتني ءستطيع محو نظرات الإنزعاج و المتق التي تتبعني في كل درب و مفترق
ليت الحياة تنصفني و تبعد عني حظي الأسود الذي رافقني أمد الطرق
ابتعد واذهب فقد مللت وانكسرت من هذا الذل والوهن
ياشفق خذ ... خذ ماتركه لي الغسق ....


بدأت قصتنا في احدى المنازل الأمريكية التقليدية حيث يعم الهدوء حي ” وورتميل ” الصغير , لا شيء يعكر صفو هذا الهدوء الجميل الذي يغمر سكانه اللطفاء ، لا شيء على الإطلاق سوى ... سوى : صراخ امرأة ، من أين يأتي هذا الصراخ الذي يصم الآذان بحق الله ... آه طبعا و من غير عائلة ماير تصدر هذا الضجيج المزعج ، خرجت السيدة دادلي بردائها المنقط الفضفاض و شعرها الأشعث يتطاير غضبا و أتى العجوز اللئيم بيغو كالعادة ليوبخ المسكين جيرالد ماير على هذه الضوضاء رغم كونه يعاني من نقص في السمع إلا ان غريزته المحبة لإهانة الناس تدفعه إلى المضي قدما ، قرعت السيدة دادلي الباب القرمزي بقبضتها السمينة بضربات قوية اهتزت لها جدران المنزل ، انفتح الباب المسكين طوعا فدلفت الى الداخل و وراءها العجوز بيغو بالإضافة إلى كائن صغير متقزم ، إنها بتونيا التي تحب ادخال أنفها الكبير في كل شاردة و واردة ، عاود الصراخ يعلو :
“جيرالد .....!! أنا ألد .....!! ”

نظرت بتونيا إلى غرفة المعيشة التي تتوسطها امرأة جميلة مع بطن منتفخ ووجه متألم .
استفسرت السيدة دادلي :“ ماذا يحدث هنا جيرالد ؟“
أجاب جيرالد بصوت لاهث :“ المخاض اتى الطفل ... اعني سيسيليا ...”
قاطعت سيسليا بصوتها المتهدل :
“ جيييييرالد ....!!! انا سالد .... أووو ه ... إفعل شيئا ”

قال جيرالد بصوت مرتجف :“ كما ترون أنا سألد ... أعني هي من تلد أنا ...”
قالت بتونيا بسخرية :“ هل يحاول القول بأن زوجته ستلد ...”
علق العجوز بيغو باستهزاء :“ هذا ما يحدث عندما يتزوج الحمقى ”
انفجر كيس الماء اسفل سيسليا ، صرخت السيدة دادلي بحزم :
“ هيا فليتصل أحدكم بالإسعاف .. فورا ! يجب علينا أخذها للمستشفى ..”

سقط جيرالد مغشيا عليه من جراء الأحداث ، فقالت بتونيا بتضرع :
“ رائع من سينقذه هو الآن ؟“


تأخرت سيارة الإسعاف فاضطرت السيدة دادلي نقل سيسليا إلى المشفى بسيارتها الخنفساء الخضراء ، و لسوء الحظ علقت في زحمة السير و التي تسبب فيها حادث مرور و الذي تبين لاحقا أنه كان إثر اصطدام سيارة الإسعاف بشاحنة نقل البضائع ، ازداد الألم على سيسيليا فأمسكت بتونيا من شعرها و جذبته بكل قوة ، خرج صوت بتونيا عاليا ليتفوق على صراخ سيسيليا بجدراة تخيلوا صوت ملايين الكلاب و هي تنبح :“ جدوا لي زوجا و أخبروه أنني أحبه ”
علقت السيدة دادلي :
“ لا أظن أن هناك أحدا بهذا الغباء ليتزوجك عزيزتي !!”

و هكذا ولدت أنطوانيت الصغيرة في المقعد الخلفي لسيارة أكل عليها الدهر وشرب بين رائحة زيوت السيارات الكريهة و صخب المدينة المزعج ، و كانت أولى الوجوه التي تراها هي وجه السيدة دادلي المليء بالبثور ، و وجه العجوز بيغو المترهل و الذي لا يخلو من التجاعيد و لا ننسى كونه يغسل وجه المرء عند الكلام ، و الوصولية بتونيا ذات الأسنان المتفرقة .

نعم هكذا بدأت أيام بطلتنا أنطوانيت ذات الحظ الأسود .
فأول يوم لها في المدرسة كان كارثيا ، فقد سقطت على موخرتها في براز قذر تركه قطيع من الأبقار وكانت الرائحة لا تطاق فاضطرت للجلوس آخر الصف و ابتعد عنها جميع الطلاب و في طريق عودتها للمنزل تساقطت قطرات المطر بغزارة مشكلة بركا من الوحل ولم تسلم من الوقوع فيها بالطبع و قد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير و عند وصولها إلى المنزل تفاجأت أمها بشكلها الذي يشبه كمن سقط في المجارير فقالت بجزع :“ أنطوانيت !! ماذا حدث ؟ هل شاركت في الحرب ؟“
أطل رأس والدها جيرالد من خلف الأريكة مازحا :
“ ماذا ؟؟ بدون علمنا يا صغيرة ؟!”

قالت انطوانيت باستياء :“ مضحك جدا بابا ”
سيسليا موبخة :“ جيراالد !“

و هكذا مرت الأيام المحرجة و العديدة لتتحول إلى سنين طويلة ليغير الزمن أوضاع الناس فدوام الحال من المحال ، هناك من يهرم و يشيخ و من يكبر ليصبح راشدا مسؤولا و أصابع الزمن طالت بطلتنا فغدت زهرت جميلة ذات تسعة عشرا ربيعا بشعر كستنائي طويل تتخلله خصلات ذهبية لامعة و بشرة شاحبة تنافس الثلج بياضا ووجه مدور تتوسطه عينين بلون الكهرمان تشعان أملا لغد أفضل ، بالفعل بطلتنا الصغيرة خرجت من شرنقتها لتبهر الناظرين ولكن كالمعتاد لا يوجد أحد بهذا الكمال و نقص بطلتنا كان الحظ المنحوس الذي يرافقها ملتصقا كظلها الأسود ، فجمالها لم يشفع لها بل تنحى جانبا أمام حظها الأسود و السؤال هو :
^ هل ستستلم بطلتنا أمام مصاعب الحياة و تنهزم أم ستظل صامدة كشجرة الكستناء تلامس أعنان السماء ^ .

نعود الآن إلى حي وورتميل حيث الثلج يغزو الطرقات و يكسو الأشجار و زينة الميلاد تطل من أسقف البيوت و نغمات الكريسماس تكسر الهدوء ، كان الكل مجتميعن في منزل عائلة ماير و عندما أقول الكل فأنا أقصد السيدة دادلي التي ازدادت بدانة وكانت تحتل أريكة تتسع لشخصين بثوبها المنقط و شعرها الرمادي الذي يشبه سحب شهر يناير و العجوز بيغو الذي ازداد كبرا و عتيا تائه في عالمه الخاص الذي لا يعلم أحد ماهيته بالإضافة إلى بتونيا التي ازدادت حشرية واقفة قرب المدفأة تلتهم المقبلات و سيسليا وجيرالد عصفورا الحب الذي لم تخبو شمعته و لاتزال منيرة ، محتفلين جميعا بأجواء العيد .
سألت السيدة دادلي :“ إذن متى موعد سفر أنطوانيت ؟“
أجابت سيسيليا بحزن :“ بعد غد بإذن الله “
ربتت السيدة دادلي على يد سيسليا قائلة :“ كلنا نحب أنطوانيت يا عزيزتي ولكن الفتاة كبرت و عليها أن تعيش حياتها بحكمة .“
علقت بتونيا و فمها محشو بالطعام :
“ ها !!! تكلمي عن نفسك .. من يحب مغناطيس المشاكل تلك ؟“

قالت السيدة دادلي بعتاب :“ بتونيا !!. ”

بتونيا بتأفف :
“ بتونيا ...... بتونيا .... بتونيا ... ماذا ....؟ أنسيت ماذا فعلت بي .. في زيارتها الأولى أحرقت شعري .. لقد كانت في الثالثة .. أتصدقون .. الثالثة .. كيف يمكن لملاك صغير أن يفعل شيئا كهذا وزيارتها الثانية كانت كارثية لقد دمرت منزلي و استغرقت أسبوعا في تنظيفه بغض النظر عن تلك المرات التي لا تعد و لا تحصى ... ”

قاطعها العجوز بيغو بصوته الهرم :“ لقد ..كسرت طاقم أسناني ”
وجهت بتونيا نظرها لبيغو كمن يراه لأول مرة :
“ أنت هنا بيغو ... عليهم وضعك في متحف مع تلك الأثريات فأنت من جيلهم ، أمتأكد أنه ليس لك أقارب هناك ؟و لكن على أية حال تلك الفتاة كارثة متنقلة ولن أستغرب إن سمعت أن برج إيفل قد انهار ”

قال بيغو :“ أو أن نهر السين قد جف ”

ضحكت بتونيا :“ هههههه معك حق أو ربما أسوأ فرنسا كلها احترقت هههه ”
قهقه جيرالد فحملقت فيه سيسليا بغضب فلاذ بالصمت .
تدخلت السيدة دادلي بحزم :“ كلنا سنشتاق إلى أنطوانيت دون استثناء ”
قالت بتونيا باستهزاء :“ بالطبع سنشتاق إليها كثيرا ”
توقفت قليلا ثم أردفت و هي تصر على أسنانها :“ بالمناسبة أين جالبة المشاك...أعني أنطوانيت ؟ ”

أجابت سيسيليا :“ في المطبخ لقد طلبت منها احضار الكعكة ”
قالت بتونيا بجزع :“ اوه ياإلهي ماذا فعلت ؟ لن نتذوق تلك الكعكة أبدا ” و قد كان الحق إلى جانبها .
أتت أنطوانيت و في يديها كعكة لذيذة مغطاة بالشكولاطة الشهية و هاهي ذي تتقدم بثبات .... و تدخل الحظ الأسود مرة ثانية لتعلق قدمها بالسجادة الإسبانية قديمة الطراز و تعثرت خطواتها فطارت الكعكة في الهواء لتسقط على رأس جيرالد و تسقط أنطوانيت على وجهها .
انتفضت سيسليا بقلق :“ هل أنت بخير يا عزيزتي ؟“
قال العجوز بيغو بمليودرامية :
“أوه ... كانت كعكة جميلة و حسناء ماتت في عز شبابها ... لم أكن من أكلها ... أظن أني فقدت قدراتي ... يالها من نهاية مأساوية و حزينة ... لماذا الحياة قاسية هكذا ؟“

علقت بتونيا بغضب :“ لقد قلت لكم ، المنحوس منحوس ولو حمل فانوس ”
اعتدلت أنطوانيت واقفة والدموع مترقرقة في مقلتيها، وصعدت إلى غرفتها بسرعة .
لحقت بها سيسليا و دخلت غرفتها الصغيرة المرتبة فوجدها مستلقية على سريرها .
قالت مواسية :“ عزيزتي لا تعيري بالا لكلام بتونيا ”
“ لقد سمعت ماقالت يا أمي ”
“ الجميع يقول أشياءا لا يقصدها عند الغضب ”
“ على من أضحك أمي أنا مرض لا يجب علي السفر لن أنجح أبدا ..”
“ هيا عزيزتي كوني متفائلة .“
“ سأدع التفاءل لك و أنا سأكون واقعية و الواقع يخبرني أني لن أنجح أبدا ”
“ حدسي يقول لي أنكي ستصبحين عظيمة و امرأة ناجحة فقط عليك بالصبر و التحلي بالقوة و تذكري احساس الأم لا يخيب أبدا ”
حضنت أنطوانيت والدتها بعد أن ارتفعت معنوياتها .
“ هيا الى النوم يا حلوتي و أحلاما سعيدة ”

$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$

باريس ”جادة تشامبس اليسيس ”

باريس عاصمة لكل أنواع الأحلام تتربع على عرش السحر والخيال فهي أيقونة الروعة والجمال ، هنا بين طرقاتها و شوارعها تحتفظ بكل الأسرار العجيبة و الدفينة و هنا بين ممراتها العتيدة تقبع أعرق المعالم الأثرية وفي جادة :“تشامبس اليسيس ” و بالتحديد في مفترق :- مونتمارتي -: توجد أكثر ناطحات السحاب شماخة والتي تعود لأكثر العائلات عراقة في فرنسا هذا إن لم نقل أوروبا كلها :
# آل دي لويس دانجلو #

في أعلى طابق من هذا البرج السحيق والمتوج بغرفة الرئيس والمصممة تحت إشراف أشهر المهندسين لتليق باحد أمراء هذه الإمبراطورية العتيدة والمتجذرة فروعها في كل انحاء العالم تحتوي هذه الغرفة الواسعة على أفخم ماتراه العين من ترف باذخ : مكتب واسع مصنوع بالكامل من خشب الماهوغني الفاخر ولوحات ثمينة خططتها ريشة أعتى الفنانين أصالة من بينهم بيار لوميار و جورجينو كوارتز .

كان ظل يقف بشرود أمام منظر مطل على مدينته التي يعشقها بكل جوارحه ، مدينة ترعرع وكبر بين طياتها ، هذا الجسد الذي ينضخ بالرجولة الفرنسية الجامحة التي تعصف بخيال المراهقات ليكون هو فارس الأحلام ، فارغ الطول ذا شعر أشقر لامع وعينين انصهر فيهما الجليد وذابت زرقة البحرالأبيض المتوسط فصقلا بهالة سوداء أقرب إلى خضرة المرجان ، تنظران إلى جمال مدينته من أعلى أنفه الأرستقراطي الفذ وبعيدا عن كل معايير الجمال التقليدية التي إخترقها بذقنه الحاد ، كان يبدو على وجهه الصفاء و هو يحمل هاتفه الغالي يتحدث إلىشخص أقل مايقال عنه صديقه الصدوق .

خرج الصوت برخامة كل أسلافه العظام :
@ صديقي القديم كيف الحال في مدينة الملائكة ؟@

قال الطرف الآخر ببهجة وسرور :
“ لوس أنجلوس اسم على مسمى يا أخي وقلبي لا يستطيع فراق هذه الجنة يا فرانس ”

قال فرانس بنزق :
“ ولك جنتك هنا أيضا ، لا تنسى من أنت روبرتو فكما يقال الرجوع إلى الأصل فضيلة ”

تأفف روبيرتو :
“ لا تبدأ الآن في محاضرة المواعظ ولا تنسى أن تأتي و في يدك باقة والورد و انت ترتدي فستان زهري ...”
سكت محاولا كتم ضحكته ثم أطرد :
“ لا أكاد أصدق أني ربحت الرهان و سأرى فارنسيس العظيم مهان ، موعد طائرتي اليوم
فلا تتراجع عن السداد ”
كز فرانس بأسنانه محاولا كبح غضبه :
“ آل دي لويس لا يتراجعون عن كلامهم أبدا ”

ثم أغلق الهاتف ورماه بغضب على مكتبه ، كيف يسمح لنفسه بالتورط في هذا الرهان الغبي لقد جر بنفسه إلى الفخ و عليه أن يتحمل عواقب تهوره . رن هاتفه فأجاب زافرا :“ ألم تنهي ثقل دمك بعد ؟

تناها إلى سمعه صوت أنثوي :“ من الذي أزعج أخي هذا الصباح ”
“ غبي لا تلقي له بال ، كيف خطرت على بال أختي هذا الصباح ؟“
“ اتصلت ﻷذكرك بموعد العشاء الليلة في السابعة و في بيتي لاتنسى ”
“ و كيف أنسى طلب جميلة مثلك ، كيف حال الأولاد ؟“
“ لقد ذكرتني لم أحضر فطورهم بعد ”

غلقت الهاتف كعادتها دون أن تودعه ، ابتسم عنده تذكره لأخته جوانا التي رغم كل الثراء تنازلت عنه من أجل البقاء مع صهره بيرس متوسط الحال وهاهي تثبت أن قلبها أحسن الإختيار فهي الآن تعيش أسعد حياة رفقة زوجها الحنون وولديها التوأم كولين و كيفن .
تنهد بضيق عند تذكره كومة الأوراق المكدسة وبأسى عن المهزلة التي تنتظره في المطار ، شتم من بين أنفاسه لاعنا روبيرتو .

###################################

“ هل كنت تكلمين فرانس ؟“

قالت وهي تجهز الإفطار بينما زوجها يقرأ الجريدة كعادته كل صباح :“ نعم أيها الوسيم و هو قادم اللية ”
قال بحماسة الصغار :“ رائع !! أهو مستعد لهزيمة أخرى في الشطرنج ؟“
ابتسمت لولع زوجها للشطرنج الذي كان السبب في وجودهما معا الآن ، فلولم تهزمه منذ عشر سنين

التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 03-27-2017 الساعة 05:51 PM
رد مع اقتباس