الموضوع: Xll | إِثنا عَشرْ
عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 03-01-2017, 01:14 AM
 
.
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

.
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


من قال أننا لا نؤمن بالمعجزاتْ و هي أمامنا تُنسجٌ حروفًا من خيال
سارآيْ





* أزرق *


( لست مسخاً بل بلبلٌ بات بِكِماً لم يُعلم فن التغريد ،

أيـّا صغيري البلبل ، ألن تذهب في رحلة جوية قصيرة ؟

أين شغف التأهب ذاك للإقلاع والاستعداد ؟!

لم تولد بكِما وقد نعلمك درساً ما دمت تمتلك الحرية

لذا الاقفاص ليس مكانك الفعلي !

انهض ! لابد من ثورة تُشعل دواخلك !

لتؤمن بالمعجزات ! )

" جوين ! "

نشلت عينيّ بتثاقل من مقدمة الكتاب مُنزعجة لسطوة الصوت ومالكه ، لأصدم بوجه ذكوري كان على بُعد إنش من وجهي ، جعلني على وشك فعل ما لا يُحمد عقباه ، ولكنه منعني بإشارة من عينيه وأكاد أُجزم أني لمحت فيهما شرارةٍ واحساسٍ ألفته ولكنه ببساطه بعد ذلك رفع إحدى حاجبيه مُتحدياً بسؤالٍ مبطن : هل ستفعلينها هنا ولي ؟! كم أنتِ جريئة ! ، تلتها نظرة عابرة لمحتوى كتابي ومن ثم ابتسامة جانبية ، أي هي علامة لبداية مشهد درامي ساخر ببطولته !

" جوين ! هل تقرئين هذا الكتاب الغريب مجدداً ؟ ، مهلاً ماذا كان اسمه ؟"

تراجع للوراء و حك ذقنه بشرود وغاص بين ثنايا أفكاره ثم عاد للواقع " آه ، هل لديك قدرة عجيبة ؟ ، نعم لدي واحده وهي قدرتي الخارقة في الاستبداد ! " قالها وبكل فخر كفخره برجولته وعينيه تسطعان بدهاء متوقعاً أنني فهمت مغزاة ، آآه الرجال أمثاله صداع مزمن لي ! ، في الحال قذفته بما في يديّ عُنية إصابته ولكنه نجح بتفادي الأمر

" أنت فرعون مُستبد ! ولكن لا أعتقد أن فرعون كان غبياً لدرجة تفكيره بتذكر عنوان كتاب هو أمامه مباشرةً ! "

ضيق عينيه الخضراوين نحوي مُحذراً وبنبرة هادئة أجاب : " مخصوم من راتبك لهذا الشهر بنسبة 30% "

" عفواً ، ماذا قلت ! "

" أصبحت الآن 50% " و أدار ظهره متجاهلاً الانصات لردي متوجهاً لعرشه وعند باب الغرفة أردف مُضيفاً " آه كدت انسى ، لديك نصف ساعة لتكملي لي تلك الترجمة " حينها نظرت بهلع للملف الذي بات مستقراً على درج مكتبي من حيث لا أدري ! بينما أكمل حديثه " ووفد روسي سيحضر بعد ساعة لذا كوني مستعدة كفورية أيضاً و أخيرا الحقي بي للمكتب ، هناك ما احتاجكِ فيه ! " وهكذا اختفى عن الساحة ، أتساءل أهو ينتقم مني جراء رفضي لعرضه الثمين أم وسيلة جديدة للضغط علي ؟! ، لم تعد شخصيتي هشة كما كانت في الماضي الآن ليتلاعب بي ! ، ربتت على كتفي يد صغيرة لامرأة قزمة أحست بمعاناتي فنقلت بصري إليها ، أقبلت تُطمئنني " لا تغضبي جوين ، أعتقد أنه يُفضلك من بيننا لذلك يعتمد عليك كثيراً "

" بل تقصدين يستخدمني بكثرة ! ، حتى سكرتيرته الخاصة لا يطلبها كثيراً مثلي وبهذا الكم من الأعمال ذلك الطاغية ! "

وقالت الثانية :" منْ يقرأ كتاباً ذا ألف صفحة هذا الزمان و أثناء العمل ولم يتم طرده مع ذلك يتشكى ؟! لما لا تقدمي استقالتك وتوفرين لنا مقعداً نحن الجادون أيتها الزرقاء ! "

" باولا كفى ! "

" رائع الآن بات علي الاستماع لقزمة صغيره ؟ ، ثنائي غريب ! " ومضت في طريقها خارجة تقهقه عالياً وكأنها حصلت على جائزة اليناصيب ، نظرت بأسى لرفيقتي ، أعلم كيف هو الشعور عندما تبدأ بكراهية ذاتك لأنك مختلف عن الآخرين! ، حثثتها بلطف : " كاميليا ، ليس ذنبك أنك قزمة ولا يجب عليكِ أن تكرهي ذاتك لأن الآخرين يذكرونك باختلافك ، فلتجعلي هذا الاختلاف تميزا في صالحك ! "

نظرت إلي بتعبير قلق في عينيها الدامعتين وقالت :" وكيف أفعل ذلك ؟ "

" بطريقتك ! " قلتها بحماس عجيب فأمعنت النظر بي بدهشة وكررت عبارتي بمعنى لم تفهم قصدي ، و لم أكن حاضرة فكرياً لذا أدرت مقبض باب وأمسيت

بالكون خاصتي ..

بوصولي إليه توضحت الرؤية أمامي تدريجياً ، انسابت الأمطار بغزارة شرِهة من الثغرة المُفتعلة بعتمة الضباب نتيجة الصواعق بمدينة واشنطن ، وافتكت بجوارحي برودة لاذعة نسبة لطقسها المُتقلب المعتاد ، و لسببٍ أعرفه جيداً في نفسي لم يكن هناك ما يخيفني فاطلقت ساقيّ تتقتل عشوائياً بين أرجائها لشوارع شبة مألوفة حتى أضعت إدراكي بما حولي عندما التقطت عينيّ صورة لإحداهن من بنات حواء ، لم يكن مظهرها باعثاً على التساؤل بقدر لون شعرها بتلك الزُرقة النيلية الغريبة التي تناسبت مع بشرتها السمراء الناعمة ومُقلتيها الزرقاوين وكأنها جاءت من كوكبٍ آخر ، و اختلافها هذا جعلها غريبة وسط جموعٍ عاديه متشابه و بالنسبة لي غدت متميزة ، كانت جالسة بجانب نافذه في مكتبة صغيرة للكتب تحدق بِفزع المارة وتخبطهم هرباً يمنة ويسرة ، العجيب في الأمر أنها بدت وكأنها لا تراني بينما أنا واقفه في المنتصف بينهم نُصب عينيها ! .. أهي شاردة الذهن أم تتجاهلني ؟ ، ما إن دلفت للداخل حيث المكتبة في طريقي إليها حتى تحركت من مكانها فجأة ، أو بمعنى أصح .. اختفت وغابت عن ناظري لثانيه ثم بانت أمامي مجدداً ، حككت عينيّ أدقق النظر، هل أصبحت في الخارج الآن واقفه في نفس بقيعتي تلك ؟! ابتسمت بسخرية لردة فعلي وتعابيري المُندهشة ثم أشارت بإصبعها باتجاه ومضت في إثره ، تملكني الغضب وبدون وعي كدت ألمس الزجاج الفاصل بيننا لولا ذكرى أسرعت باختراق مخزن ذكرياتي مُرجعةٍ إياي لكارثة حديثة عهد ، ارشدتني لاختيار الطريق الآمن حيث المخرج للحاق بها وعندما وصلت إليها رأيت عُجاباً ، حدقتيّ تعرّفْت على لونٍ واحد ، الأزرق ! .. جدران زرقاء ، نوافذ المنازل المُطلة على الواجهة زرقاء ، سلة المهملات بنفاياتها زرقاء ، حتى مجموعة القطط التي تعبث في الزاوية زرقاء .. و ما أنا واقفه عليه .. الممر ! ، سأجن ! وضعت يديّ على رأسي أحاول السيطرة على صوابي ، وللمرة الثانية سخرت مني تلك الفتاة لحيرتي و نطقت قائله :" أستطيع مفاجأتك أكثر من ذلك ولكن قبل ذلك القي نظرة على هذا .. إن شئتِ " وضعت لي كتاب على الأرض ما إن نظرت إليه حتى انعدم وجودها وعادت الألوان الطبيعية لنصابها ، تركتني ضائعة ومشتتة الفِكر

" تباً ! " باغتني صوت من الخلف على حين غرة " ليس من اللائق لفتاة أن تشتم علنياً ؟ " نظرت للضيف مُنزعجة لتدخله ووجوده الحالي فأردف :" بحثت عنكِ بالمكتبة ولم أجدكِ وإذ بي أراك هنا بهذا الزقاق المتعفنٍ ، أنائمة هنا اليوم بدلاً عن شقتك المريحة ! " زقاق متعفن ؟! ، رمقته بنظرة حقدسرعان ما تحولت لتفحصيه لهندامه تحديدا لبدلته الكُحلية الأنيقة وربطة العنق بنفس الزرقة والقاتمة ثم قميصه الأسود ، كل ما به يبعث على الحياة ولكن بصورة ديجوريه منعكسة على خُضرة عينيه الباردتين و حرارة شعره المشمسة ، حقاً هو لا ينتمي لهذا الجزء من العالم ، ناهيك عن كونه ولد بملعقة ذهب في فمه ولا مبالاته تثير غيظي ! ورؤيته تثير حُنقي !

" فيما يخصك ذلك ! "

"آآه ، ينكسر قلبي لوجود إحداهن في هذا الطقس بالخارج تتسول ، هيا سأوصلك "

" شكراً ، لا أريد "

" إنها الحادية والنصف و لن تجدي حافلة ولن أقدم العرض ذاته مرتين لذا .. "

" حسنا فهمت ، من الواضح أن لديك ما تقوله لي " انصعت كارهة لرغبته فنشلت ذلك الكتاب ثم ركبت سيارته ، ما إن أدار المحرك وانتبه لما في يدي حتى قال :" ما هذا الشيء الغريب الذي بحوزتك ! "

" ألديك مشكلة في النظر ، ماذا تحسبه إنه كتاب ! "

نظر للغلاف وقرأ اسمه :" هل لديك قدرة .. خارقه ؟ " فغر فاهه دهشة وكتم ضحكة ثم اكمل :" بدلا من تضيعي وقتك بهذه الأشياء التافهة ، اقبلي عرضي وقد تتعلمين مباشرة "

" ألم تقل للتو أنك لا تقدم العرض نفسه مرتين ! "

"هنالك دائماً حالات خاصة .. "

" للأسف لن تتغير اجابتي .. "

" جوين ، مرت سته أشهر بالفعل منذ الحادثة ، وأرى أنكِ بدأتِ تتأقلمين و حالتك النفسية قد تحسنت والأمر سيفيدك في صقل قواك ، فلما العناد ؟ ، أأنت خائفة ؟! "

"قلت حادثه أضف إليها كلمة فظيعة !، ستة أشهر لن تكفي لعلاج حالتي النفسية بل حتى سنوات لن تجدي نفعاً ! ، أنا بالكاد بت أخرج من شقتي ! ، يمكنك أن تُسمي ذلك خوفاً فأنت لا تدرك مدى قوتي وما يمكنني فعله ، و عميل سري مثلك ليس بحاجة إلي لذا اعفني من التُرّهات أن هنالك مخلوقات فضائية أو كائنات عجيبة قد تظهر من العدم وعندها سيحتاج العالم لبطل فلست طفلة صغيرة ذات عشرة أعوام في عصر سوبرمان أو سبايدرمان .. ويمكنك أن تضيف بقية الأبطال للقائمة إن شئت ! "

"هل انتهى خطابك !"

"حسناً أعتقد أنني وصلت لوجهتي ، أنزلي هنا "

" جوين ! "

" وداعاً هال ، و طاب مساءك "

" على الأقل استمعي لي ! " أغلقت باب سيارته ورميت باحتجاجاته عرض الحائط ، سرت ما تبقى لي من مسافة لشقتي وما إن أصبحت بداخلها حتى تنفست الصعداء ، اتخذت دُشاً سريعاً ثم عُدت لشاغلي ، أتمتم لنفسي : الآن بات باستطاعتي القراءة ، جلست بأقرب أريكة وفتحت الكتاب ثم شرعت أقرأ مقدمته ولم يقاطعني سوى توهجٍ مزعج سطع من العدم و سحبني بسرعة خيالية وفي رمشة عين انتقلت للا معلوم ، بين الظلمة المفترسة للبصر، انبلج جسم غريب من تلقاء نفسه متخذاً شكل فوهة عجيبة اتسعت عرضيا لابتلاعي ليحدث تالياً أسوأ سيناريو ، أنـا على وشك الهبوط على رأسي مباشرة في مكان غلب عليه السواد ، انفلتت صرخة مني مستنجدة لمحاولتي البائسة في المناورة أثناء تحليقي المشؤوم لأنني لمحت هيئة رجل تبتعد عن طريقي أو بمعنى آخر تُفسح لي المجال ، يا لشهامته بدل أن يمسك بي ! وحدثت المأساة ! أصبحت جبهتي لصيقة الأرض ! ، حاولت أن أعيد توازني ويديّ مُستمرة في العبث بجبيني في محاولة لتخفيف حرارة ألم السقوط ، انشغلت بالوضع الجديد أمامي فتناسيت القديم ، نظرت حولي أقيم المكان ، سواد مُهلك لفراغ لامتناهي وبالكاد هناك ضوء في المنتصف يسير للرؤية ، ربما أنا بغرفة سرية !، ثم رجل بجانبي بيض البشرة بشعر بني مُشوب بالحمرة ، يرتدي بدلة كلاسيكية ، دقائق حتى وصل آخر قمحي البشرة بلا قميص ! وقد نجح في الهبوط بعكسي ولكن أحدهم لم يدعني اهنأ بنسيان الذكرى السابقة ، صاح بلامبالاة بحماس يرحب به :

" ها هو ذا واحدٌ آخر وهو لا يرتدي قميصاً حتى .. هبوط ممتاز يا سيد ليس كبعض الأشخاص "

تلفت المعني لينظر لمخاطبه الذي ختم كلامه بقهقهة عالية ، موزعاً نظرات تساؤليه عن وضعه و هويتنا ، و حينها كنت منشغلة بضرب الأحمق الذي فضحني ! حتى سأل قاصداً البوابة الدائرية التي خرج منها :" ما كان هذا ؟ .. ولكن " اقتطع عبارته لتعجبه لشيء ما ، فسرته على أنه ربما مندهش لإنجليزيته كونه بدا آسيويا ، أجبته بتردد :" أعتقد أنها بوابة ما .. ويبدوا أننا جميعاً نتحدث الإنجليزية بطلاقة هنا"

جعد الثاني أنفه :" لم أحبها يوماً "

وتشجع القمحي موافقاً قوله :" ولا أنا "

ثم بادر بالتعريف بنفسه وتلاه الآخر " أدعى زيرو"

" وأنا تشاز أوريفيل " ونظروا ناحيتي قفلت : " وأنا جوين "

ولا اعلم السر ولكنني رغبت بالخلو والابتعاد عنهم ، ظللت بعدها أرقب تلك الدوامة الإهليجية التي تقذف بالقادمين واحداً تلو الآخر ، و احدى عاداتي السيئة قادتني لأتطفل على ضيف جديد بدا لي مُسلياً لأني وجدته غريباً وكنت أشعر بالملل والنتيجة أنه صفعني مجازياً على وجهي مُهستراً كأني مسخ ! مما أعاد فتح جِراحي لذا لزمت الزاوية و امتنعت عن محاولات الاحتكاك المبادرة من طرفي ، حتى اكتمل العدد و قال عجوز ظننته شبحاً إذ لم الحظ وجوده مذ البداية :" اكتمل العدد " وذكر عبارة ثانية بعد جلبة ما حثتني على الاستكشاف :" على الأرض هُناك اثنتي عشر رُقعة " وواصل شارحاً :" تتصل كلها عند نقطة مركزية"

تابعت شرحه وصولاً للدائرة المحفورة على الأرضية حتى تلك النقوش لجملة لاتينية ، بدون وعي قرأتها بصوتٍ عالٍ :"غير حاضرك وسأمنحك حياة أخرى "

وفجأة بدأ يتغير شكل الغرفة الهندسي وانقسمت لاثنتي عشر زاوية ، كل منها تواجه فرداً منا موصلة لباب على مدخله عبارة بلغة الأم ، وشدتني احداها علمت أنها موجهة لي لمقصدها وانفصل عقلي عن البقية " لست مسخاً ، بل بُلبل بات بِكماً لم يُعلّم فنّ التغريدْ ، فهل تُؤمن بالمُعجزات ؟ " اجبت في نفسي ، لا ، لا أؤمن بالمعجزات ! ، وخطوت نحو الباب وأدرت المقبض لعالم ثان !

***

نسيم عليل محملٍ برذاذٍ متمرد لسحبٍ عاتية ، و خضرة عشبية متنوعة مد البصر ، و أشجار مُحرسة للحماية على كِلا الجانبين ، و لون بُندقي افترش الأرضية لطينية رطبة ، وضوضاء لكائنات متعددة لا شك أنها ترحب بالزوار أمثالنا ، ولا عجب أن جدي اختار هذه الغابة بغرض الدراسة لجمالها الفاتن ! ، بت افهم سر رغبته المخيفة بالقدوم .. ولكن ألم يستغرق أمر ذاك البحث وقتا طويلاً الآن ؟! ، القيتنظرة ضيقة لمكان جدي و خطيت تجاهه وأنا أتساءل ، لما بحق الله هو مُستوٍ تحت وطْأة تلك الشجرة بلّيِنٍ تام ولما عليه أن يكتب بحثه هناك !

" جدي ! ، ألم تنتهي بعد من كتابتك لهذا البحث ؟ ، نحن هنا منذ ثلاثة أسابيع كما تعلم ؟ "

حدق بي جدي ثوان ثم عاد لمزاولة الكتابة ببحثه ولم ألمح في ملامحه ما يخبرنني بما يدور في ذهنه فزادت حدة ضيقي وواصلت أتشكى :" جدي ! لو علمت أنك حابس إياي في قفص لما جئت معك !"

" جوين أنت تتذمرين كالأطفال ! منْ قال أنه سيموت من الضجر وبحاجةٍ ماسة لإجازة ؟"

" ولكن غابات الأمازون حتماً خيار فاشل ، جدي ! ، لا عِلم لي ! ، بينما أنت جالس هنا ربما يظهر قرد الشمبانزي أو الغوريلا من حيث لا أدري ، ماذا أنا فاعلة حينها لحمايتك ؟! "

ضحك الجد لقلقي وخوفي البائن للعيان وقال يطمئنني :" أقلت قرد الشمبانزي والغوريلا ؟ إذاً أنت لا تخافين من الأسود والأفيال والصقور وبقية الحيوانات الأخرى ؟! " أردت أن أجيبه ولكنه لم يسمح لي " على كلٍ جاك برفقتنا ومعه أصدقائه وهم يراقبوننا من تلك الزاوية " وأشار بيده للمكان ثم تابع " ولديهم بنادق في حال اقترب أي حيوان ناحيتنا ، لذا لا داعي للقلق ! " مع قوله هذا اطمئن قلبي قليلا :" مع ذلك الحذر واجب ، و هل بقي لديك الكثير لتكمله ، هل ستحتاج لأسبوع آخر ؟ "

" ربما ، آسف عزيزتي "

" حسناً سأنتظر ، إذاً إن لم يكن لديك مانع هل استطيع العودة للمسكن لبعض الراحة؟"

"بالتأكيد اذهبي ، خذي معك أحد الرجال ليصحبكِ لهناك "

" لا تتأخر بالعودة جدي "

عُدت أدراجي بحثاً عن قيلولة وبعد أن تنزهت بموطن الأحلام لبعض الوقت افقت من نومي على إثر جلبة خفيضة صادرة من الأسفل ، نظرت بكسل للخارج حيث النافذة قد عم المساء ، هل نمت كثيراً ؟ ازحت غطائي ورتبت الفراش بيد عجولة وهبطت الدرج وعلى حركتي التف رأسين باتجاهي، أحدهما لامرأة في عقدها الثالث ، ماري ، والثاني كان لطفل صغير في حوالي التاسعة ، سيمون ، ما إن اقتربت للمائدة حتى قالت ماري تخاطبني :" جوين مساء الخير، أتمنى أنني لم ازعجك أو هذا الشقي ! " ابتسمت ناحية الصبي وعبثت يدي بشعره الأسود الكث و قلت :" لا لم انزعج ، ينبغي علي أن أفيق و .." بترتجملتي لملاحظتي للمعان برقيّ سطع من خلال النافذة ظهر كوميضواختفى ثم اتبعه صوت رعد جهُوري افزعني و الصغير بجانبي فضممته إلى صدري ، وفجأة تذكرت أمراً مهماً :" ماري ، ألم يعُد جدي والبقية للمنزل بعد ! " هزت رأسها للجانبين نفياً و قالت :" ولكن لاشك بأنهم قادمون ، لا تخافي " الخوف وجد منفذاً لقلبها وبات بادياً على وجهها أعراضه فكيف تطمئنني ؟ أردت أن أتشبث بتلك الكلمات وأؤمن بها ولكن بباسطة لم استطع ، ماذا أفعل لشعور نذير الشؤم بداخلي ؟ وماذا أنا صانعة على أي حال ؟! ، انتظرت قدومهم بصبر لم امتلكه يوماً حتى تعدت الساعة الثامنة ، بقيتُ ساعتين أناشد الأمل حتى أعلنت لنفسي : ذلك يكفي ! ما عدت أطيق صبراً، ذهبت لغرفة ماري وتناولت بندقية كانت فوق خزانتها بها ذخائر جاهزة وحملت بيدي الثانية مصباح ليلي ثم خرجت من المنزل ، لم أعلم أي جنون اعتراني حينها ولكنني رفضت أن أكون لقمة سهلة للظنون الشائكة ! ، ركضت ابحث في الأرجاء القريبة تاركة غيث الأمطار تغسل همومي علْها تهدئني و شيئاً فشيئاً شذ اتساع المسافات وتباعدت وتوغلت للجوْف حيث الجزء الخطِر من الغابة .. اهملت كل التحذيرات المنذرة بالسوء مُنصته لتهوري ، لحين تحركت أُذنيّ طرباً لنغمات مُهشمة لشجاعتي الزائفة ، أولاً تفعْل لحن عواء ذئاب ومن ثم تغير الإيقاع لزئير أسود واستقر الحال على حركة رفرفة لأصناف من الطيور لم أتبين مكنونها ، و لم يكن كل ذلك في حُسباني فعلياً فاتخذت اتجاهاً آخر هلعاً وفي وجهتي تلك لمحت زُرقةمُتحورة اخترقت شجرة أمامي على بُعدمتر وما شاهدته رفضه منطق عقلي ، انْصت لغريزتي في الفرار لجهة ثانيه بيد أنني اخترت اتباع رغبة مُلحة برفع رأسي لأعلى حيث تلبْس مقلتيّ السوداوين تلك الزرقة وفي أقل من الثانية وأحسست بلسعة أقرب للسعة العقرب وليست بلسعة ، اتبعها تخدير ببنجٍ كامل من الألف للياء لكل شبر ونقطة بجسدي ،اسدلت جفنيّ مُستسلمة لقدري ..

وعلمت أنني بقيت ساكنة الجسد كالجثة لوقت غير مُدرك حتى بدأ مفعول المخدر بالزوال واحسست بثقل ارتكز على جفنيّ ثم انْتُشل بفعل فاعل فرفعت الستار بجهدٍ جهيد ، وحطت مُقلتيّ على مقاربتين ألفتهما الشمسٍ الدافئة ، لم يسبق أن رأيت لهما مثيلاً ، انتبه صاحبهما لحركتي فصوبهما نحوي وبعث من بينهما حرارة غدت مؤذية فجأة لصنيعه ، ضغط على كتفيّ لأسفل لاستند على السرير والزم مكاني قائلاً :" يسعدني أنكِ افقتي أخيراً ، كنتِ غائبة عن الوعي لمدة أسبوع ، مع ذلك ما زلت بصحة جيده وبخير كما أرى ، ولكن لا بأس ببعضٍ من الراحة "

" أريد كأس ماء " ثلاث كلمات هي كل ما تمكنت من نطقه حال استيقاظي ، منحني الكأس فشربته دفعه واحده وارجعته له ثم صب لي آخر فرفضته ، سألني بصورة ملتوية ليقيس ما إن كنت أعاني من خطبٍ ما وللأسف فهمته :" ما اسمك ؟ أنا ادعى هالفن ، يمكنك مناداتي بهال " تجاهلت قوله :" أين دورة المياه ؟ " لمحت خيطاً من التوتر بان في عينيه سرعان ما اختفى و دلني إليها ، لم أكن بحاجه لدورة المياه بل لإعادة التفكير بما حدث معي ! ، ماذا قال للتو .. كنت غائبة عن الوعي لمدة اسبوع و أبدو بصحه جيده وبخير؟! ، أيمزح معي ؟ ، كيف أنني على قيد الحياة ، ألست في حلم ؟ ، دخلت لغايتي وأوصدت الباب ورائي ثم نقلت بصري للمرآة صوبي ،

" هل هذه أنـا ؟! " سألت انعكاسي .. واقتربت أكثر و دققت النظر لعيني الزرقاوين وتلمست شعري البرقيّ بتوجس ، من شدة هلعي فقدت المنطق وكنت على حافة الجنون حتى لم أصرخ كردة فعل طبيعية في حالتي بل بدون وعي مني وضعت يدي على المرآة واستجبت لطاقه سرت بداخلي مُشكلة هالة زرقاء تباعاً حوطتني ثم تحطم وتناثر كل ما هو حولي على المدى القريب وكأنني قنبلة انفجار نووية ، حدث كل ذلك في أسرع من الثانية ، ما كنت اقبع بداخله لأسبوع بات حُطاماً رُكاماً بفعلتي ، و قبل أن استسلم لنوبة الصداع التي غزت عقلي كنتيجة وكنت على وشك اسدال ستار جفنيّ ثانيةً ، لمحت ذلك الغريب يقدم نحوي من زاويةٍ ما ، علمت آنذاك أنه ليس برجلٍ عاديٍ ابداً !

***

خرير المياه وصفير البلبل ورائحة الحشائش المُبتلة عبثتا بحاستيّ السمع والشم لدي ثم تدخل عنصر ثالث لإيقاظي ، تلك الشمس الذهبية وضيائها ! قلت أخاطبها :" دعيني وشأني أيتها الشمس ، فلتسلطي طُغيانك بمكانٍ آخر ! " لا شك أنني أغضبتها بقولي هذا لأنني شعرت بألم حاد عبر كياني أرقصني رقصاً شرقياً وغنيت أغنية تباً واللعنة ! ، ثم سمعت صوتاً قريباً مبحوحاً يقول :" لا ترحب بالضيوف بصعقهم لاختبارهم .. أصفر ! "

أصفر ! ، كررت الاسم بذهني و على الفور فتحت عيني ونظرت للشمس التي حسبتها شمساً ، لم أظنها ستتجسد في هيئة صبي صغير، لديه هالة تحتضن جسده مماثله لخاصتي الفرق فقط في اللون ، ثم شعره الأشقر المُشع وعينيه الـ.. أسقطت فكي من هول الصدمة ، وصرخت :" عينيك صفراوين ؟! " عبس في وجهي فتلفت بالمكان حولي أوزع نظراتي وانتبهت إلـى .. لا يمكن أنني أحلم ثانيةً ! متأكدة أنني عبرت من خلال باب غريب فلماذا أنا هنا ؟ بهذه الغابة ! وكأنما قرأ كهل كان جالس بصخرة صغيره قرب النهر وساوسي منْ تدخْل سابقاً ، أقدم ناحيتنا بعصاته الخشبية وقال :" هل رأيتِ هذا المكان من قبل " تجاهلته لعدم رغبتي بالتذكر فناداني :" جوين ؟"

رسمت تعبيراً ضيقاً على وجهي مطالبا بالتفسير فأردف :" أليس من العيب والفظاظة بمكان أن تطالبيني بالتوضيح في حين تجاهلك لسؤال سابق ؟ "

غاضني أسلوبه أيحاول هذا الهرم تعليمي درساً في الأخلاق الآن ! ، صوبت نظرة حنق نحوه وقُلت بعيني وكأنه سيفهم مغزاي : كيف تمكنت من معرفة اسمي ، لدي الحق بالمعرفة وتجاهلت السابق لأنك حشرت أنفك بما لا يخصك ! ، ثم استقمت على رجليّ ونفضت الغبار عن ملابسي وأدرت ظهري له وما إن كدت أذهب حتى قال :" هذا الكتاب يخصك ألن تحمليه برفقتك ؟ " رفع الكتاب باتجاهي يُأرجحه يمنة ويسرة بالضبط كما يفعل مالك الكلب بعظمته لمناداته ، رائع ، أأصبحت حيواناً في نظره ؟! ، جوين ، سيطري على نفسك إنه مجرد كهل لا ترتكبي جريمة ! :" هلّا رميته إلي ؟"

"بل تعالي وخُذيه بنفسك "

أطلقت آهه مُتعبه ، هو يفتعل شجار معي بالتأكيد ولكن كم يبلغ من العمر ولما يفعل ذلك معي ! ، ذهبت ناحيته و قبل أن اسحب الكتاب انبست عبارات من بين شفتيه :" أنا لا أحشر أنفي بشؤون الآخرين دون سببٍ معين ستشكرينني لاحقاً " هنا ، نفذ صبري ! ، ماذا أيقرأ الأفكار ، أهنالك مسخين الآن غيري ! ، سحبت الكتاب من بين يديه بالقوة وكدت أسير في طريقي فأوقفني قائلاً : " تريدين الخروج من هنا والعودة لمنزلك؟"

" أجل "

" إذاً ابحثي عن المخرج أو اصنعي واحداً ! "

" ولكن .. " قاطعني ليضيف :" هناك كوخ هنا بالجوار إن شعرت بالتعب يمكنك أن تنامي فيه و حظاً موفقاً صغيرتي "

" حظ موفق ؟ ، فيم ؟! "

ابتسم الصبي بجانبه بمكر ثم اختفيا كليهما من أمامي ، هكذا فقط ! ، وترك لي ذاك الجد رسالة خلفه تقول : ( عندما تصبحين عازمة على الخروج من هنا نادني باسم باو ..) ، وها أنا أعيد قراءتها الآن للمرة العاشرة بيومي الثالث ، كل ما توصلت إليه أنني وجدت المخرج ، نظرت بسخط للحاجز الشفاف المستقر أمامي ، حاستي أخبرتني أنه باستطاعتي الخروج لو تخطيته ولكن أول محاولة لي في اختراقه بائت بالفشل و جعلتني أتراقص يومين بسبب تلك الشرارة الكهرومغناطيسية في واجهته غير المرئية ، إنها أسوأ من صعقة الصبي لذا هي بالطبع من صنيع الجد ، ولولا أنني امتلك قوى غريبه للقيت حتفي ، مشكلتي أنني لا اعرف كيف استخدم قوتي من على البُعد سوى عن طريق اللمس ولا استطيع فعل ذلك حالياً لأن تلك الشرارة تعيقني ، وقد بقي لدي حل واحد لمعضلتي وهو :" أصفــــــــر !"

ما إن صرخت باسمه حتى ظهر من العدم كعفريت وعلى محياه ابتسامه ساخرة:" كُتب بالرسالة اسم باو وليس أصفر فلما ناديتني ! "

" لا أعلم ربما لأنك مثلي ، وبما أنك تراقبني فهلا ساعدتي ؟"

رد ببساطه قائلا:" ليس عليك سوى أن تُحدثي فجوة في هذا الحاجز وينتهي الأمر"

" أنت تجعل الأمر سهلاً ، أعلم بهذا ولكن لا اعرف كيف أفعل ذلك "

" ركزي ثم فكري بقواك وحاولي "

أعدت تكرار عبارته ثم طبقت نصيحته والنتيجة لم يحدث شيء ، نظرت مستاءة ناحيته :" أتمزح معي ، لم يحدث شيء ! " وبخته .

هز كتفيه قائلاً :" غريب ، الأمر نجح معي بأول محاولة ، ربما أنتِ فاشله فحسب "

" ماذا تعني بفاشلة ؟! ربما لم تشرح لي جيداً ! "

" أأنت غبيه ماذا هناك للشرح ؟! ، حاولي التركيز ومن ثم فكري بقواك وستشعرين بالطاقة تسري بداخلك .. ربما في حالتك هذه عليك فعلها مراراً وتكراراً "

حسدته لقدرته على فعلها من المرة الأولى وكونه يمتلك هذه الثقة فسألته :" أنت لم تواجه صعوبات كثيرة في حياتك ، أليس كذلك ؟"

" همم، هل لأنني طفل تعتقدين ذلك ! "

أطبقت شفتيّ عاجزة عن الكلام وتهربت من رؤية مُقلتيّه فواصل حديثه :" عينيّ على سبيل المثال لم يكن من السهل العيش بها وفي سني ، وأيضاً الجد باو ساعدني لذا بات حالي أفضل"

تمعنت بمقلتيه الصفراوين مطولاً أفكر، بالرغم من غرابتهما إلا أنهما مميزين بجانب لون شعره ، تساءلت في نفسي : ترى هل كانت تتم مضايقته بمسخ مثلي لغرابة لون عينيه ؟ ، وصدق حدسي عندما أكد لي تساؤلاتي مُستفسراً قائلاً :" هل هناك ما يثير اهتمامك بشأن عينيَ ؟ "

ابتسمت وقُلت :" نعم ، هل تغير لون بصرك و شعرك إثر حادثة مثلي ؟ "

" أجل " وضع يده على فكه مفكراً بشأني و قال :" قياساً على لون شعرك الغريب كعينيّ ، أنت تتحكمين بالماء أو البرق ، أليس كذلك ؟ "

" ماذا تعتقد أنت ؟"

" همم ، البرق ! ، فما أمكنك تحمل صعقتي لو أنك مائية ! "

وبنهاية عبارته عاد للعبة الاختفاء وتركني أُنبش أفكاري ، ثم تذكرت كلماته عن الجد باو ، إذاً الجد كان من زرع الثقة به ، ولكن وضعي مختلف ! ، أمضيت ما تبقى من النهار للمساء أحاول وفي الليل خلدت للنوم .. بطريقة ما بدأت اعتاد على وضعي الراهن ، كل يومٍ يمر تخف حِدة مزاجيتي ، بل أصبحت استمتع بتغيير مكان نومي بدلاً عن الكوخ أصبحت أنام في العراء بت أتمتع باستهداف بُقعٍ مُتجددة و لم أتوقع أن بتأقلمي هذا سأزعج أحدهم سواي ! ، حتى ذات صباح .. ربما في اليوم العاشر ، ضايقتني كُلته مشتعلة لسبب لم افهمه ، رمتني من على شجرة كنت استريح بها و عكرت صفوي وبطبيعة الحال ثرت بها :"اللعنة ! كدت تقتلني ! "

التمعت حدقتيّ الصبي مُطلقة أشعةٍ صفراء مُرعبة استهدفتني ولدهشتي نجحت غريزياً بتجنب الإصابة لسرعتي الخارقة ، ولكنه سرعان ما أطلق انفجاراً ثانياً أشد وأسرع من السابق ، فحركت يديّ للأمام في وضعية دفاع وتخيلت أنني أحاول دفع شيء ثقيلٍ مُستقر أمامي ، فتشكلت هالة زرقاء من الفضاء و في الوقت المناسب انقذتني ، وبصنيعي هذا توقف الصبي عن مهاجمتي ، جثثت على ركبتيّ التقط أنفاسي بينما قال هو :" لو أنكِ بذلتِ جُهداً سابقاً كما فعلتِ الآن لأحدثتِ ثُقباً بذاك الحاجز وخرجتِ "

اعتراني الغضب لصنيعه وكلامه فلم أشعر بنفسي أو بيدي التي أقدمت على صفعه بقوة ، تركت حُمرة تتوسع بنفوذها على بياض خده الأيمن ..وقلت لنفسي : كان بإمكانه التحرك ، فعل شيء ..لم تكن غلطتي ، إلا أنه لم يقل شيئاً بالمقابل فقط .. اختفى .. أحسست بغصة في حلقي وحجبت الدموع رؤيتي ، لم يدفعني أحدهم قط على فعل ما لم أرغب بفعله سوى هذا الصبي !

لماذا هو مهتم بي لهذه الدرجة حتى أنني لا أعرفه ؟!

حاولت العودة لركني المعتاد إلا أنني شعرت بتأنيب الضمير يحتضر، و الوقت يتباطأ لنرفزتي وقد مللت في نفسي من هذا المكان وهذه الغابة .. أبيت الاعتراف بالحقيقة لإدراكي بما عليّ فعله ، لست بحاجة لمساعدة أحدهم .. لأنني لا أريد ! .. بيد أنني أرغب بالخروج حقاً .. فنفذت الحل الأخير المُتبقي " بــــــــاو " إلا أنه لم يجب ولم يظهر فناديته مراراً حتى أرهقت حبالي الصوتية ، جلست على العُشب المُبتل بجانب النهر و سخرت من ذاتي قائلة :" رائع ! ، عندما أحتاج للمساعدة لا أجدها والعكس !" لدي قولي سمعت مجيباً :" هل قررت هجر عِنادك واخيراً في سبيل الرحيل عن هنا "

" ماذا علي أن افعل ؟ "

ظهر واستوى بجانبي وقال :" مثلما فعلتِ للتو "

أدرت رأسي ناحيته و قلت :" هل كنت تراقبني ؟"

" أجل ، قد طلبتِ منكِ مناداتي لدى حاجتكِ لي ، لذا بالتأكيد كنت أراقبكِ "

" لما لم تمنع ذلك الصبي عن أذيتي إذاً !"

" لأنه لم يكن ليفعل ذلك "

" كاد يفعل لولا أنني تداركت الموقف ! "

" قد لجأ إلي لأساعدكِ فكيف يؤذيكِ "

"هــاه ؟! " تعبير أبله استقر على وجهي ، كيف يمكن أن يلجأ إليه بشأني وأنا لم يسبق لي أن رأيته من قبل ؟ ، سألته مجدداً ": أيها الجد أنا لا أعرفك ولا ذاك الصبي ولم يسبق لي أن قابلت أحداً لديه قوى خارقه مثلي فكيف تدعي بمعرفته لي!"

صحح قولي :" أنا لا أمتلك قوى خارقه ، ولا أكذب البته ! "

" ولكن .. "

" إن استطعت اختراق الحاجز الآن سأرجعكِ بنفسي "

" ذلك ليس بالأمر الهين ، ما فعلته سابقاً كان محض صدفة "

" كم أنتِ متشائمة ! " عبست بوجهه ، على وشك التذمر فقال :" تذكري ما قاله لكِ أصفر وما فعلته للدفاع عن نفسكِ .. "

رجعت بذاكرتي للخلف حيث المشهد ثم قلت :" ركزت ، وفكرت بقواي ثم تخيلت وضعاً ! "

" أحسنتِ بتِ تعلمين بالمفاتيح الآن !"

" ولكن أصفر لم يقل لي أنه كان علي التخيل لأتمكن من استخدام قوايّ بنجاح ! "

رد الجد يجيبني وطبطب على كتفي قائلاً :" لا تكوني قاسية على الصغير ، هو لا يحتاج للتخيل لاستخدام قدرته بينما أنتِ تحتاجين فهل لديك فكرة عما هي قواه ؟ "

" همم ، ألا يتحكم بالرعد ؟ "

" أحسنتِ التخمين ، أرى أنكِ فكرتِ بالتشابه بينكما لتحللي نوع قواه " نهض على قدميه ومد يده نحوي وقال :" أمسكِ بيدي " انصت إليه وأمسكت بيده فظهرت في وجهة أخرى في ثانيه فهتفت بسعادة قائله: " مذهل ، وتخبرني أنها ليس بقوى خارقه ، الاختفاء قدرة أيضاً ! "

ابتسم لسعادتي وصحح اعتقادي :" معك حق ولكنني ساحر ولست بخارق والآن بات الحاجز أمامك افعلي ما فعلته مع أصفر هنا "

" هل سأختفي بعد ذلك وأعود ؟

" أعتقد ذلك "

" ألن تخبرني بسبب وجودي هنا .. "

" أنتِ جيده بلعبة التخمين فخمني .."

فتحت فمي فقال ضاحكا :"ليس هنا بل هناك في منزلك " نظرت خلفه بأسى وقُلت " اعتذر لأصفر نيابة عني ، لم أكن أعني ضربه "

" لا تقلقي ، سأفعل ذلك "

قصدت الحاجز ووقفت أمامه ثم استحضرت ما فعلته سابقاً وبدلاً عن وضعية الدفاع اتخذت الهجوم وتخيلت أنني أطلق شعاعاً مثل أصفر ولكن عن طريق يديّ وكأنهما فوهة مدفع فتشكلت هالة زرقاء على شكل كروي وتجمعت بين كفيّ وزاد اتساعها تصاعدياً لمناسبة الإطلاق ثم أنطلق شعاعاً أزرق صوبته على سائر الفاصل لإبادته وقضيت على تلك الأشعة الكهرومغناطيسية وأخيراً ، صفق الجد مشجعاً لي وقال :" إن تدربتِ أكثر على قدرة التخيل هذه ستصبحين أقوى واسرع بمرور الوقت ، و كلما تخيلتِ شيئاً أعظم كلما كان الأمر في صالحك لاستخدام قدرتك بشكلٍ فعال أكثر ولكن تذكري .. حلما تغيبين عن الوعي لا تفقدي تركيزكِ ما أمكن حتى لا تسببي أضرار جما "

سلمني ورقه كرسالة وطلب مني قراءتها في عالمي وكنت مشغولة البال بما قاله لي ناصحاً ، ذكرني قوله بحادثتي تلك قبل ستة أشهر بذاك المنزل ، من حسن حظي آنذاك أن موقعه كان في الخلاء وصاحبه يعيش بمفرده ، ثم رأيت بريقاً أبيض ومن ثم بان الجسم الغريب الذي جرّني من مسكني قد اتضح مُتخذاً هيئة في السماء فعلمت أنه على وشك ابتلاعي وسحبي ، في ذات الأثناء لمحت أصفر ينظر ناحيتي بجانب الجد .. هتفت أسأله : "ألن تخبرني باسمك ؟"

وبنفس صنيعي أجاب :"أنتِ تعرفينه مسبقاً .."

و لم تمنحني الفوهة الإهليجية متسعاً من الزمن حيث عُدت للبعد ثانيةًثملشقتي ، فتحت الرسالة لقراءة المكتوب واتسعت مُقلتي إثر المكتوب دهشة (لست مسخاً بل بلبلٍ بات بِكِماً لم يُعلم فن التغريد ، فهل تؤمن بالمعجزات ؟ )تبسمت لحالي كالبلهاء..وكأنني كنت بحلم .. ثم نظرت للكتاب الألفي بجانبي على الأريكة ، حقاً لا أصدق كل هذا !

"جوين"افزعني صوت بدا قلقاً و منفعلاً في آنٍ نزعني من عاصفة ماضيّ نزعاً ،حدقت بها منتظرة حركتها التالية فقالت :"جوين مابكِ ؟إلى اين سرحتي ؟ ماذا تقترحين ان افعل بوضعي ؟ "

" آسفه عم كنا نتحدث ؟.."

ضيقت نظرتها نحوي و زفرت الهواء بضيق و ما إن كادت تُفصح حتى سمعت أحدهم هدرَ باسمي كأنه يشتمني عند باب مكتبي ،ما إن رأيته حتى عادت إليّ ذكرياتي ، قفزت من مقعدي و مضيت خلفه اتبعه و في الممر سألته:"بالمناسبة، لماذالم تخبرني آنذاك انك كنت مسخاً مثلي ؟"

أجابني ببساطة و كان الرد مجهز :"لست مسخاً بل بلبل بات بكماً لم... "

أسقطت فكي دهشةً و قاطعته :" مهلاًا انتظر لحظة ،لا تقل لي انه ارسل إليك الكتاب ايضاً "

شخر من انفه هازئاً وقال:" أيّ كتاب ؟ قرات تلك العبارات السخفية عندما كنتِ خارجة التغطية حالمةً بكتابك .أكنت تتوعديني بصفعة ام بصعقة حينها ؟!

نظر الي نظرة استجوابٍ اكرهها فتجاهلته قائلة : "إذاً الن تخبرني كيف قابلت الجد باو؟"

اتسعت حدقتيه لسؤالي مستفسراً وبلامبالاة هز كتفيه و قال نافياً :"لاعلم لي عمّ تتحدثين ، من باو هذا؟.."

طحنت اسناني متوعدة بقتله ، فاردف مُنفصماً بي:" أريد ملف الترجمة ذاك لذا اكمليه و احضريه لي بسرعة.. وكفي عن قول التراهات!"

ثم شلمني ظرف به رسالة و دخل لمكتبه بما اننا وصلنا لعرشه ففتحت الظرف و نظرت للورقة ،وقفت احدق في الباب و بالشابة الجالسة في مكتبها على يميني..هل يحاول ان يفقدني صوابي؟!

ثم نقلت الرسالة إليها قائلة :" فيرون اطلبي حجزاً بفندق سوفيتيل لافاييت سكوير ، للوفدالروسي القادم في الحال قبل ان اغتال رئيسك!"

"حسنا..ماذا؟!"

قلت لهامصححة:"سأغتال الاصفر و ليس رىيسك ! "



- إنتهى
الفَصل -

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]



التعديل الأخير تم بواسطة S O H A N I ; 03-01-2017 الساعة 03:03 AM
رد مع اقتباس