عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 02-01-2017, 05:51 PM
 
منقولة من منتدى غرام~ عندما تنحني الجبال~

الفصل السابع



ابتعد!!




عمل نانسي الجديد كان أقرب إلى مزاجها .. فقد وجدت وظيفة كبائعة في متجر للثياب .. كان متجرا بسيطا متخصصا في بيع الملابس الشبابية البسيطة .. والرخيصة الثمن .. والمختلفة تماما عن النوع الذي اعتادت نانسي شراءه .. ولكنها لم تعد قادرة على شراء ما تحبه الآن ..
تعمل نانسي في المتجر منذ 3 أيام .. وأدركت منذ اللحظة الأولى بأن صاحب المتجر من النوع السيء الخلق .. فهو عصبي المزاج .. دائم الصراخ .. ولا يتردد في إطلاق الشتائم عند الحاجة .. أجبرت نانسي نفسها على الصبر .. وتجاهلت تذمره من عجزها عن إقناع الزبائن القلائل بالشراء .. ورددت لنفسها بأن هذا هو العالم الحقيقي .. كما تستطيع أي موظفة أخرى احتمال رئيسها السمج .. ستفعل هي
عادت في نهاية اليوم وهي تشعر باكتئاب كبير .. ربما لأن عملها الجديد يذكرها بوضعها القديم .. كلما دخلت زبونة متعالية .. وعاملتها بازدراء .. لقد كانت ذات يوم من ذلك النوع الذي يهوى التصرف وكأن العالم ملك لها .. لكم تحتقر نفسها الآن عندما تدرك أي إنسانة سطحية ومتعالية كانت .. هل كان عليها تلقي الصدمة تلو الأخرى حتى تعرف ماهي الحياة الحقيقية
عندما دخلت إلى البيت سمعت فورا صدى ضحكات أمها ولينا .. فأدركت بأن الدكتور محمود موجود هنا .. لقد أصبح ضيفا دائما في بيتهم المتواضع .. وقد تمكن من كسب ثقة وإعجاب أمها وأختها على الفور
كان هذا يشعرها بالغضب والحنق .. الدكتور محمود هو آخر إنسان أرادت أن يتقرب إلى عائلتها ويعرف دقائق ظروف حياتها .. لقد سبق وهددته على الملأ .. وهاهي تعيش حياة حقيرة .. ويا للذل .. إنه جارها الذي يعرف كل ما حاولت إخفاءه عن جميع الناس.. يعرف حقيقة صعوبة حياتها الحالية ..
هي متأكدة بأن تقربه المستمر من عائلتها ما هو إلا محاولة منه لإذلالها .. وكأنه يقول لها بأنها الآن بالنسبة إليه مجرد فتاة مسكينة جار عليها الزمان ..وقسى عليها القدر .. تمنت لو تستطيع الدخول إلى غرفتها دون أن يراها .. ولكنها مضطرة لمواجهته كما في كل مساء يزور فيه بيتهم الجديد المتواضع
أخذت نفسا عميقا .. ودخلت وهي تقول بهدوء :- مساء الخير
استدار الجميع نحوها .. شعرت بأن ضحكته قد اختفت وهو ينظر إليها متفحصا .. أستاذها القدير البارد الأعصاب دائما .. كان يرتدي سروالا من الجينز وكنزة زرقاء داكنة .. بدا أصغر سنا بملابسه البسيطة .. دون أن يفقد ذرة من هيبته . تساءلت عما يمكن أن يهز رباطة جأش أستاذها القدير البارد الأعصاب دائما ..قالت أمها ببشاشة :- تعالي وألقي التحية على الدكتور محمود يا نانسي .. لماذا لم تخبرينا بأنه أستاذك في الجامعة ؟
قالت بهدوء وهي تجلس في أبعد مكان عنه في الغرفة :- لم أجد ضرورة لهذا بما أنني تركت الجامعة .. وهو لم يعد أستاذي بعد الآن
اختفت ابتسامة أمها كما في كل مرة تأتي فيها نانسي على ذكر تركها للجامعة .. سألها الدكتور محمود بهدوء :- كيف هو عملك الجديد ؟
قالت ببرود :- جيد جدا .. لست مضطرا لدفع المال مجددا كي تتسبب بطردي منه
صاحت أمها بغضب :- نانسي .. اعتذري للسيد محمود .. إن ما فعله كان بطلب مني .. وليس من تلقاء نفسه
قال بهدوء مبطن بالسخرية :- اتركيها يا سيدتي .. يسعدني أن أجد بأنها ما زالت تمتلك روحا قتالية بعد كل ما تعرضت له
هي وحدها التي فهمت المغزى الخفي لكلامه .. إذ كان يقصد بأنها ما زالت تمتلك الجرأة على رفع صوتها في وجهه أو وجه أي كان بعد الخزي الذي تعرضت له .. ألن تكون شماتته بها كبيرة في حال عرف باعتداء جابر عليها بالضرب ؟ ..
هتفت لينا بسرور :- نانسي .. الدكتور محمود يظن بأن مستقبلا باهرا ينتظرني في الرسم
تمتمت بجفاف :- بالتأكيد يا عزيزتي .. بالإذن
انسحبت إلى غرفتها وقد منعت نفسها بصعوبة من صفق الباب ورائها بقوة .. تدرك نانسي تماما ما يفعله ذلك الرجل .. إنه يصبح جزءا من عائلتها شيئا فشيئا
أصبح لا يمر يوم دون أن يقضي جزء منه برفقة لينا أو أمها .. أمها تجد فيه الابن الذي لم تنجبه مع أن فارق السن بينهما بالكاد تجاوز العشر سنوات
ولينا تجد فيه الأخ الأكبر .. أو البديل عن والد تركها مبكرا في وقت تحتاج فيه بشدة إلى الإحساس بحماية رجل
إنه يسحب البساط من تحت قدميها تدريجيا .. ويحل محلها بين عائلتها بينما تتلاشى أهميتها مع وجوده
سمعت طرقات على الباب .. ففتحته لتجد حنان تقول ببشاشة :- هل أحضر لك بعض الحلوى ؟؟ لقد أحضر الدكتور محمود معه حلوى شهية جدا بالجبن
:- لا شكرا
هذه المرة .. صفقت نانسي الباب بكل قوتها .. لقد طفح الكيل
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\ \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\ \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

يا آنسة .. لقد وصلنا إلى وجهتك .. ألن تنزلي
صحت نانسي من شرودها على صوت سائق الحافلة .. وتنبهت بأنها قد وصلت فعلا إلى وجهتها .. ترجلت من الحافلة وسارت بخطوات بطيئة عبر الطريق المؤدي إلى منزل الشاطئ .. دخلت لتجد المكان هادئا مما أصابها بالقلق .. أين الجميع ؟ .. دخلت إلى المطبخ لتجد حنان منهمكة في الطبخ فسألتها :- أين أمي ولينا ؟
:- خرجتا تتمشيان قليلا
التفتت إليها حنان قائلة بحيرة :- ما الذي عاد بك باكرا هذا النهار
ردت نانسي باقتضاب :- لقد تركت العمل
:- ماذا ؟ ولكن لماذا ؟ ظننت بأنه قد أعجبك
ردت نانسي بجفاف :- لقد كنت مخطئة
لم تستطع إخبار حنان بأنها قد تركت العمل بعد أن طفح بها الكيل وفقدت قدرتها على احتمال غطرسة صاحب المتجر بذيء اللسان .. وأنها أمطرته في النهاية بسيل من الإهانات المتتالية التي تركته ذاهلا وكأنه لم يعتد أن تصرخ به امرأة .. ثم أهرقت إبريق الماء الذي يعلو مكتبه دائما فوق رأسه .. ثم رحلت بلا أي كلمة حتى عن مستحقاتها
لم يكن هناك شك في أن العمل مع رجل من ذلك النوع كان مزعجا للغاية .. ولكنها في الحقيقة خيبت أمل نفسها عندما فقدت أعصابها وتقمصت مجددا تلك الروح القديمة النارية ..
أي فتاة أخرى كانت تحملت في سبيل لقمة عيشها وصبرت على اضطهاد الرجل العجوز العنيد
كانت نانسي تعرف بأن الأعمال التي تقوم فيها في هذه القرية الصغيرة لا قيمة لها .. فهم ينفقون الآن من الأموال المتبقية لدى والدتها من بيع بعض مجوهراتها القديمة الموروثة عن عائلتها .. ولكنها لا تستطيع البقاء بدون عمل .. فعاجلا أم آجلا .. تلك النقود ستنتهي .. وسيحتاجون إلى مصدر جديد للدخل .. وكي تجده يجب أن تكتسب شيئا من التواضع وإلا فإنها أبدا لن تصمد في أي وظيفة
تنهدت وهي تسأل حنان محاولة نسيان الواقع :- ما هو عشاءنا هذا المساء؟
:- طعامك المفضل
شمرت نانسي عن ساعديها وأخذت تحاول مساعدة حنان في تقطيع الخضار أمام ضحكاتها :- لا بأي بك .. أنت تتقدمين
مسحت نانسي دموعها وهي تتابع تقطيع البصل قائلة :- متى تسنى لك النزول إلى القرية وإحضار كل هذه الأغراض ؟
:- لقد أحضر السيد محمود كل هذه الأغراض صباح اليوم .. وقد ..
لم تكمل كلامها عندما فوجئت بنانسي تلقي السكين من يدها وقد جرحت إصبعها وسال الدم ليلطخ أرض المطبخ .. استدارت نانسي وهي تقول بغضب :- ولماذا يحضر هو الأغراض ؟ لماذا لم يتصل بي أحد ويخبرني باحتياجات البيت لأحضرها معي ؟
قالت حنان بتوتر :- لقد أحضرها من تلقاء نفسه .. لم يطلب منه ..
بترت عبارتها مجددا عندما نزعت نانسي رداء المطبخ .. واندفعت كالعاصفة خارجة من البيت .. وسرعان ما كانت أمام باب بيته فقرعت الجرس بحدة تكاد لا تطيق صبرا للانفجار بغيظها في وجهه
عندما فتح الباب .. تلاشت كل عزيمتها عندما رأته واقفا بهيئته الصارخة الجاذبية .. كان يرتدي سروالا أسود وقميصا أبيض أظهر اكتمال بنيته العضلية .. ظهرت الدهشة في عينيه البندقيتين وهويقول :- أي مفاجأة هذه ؟ الآنسة نانسي شخصيا تشرفني بزيارة .. تفضلي بالدخول
تراجعت إلى الخلف برفض صامت للدخول .. قطعا هي لن تدخل منزل رجل غريب .. قالت بعصبية:- لم آت لأدخل .. بل لأقول بضع كلمات وأذهب
عقد حاجبيه متأملا حالتها العصبية .. ثم قال بهدوء :- هل أنت خائفة مني ؟
نعم .. هي خائفة منه .. ولم تعرف سببا لخوفها هذا .. أهو تأثير ذلك الحاذث عليها ؟ أم أن الشجار القديم الذي حصل بينهما هو ما يمنعها من الثقة به ؟ أم أنها تخشى أن تكتسحها سلطته وقوته فيخضعها كما أخضع والدتها وأختها ؟
قالت بحدة :- أنا لست خائفة منك
قال :- ستدخلين إذن وتخبرينني بمقصدك لأن الجو بارد وأنا أكاد أتجمد بردا
احمر وجهها عندما لاحظت بشرته الظاهرة من خلف أزرار قميصه المفتوحة .. وصدقت بأنه لا يرتدي ما يقيه البرد الشديد .. حتى هي لم كانت ترتعش بردا وقد نسيت معطفها في غمرة انفعالها وغضبها
أفسح لها الطريق فدخلت بتوتر .. نظرت حولها إلى المكان المشابه لتصميم بيت خالها .. إلا أنه كان أكثر ترتيبا وقد بدت الصيانة المستمرة واضحة في طلاء الجدران الجديد .. والأثاث الحديث .. والجو الدافئ الصادر عن مدفئة حديثة الطراز جعلتها تشفق على الآلة المسكينة التي أكل عليها الدهر وشرب والتي يعتمدون عليها هم في التدفئة
في صدر غرفة الجلوس كان هناك مكتب صغير تكومت عليه الكتب والأوراق فخمنت بأنها قد قاطعت عملا له .. قالت بتوتر :- آسفة لمقاطعتك عن عملك
قال من ورائها :- هيا نانسي .. لا تتظاهري بالتهذيب .. أنت تتحرقين شوقا لقول ما لديك والرحيل
استدارت إليه لتراه يغلق باب البيت ويلتفت نحوها بابتسامة تسلية .. شعرت بالغيظ لاستمتاعه بارتباكها .. فقالت مرة واحدة :- أريدك أن تبتعد عن عائلتي
لم يعلق .. ولكن ملامحه جمدت وهو ينتظر منها توضيحا .. فقالت بحدة :- لا أريدك أن تتقرب من أمي وأختي .. فهما ليستا بحاجة إليك
قال بهدوء وهو يبتعد عن الباب :- هلا أوضحت لي سبب رفضك لتقربي إليهما
تراجعت وهي تقول بتوتر :- إنهما تتعلقان بك أكثر وأكثر وتعتمدان عليك .. دون أن تدركا بأن سبب اهتمامك هو الشفقة .. لا أنا ولا عائلتي بحاجة إلى شفقتك
قال ببرود :- وعلى أي أساس افترضت بأنني أشعر بالشفقة عليهما ؟
صاحت ملوحة بيديها :- تتقرب إليهما .. وتشعرهما بأنك جزء من العائلة .. تشتري لهن أشياءا .. ليس هناك ما يدفعك للقيام بكل هذا إلا الشفقة .. نحن لا نحتاج إلى أي شيء منك يا دكتور محمود .. ربما من الأفضل أن تعود من حيث أتيت لأن وجودك غير مرغوب به بالمرة
قالت كلماتها العنيفة .. ثم أمسكت خصرها بكلتي يديها في انتظار رده .. اقترب منها قائلا بصرامة :- أنت مخطئة يا نانسي .. فأنا عندما أغادر هذا المكان فإنني سأغادره بملء إرادتي .. وليس لأن مدللة مثلك ترفض التأقلم مع حياتها الجديدة ترفض وجودي ... أما بالنسبة لوالدتك ولينا .. فما أشعر به اتجاههما هو كل المودة ولا يهمني إن لم تصدقي هذا .. أمك إنسانة رقيقة وطيبة .. وليس من الغريب أن تكسب احترامي.. ولينا طفلة مثيرة للاهتمام وذكية .. أشعر بأنها كأختي بالضبط .. وإن كنت قد قدمت بعض الخدمات لهما فهذا بدافع إحساسي بأنني أحد أفراد العائلة .. أما عن الشفقة .. فأؤكد لك بأنني أشعر بها اتجاه شخص واحد فقط .. وهو أنت
انتفضت نانسي عندما ازداد اقترابه وهو يقول بحدة :- أشعر بالشفقة عليك لأنك ترفضين الحياة في أرض الواقع .. ما زلت تشعرين بأنك ابنة القصور المدللة التي تأمر وتطاع .. تريدين أن تمارسي سلطتك على عائلتك بعد أن رفض الناس من حولك الاستمرار في تمثيل دور العبيد لك
صاحت بعنف :- أنا لا أفعل هذا
قال بقسوة :- بل تفعلين .. وعندما شعرت بأن هناك من دخل حياتهما .. وأن علاقتهما بالعالم الخارجي لم تعد مقتصرة عليك .. جئت تدعين سوء نيتي وتحاولين إبعادي عنهما
صاحت بغضب يائس :- أنا أحميهما فحسب
قال :- مم تحمينهما بالضبط ؟ أنت بعدم ثقتك بالناس تخشين على عائلتك بأن تتعرض للخيانة وسوء المعاملة من الآخرين كما حصل معك أنت بالضبط .. ولكنك تنسين أو تتجاهلين حقيقة أنهما مختلفان عنك .. وأنهما تمتلكان ما يكفي من الرقة والانسانية لتكسبا ثقة الناس وصداقتهم .. بعكسك أنت التي كنت تعاملين الناس من حولهم وكأنهم قد خلقو لخدمتك .. فكان أن ثاروا عليك ورفضوك بعد سقوط الدرع الذي كان يحميك
منعت بصعوبة دموع الإهانة من تجاوز عينيها وهي تقول محاولة إخفاء ألمها :- أنا لا أنكر بأنني كنا كذلك .. ولكنني لم أقصد أن أسبب الألم لغيري
قال ساخرا :- بالتأكيد لم تقصدي هذا لأنك لم تفكري يوما إلا بنفسك .. حتى الآن وأنت تنتقلين من عمل وضيع إلى آخر تدعين بأنك تفعلين هذا لمساعدة عائلتك .. بينما الحقيقة هي أنك تفعلينه لأجل نفسك .. لتثبتي بأنك قادرة على تحمل المسؤولية .. وعلى الحياة كباقي البسر بدون ملعقة من الذهب في فمك
ما الذي دفعها لمواجهته .. لقد كانت تعرف مسبقا بأنها لن تقدر على هزيمته.. وأن لقائها به سينتهي بكارثة .. إنه الشخص الوحيد الذي لم تستطع يوما السيطرة عليه .. دائما كانت له شخصيته القوية وكبرياءه وكرهه لها ..
قال فجأة :- أهذه دماء ؟
نظرت إلى يدها وقد نسيت الجرح الذي تعرضت له أثناء تقطيع البصل .. لم تستطع قول كلمة خشية أن يظهر صوتها مشاعر الألم التي تكاد تخنقها .. اقترب ليمسك بيدها .. وينظر إلى الجرح الغائر قائلا بغضب :- أيتها الحمقاء .. كيف تتركين جرحا كهذا بدون عناية ؟
سحبها برفق وأجلسها على الأريكة قائلا :- انتظري هنا
دخل إلى المطبخ بينما تساءلت هي عما يبقيها هنا .. وكأن إهاناته لها قد جمدت عقلها كما جسدها .. عاد حاملا قطعة قماش نظيفة وزجاجة مطهر .. وجلس إلى جانبها وأخذ ينسح الدماء التي لطخت يدها بلطف .. أجفلت عندما أثارت لمسته ألما بسيطا فقال بصوت دافئ :- اهدئي .. يجب أن يتم تنظيف الجرح كي لا يتلوث
أربكها هذا التناقض في معاملته لها .. فتارة يهاجمها ويسترسل في إهانتها .. وتارة يعاملها برقة وحنان لم تصادف مثلهما من قبل .. كان قريبا منها للغاية مما أتاح لها فرصة تأمله جيدا دون أن يشعر إذ انهمك في لف يدها باللاصق الطبي .. كانت تقاطيع وجهه متناسقة ووسيمة .. عيناه الداكنتان كانتا واسعتان برموش سوداء كثيفة .. تطل منهما نظرة عميقة وغامضة تصعب إدراك الشخص الحقيقي خلفهما
فمه الحازم عادة أثناء إلقاءه للمحاضرات كان يبدو الأن أكثر جملا وقد انفرجت شفتاه الممتلئتان عن شبه ابتسامة وهو يحاول إلهائها عن الألم بكلمات لطيفة
ما الذي حدث لها ؟.. فكرت مذعورة بانها لم تنظر يوما إلى أب رجل بهذه الطريقة .. بالتأكيد الدكتور محمود كان شديد الوسامة .. وأي امرأة تقترب منه بهذا الشكل لابد أن تفقد صوابها بسبب الجاذبية الخطرة التي ينطق بها جسده القوي ..
تركزت عيناها على عنقه الذي كشفت عنه فتحة قميصه .. شعرت برغبة غريبة بأن تلمس تفاحة آدم التي توسطتها ..
هذه الرغبة المفاجئة جعلت وجهها يحمر .. فسحبت يدها من بين يديه وهي تقول بصوت أجش :- هذا يكفي
نظر إليها بدهشة وهي تنهض مبتعدة وتقول بعصبية :- أشكرك على اهتمامك .. وهو لن يمنعني من أن أؤكد لك بأنني ما زلت رافضة لتواجدك قريبا من عائلتي ..مهما كان تفسيرك لأسبابي
نهض بدوره قائلا بسخرية :- يؤسفني أن أقول بأنني لن أمتثل لأوامرك يا آنسة نانسي ... وأنني سأنتهز كل فرصة تقربني من عائلتك مهما كان كرهك لهذا شديدا
التقت عيناهما طويلا قبل أن تنسحب غاضبة .. كالعادة عندما يتواجدان معا تذوب شخصيتها تماما ما إن يتكلم .. صممت بغضب على ألا تسمح لهذا بأن يتكرر .. لن تسمح له بالسيطرة عليها .. عادت إلى البيت لتجد أمها في انتظارها .. ما إن رأتها حتى قالت بتوتر :- أين كنت ؟.. أصحيح أنك ذهبت لتتشاجري مع الدكتور محمود ؟
قالت نانسي وهي تنظر إلى حنان بغضب :- نعم
هزت أمها رأسها بيأس وهي تقول :- ولكن لماذا يا نانسي ؟ ..إنه لم يسئ إلينا لتهاجميه بهذه الطريقة .. لم تكوني يوما قليلة التهذيب في معاملة أي أحد .. فما المشكلة مع الدكتور محمود ؟
صاحت نانسي بحدة :- إنه لا يعجبني إطلاقا .. أكره تواجده الدائم في هذا البيت ومنحه كل هذه الثقة بدون حذر .. أنا أعرفه من قبل وأكثر من يستطيع الحكم عليه
ردت أمها :- هل السبب هو شجاركما في الكلية ؟ لقد أخبرني به الدكتور محمود .. وعرفت بأنك أنت من أخطأ بحقه .. وأنت من عليه التنازل لإصلاح ما أفسدته ..
كيف ستقنع أمها بأن الأمر يتجاوز شجارها الساذج معه ؟ قالت بحرارة :- إنه زير نساء معروف .. الكل في الكلية يتحدث عن علاقاته المتعددة .. وعدم أهليته للثقة
قالت أمها بريبة :- هل أنت واثقة مما تقولين ؟
لم تكن نانسي واثقة حقا مما تقول .. فهي لم تره من قبل برفقة أي امرأة .. كما لم يقترن اسمه يوما بأي اسم في الكلية .. الشائعات كانت تطول حياته خارج الجامعة .. حيث لا يعرف أحدهم الكثير عن حياته الخاصة .. ولكن من البديهي أن يكون لرجل بجاذبيته ووسامته ومكانته الاجتماعية جيشا من النساء يلاحقه أينما ذهب
قالت بثقة :- بالتأكيد
إلا أن أمها قالت بحدة :- هذا لا يشفع لك تصرفك المعيب معه .. فهو لم يكن إلا طيبا معنا
:- ولكن يا أمي ...
أطلقت أمها آهة وهي تمسك بعنقها .. وتمسدها محاولة تخفيف الألم الشديد .. مما جعل نانسي ترتعش قلقا وتنسى ما كانت تود قوله
أسرعت تسند أمها وتساعدها على الجلوس .. بينما فتحت تلك عينيها وهي تقول :- عديني بأنك ستحسنين التصرف معه
أطبقت نانسي شفتيها بقوة وقد عاد إليها عنادها القديم .. ثم قالت :- لا أعدك إلا بأنني سأحاول
ثم اندفعت إلى غرفتها .. وأقفلت الباب ورائها بإحكام



__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر