عرض مشاركة واحدة
  #70  
قديم 11-10-2016, 09:49 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://d.top4top.net/p_145wzuq2.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
٢٨
~ ساي ~

نظرت إلى كازوما الجالس أمامي وقلت بشك : هل أنت واثق أن هذه الكلمات لا تعني شيئاً ؟؟
رد كازوما بثقة مطلقة : كل الثقة ، في النهاية هذه مجرد أبيات شعرية من تأليفي لماذا تقوم تضخيم الموضوع ؟؟
قلت وأنا أعاود النظر إلى الورقة التي بها تلك الأبيات : لأنك وبكل بساطة أعطيت سوبارو نسخة منها ، لذا لست واثقاً من أنها مجرد كلمات عادية ..
وقف كازوما من مكانه وقال ببرود : الورقة أمامك والأبيات واضحة ، إن كان هناك شفرة سرية فحاول إيجادها إن كنت تظن هذا ..


قلت بإستغراب : إلى أين أنت ذاهب ؟؟ لم أنهي كلامي معك بعد ..
قال وهو يدير ظهره بإتجاهي : سألقي نظرة على جوليا والمرأة التي معها وأغيظهم قليلاً ..
وقفت قائلاً : سأرافقك إن كنت تهدف لأغاظتهم ففي النهاية أحب رؤية جوليا مغتاظة ..

توجهنا نحن الإثنان إلى القبو ، وإلى حيث توجد زنزانة جوليا تحديداً ..
وقف الحارس فور رؤيته لي احتراماً ، بينما نظرت إلى الزنزانة وقد كانت تلك المرأة مستلقية على جنبها نائمة ، أما جوليا فهي تجلس بجوارها والتعب بادٍ على وجهها ..

الحمى قد عاودها من جديد ، لكنها هذه المرة لم تستسلم للمرض ، وكانت دائماً بجوار هذه المرأة ..
لا أفهم حقاً السبب الذي يدفعها لحماية يومي ، والتضحية بنفسها من أجل امرأة غريبة ..

قلت وأنا أقترب من الزنزانة ساخراً : كيف حالك يا جوليا ؟؟ تبدين مرهقة جداً ، يجب أن تنامي وترتاحي ..

رمقتني جوليا بنظرة حادة وعادت تنظر إلى الفراغ بعدها ، بينما سمعت كازوما يقول : لا تتعبي نفسك في حراسة هذه المرأة يا جوليا ، في النهاية نحن لو أردنا تعذيبها لعذبناها حتى لو كنت إلى جوارها ..

أطلقت جوليا زفيراً عالياً وقالت دون أن تنظر إلينا : يا إلهي هناك صوت حمار ينهق بالقرب مني ..
خرجت مني ضحكة قصيرة على تشبيهها ، من الواضح أنها تحقد على كازوما كثيراً ..

قلت وأنا أنظر إلى كازوما مبتسماً : لقد شبهت صوتك بصوت الحمير يا كازوما ، أستسكت عن هذه الإهانة ..
رد كازوما وهو مبتسم مثلي : كيف فهمت ما قالته هذه الضفدعة ؟؟ أنا لم أسمع سوى صوت نقيقها ..

علمت أنه يرد عليها بالمثل ، فعلاً هذا الرجل يعجبني ، من الصعب جداً إغاظته ، وتصرفاته شبيهة جداً بتصرفات جوليا ..
قلت وأنا أسأل الحارس : وجبة الفطور لهذا اليوم من تناوله ؟؟
رد الحارس : تلك المرأة من تناولته يا سيدي ..

نظرت إلى جوليا وقلت : جوليا الطعام الذي نقدمه هو لك أنت ، ويومي ليس لها أي طعام لذا لتتناوليه أنت لا هي ، في النهاية نحن نحتاجك أنت فقط ، أما تلك المرأة فلا أرى أي مانع في موتها ..

صمت منتظرا ردها ، لكنها لم تنطق بكلمة واحدة ، ولم تكلف نفسها عناء النظر إلينا وهذا لم يعجبني البتة ، فأنا لا أحب لأحد أن يتجاهلني ..
قلت بصوت مرتفع : جوليا أنا أتحدث إليك ، ردي علي ..

صراخي عليها لم يجدي نفعاً ، فهي لا زالت تتجاهلني ، وتتجاهل وجودي ، شعرت بالغيظ من حركتها ، وقلت بنبرة آمرة لكازوما : كازوما ادخل واجلب لي تلك المرأة ، هذه المرة لن أكتفي بجلدها وسلخ ظهرها ، وإنما سأقوم بإنهاء حياتها تماماً ، لكن بطريقة بطيئة لتستشعر الألم جيداً ..


حينها أطلقت جوليا زفيرا طويلة تدل على نفاذ صبرها ، والتفتت إلينا ببطء قائلة بهدوء : إلى متى ستظل تُزهق أرواح الآخرين بدم بارد ؟؟ متى ستشعر بالذنب ولو قليلاً ؟؟ ألا يكفي ما فعلته بصديقك وزوجتك ؟؟ ألا زلت تريد مواصلة أفعالك الشنيعة ؟؟


انفجرت ضاحكاً بسخرية على كلماتها ، واستمريت بالضحك بشكل متواصل لعدة دقائق ، وما إن هدأت حتى قلت : أنت تضحكينني يا جوليا ، إتظنين أن زوجتي وصديقي الخائن هما ضحاياي فقط ؟؟ لا عزيزتي أنت مخطئة ..

نظرت إلى الأعلى وأنا أكمل بإستمتاع : لقد مات على يدي الكثير الكثير من الأشخاص ، من النساء والرجال ، جميعهم كانوا يُقتلون بشكل بشع على يدي ، الأمر مسلي جداً ، سماع صرخاتهم المتألمة وتوسلاتهم وصوت بكائهم كل هذا يسليني حقاً ..



قالت جوليا حينها بحذر : إذاً أنت مجرم منذ الماضي ، حتى قبل أن تفقد قدمك ..
أجبت مبتسماً : نعم ، أنا منذ البداية كنت أقتل الآخرين وأعذبهم ، لكن من أقتلهم كانوا يستحقون ذلك ..

صمت لثواني وأنا أتذكر الأشخاص الذين قتلتهم ، وأكملت بهدوء ونظرتي قد انقلبت إلى نظرة حاقدة : كل من عذبتهم في الماضي كانوا أشخاصاً سيئين ، يضربون الأبرياء والضعفاء ، ويستحوذون على أموال الفقراء ، كان يجب أن أعاقبهم بنفسي ، أنا لم أكن مجرماً في الماضي ، وإنما كنت فقط أحقق العدالة ، وآخذ بثأر من لا يستطيع الإنتقام لنفسه ، لكن بعد أن بُترت ساقي ، حولتني تلك الحادثة إلى مجرم يسعى للإنتقام لنفسه ..

ثم عاودت الإبتسام وأنا أقول : لكن لا تقلقي سأعود كما كنت في الماضي ، بعد أن آخذ بثأري من روز وسوبارو اللعينان ، ولن أعود إلى الإجرام مجدداً ، كل ما سأقوم به هو تحقيق العدالة كما في الماضي ..


نظرت إلي جوليا بإستحقار قائلة : أتسمي قتلك للآخرين عدالة !! أأنت أحمق ؟؟
رددت عليها بإنفعال : نعم ما أفعله هو العدالة ، فكما أن لك طريقتك الخاصة في تحقيق العدالة ، فأنا لدي طرقي الخاصة أيضاً ، في النهاية أشعر بأن هناك شيء مشترك بيننا ، وأننا متشابهان قليلاً في عدة جوانب ..

بدت الدهشة على ملامحها وهي تقول : كيف علمت بماضيّ ؟؟

أجبت ببساطة : لقد قمت بتحقيق شامل حولك ، وأعرف كل صغيرة وكبيرة عنك ، حتى حادثة شيبا التي غيرتك تماماً أعرف عنها ..
احتدت ملامح جوليا ، ولأكون صريحاً بدت مرعبة قليلاً ، فهي لديها نظرة ثاقبة مخيفة ، كلما رقمتني بهذه النظرة اقشعر جسدي من نظرتها لا إراداياً ..

نطقت ببطء : إسمعني لا تشبهني بك أيها الحقير ، فأنا لم أصل إلى درجة قتل الآخرين ، صحيح أنهم كانوا يسمونني فتاة العدالة إلا أنني لم أكن أعاقب إلا من تعدى على الضعفاء بضربهم لا قتلهم كما تفعل أيها المجرم ..

قلت مبتسما بإستمتاع : وهذا ما كنت أعنيه بطريقتك الخاصة ، فأنت كنت تحققين العدالة بضرب المذنبين ، أما أنا بقتلهم ، لذا نحن متشابهان ، فنحن لا نُعاقب إلا المذنبين ..

صرخت حينها بحدة وانفعال : اسمعني أيها الحقير ، الضرب ليس كالقتل، القتل هو إزهاق للأرواح ، أما الضرب فهو تأديب ، لا تحاول أن تجعل تصرفاتي شبيهة بتصرفاتك ..
- مهما حاولت الإنكار فسنظل متشابهان ، سوءً اقتعتِ بذلك أم لم تقتنعي ..


قاطع حوارنا صوت كازوما الذي قال بتململ : كفاكما تحدثاً عن العدالة ، ولنتحدث عن موضوع مشترك بيننا ..
قلت وأنا أرفع حاجبي الأيمن بإستغراب : أتظن أننا هنا لنستمتع مع السجينتين ؟؟

هز كتفيه قائلاً : لا أرى مشلكة في هذا ، فالتحدث مع جوليا ممتع كما تعلم ، ورؤية تعابيرها مضحك للغاية ..
فكرت قليلاً وقلت مؤيداً له : أنت محق يا كازوما ، أحسنت القول ..

نظرت إلى جوليا لأرى ما ستقوله ، لكن كل ما فعلته هو أن سندت رأسها إلى الجدار وأغمضت عينيها بتعب ..

قلت لها : هي أنت لا تنامي وإلا لن تري يومي مجدداً ..
تمتمت بهدوء : إفعل ما تشاء ، لم يعد الأمر يهمني بعد الآن ..

رفعت حاجبي بإستغراب ، لم أتوقع أن يكون ردها هكذا ، قلت بتهديد : جوليا أنا لا أمزح ، ستُعذب يومي حقاً إذا تجاهلتنا حقاً ..
تدخل كازوما قائلاً : ليس الأمر وكأنها تتجاهلنا ، لكن من الواضح جداً أنها متعبة وليس لديها الطاقة الكافية للنقاش معنا ..

نظرت إليه بطرف عيني قائلاً : أرى أنك تدافع عنها يا كازوما ، ما السر ؟؟
زفر كازوما بملل قائلاً : وهل ستظل تشك في كل شيء أقوم به ؟؟ كن متيقناً أنني لا أفكر بخيانتك ..

سمعنا جوليا تقول وهي لا تزال تُغمض عينيها : شخص مثلك قام بخيانة تلامذته ليس من الغريب أن يقوم بالخيانة مجدداً ..
قال كازوما متغابياً : ماذا تعنين بعبارة خان تلامذته ؟؟ لا أظن أنني خنت أحداً ما ..

لم ترد جوليا عليه وتجاهلته ، في حين ابتسمت قائلاً : هل تعرفين يا جوليا أنك فتاة حمقاء وغبية ، تضحين بنفسك من أجل أناس لا يستحقون التضحية ..
تمتمت بخفوت : شكراً لك على الإطراء ..

قلت بغيظ : أنا لم أمتدحك أيتها البلهاء ، بل أسخر منك ..
أومأت برأسها ببطء وهي تقول : هكذاً إذاً ، شكراً لك ..
لم أستطع كبح غضبي أكثر وأخذت أصيح عالياً : أيتها المغفلة هل تنصتين إلى ما أقوله أصلاً ؟؟

لم ترد علي جوليا هذه المرة ، وظلت ساكنة في مكانها كما هي ، أخرجت دواءً من جيب سترتي ووضعته على الطاولة بغضب ، وقلت مخاطباً الحارس : أعط الدواء لجوليا حتى تتماثل للشفاء ، ليس من الممتع التحدث معها أبداً وهي مريضة هكذا ..

أومأ الحارس برأسه بإنصياع ، لأقول لكازوما : هيا لنغادر ، فأنا سأنفجر لو بقيت هنا أكثر ..
أدرت ظهري لأهم بالخروج ، لكن صوت جوليا الضعيف استوقفني : متى تنوي إلقاء القبض على روز وسوبارو ؟؟
إلتفت إليها برأسي قائلاً ببرود مصطنع : وهل تتعجلين موتك ؟؟ إلقاء القبض عليهم يعني موتك يا جوليا ، لذا من الأفضل ألا تسألي عن المدة التي تبقى لموتك ..


قالت وهي تفتح عينيها الذابلتان وبنبرة قوية لا يظهر فيها أثر للضعف ولا للمرض : لا يهمني كم تبقى من حياتي ، فأنا لا أهتم ما إذا قُتلت أو لا ، لكن أريد أن أعقد معك اتفاقاً ..
إستدرت بجسدي إليها وقلت متعجباً : اتفاق !!
قالت بهدوء : نعم إتفاق ، أنا سأتحمل كل مشاعر الكراهية والحقد التي تكنها لهما ، وسأتلقى كل أنواع التعذيب التي تخطر في بالك ، ولن أحاول الهرب أبداً ، على شرط أن تدعهما وشأنهما ، ما رأيك ؟؟


نبرتها الواثقة وعينيها الثابتتين لا تحملان أي خوف ، ولا حتى بنسبة قليلة ، لذا هذا مغضب قليلاً

نطقت بإستخفاف: أدعهما وشأنها !!
وأردفت بصوت عاالي : لا وألف لا ، لن أهنأ حتى يتعذبان وأراهما جثة أمامي ، لن يحل محلهما أي أحد ..
ثم عدت إلى صوتي الطبيعي وقلت ببرود : لأكون صريحاً معك يا جوليا أنا لا أكن لك أي ضغينة ، ولا أستمتع برؤيتك تُعذبين أبداً ، فأنت لست هدفاً لي ، لكنني كنت أستمتع برؤية روز و سوبارو اللذان ينفذان أوامري بكل إنصياع خوفاً من أن تُعذبي ..

عادت جوليا لإغماض عينها ، وتجاهل ما قلته ..
قلت بإستغراب : ألن تعلقي على ما قلته ؟؟
لم يجبني إلا الصمت ، لذا شعرت بالغيظ مجدداً من تصرفاتها ، لكنني متأكد من أنها تتعمد تجاهلي لإغاظتي ، ولكنني لن أدعها تشعر بالإنتصار ، لذا قلت ببرود ظاهري : لنغادر الآن كازوما ، فالتحدث مع مريضة كجوليا يجلب لي الغثيان ..



***
~ سوبارو ~

كنت متربعاً على الأرض وأمامي منضدة صغيرة خشبية ، موضوعة عليها الورقة التي أعطاني إياها السيد كازوما ..
مهما حاولت قراءتها فأنا لازلت عاجزاً عن فهم ما يقصده بكلامه ..

ربما يعود السبب إلى أنني أبالغ فقط والمدير لم يكن يقصد شيئاً من هذه الورقة سوى شيء تافه على ما أظن ..

قذفت بالورقة بعيداً واستلقيت على الأرض واضعاً يدي خلف رأسي ، وأتأمل السقف المنخفض بشرود ..
أنا غبي ، لقد ضيعت وقتاً في محاولة فهم كلمات سخيفة كهذه ، لماذا قد أظن أنه يعرف بموضوع رسائل الخاطف ؟؟


بقيت على حالي لدقائق معدودة ، لكن شيء في داخلي يُلح علي بإلقاء نظرة على الورقة مجدداً ..
قاومت نفسي وتجاهلت رغبتي الداخلية محاولاً إقناع نفسي أن الورقة غير مهمة ، ولا فائدة من إلقاء نظرة عليها مئات المرات ..


ولأطرد هذه الأفكار من رأسي أخذت أبحث في عقلي عن شيء أفكر فيه غير هذه الورقة ، فأنا أكاد أجن بسببها ..

قفز إلى ذهني فجأة كلمات ياماتو المحرجة والغبية ، لأضرب رأسي بقبضتي قائلاً بضجر : ألم أجد سوى ما قاله ياماتو هذا اليوم ؟؟ اخرج من رأسي حالاً أيها المعتوه ..

الغبي لقد حلل كلماتي بطريقة غبية جداً ، واستنتج استنتاجاً أخرقاً دل على مدى غباءه فعلاً وسذاجته ..
أيظن أنني أغار منه بسبب ثراءه ؟؟ آه كم أغاظني بكلامه ، لكم رغبت في تسديد لكمة على وجهه الجميل وأكسر جمجمته الخاوية ، لكن روز كانت هناك ، لذا لم أستطع فعل شيء سوى تجاهله ..


روز تعاني كثيراً في منزلها بسبب أخوها اللعين ووالدتها الحقيرة ، لذا لا أرغب في أن نكون سبباً لحزنها خارج المنزل ، يجب أن تكون سعيدة معنا لنعوضها عن التعاسة التي تتجرعها وحيدة في منزلها الكئيب وسط عائلتها ..


قطع هذا الصمت المطبق صوت رنين هاتفي المحمول ، ألقيت نظرة على المتصل فإذا به ياماتو المزعج ..
بكل نذالة ضغطت على زر الرد وألقيت الهاتف بعيداً عني ، فليتحدث كما يشاء لوحده ، أنا لن أنصت لكلمة مما يقوله ..

أنا أعطيته رقمي سابقاً لنكون على تواصل فيما بيننا ونتناقش عن الأمور التي تحصل في المدرسة ، لكنني الآن نادم على تلك اللحظة التي أعطيته فيها رقمي ..

بقيت مستلقياً كما أنا وبصري مثبت على ساعة الحائط ، أخذت عقارب الثواني تدور ببطء شديد ، ومن شدة الملل أصبحت أعد حركتها ، وبقيت على هذا الحال لخمس دقائق ..
بعد أن مرت تلك الدقائق الخمس نهضت بكسل متوجهاً نحو هاتفي المحمول ، وأنا واثق من أنه ملل من التحدث وحيداً وأغلق الخط ..


لكن ما رأيته كان عكس ما ظننته ، كان ياماتو لا يزال على الخط ، قطبت حاجباي بإستغراب ، وقررت سماع ما يقوله ..
وضعت الهاتف على أذني فإذا بي أسمع صوته وهو يقول : ولهذا يجب أن نكون صديقين ، وأنا لن أتوقف عن الثرثرة أبداً يا سوبارو وسأظل أتحدث دون توقف حتى أسمع صوتك .....

أبعدت الهاتف عن أذني وألقيته مجدداً ، فلأدعه يتحدث حتى يمل ، وسأرى إلى متى سيتحمل ..


عدت أنظر إلى عقارب الساعة مجدداً ، لكنني شعرت أن هذه حماقة مني ، ويجب أن أستغل وقتي في شيء أفضل ، بدلاً من مراقبة حركة عقارب الساعة ، فلن يحصل شيء إذا بقيت أراقبها ..
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، ماذا يمكنني أن أفعل لأقتل الفراغ ؟؟

وقع عيني لا إرادياً على الورقة الملقاة على الأرض ، والتي كان السيد كازوما قد أعطاها لنا ..
حركت رأسي بقوة محاولاً طرد ذكرى هذه الورقة من ذهني ، يجب أن أتناسى أمره نهائياً ، يجب ذلك ..



على الرغم من أنني أقول ذلك إلا أنني في كل ثانية وأخرى أعود لأنظر إليها ، ورغبتي في إلقاء نظرة عليها تراودني وتأبى الخروج من رأسي ..
في النهاية استسلمت لرغبتي ، وعدت أنظر إلى الورقة محاولاً فهم ما هو مكتوب ..


أمسكت الورقة بقوة وأخذت أقرأ مافيها بصوت عالي علِّي أفهم :
يا عباقرة مدرستي ، ماذا سأصنع غداً في حياتي ؟؟ توافقوا مع أفكاري وابقوا معي ، غير أني أخاف عليكم مستقبلاً ، مرافقكم إلى الأبد دائماً ، قبل أن تندموا وتبكوا دماً ،مديركم الذي يعرفكم جيداً : كازوما ، لا أرى أي شيء مريب ، سوى أنها كلمات غبية لا معنى لها ، لماذا أتعب نفسي ؟؟ حتى أن التاريخ الذي كتبه خاطئ ، مدير أحمق مغفل ..

فجأة تذكرت أن ياماتو لازال على خط الهاتف ، وربما لم يُقفل بعد ولذا سمع ما تفوهت به ..
ولأتأكد من هذا ، أمسكت بهاتفي ووضعتها على أذني لأسمع ياماتو يقول : ماهذا الذي تقرأه يا سوبارو ؟؟ لم أفهم ما قرأته ، أهي كلمات المدير كازوما ؟؟

قلت بهدوء : ألا زلت تثرثر حتى الآن ؟؟ ظننت أنك أقفلت .
سمعت صوت ياماتو الذي بدى متفاجئاً وهو يقول : ماذا !! أتعني أنك لم تكن تنصت إلى ماكنت أقوله ؟؟ وكنت طوال هذا الوقت أثرثر إلى نفسي ؟؟



ابتسمت بمكر فقد أفلحت في إغاظته وقلت : نعم للأسف لم أنصت إلى أي كلمة مما قلته ..
قال وقد بدى على صوته الإنزعاج : سوبارو أنت لئيم حقاً ، لقد جف حلقي من كثرة الثرثرة ، وفي النهاية ضاع كل ما قلته سدى ..
قلت ببرود : هذا لتعلم أنني لا أرغب حقاً في سماع صوتك ، وأرجو منك حذف رقمي من هاتفك ، فلو اتصلت بي مجدداً فسأقوم بما فعلته الآن ..


قال ياماتو بصوت محبط : سوبارو ألا زلت تكرهني حتى الآن ؟؟ على الرغم من أنني وضحت لك أن .......
قاطعته بحدة : أنا لم أكرهك لأنك ثري أيها الغبي ، ثم أنني لست فقيراً كما تظن ، هل نسيت تلك السيارة الفاخرة التي رأيتني أصعد عليها ، أتظن أن شخصاً فقيراً قد يمتلك سيارة كتلك ؟؟

صمت ياماتو لثواني ، ولم أسمع سوى صوت أنفاسه المنتظمة ، يبدو أنه قد أدرك أن تحليله لم يكن في مكانه ..
تحدث أخيراً ياماتو : إذاً فأنت تمتلك أصدقاء أثرياء غيري أليس كذلك ؟؟

ضغطت على الهاتف بقبضتي غاضباً ، هذا الياماتو غبي جداً ، ألا يستطيع أن يفهم الأمر بسهولة ؟؟
قلت وأنا أصر على أسناني : أأنت غبي أم تتغابى ؟؟

أتاني صوته الهادئ وهو يقول : أنا أتغابى..
رفعت أحد حاجباي بإستغراب ، بينما أكمل هو بنبرة شعرت بأن بها حزناً عميقاً : أنا أتعمد فعل ذلك لأخدع نفسي ، فأنا لا أتحمل فكرة أن تكرهني بدون أي سبب ، لذا أحاول إقناع نفسي أنك تكرهني بسبب مكانتنا الإجتماعية ، ولست تكرهني لذاتي ..


قلت بحدة وقسوة : لكنني أكرهك لأنك ياماتو ، أي أكرهك أنت لذاتك ، لذا لا تحاول خداع نفسك فمشاعري نحوك لن تتغير ..
صاح حينها غاضباً : إذا كنت حقاً صادقاً فيما قلته إذا لماذا طلبت مني أن أكون صديقاً لك ؟؟ تكلم يا سوبارو ..

أجبت وأنا أنظر إلى سقف الغرفة : فعلت هذا لأختبرك فقط ، لذا لا تفهم الأمر بشكل خاطئ ، أنا منذ البداية لم أرغب في مصادقتك ..

قال ياماتو بهدوء غريب : لا أعلم لماذا أنت تتصرف معي هكذا ، هل تقابلنا قبلاً أم ماذا ؟؟ هل تعلم !! شيء في داخلي يقول لي أنني أعرفك منذ زمن ..
قلت ساخراً : تعرفني منذ زمن ؟؟؟ لا تضحكني أيها الأحمق ، لم نتقابل قبلاً ولا يسعدني مقابلتك أصلاً ..

أجاب ياماتو : أشك أنك تكذب في كلامك ، لذا إن كنت صادقاً حقاً فأثبت لي ..
- وكيف سأثبت لك أيها الذكي ؟؟
- سآتي إلى منزلك الآن ، ولتدعني أرى وجهك من دون هذه الضمادات ، وأنا سأعرف حينها إن كنت قد قابلتك قبلاً أم لا ، وإن لم ترغب في نزع هذه الضمادات فأنا لن أجبرك وسأكتفي بصورة لك ..


قلت بسرعة : ماذا ؟؟ ستأتي الآن ؟؟ انتظر ......
بترت عبارتي حين أدركت أن ياماتو أقفل الخط في وجهي ، ويبدو أنه جاد بالقدوم إلى منزلي ..

حسناً فليأتي إلى المنزل إن شاء ، لكنه سيبقى خارجاً ..
ضغطت على أزرار هاتفي واتصلت على السيد روكاوا ، وحين رد علي قلت بسرعة : أين أنت الآن ؟؟
قال متفاجئاً : سوبارو يتصل علي ؟؟ هذا غريب فعلاً ، في العادة أنا من أتصل بك وأنت تتجاهل إتصالاتي ولا ترد إلا بشق الأنفس ..
قلت بقليل من العصبية : هذا ليس وقتاً للثرثرة ، لقد سألتك سؤالاً وأنا أنتظر الإجابة الآن ..

تمتم السيد روكاوا بتذمر : آخ منك يا سوبارو الوقح ، ألا تستطيع التحدث معي بإحترام ولو قليلاً ؟؟
قلت متململاً : أسأنتظر طويلاً حتى أسمع الإجابة ..
قال وهو مغتاظ : ولماذا تسأل ؟؟ أتريد شيئاً مني ؟؟
أجبت بهدوء : أريدك أن توصلني إلى المنزل ..

سمعت صوت السيد روكاوا الساخر وهو يقول : إذاً مللت البقاء في مكب النفايات ذاك ، وقررت العودة إلى المكان الذي يُسمى بالمنزل أخيراً ..
قلت بتأفف : أنت كثير الكلام حقاً ، لا أريد مساعدتك في شيء بعد الآن ، أغرب عن وجهي ..


أقفلت الخط في وجهه وأنا أشعر بقليل من الغضب ، أكره الأشخاص الذي يماطلون كثيراً ويثرثرون بأمور لا شأن لهم بها ، والسيد روكاوا واحد منهم ..
وضعت هاتفي في جيب بنطالي ، والتقطت معطفاً بنياً وغادرت المنزل ..


***
~ ياماتو ~

خرجت من غرفتي بسرعة بعد أن غيرت ملابسي ، ونزلت من على السلالم بتهور ، وكدت أن أسقط في آخر عتبة ، إلا أنني استطعت استعادة توازني في آخر لحظة ..

أتاني صوت بارد من الخلف يقول : إلى أين تظن أنك ذاهب في هذا الوقت ؟؟
قلت بملل دون أن ألتفت إليه : إلى منزل صديقي ، هل لديك مشكلة ؟؟

أجابني وأنا أسمع صوت خطواته تقترب مني : لن أسمح لك بالذهاب يا سيدي الصغير ، فوالدك لن يسمح لك بذلك ..
إلتفت إليه وقلت بسخط : هو لن يعلم إذا لم تخبره ، لذا أخفي الأمر عنه ..

رفع آلبرت حاجبه الأيمن وقال متعجباً : أتحرضني على خيانة والدك والكذب عليه ؟؟
قلت وأنا أفقد أعصابي شيئاً فشيئاً : لم أقصد تحريضك على هذا ، لكن هناك أمور لا يجب على والدي معرفتها ..

قال وهو يحضن ساعديه على صدره : أنت تعلم يا سيدي الصغير أنني أنفذ الأوامر بحذافيرها ، والسيد قد أمرني بمراقبتك ومنعك من مقابلة أصدقائك ، وأنا سأنفذ كل ما يقوله ، لذا لن تذهب حتى لو لم يعلم والدك بتحركاتك ..



آلبرت المزعج يغيظني جداً بتصرفاته ، فهو شخص لا يخالف القانون مهما كانت الظروف ، وإلتزامه هذا يغضبني ..

قلت بهدوء : حسناً سأعود إلى غرفتي ، تستطيع المغادرة يا آلبرت ..
نطق آلبرت بهدوء وهو يرمقني بنظرة باردة : لن أتحرك من مكاني إلا وأنت معي ، لذا لن تستطيع خداعي ..

شددت على قبضتي بقهر ، وتمتمت بحذر : أنت يا آلبرت تجبرني على أن أتصرف معك بطريقة لن تعجبك ..
تحدث بسخرية واضحة : لا تقلق يا سيدي الصغير ، أي شيء تقوم به يعجبني وأي شيء يأتي منك تروقني ..

إقتربت منه بخطواة سريعة حتى وصلت إليه ، وأمسكته من ياقة ملابسه وأنا أقول بتعالي : يبدو أنك لا تعرف مكانتك جيداً ، ليس لأنني أتصرف معك بلطف يعني أن تفرض علي سيطرتك ، لا يا عزيزي أنا السيد هنا وأنت لست إلا خادم مجبر على إطاعتي هل تفهم ؟؟

أكره فعلاً أن أتصرف بهذا الشكل ، لكن آلبرت يجبرني على هذا ، فعناده هو من أرغمني على التصرف هكذا ..

انفلتت من آلبرت ضحكة قصيرة ساخرة ، جعلتني أستشيط غضباً منه ..
وما أغضبني أكثر هو حين قال : لا تضحكني أرجوك ، أنت لست سوى ابن سيدي ، لذا لا سلطة لك علي ..

لم أعد أستطع تمالك نفسي أكثر ، ألا يكفي أنني أشعر بغضب شديد تجاه سوبارو الأحمق ، وأشعر بالتوتر على جوليا ، وأبي يضغط علي من جميع النواحي ، وها هو ذا آلبرت يستفزني كذلك ، لم أستطع أن أكبت مشاعري أكثر من هذا ، لقد طفح الكيل ..

دفعت آلبرت إلى الوراء بكل ما أوتيت من قوة ، لأراه يتمايل إلى الوراء ونظراته المتفاجئة لم تخفى علي ، وما هي إلا لحظات حتى رأيته مستلقياً على الأرض بعد أن ضربت رأسه عتبة الدرجة الأخيرة ، ويتوسع حينها بقعة الدماء الحمراء التي خرجت من رأسه ليكون بركة من الدماء ..

تسمرت في مكاني مشدوهاً لثواني ، وبقيت أرمش بغباء غير مدرك لما فعلت ..
أفاقني من شرودي صوت إحدى الخادمات وهي تصرخ بفزع ، إلتفت إليها وعدت أنظر إلى آلبرت الملقى على الأرض ، وحينها استوعبت ما حصل أخيراً ، لقد دفعت آلبرت وتسببت في سقوطه ، وها هو الآن فاقد للوعي ..

أدركت حجم المصيبة التي قمت بها ، وأخذت أتصبب عرقاً ، إلتفت إلى الخادمة التي هرعت طالبة النجدة من الخادمات الأخريات ..
نظرت إليهن بتوتر وارتباك ، وتمتمت بصوت متقطع : ماذا علينا أن نفعل الآن ؟؟ هل مات آلبرت ؟؟

تقدمت إحدى الخادمات من آلبرت وجثت على ركبتيها وأخذت تتلمس نبض آلبرت ، وأنا أشعر بأن الأوكسجين قد نفذ من المكان ، فالتنفس صار صعباً للغاية ..

- لازال آلبرت يتنفس ، استدعوا الخدم لحمله إلى السيارة قبل أن يفقد المزيد من دمائه ..

كان هذا ما قالته الخادمة التي فحصت نبضه ، وكلماتها أعادتني إلى طبيعتي أخيراً ..
تنفست الصعداء ، وهرعت بسرعة طالباً الإستغاثة من الخدم ، ليأتوا مسرعين ويحملوا آلبرت إلى السيارة ..


صعدت معهم إلى السيارة ، وجلست في الخلف مع آلبرت الممد على المقعد ، لم أكن أستطيع أن أبقى هادئاً ، وآمر السائق بالإسراع كل ثانية ، حتى أنه انزعج مني وطلب مني السكوت ، قبل أن يفقد تركيزه ويتسبب في حادثة تودي بحياتنا ..


وصلنا أخيراً إلى المشفى ، وعلى الرغم من أن المسافة لم تكن سوى ربع ساعة إلا أنني أحسستها طويلة جداً ..
حمل الأطباء آلبرت إلى غرفة الطوارئ ، وطلبوا منا الانتظار خارجاً ..

كنت أتحرك أمام الغرفة التي فيها آلبرت الآن ذهاباً وإياباً ، لم أستطع أن أبقى ساكناً في مكاني ، وأنا تسببت في أذيته ..

- إجلس أرجوك أيها السيد الصغير ، آلبرت بخير ولا داعي لكل هذا التوتر..
هذا ما تفوه به السائق الجالس على الكرسي المقابل للغرفة ، قلت وأنا ألتفت إليه بإنفعال : لا يمكنني ذلك ، لن أسامح نفسي إن حصل له أي مكروه فأنا السبب في إصابته ..


ثم صمت لثواني وطأطأت رأسي مكملاً كلامي وأنا أشد على قبضتي بقهر : المسكين لم يكن سوى ينفذ أوامر أبي ، لكنني ولأنني كنت أشعر بالضغط الشديد من كل صوب لم أجد إلا هو لأنفجر في وجهه ، وأصب جام غضبي عليه ، أنا فعلاً شخص حقير .. حقير ..


أحسست بيد السائق توضع على كتفي مواساة لي ، وقال بصوت هادئ : سيدي الصغير لا تلم نفسك كثيراً ، ثم أنني أعرف آلبرت وأعرف كلماته المستفزة ، أنا متيقن من أنه من تسبب بهذا لنفسه ..


ابتسمت بغيظ لنفسي ، حتى لو أنه استفزني بكلامه ، ماكان يجب علي دفعه ..

ثم أن آلبرت ليس الوحيد الذي تسببت بأذيته ، فهناك جوليا التي كنت سبباً في جعلها تذوق أقرف أنواع التعذيب ، ربما يكون سوبارو محقاً في كرهه لي ، أنا شخص لا يمكن لأحد أن يحبني ..

لمحت باب غرفة العملية تُفتح ، وخرج منها الطبيب ، حين رأيته هرعت إليه مسرعاً ، وأنا أقول بلهفة : كيف حال آلبرت الآن ؟؟
أجاب الطبيب وهو يُزيل كمامته عن وجهه : لقد قمنا بخياطة رأسه بسبعة غرز ، وهو الآن تحت تأثير المخدر ، بعد أن يستيقظ سنقوم بتحليل آخر لدماغه لنرى إن كان هناك أي أضرار أخرى ..

مسحت العرق الذي في جبيني وأنا أقول بتوتر : أتقصد أن هناك إحتمالية لإصابة دماغه ؟؟
أومأ برأسه مجيباً : نعم ، لكن هذا ليس مؤكداً ، فالأصابة كانت في منطقة النخاع المستطيل ، وهذا قد يتسبب في فقدانه لذاكرته أو لفقدانه لأحد حواسه والخيار الأسوء أنه قد يتسبب في شلله ، ولكن لا يمكن إثبات كل هذا إلا بعد أن يفيق المريض ..


كلماته جمدت الدم في عروقي ، هل هذا ما يمكن أن يحصل بسبب أنني دفعته خطئاً ؟؟ ماذا سأفعل يا إلهي ؟؟

كنت في دوامة تفكير عميقة ، ولم أنتبه لما حولي ، فقد شعرت وكأنني الوحيد في هذا المكان ، وكل من حولي قد تلاشوا من أمامي ، حتى الطبيب الذي كنت أحادثه قبل ثواني قد اختفى من أمامي، وبقيت وحيداً في هذا العالم المظلم ولازالت الإحتمالات السيئة تتردد إلى مسامعي دون توقف ..


***


~ جودي ~

على مائدة العشاء ، كنت أنا وأمي وأبي نتناول الطعام معاً ، لقد خرجت أمي من المشفى بعد أن وعدتنا بالإلتزام بالوجبات الرئيسية حتى لا تضطر إلى العودة إلى المشفى واستعمال المغذي ..

ثم أن أبي أرغمنا جميعاً على التواجد جميعاً حول المائدة في الثلاث الوجبات ، حتى لو لم أكن أشتهي تناول شيء ..


كان السكوت هو المسيطر على المكان ، إلا من صوت احتكاك الملاعق بالصحون ، هذا هو حالنا منذ أن اختطفت جوليا ، ولا أعلم إلى متى سنظل هكذا ..

أنا قلقة على أمي كثيراً ، فهي يوماً بعد يوم تذبل أمامي ، وأنا لا يسعني فعل شيء ..
لا أظن أن حالنا سيكون بهذا السوء إذا ماتت جوليا ، لكن ما يزعجنا حقاً هو أننا نجهل عن حالتها الآن ..

فعلاً الكثير من الأسئلة تحيرنا وتجعلنا في هذا الوضع المزري الذي يحزن لحاله الصديق والعدو ..
رؤيتها جثة هامدة أمامنا أرحم من فقدانها والجهل بحالها ، فعلاً نحن في وضع لا نُحسد عليه ..


أفزعنا جميعاً صوت الباب الذي طُرق بقوة بشكل متواصل ، نظرت إلى أبي بإستغراب متسائلة : من ذا الذي يطرق الباب بهذا الشكل ؟؟ ألا يرى جرس الباب ؟؟
هز أبي كتفيه قائلاً وهو يهم بالوقوف : لا أعلم حقاً ، سأذهب لأرى من الطارق ..

توجه أبي نحو الباب وفتحها لتقتحم جدتي الشمطاء المنزل ، ووجهها المحتقن بالإحمرار لا يُبشر بالخير ..
قلت بغيظ : ألا تستطيعين المجيء في وقت آخر إلا وقت تناولنا للعشاء ؟؟ أنت مزعجة حقاً ..
إلتفتت إلي بحدة ورمقتني بنظرة حادة جعلتني أبلع لساني مباشرة وألتزم الصمت ..

ثم إلتفتت إلى أبي من جديد ، وأخذت ترسل له نظرات حارقة ، ولو كانت النظرات تقتل لقتلت أبي بنظراتها ..
فتح أبي شفتيه قليلا ًلينطق بكلمة ، لكنها صرخت بصوت مرعب : أغلق فمك أيها الإبن الغبي ، لا أريد سماع كلمة منك ..

نظرت إليها متعجبة ، مابها العجوز غاضبة هكذا ؟؟ أهناك شيء لا نعلمه ؟؟

أردفت جدتي وهي ترفع عصاها الخشبي التي تستند عليها بيدها المليء بالتجاعيد مشيرة إلى أبي وبنبرة عالية : أنت فعلاً شخص حقير للغاية يا روك ، كيف لك أن تخفي شيئاً مهماً كهذا عني ؟؟ أنت فعلاً تستحق أن تعاقب أيها العاق ..

قال أبي بهدوء محاولاً إمتصاص غضبها : أمي إهدئي قليلاً ، واشرحي لي ما يحصل ..
قالت وهي تشد على العصا بقوة وبنبرة كلها غضب وعصبية : لماذا لم تخبرني بما حصل معكم عند سفركم ؟؟

اتسعت حدقتا عيني أبي بصدمة ، في حين أكملت جدتي : إذا لم أبحث عن ماضي جوليا ماكنت لأعرف ، لماذا أخفيت هذا عني ؟؟ شيء مهم كهذا حصل لحفيدتي وأنا لا أعرف عنه ، أتريدني أن أغدوا غبية أمامكم ؟؟ لماذا أخفيت هذا عني يا روك ؟؟ لماذا ؟؟

توقفت عن الكلام وجسدها الضعيف يرتعش بشدة ، اقترب منها الرجل الذي يرافقها دائماً ، وقال بهدوء وهو يقترب من جدتي : سيدتي انتبهي حتى لا تنهار صحتك ..
دفعته جدتي بيدها الضعيفتين ، بينما سأل والدي : ما الذي دفعك إلى البحث عن ماضي جوليا ؟؟

لم ترد جدتي عليه ، فقد كانت منشغلة بسحب الهواء لملئ رئتيها ، وتنفثها بهدوء وكأنها تحاول السيطرة على نفسها بهذه الطريقة ..
بقيت تفعل هذا لمرات عدة ونحن ننظر إليها بترقب ..

نطقت جدتي بهدوء أخيراً : أنا لم آتي إلى هنا لمعاتبتك فحسب ، فهناك ما اكتشفته أيضاً ..

- وما هو ؟؟
كان هذا ما هتفنا به ثلاثتنا أنا وأبي وأمي ..
قالت جدتي : لن أقول لكم ..
استدارت بعد أن فاجأتنا بجوابها لتغادر المنزل ، هرع أبي إليها وأمسكها قائلاً بترجي : أمي أخبريني أرجوك ما لديك ..

قالت جدتي بنبرة باردة : ولماذا أخبرك بشيء اكتشفته في حين أنك أخفيت عني أمور عدة ..
سارت أمي بصعف نحوها وقالت بوهن : جوليا ابنتنا لذا يجب أن نعرف كل ما يتعلق بها ، لذا أخبرينا أرجوك ..

صرخت جدتي وقد عاودها الغضب مجدداً : وهي حفيدتي أيضاً ، لذا ماكان يجب أن تُخفوا عني ما حصل لها في أثناء سفرها .

طأطأ أبي رأسه بإنكسار وقال : أعلم ذلك يا أمي ، وأنا آسف لأني أخفيت الأمر عنك ، لكن كما تعلمين علاقتنا لم تكن جيدة لذا .....
قاطعته جدتي بصرامة : هذا ليس عذراً يا روك ، لماذا لم تخبرني جوليا وهي تزورني أسبوعياً؟؟ ألهذه الدرجة لست مهمة عندكم ؟؟

قالت جدتي الجملة الأخيرة بنبرة مرتعشة ، وكأنها تُنذر ببكائها ، أمسك أبي يدها الهزيل وأخذ يقبل يدها قائلاً : لا يا أمي أنت مهمة ونحن لا نستغني عنك ، لكننا لم نكن نريد إقلاقك يا أمي ..
جذبت جدتي كفها من بين يدي أبي وقالت وهي تشيح بوجهها بعيداً : أنت كاذب يا روك ، جميعكم لا تطيقونني ، وإن كنتم صادقين فيما تقولونه كان عليكم زيارتي عندما كنت في المشفى ، لكني لم أرى أي منكم سوى جوليا ..

عاد أبي يُطأطئ رأسه بخجل ، وأنا لم أحبذ فكرة رؤية والدي بهذا الشكل المُذل ، لذا قلت مدافعة : أنت من منعنا من رؤيتك يا جدتي ، أم أنك نسيتي ماذا كنت تفعلين بنا عندما كنا نزورك ؟؟ أتتذكرين كلماتك القاسية التي كنت تقذفيننا بها ؟؟
ثم أكملت ساخرة : حسناً لن ألومك إذا نسيتِ ما كنت تقولينه لنا ، ففي النهاية أنت عجوز كثيرة النسيان ..


أنهيت كلمتي الأخيرة لأتفاجأ بصفعة قوية طُبعت على خدي الأيمن ، جعل رأسي يلتف إلى الجهة الأخرى ..
أخذت أرمش بعدم إستيعاب ، هل صُفعت للتو أم ماذا ؟؟
إلتفت إلى الأمام ببطء لأرى وجه أمي الشاحب تحدق فيني بعصبية ..

قلت وأنا أتلمس مكان الصفعة : ماذا فعلت لتصفعيني يا أمي ؟؟
أجابت أمي وهي تضيق فتحة عينيها : أربيتك على هذا يا جودي ؟؟ تسخرين من جدتك وتسألينني لماذا صفعتك ؟؟ يبدو أنني لم أحسن تربيتك جيداً ..


أنكست رأسي بندم ، ماكان يجب أن قول ما قلته ، وأنا أستحق الصفعة حقاً ..
سمعت جدتي تقول بنبرة ساخرة : من الجيد أنك أقريت بسوء تربيتك ..
تحدث أبي : أرجو أن تعذرينا على سوء أدبنا ووقاحتنا معك أمي ، لكن أرجوكِ أخبريني بما عندك ..


زفرت جدتي وقالت : سأخبرك لكن بشرط ؟؟
قال ابي بلهفة : وما هو شرطك ؟؟ أنا موافق أياً كانت شروطك ..
قالت جدتي بهدوء : إذا عادت جوليا إلينا سليمة فأنا سآخذها لتسكن في منزلي ، فهناك ستتلقى الكثير من الإهتمام والراحة ، وتعيش بأمان دون خوف ..

نظرت إليها مندهشة ، ما هذا الشرط الغريب ؟؟ لماذا تريد لجوليا أن تسكن في منزلها ؟؟
نظرت إلى أبي منتظرة ماسيقوله ، ولم يكن أقل دهشة مني ..

قال أبي بإستنكار : هل أنت جادة ؟؟
أجابت جدتي بجمود : كل الجدية ..
نطقت أمي بصوت هزيل : سنفعل ذلك ، لكن المهم أن تعود جوليا ، لذا أرجوكِ شاركينا بما تملكينه من معلومات ..

لم أصدق ما سمعته أذناي ، هل من المعقول أن يصدر مثل هذا الكلام من أمي ؟؟ هذا غير معقول أبداً ..

قالت جدتي : حيناً لكن لا يمكنك التراجع عن موافقتك ، لقد علمت أن عائلة شيبا قد انتقلوا إلى هنا قبل أسبوع أي في الأسبوع الذي اختفت فيه جوليا ..

صرخنا جميعاً بتفاجؤ : عائلة شيبا !!!
قالت جدتي بجدية : نعم عائلة شيبا ، وأنا أشتبه بأنهم هم من اختطفوها ، انتقاماً لموت ابنهم ، لذا سأطلب منك يا روك مراقبة تحركاتهم ، لا تتهور وتذهب لإستجوابهم مباشرة ، فأنا أخشى أن يدركوا بأننا شككنا بأمرهم ويتخلصوا من جوليا ، لذا حاول مراقبتهم أولا وبعدها ألقي القبض عليهم إذا ما كنت متأكداً من تورطهم في القضية ..


قال أبي متسائلاً : وكيف علمت بكل هذه المعلومات ؟؟
أجابت جدتي ببرود : لدي مصادري الخاصة التي تُعلمنا بصغائر الأمور ..

نهاية الجزء

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
رد مع اقتباس