عرض مشاركة واحدة
  #74  
قديم 10-31-2016, 07:10 PM
 



بدأت في الشعور بالضنك ، الضيق طاغ على قلبي ، أعدت كتاب أبي لمكانه ثم أغلقت جميع نوافذ مكتبه الضخم لاخرج بعدها ، حالما هممت بأخذ طريقي نحو حجرتي قابلتني إحدى الخادمات بوجه مصفر باسم وقالت بعد تردد:
" هل أجهز لك العشاء ؟"
نفيت بسرعة ، لكني أخبرتها أني سأتناوله مع أخي ، فاعتذرت نيابة عنه لانه مشغول ولربما لن يأتي الليلة ، لا بأس ، سأتفهم الأمر ... طلبت منها عوضا عن عشاء ثقيل إحضار عصير وسلطة ، لا رغبة في نفسي للأكل لكني جائعة ، جسنا ، على كل حال ، اومأت برأسها ثم توجهت للمطبخ بسرعة ، جال في خاطري سؤالها عن سبب إرهاقها إلا انها اختفت قبل أن أطق بسؤالي .
بعد ولوجي للغرفة حملت هاتفي أحملق فيه بدهشة ولساني يردد :" كيف .. ؟ كيف حدث ههذا ؟؟
لا أصدق! أمي لم تتصل بي ولا أبي .. هذا خطأ لا يغتفر منهم ، عندم يعودون سأطلب تعويضا على نسياني ، فأمي أخبرتني أنها ستتصل أو ترسل رسالة ولن تتركني قلقة حتى الليل , المشكلة ليست هنا فقط ، فكلاهما يلقان هاتفهما ، أيتعمدان إغااضتي ام ماذا ؟"
ـ
تململ على سريره القاسي بملل ثم حدق نحو الحائط المقابل ، المكان بارد بسبب أشباح التمرد المكبلة . تلك التي تنفخ هوائها في أنحاء هذه الحجرة الضيقة ، كأنما هي رياح تريد قطعكل جميل عن نفسه الواثقة ، لكن ثقته لا تنتهي ..
بل إنها - هذه الثقة - هي من ستنهي الوضع المخزي الذي لا يليق به ، هو ليس أي شخص ..
إنه الأفضل .
ـ
" راوند عليك الصمود ، هم لن يسعدوا برؤيتك هكذا ، هيا قف ، قف واجه الأمر بالصبر ، يمكنك سكب الدموع لاحقا ، هناك من يحتاجك ، أرجوك .. قف ،قف ، قف "
خاطب صوته الداخلي جسده الواهن ، إنه يقصد كل كلمة قالها ، عليه الصمود والصبر ، عدّل من وضعيته على السرير و أسقط أقدامه ليلامس الأرض بحذائه ، إحتاج حبس أنفاسه وإغماض عينيه و هو يتوجه للباب ، في النهاية رمى كل زفيره وفتحه ليستقبل وجه الممرض وجهه ، همس راوند :
" خذني للغرفة .. نسيت رقمها "
لكن الممرض ألقى نظرة خاطفة للطبيب الواقف في الجهة الأخرى لمنحه الإذن ، فهزّ الأخير رأسه دلالة على الموافقة ، سحب الممرض مقبض الباب لغلقه ، وسارا جنبا لجنب حتى تلك الغرفة . فدخل راوند وبقي الممرض ينتظره خارجا ، لا تزال الأجواء في الداخل مشبعة بزرنيخ الموت الهالك ، سيفقد عقله إن ظلّ ينظر لهم ، لا يريد رؤية أغطية بيضاء ، لكنه يعلم أنهم سيسمعونه ، كز نظره على الأرض وبدأ الكلام بصوت أجش :
" أمي ، أبي ، جدي ، الأعزاء ، أعلم أني أخاطب أرواحكم الغالية وأنكم تصغون إليّ ، ما أرد قوله ، وهذا الذي لم أقله لأي منكم منقبل ، هو أني أحبكم ، وأنا أتأثر بكل واحد منكم ، "
ارتجفت شفتاه وهو يكمل :" لا أدري كمية الألم ومقدار ما سببته لكما يا والديّ حينما كنت أرفض استقبالكما أو الحديث إليكما عبر الهاتف ، كنت غبيا و أنا أحلل كل تصرف لكما على أساسٍ اضعه بنفسي لنفسي ، وأؤمن به ، لم أحاول قط معرفة أسبابكما ،مع أن جدي لم يدخر جهدا في محاولة تقريبنا من بعضنا ، ومحاولة جعلي أكثر مرحا ونشاطا ومحبة لكما ،إلا أني كنت قاسيا .. أنا فعلا آسف "
حاول كتم صوت بكاءه طويلا بعد تلك العبارات لكنه خشي من أن لا يستطيع الإكمال فرفع عينيه ليقول :
" مالا أفهمه انكما لم تخبراني قط أنكما بعد حادثة الإفلاس عدتما لبدء كل شيء من الصفر ، وكنتما تتقصيان أخبارنا بإستمرار ... لا بد أني تجاوزت الحمق بمراحل إذ أنكما علمتما في ذاك الوقت مقدار غبائي بحيث لم تطلعاني على الأسباب خوفا من عدم تفهمي .. أن فعلا آسف ، آسف لكل ما بدر مني ولأني جعلتكما تعتذران لي قبل أن أفعل أنا ذلك . نسكبت دموعه غزيرة في تلك اللحظة وأفنى وقتا وهو يصارعها ، إلى أن غلبها وقال ختاما بطيف إبتسامة :
" كنتما مذهلين ، سأظل مدى الدهر أتذكركما ، أنما أنت يا جدي فاظنك تعلم مدى حبي لك .
إني أحبكم جميعا وسأبقى على ذلك " توجه ليقبل رأس كل واحد منهم . أعاد الاغطية وكان ليخرج من المشفى دون إلقاء نظرة أخرى إلا أن معاملات كثيرة جعلته يقضي ساعة أخرى هناك ، قبل أن يعود وقد قاربت الساعة على الرابعه ,

الطريق موحش جدا وبدا حفيف الأشجار له آتيا مُعزيا كما تمثلت له أشعة القمر تبكي أعزاءه الذين فقدهم ، كان عقله خاليا تماما ختى وصل القصر . ركن سيارته بإهمال قبل أن يفتح الباب ويفاجئ بالأنوار مضاءة و الخذم مصطفين أمامه ، تقدمت المدبرة وأخذت بشرح تجهيزات الجنازة إنتظرها حتى أكملت وسألها بهدوء :
" أين استيرا ؟ "
أشارت العجوز للأعلى :" في غرفتها ، لم تعلم سيدي ، اظنها نائمة "
تجاوزها نحو الدرج لكنه استدار بشكل مفاجأ قائلا : أرسلي الخبر للجرائد واتصلي بكل الأرقام الموجودة في سجل أبي لأرقام العائلة تجدينه في مكتبه .. من فضلك "
أنهى كلامه فتفرق الخدم على وقع خطواته الصاعدة .

يحس بإرهاق عظيم ال’ن ، بثقل في فوائدة دخل ليستحم سريعا ثم خرج ليرمي بجسده على السرير بملابسه المريحة ، لكن وقوف شحص أمام باب الغرفة بنظراته المريبة جعلته يستقيم حالا وينتشر الإرتباك في كامل أنحاء جسده .
همس بتوتر بالغ :" إستيرا ؟" لم يجد إجابه منها غير الحيرة ، فاستقام ومسح وجهه براحة يديه مُداريا ما طرأ عليه / وما لبث أن ركز نظره صوبها وسأل :" مالذي حدث ؟ لم لا تزالين مستيقظة ؟ "
أجابت بخوف :" علي أم أسألك هذا راوند ، ما بك ؟ تبدو سمات الجزع عليك ، ومالذي يحضر له الخدم حتى هذه الساعه المتأخرة ؟ بما هم مشغولون ؟ ماذا يجري أخبرني ؟ "
تقدم نحوها ممسكا بكتفيها وخاطبها بلهجة أقرب للترجي :" إدهبي للنوم إستيرا ، غدا سنتكلم في هذا " رفعت رأسها وكادت تعارضة لكنه أكد كلامه :" سأخبرك بكل شيء لاحقا ، نامي الآن "
إرتخت يداه عن كتفيها وشعر بوهن الحزن يسري مجددا في عروقه
فجأة ! تصلبت أوصاله على صوتها المظطرب الباكي وجحود عينيها الباكيتين :" لم لا تقول كل شيء الآن ؟ لن أذهب حتى أعرف كل شيء منك ، هاله سوداء تحيط بالجميع وأريد معرفة سر ذلك ، كنت لأسأل أمي لكن هاتفها مغلق كما الحال عند أبي ، بالتأكيد كانا ليعلماني حتى لو كان الأمر فظيعا ! أنت المسؤول في غيابهما ، عليك أن تخبرني " جعلت صوتها أعلى في الجمله الأخيرة فيما ابتلع راوند ذلك كحنظل علق في حنجرته ومازالت مرارته تصعد وتصعد حتى شعر بلهيب الدموع يتساقط على وجنتيه ، إستدار بسرعه لألّا يواجه أخته ، لكن الاوان قد فات ورأته بذاك المنظر ، بسرعه جعلت الأخيره تراجع ما قالته ، لم ينفعل راوند مع كل كلامها ، فقط الجزء المتعلق بوالديهما ، لم يبكِ من قبل ،! لم يبكي الآن ؟ صاحت وقد أملت كل الأمل أن يكون ما طرأ على بالها وهما :
" هل حدث مكروه لوالديّ ؟ " لم تنتظر طويلا لتأتيها الإجابة الصادمة : " مات ثلاثتهم في حادث اليوم"
لحظة !! ماذا ؟!! لا .. لا يمكن ..هذه فاجعة أكبر من أن تتحملها ، لا تستطيع البكاء ، لا تستطيع الصراخ ، شعرت بجسدها يتهاوى وعيوهها تنغلق .. وفي لحظات فقدت الوعي .





قرأت ردا في إحدى المرات أنه يجب أن أضع أسئلة
وها أنا أخيرا أجد أسئلة ملائمة :
- ما رأيك بموت والدي استيرا وراوند ؟
- من تتوقع\ين أن يكون ذاك الذي تم ذكره بشكل غامض ؟
- كيف بدا راوند وهو يقول ذاك الكلام للميتين ؟
- هل كان من المناسب أن يخبر راوند استيرا بذلك في ذاك الوقت؟
- ملاحظاتكم

وفي حفظ المولى
رد مع اقتباس