عرض مشاركة واحدة
  #67  
قديم 10-13-2016, 12:56 PM
 



طرق الباب بمنتهى اللطف لتبعد استيرا خصلات شعرها قائلة :" تفضل" ، تحرك الباب مصدرا أزيزا خفيفا وأطل وجه دائري لإحدى الخادمات وهي تتقدم نحوها مرددة :" آنستي يخبرك السيد راوند أن التاسعة من اليوم هي ساعة لقائكما ، ويؤكد لك أن الشهب ستظهر ،وعليك رؤيتها حتى وإن لم يأتي هو " . شكرتها استيرا وهي تتفحص ملامحها بنوع من الدهشة لتغيير الذي طرأ ، وبعد مرور القليل من الوقت على ذهاب تلك الخادمة نزلت استيرا لتشرب الشاي مع أمها .
ـ
كل بداية لها نهاية ، ونهاية قصته الحافلة بالأحداث أو... بالبؤس كما يحب تسميتها ، لم تعجبه ، يرغب بتغييرها كما غيرت تلك الفتاة من قبل نهايتها ، إذ أن الأمور يجب أن تكون على ما يرام عند إسدال الستار وقت الختام ، هذه الفلسفة الشائعه الآن وهو يؤمن بها تماما ، أرخى عضلات وجهه المشدودة ونظر لزميله المستلقي على فراشه الصلب قائلا :" اسمع يا هذا ، لم اقم بأي خطأ ، لكن عليّ إصلاح بعض الأمور ، حسنا ؟" ، بدا على الأخير الإندهاش ، فاستقام ورد :" أخيرا تكلمت ، لم أتوقع أنك تشبه الآخرين ، بدوت مختلفا نوعا ما " افتعل سعالا خفيفا وقال :" عليك أن تعترف بخطأك حتى تتعايش معه ، انكاره سيعذبك فيما بعد " لم يجد جوابا فعاد لاستغراقه في التفكير ، وكان جلّ تفكيره مصوبا على ذاك الشارد هناك ، فعليا لا يبدو أنه مجرد شخص عادي قام بعمل مشين ، ولا يبدو في نفس الوقت أنه متعود على مخالفة القانون ، كل ما يظهر عليه هو انه غير راضٍ ، نفض عن رأسه هذه الأفكار ، سيفعل كل ما يفعله دوما ، لا احد يشاركه هذا المكان دون أن يعرف قصته ،ولهذا يسمى هنا :'' المعالج النفسي "
ـ
قضت استيرا فترة طويلة تحدث امها في الحديقة الفيحاء حيث اعترفت والدتها بأنها تعتبر هذه الفترة من حياتها فترة نقاهة من الاحداث المتراكدة التي شابت صفوهم أجمعين ، واخرجت من خلدها عبارات جياشة بدل الدموع ، تهطل من من قبها مباشرة جاعلة من هذه الوالدة الحنون لوحة شاعرية يتغنى بشعورها أفضل الشعراء ، وحسبها أن تتكلم بلا توقف ن لكنها آثرت الصمت لألا تُعاود ذكرى الإختطاف ابنتها ، فتململت قليلا وهي ترى مُضيّ 3 ساعات على مكوثهما هنا فقالت :" عزيزتي لندخل الآن " ، وفجأة تذكرت استيرا الموعد الذي ابرمته مع اخيها ، أخذت الإذن من امها وهرولت نحو السطح ، صعدت الأدراج بسرعة وهي تلهث و تستشعر خفقان قلبها " كم كان متعبا "، صرحت بهذا بعد وصولها ، ثم رفعت راسها لتمسح المكان بناظريها ، السطح مظلم قليلا ، وضع عليه كرسيان جيدان لمراقبة الفضاء ، وتتوسطهما طاولة بها علبتان من العصير ومرطبات ، لكن لم تجد راوند ، قررت انتظاره قليلا قبل عمل اي شيء في البداية ، فجلست على احد الكرسيين ومدت قدميها المتعبتين ، ثم راحت تحدث نفسها كما تفعل دوما :" هذا بديع . لم أتوان لحظة من قبل عن إيجاد بقعة مميزة في الفيلا ، لم أعرف ان السطح هو البقعه الظامثل للحظيّ ببعض المتعة والعزلة " تاملت النجوم بشيئ من الدهشة واردفت :" ليل هو حالك السواد ببريق منثور كنثر لا يُعرف له بداية ولم توجد له نهاية ، نجوم تعطي أملا بأن الليل ليس منبر إنبثاق الأحزان وإحتواء العواطف الجياشة التي تمرد عليها السرور ، بل هو فضاء جميل ، كون بأكمله مخصص لأصحاب القلوب الحساسة في وصفه بكلمات لمعتها تزين بنجومه ، لمتقفي آثار أجرامه وكواكبه ، لراسمي لوحاتهم من وحيه وخياله ، لكل من يستلهم شيئا منه أو يفعل شيئا لفهمه ، الليل ساحة يعرفها الجميع وفيها كل يعبر عن ذاته بطريقته المثلى الاثيرة ،
رمت الفتاة بعد نوبه الاحاسيس التي اجتاحت وجدانها بظهرها على الكرسي وهي تقلب نظرها هنا وهناك ، عين على السماء وعين على المدخل ، أين الشهب ؟ اين راوند ؟ كلاهما تأخر كثيرا إنها العاشرة ، مالذي أخره ؟ ألن يأتي ؟ ستتصل به إذن . يرن ويرن بلا فائدة حتى رسائلها النصية القصيرة لا تجدي نفعا ، ظلت على حالها برهة ثم قررت النزول لإستطلاع الأمر ، وقبل ان تضع قدميها على الأرضية وجدته أمامها ، قال بإبتسامه :" أكنت تريدين الذهاب ؟" ردت بصدق : " كنت سأبحثفي أمر تأخرك ، لم تأخرت ؟" قال مجددا :" وجدت صديقا لي فبقيت معه قليلا " وعندما رأى نظرتها المنزعجة صحح مفهومها :"إنه يسكن في مدينة أخرى رؤيتي له كانت مصادفة وأحببت قضاء بعض الوقت معه قبل أن آتي ، لا اعرف متى سألتقي به مره اخرى ، هل إرتحت ؟" أومأت برأسها باستفزاز . وقصد قطع اول خيوط الشجار جلس راوند بسرعه فجلست هي كذلك وراقبا السماء حتى سقطت الشهب ، تكلما كثيرا وضحكا أكثر ، حتى الثانية فجرا ,
ـ
" أهناك أمر ما ؟" " لا اماه ، كل شيء على ما يرام " ليقول أبي :" امتأكدان ؟ تبدوان متعبين ؟" فعاد ليجاوب :" لاباس ، لم ننم جيدا بالأمس بسبب تساقط الشهب ، سهرنا كثيرا ، مسموح لنا بهذا أليس كذلك ؟ ، ابتسم والدي في حين كنت اتناول طعام افطاري رفقتهم في غرفة الطعام وجفوني تكاد تنغلق ، أخيرا أنهيت وقام الخدم بحمل الأطباق ، خرج أبي للعمل وتبعه راوند بعد ذلك ، أما انا فقد رفضت دعوة امي للذهاب الى الشركة معها بحجة اني ساحضّر اغراض العودة للمدارس مبكرا ما دمت أملك الوقت لذلك ، فودعتني وذهبت ، لاكون صريحو لم أشأ فعل ذلك كان مبرراف حسب ، اذ اني قضيت الصباح بطوله احادث صديقاتي على الهاتف ولم ابدا بترتيب الاغراض إلا في المساء حيث تخلصت من كل قديم قبيح واحتفظت بالباقي ، فيما بعد قررت الذهاب غدا مع صديقتيّ "الما "و "سوزي "للمول لشرار كل ما ينقصنا نحن الثلاثة ,
في الليل كان مفاجأ أن يخبرنا ابي أن لدينا رحلة صيد ليوم غد ، لم أنتبه للفرحة التي كست وجهه حينما أعلن ذلك ، لكنه فيما بعد أخبرنا أنه يعشق القيام بها ، لكنه ترك هذه الهواية ، بسبب انشغاله في السنوات الأخيرة ، طلب مني النوم باكرا ، فالرحلة ستكون غدا صباحا ، نمت نوما هنيئا مليئا بالأحلام الجميلة إلى ان غزا صوت المنبه عقلي زجعلني استيقظ بذعر ، استحممت سريعا وصففت شعري . أخذت أتأكد من كل اغراضي في الحقيبة ثم نزت لأفطر و الابتسامة تشق حلقي ، لم أجد غير أمي في غرفة الطعام ألقيت تحية الصباح وجلست آكل بهدوء، كانت مشغولة على ما يبدو في أمر هام في هاتفها ، فجأة وقفت وأسرعت لتصعد للطابق الثاني ، لم أرد إزعاجها لذا ذهبت لغرفتي وجلست أعدل من هيئتي أمام المرآة ، قبل أن تطلب أمي مقابلتي في غرفتها ، وهناك أوضحت لي بنوع من الأسف أن أبي يريد أخذ الجد أولا هذه المرة وسنذهب جميعا المره القادمة ، إذ أنه مشتاق لوالده وريدان قضاء بعض الوقت الخاص بهما ، إلا أن أمي ستذهب لعدة أسباب ، طمأنتهما بأنه لا مشكلة من ناحيتي فقد كنت سأذهب مع صديقاتي للتسوق بأية حال ، اعجبت بالفكرة ، وبعد أن آتى أبي أوصاني بعدم الذهاب وحدي لأي مكان غريب ، ولم يخرجا قبل أن يُمطراني بالنصائح ويعطياني الكثير من الأحضان والقبل كالرضيعة .
خرجا وبقيت قليلا لكني شعرت فجأة بنوع من الريبة ، خرجت مسرعة من الباب وصرخت:"أنتما رائعان ، أحبكما ، ابلغا جدي أني أحبه وعودوا بالسلامة قبل العشاء لنطبخ معا السمك "، من المستحيل أن يعودا قبل الغد ، لكني شعرت أني بحاجة لقول هذا وقلته ، المهم أنهما سمعاني ولوحا لي من بعيد ، ارتحت لذلك . دخلت بعد هذا لغرفتي أكسر الوقت بإفراغ حقيبتي والتأكد من قائمة مشترياتي ،
ـ
بعد التاسعه التقيت بإلما وسوزي ، تماما عندما رأيتهما صرخت :" واو سوزي اكتسبت بعض الوزن كنت في الماضي كالهياكل العضمية أ برز جمال وجهك الآن " ضربتني بخفة على رأسي قائلة : " أما أنت فاكتسبت طول اللسان " ردت إلما :" لم تفعل ، كانت دوما هكذا ، " ثم تصنعت الحزن وهي تقول :" هل لا حظت طولي ؟ " صاحت سوزي :'' هل اصبحتِ أطول مني ؟ وجرت لتقف بجانب إلما كي أحدد لهما الأطول . نظرت مليا فوق رأسيهما و تمتمت : " سحقا لكما " ثم اعتدلت وأنا أقول برسمية بعد سعال خفيف :" والآن ستحدد الآنسة استيرا النتائج .. بعد تحليل كل الصور والمعطيات واجراء القياسات اللازمة .. وجدنا انكما ازددتما طولا بالقدر ذاته وحكم عليكما انكما ستضلان هكذا للأبد بنفس الطول مهما حاولتما تغييره ..." لم أنهي جملتي إلا وقد كانت سوزي تخنقني وإلما تدغدغني ، لم تباليا بالناس المستغربة من حركاتنا وواصلتا ذلك حتى كدت افقد انفاسي .... وعندما تركتاني أخيرا جعلتاني اعتذر رغما عني على كلامي ، فأكثر ما تكرهانه هو كونهما بنفس الطول لم تسبق إحداهما الأخرى في هذا الأمر وظلتا تزدادان بنفس السنتيمترات كل سنة ، ومع هذا تبحثان عن وسائل ليختلفا في ذلك / حسنا .. المهم أنه بعد هذا قضينا وقتا ممتعا بالسوق كانت ساعات طوال في الإنتقاء وتبادل الآراء , بعد هذا زرنا احد المطاعم البسيطة كتغيير .. أو لنقل كوننا استنفذنا كل مالنا ، تغدينا وافترقنا بعد ذلك ،
الجيد في سوزي وإلما انهما لا يسألان كثيرا كما تفعل باقي صديقاتي ، إذ أنهما يحبان معرفة الفكرة أو السبب دون التفاصيل ، ولا يشكان أو يلحان كثيرا ، ثم إنهما مرحتان ومحبتان لي ، نقاطهما المشتركة جميلة و شجاراتهما لا تنتهي ، هما مزيج جميل .
بعد عودتي للفيلا كان راوند بشاهد التلفاز في أحد الغرف ، سلمت عيه ثم دخلت غرفتي ارتب اشيائي ، استححمت ووقفت أصفف شعري قبل أن يخطر لي الذهاب إلى مكتبة أبي وولوج عالم الأحلام مع كتبه ،، وهذا تماما ما فعلته .
رفع راوند رأسه نحو المدخل حينما تناهى لسمعه صوت طرق عليه ، لتقول إحدى الخادمات :" سيدي راوند هناك شخص من مركز الشرطة يطلبك على الهاتف " ، عقد المخاطب حاجبيه وسارع للنزول متجها لحمل الهاتف ، لكنه صعق مما سمعه ، وفي لحظة إنهار كل شيء أمامه وجرى ليركب سيارته .



قراءة ممتعه
رد مع اقتباس