عرض مشاركة واحدة
  #57  
قديم 10-01-2016, 12:03 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://d.top4top.net/p_145wzuq2.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
.. 22 ..

~ ياماتو ~

واقف في مكان أجهله ولا أرى شيئاً سوى الظلمة ، فجأة ظهرت جوليا التي تبدو في حالة رثة وسط الظلام، وهي مطأطأة رأسها نحو الأسفل ..

بدأت أناديها لكنها لم تجبني ، إقتربت منها بخطوات مترددة ، وحين وصلت إليها ممداً يدي لأمسكها ، رفعت رأسها فجأة ، وأمسكت بيدي الممدودة بكلتا يديها ..

حينها تمتمت بخوف : جوليا ما بك ؟؟
رفعت رأسها لترمقني بنظرة حادة ، جعلتني أقشعر خوفاً ..

ضغطت على يدي بقوة وهي تغرز أظافرها في يدي ، قلت وأنا أحاول أن أجذب يدي بألم : جوليا أتركيني أنت تؤلمينني ..

حينها ردت جوليا : ألمك هذا لا يقارن بما شعرت به أبداً ، أنت من عليه أن يتعذب أيها الجبان ..

قلت بصوت مرتعش : أنا آسف يا جوليا ، لم أقصد أن أضعف ، لكن كان الطلب صعباً قليلاً ..
حينها صاحت جوليا بغضب : وتسمي نفسك صديقاً ؟؟ ألم يكن عليك أن تفكر بي قبل هانا ؟؟
ثم صمتت قليلاً لتقول بعدها بإبتسامة ساخرة : أوه صحيح أنا لست صديقتك ، أنا لست سوى خادمة لديك تعد لك علبة الغداء ..

بعدها تركتني وهي تبتسم بألم ، ويدي الذي كانت تمسك به ينزف دماً ..
لم أعر ذلك الجرح أي إهتمام حينما رأيت جوليا تدير ظهرها راحلة ..
كنت ألحق بها وأنا أقول بصراخ : جوليا لاتذهبي ، أقسم أنني أعتبرك صديقة ثمينة ، حينما طلبت منك أن تكوني خادمة لي كنت أهدف للتقرب منك فقط ، لذا أرجوكِ يا جوليا عودي ..

على الرغم من أنني كنت أركض خلفها بأقصى قوتي إلا أنها كانت تختفي وسط الظلام شيئاً فشيئاً حتى أنني لم أعد إستطيع رؤيتها ..

أطلقت صرخة عااالية : جوليااااااااااااااااااااااااا



جلست بفزع وأنا أتصبب عرقاً وألهث بتعب ، إلتفت يمنة ويسرة لأدرك إنه لم يكن سوى حلم مزعج ..

إنتبهت لوجود آلبرت الجالس في زاوية الغرفة وينظر إلي بهدوء ..
تحدث آلبرت : يبدو أنك كنت تحلم بكابوس مزعج حتى أن دموعك تنهمر وأنت نائم ..
رفعت يدي على خدي لأدرك أنني كنت أبكي كما قال آلبرت ، مسحت دموعي بسرعة وأنا أقول : منذ متى وأنت هنا ؟؟

تجاهل آلبرت سؤالي وهو يقول : بماذا حلمت يا سيدي الصغير ؟؟ ومن هي جوليا التي كنت تناديها في حلمك ؟؟
أجبت وأنا أشد على قبضتي الممسكة بالفراش وأهمس بنبرة ضعيفة : إنها صديقتي .... وأنا تسببت في إيذائها كثيراً .... بسبب جبني ..

تذكرت فجأة منظرها وهي تلعق القيء المسكوب على الأرض ، بكل ذل وإنكسار ، لينتشلني صوت آلبرت البارد وهو يقول : أووه يالك من شخص سيء يا سيدي الصغير ، وأنا الذي كنت أظن أنك لا تؤذي الفتيات أبداً ..


هه يالسخرية !! آلبرت الخادم البارد يناديني بالشخص السيء ..
قلت بهدوء : آلبرت لماذا أنت هنا ؟؟
وقف من مكانه قائلاً : اليوم هو يوم الأحد إنها إجازتي الأسبوعية أم أنك نسيت ..
أومأت رأسي دون أن أقول شيئاً ، لأسرح بعدها في أحداث الأسبوع الفائت ، لقد حدثت الكثير من الأمور ، وكل يوم يمر كأنها سنة مثقلة بالهموم ، طوال الأسبوع كنا نعيش في خوف وتوتر ، هذا ونحن فقط ننفذ أوامر الخاطف ولانزال أحراراً ، فكيف الحال مع جوليا ؟؟
لا بد أنها محبوسة في زنزانة ضيقة والأشرار لا يطعمونها جيداً ، وهي وحيدة الآن لا أحد حولها من عائلتها أو أصدقائها ، وفوق هذا تتعرض للتعذيب ، آه يا جوليا ما أصعب وضعك ..


إنتفضت حين شعرت بيد صغيرة وضعت على كتفي ، جعلني أعود إلى الواقع ، لأدرك أنها لم تكن سوى يد الصغيرة فيفي إبنة أخ آلبرت ..

قالت بنبرتها البريئة : سيدي لدي طلب وأرجو ألا ترفض ..
إبتسمت لها بحنية وأنا أقول : وما هو طلبك ؟؟

كانت تفرك كفيها ببعضهما بتوتر ، وعينيها كلما وقع في عيني أرخته بخجل ، وأنا أنظر إليها بترقب منتظر ما ستطلبه فيفي ..

لكنها لم تنطق بأي كلمة ، أتاني صوت آلبرت وهو يقول : هي تريد أن تذهب معك للتنزه قليلاً ..
رفعت بصري إليها وأنا أقول : هل هذا ماتريدينه يا فيفي ؟؟
أومأت برأسها بخجل لأبتسم لها بحنان ، على الرغم من أنني لا أشعر برغبة في التنزه إلا أنني لا أستطيع رفض طلبها ..

إلتفت إلى آلبرت قائلاً : أيمكنك إصطحابها عوضاً عني ، فأنا أشعر بتوعك ..
أدار ظهره قائلاً : هي طلبت منك هذا ، أنا لا شأن لي ..

زفرت بضيق ووقفت لأجهز نفسي ، إرتديت قميص أحمر ولففت حول عنقي وشاح أسود وبنطال أسود وقبعة سوداء اللون ..
توجهت نحو الباب وأنا أنادي بملل : فيفي تعالي بسرعة سنغادر حالاً ..

سمعت وقع أقدامها السريع، والتي تدل على أنها كانت تركض ، وعندما اقتربت مني تعثرت وسقطت أرضاً على وجهها ..
هرعت إليها مسرعاً وقلت بقلق وأنا أساعدها على النهوض : فيفي هل أنت بخير ..

نظرت إلي والدموع قد ترقرقت في عينيها ، ويبدو أنها على وشك البكاء ، قلت بسرعة : فيفي أنت فتاة قوية لن تبكي لسبب كهذا أليس كذلك ؟؟
قالت فيفي بتماسك : نعم أنا قوية ..

ساعدتها على النهوض وأنا أعدل لها فستانها الوردي قائلاً : تبدين جميلة جداً يا فيفي بفستانك هذا ..
إبتسمت بخجل وهي تقول : حقاً !!

قاطعنا صوت آلبرت : هي أنت لا تتغزل في إبنة أخي ..
ضحكت وأنا أقف ، لكنني تفاجأت حين رأيت آلبرت يرتدي قميصاً أصفر اللون أعلاه معطف أسود ، ومن الأسفل بنطال جينز، ويبدو أنه ينوي مغادرة المنزل ..
قلت بتساؤل : إلى أين ستذهب ؟؟
أجابني ببرود : سأرافقكما بالتأكيد لأحمي عزيزتي فيفي منك ..
تمتمت ساخراً : مالذي يظنني سأفعله بهذه الطفلة ، أحمق ..


خرجنا سوياً من المنزل ، وسرنا في صف واحد وفيفي بيننا ممسكة بي وبآلبرت ..
قلت بتساؤل : آلبرت أين والدتك لم أراها هذا الصباح ..
أجابني : هي قد ذهبت إلى المستشفى .....
قاطعته بذعر : هل هي مريضة أم ماذا ؟؟
نطق بهدوء : أيها الأحمق لا تقاطعني حين أتكلم ، ثم أن أمي بخير ، كل ماهنالك أنها تزور صديقتها ..

هززت رأسي بتفهم ، لكنني توقفت فجأة وأنا أحاول إستيعاب ماقاله للتو ..
سمعت آلبرت يقول : لماذا توقفت فجأة ؟؟
قلت وأنا أرمش غير مستوعب الأمر : أنت يا آلبرت قد نعتني بالأحمق ..
- وماذا في ذلك ؟؟ >> قالها ببرود ..
قلت بحماس وأنا أقف أمامه مباشرة : هل تعلم ماذا يعني هذا ؟؟ يعني أننا أصبحنا مقربين والحاجز الذي بيننا قد تلاشى ، يسعدني أننا أصبحنا أصدقاء ..

دفعني بخفة بأنامله وهو يقول مكملاً طريقه : أنت حقاً شخص غريب ، إذا كان مناداتي لك بالأحمق يسعدك فلا تقلق سأغرقك بكل أنواع الإهانات والشتائم ..

ضحكت بخفة وهرولت إليه قائلااً : لقد فهمتني خطأً ، أقصد أنك حين دعوتني بالأحمق شعرت أننا صديقين عاديان ، فأنت في السابق كنت فقط تناديني بسيدي الصغير وكنت أتضايق من هذا كثيراً ..

لم يرد علي آلبرت ، وظللنا نسير بصمت ، حتى وصلنا إلى متنزه مليء بالأطفال ..
جلس آلبرت على أحد المقاعد وقال لي بنبرة آمرة : إذهب مع فيفي وقم بمراقبتها ، و الويل لك إن تأذت ، وأنا سأبقى هنا أنتظركما ..

شعرت بالغيظ قليلاً لأنه يحملني مسؤولية إبنة أخيه ، لكنني لم يتسنى لي الوقت لأرفض حين ركضت فيفي نحو الأراجيح ، واضطررت إلى ملاحقتها ..

كنت أقوم بدفع الأرجوحة التي جلست عليه فيفي ، وصوت ضحكات الأطفال من حولي تدخل السرور إلي ، والهواء العليل ينعشني ، ولأكون صريحاً لست نادماً على الخروج ..

أيقظني صوت فيفي الطفولي وهي تقول : سيدي هل أنت سعيد ؟؟
قلت بإستغراب : ولماذا تسألين ؟؟

نزلت فيفي من على الأرجوحة وهي تقول : عمي هو من طلب مني أن أطلب منك الخروج معي لأنك بدوت حزيناً كثيراً ..

مشاعر إجتاحني حين سمعت كلمات فيفي ،إنها مشاعر الإمتنان ، على الرغم من أن آلبرت يتصنع البرود إلا أنه يمتلك قلباً رقيقاً للغاية ..
ركضت وأنا أقول عالياً : فيفي إبقي مكانك سأعود حالاً ..

توجهت نحو المكان الذي كان يجلس فيه آلبرت ، وحين وصلت إليه إحتضنته بقوة ، وقلت وعيناي تدمعان بتأثر : آلبرت شكراً لك على إهتمامك بي ، أنت صديق رائع حقاً ..

دفعني آلبرت بقوة عاقداً حاجبيه وهو يقول : أيها الغبي ماذا تفعل ؟؟
رسمت إبتسامة عريضة على وجهي وأنا أقول بخبث : لقد أخبرتني فيفي عن سبب خروجنا إلى هنا ..
قال بلامبالاة : وماذا قالت ؟؟
- لقد قالت أنك أنت من طلب منها أن تعرض علي الخروج إلى التنزه بعد أن رأيتني حزيناً ، هل هذا صحيح ؟؟

أجاب ببرود وهو يعيد ناظريه إلى شاشة هاتفه : لا أعلم شيئاً مما تقوله ..
إبتسمت قائلاً : متى ستنزع قناع البرود هذا ؟؟ أعلم أنك شخص طيب ..
رفع ببصره إلي قائلاً : هي أنت ألم تلاحظ أنك نسيت شيئاً ؟؟

فكرت قليلاً لأشهق عالياً بعدها وأنا أقول : يا إلهي نسيت فيفي ..
بعدها هرعت إلى حيث تركت فيفي ، وقلبي يرفرف سعادة ..

بقيت فيفي تلعب لساعتين وبعدما أنهكها التعب قررنا العودة إلى المنزل ، كنا نسير معاً وأنا أمازح آلبرت الذي كان يتجاهلني ، وفي الطريق رأيت سيارة سوداء لا تقل فخامة عن سيارتنا ، وحين مرت بمحاذاتنا كانت النافذة الخلفية مفتوحة ، وحين لمحت من في الداخل تجمدت مكاني ، وتابعت السيارة بنظراتي حتى اختفت ..

سمعت صوت آلبرت المستغرب يقول : لماذا توقفت فجأة ؟؟
إلتفت إليه وأنا أبتسم قائلاً : لا لا لشيء ..
أمال شفتيه قليلاً وهو يقول : يبدو أن تلك السيارة قد ذكرتك بالسيارة التي كانت تقلك دائماً ..

تمتمت وأنا شارد : لا ليس الأمر كذلك ، لكن ...
صمت وأنا لا زلت غير مصدق لما رأيته ، هل كان هو حقاً ؟؟

هززت رأسي نافياً وأنا أقول بإبتسامة : مستحيل أن يكون هو ، ثم سوبارو ليس الوحيد الذي يلف وجهه بالضمادات ..


====================================


~ سوبارو ~
- أقفل النافذة حالاً أيها الغبي ..

هذا ما صرخت به حين تلاقت عيني بياماتو صدفة ، وأنا الآن في دوامة من التفكير ..
هل لاحظ ياماتو أنه أنا ؟؟ حتماً بلا شك حتى أنه أخذ يتتبعنا بعينيه ، أخشى أن يكتشف أمري وأنا لا أريد ذلك ..
ماذا سأقول له لو سألني ؟؟ أي كذبة يمكن أن أقولها له ؟؟

قاطع أفكاري صوت السيد روكاوا يقول : ما بك يا سوبارو ؟؟
أجبت محاولاً المحافظة على هدوئي : لا شيء لكن عدوي الأبدي رآني للتو ..
علت الدهشة ملامح السيد روكاوا وقال : هل تقصد ياماتو ؟؟
أجبت بغيظ : نعم هو ..

فجأة إنفلتت من السيد روكاوا ضحكة قصيرة سرعان ما أخفاها ، لألتفت إليه غاضباً وأنا أقول : لماذا تضحك ؟؟
تنحنح قائلاً : لأكون صريحاً وضعكما الحالي مضحك كثيراً ، فعلى الرغم من أنك تبغضه إلا أنه يعتبرك صديقاً مقرباً له ، وأنت تتصرف معه بودية عكس ما في قلبك ..

إلفتت نحو النافذة وأخذت أتأمل الطريق وأنا أقول بهدوء : لو أنني عرفته سابقاً لما كنت سأحقد عليه ، لكن هذه الكراهية زُرعت في داخلي مذ أن كنت صغيراً ، لذا لا أستطيع محو هذه المشاعر بسهولة ..

وأردفت بهمس خافت : على الرغم من أنه ليس الملام ..
بعدها أطلقت زفيراً عاالياً ، وأسندت برأسي إلى الوراء مغمضاً عيني ..
لأغوص بعدها في ذكريات طفولتي ومراهقتي التي كانت مملوءة بالأحزان والقليل من اللحظات السعيدة ..

الأشخاص الذين كنت أحبهم رحلوا بعيداً تاركينني خلفهم ، والوحيدة التي بقيت عندي لا تهتم لأمري ، وجل تفكيرها ينصب نحو ذلك الشخص ..


فجأة إنتشلني من ذكرياتي صوت السيد روكاوا : سوبارو أجبني بصراحة ، لماذا عدت للعمل ؟؟ لا تقل لي أنك تحتاج للمال ولهذا عملت ، فأنا أعلم أن لديك من النقود ما يكفي حاجتك ، فأنت بطبعك مقتصد ..

فتحت عيني ببطء ، لأنظر إلى السيد ببرود قائلاً : وهل هذا يهمك ؟؟ أظن أنه لا شأن لك بحياتي ..
علت على ملامحه الإنزعاج وهو يقول : سوبارو تحدث معي بإحترام ، فلا تنسى أنك لم تصل إلى ما أنت عليه إلا بفضلي ..
تمتمت بملل : تتحدث كما لو أنك لم تربح شيئاً من خلفي ..


قال السيد روكاوا مبتسماً : هل تتذكر ذلك اليوم الذي أتيتني فيه وبحوزتك خبر غير سار ، وأعلمتني أنك ستتوقف عن العمل ، كنت متيقناً أن إعتزالك سيدوم فترة قصيرة إلى أن تنساها ، وبالفعل ها أنت تعود أخيراً ..
إلتفت إليه وقلت وقد إنتابني نوبة غضب عارم : أيها اللعين هل تقصد بقولك هذا أنني نسيت نانا ؟؟ كفاك حماقة أنا لم ولن أنساها أبداً ، مشاعري نحوها كانت صادقة لذا لا يمكن أن أمحوها ، هل فهمت ؟؟


قطب السيد روكاوا حاجبيه قائلاً : لكنك توقفت عن العمل لتأثرك بموتها ، وقطعت لنفسك وعداً أنك ستترك العمل من أجلها ، لكن مر على هذا سنة كاملة لابد أنك قد اشتقت للعمل خصوصاً وأنك تحبه كثيراً ، وأصبحت غير مبالي بذلك الوعد ..

ضربت بقبضتي باب السيارة وأنا أنظر إليه بحدة ، من هو حتى يقول أنني نسيت حب حياتي ؟؟
قلت بصراخ عالي لم أعتد التحدث هكذا قبلاً : إسمعني يا سيد روكاوا أنا لم أعد إلى العمل إلا لسبب مهم ، ولولا حاجتي للمال لما رأيتني معك هل تفهم ؟؟ ووعدي لنانا لن أنساه أبداً ، ومشاعري نحو نانا لن تتغير مهما طال الزمن أو قصر ..

حرك يديه محاولاً تهدئتي وهو يقول : حسناً حسناً أنا آسف ، الأمر لم يكن يستدعي كل هذا الغضب ..

تنهدت طويلاً محاولاً أن أتمتلك أعصابي ، وقلت وأنا أعود لتأمل الطريق : أنت تعلم أن موضوع نانا حساس للغاية ، لذا لا تفتح سيرتها مجدداً ..


=====================================

~ روز ~

منذ الأمس ودموعي لم تجف ، فالأمر يثقلني يوماً بعد يوم ، كم أرغب في أن أخبر السيد روك بما يحدث لإبنته وبموضوع الرسائل التي تصلنا ، لكنني أخشى أن يراني الخاطف ، ويحدث لجوليا أمر أفظع من سابقيها ..

رفعت بصري نحو الساعة البيضاء المعلقة على جدار غرفتي الصفراء ، لأراها تشير إلى الرابعة عصراً ..
لقد نمت اليوم طويلاً ولم أستيقظ إلا في الساعة الثانية ، وبقيت ماكثة في غرفتي لساعتين ، وحتى الآن لم أتناول شيئاً ..

وقفت ناهضة من على سريري الأبيض المزخرف بالأصفر ، واستعددت للنزول لأتناول شيئاً ..
أمي لا تهتم ما إذا استيقظت أو لا ، أو ما إذا تناولت شيئاً أو لا ، كل ما يهمها هو أن تبحث عن زوج جديد يوفر لها المال ، هه يالسخرية !!

نزلت من على السلم الخشبي ، وعلى آخر عتبة لمحت شخصاً غريباً واقف مع أخي ..
تجمدت في مكاني ، يبدو رجل كبير في العمر ، وقد يكون في الخمسين من العمر ، لذا من المستحيل أن يكون صديقاً لأخي ..

تحدثت بصوت مرتعش لألفت إنتباههما : ماركو من هذا الذي معك ؟؟
إلتفت الإثنان إلي ، وأجاب ماركو مبتسماً وهو يشير إلى الرجل : مرحباً روز ، دعيني أعرفك بالسيد كيداي ( وبخبث : زوج والدتنا الجديد ..

الصدمة ألجمتني ، حتى أنني لم أستطع سماع ما قاله لي ذلك الكيداي ، كل ما رأيته هو شفتاه اللتان تتحركان ، لقد إنشغلت بموضوع جوليا حتى أنني نسيت موضوع زواج أمي ..


عدت إلى الواقع حين رأيت ماركو يجرني بعيداً عن السيد كيداي ، وحين اختفينا عن ناظريه قال بنبرة تهديدية : روز أيتها الحمقاء رحبي بالسيد كيداي وإلا غضبت منك والدتنا ، وأنت تعلمين ما سيحصل حين تغضب ..
إنتشلت يدي من بين أصابع ماركو وقلت غاضبة : أنا لن أرضى بزواجها أبداً هل تفهم ؟؟ أنا سأسعى جاهدة لطرده ..

رفع يده عالياً وطبع أصابعه على وجهي وقال وهو يجر شعري : أيتها الحمقاء فكري قليلاً ، والدتنا لم تتزوج إلا لمصلحتنا ، فإذا لم تتزوج فمن سيوفر لنا النقود ؟؟ ومن أين ستأتين بالمال لتكملي دراستك ؟؟ فكري جيداً أيتها البلهاء ..


أنهى كلماته الأخيرة وألقاني أرضاً ، وأدار ظهره ناحيتي ليغادر المكان ، لكن بعد أن سار خطوتين إلى الأمام توقف قليلاً والتفت إلي مجدداً قائلاً : إذا لم تكوني راضية بزواج أمي فلا ترينا رقعة وجهك ..

وبعدها غادر المكان ، وأنا لازلت ملقاة على الأرض ..
نهضت بصعوبة و قلبي يشتعل غيظاً ، كيف بإمكانها أن تتزوج دون أن تعلمني ؟؟
سرت بغضب متوجهة إلى المطبخ ، بعد أن أملأ بطني سأتحدث إلى أمي ..

أعددت لنفسي وجبة خفيفة ، وبقيت أتناوله مع عصير البرتقال ، وأثناء تناولي للطعام ، دخل أخي المطبخ ، وتجاهل وجودي متوجهاً نحو الثلاجة ..

كنت حينها قد إنهيت طعامي ، لذا وقفت قائلة : إسمعني يا ماركو لا تظنوا أنني سأظل هادئة في ظل وجوده ، سأفعل المستحيل ليطلق أمي ..

زفر ماركو ورمقني بنظرة باردة وقال : ألا زلت تتفوهين بهذه الترهات ؟؟ أنت تعلمين ونحن نعلم أنك لست سوى فتاة ضعيفة ليس بوسعك عمل شيء ..
وأردف بأبتسامة ساخرة : لا تنسي ماكان يصنعه بك أبي ولم يكن بوسعك سوى البكاء أيتها الجبانة ..


عضضت شفتي من شدة الغيظ ، كلماته لامست الوتر الحساس ، وقد أصاب في كل كلمة قالها ..
صرخت غاضبة ودموعي قد أوشك على الهطول : اللعنة عليك أيها الأخ الحقير ..


بعدها ركضت مسرعة خارج المنزل ، ولست أرى الطريق جيداً بسبب دموعي ، لم أعلم إلى أين سأتوجه ، فجأة تذكرت منزل سوبارو ، وتابعت طريقي نحو منزله بسرعة ..


عندما وصلت بدأت بطرق الباب لكن لم يجبني أحد ، استمريت بطرقه دون جدوى ، فما كان مني إلا أن أبقى هنا حتى يعود سوبارو ..
جلست أمام الباب وأسندت ظهري إليه ، وبقيت أراقب المارة حتى غطيت في النوم دون أن أشعر ..



صوت قادم من البعيد يناديني ، وأخذ يقترب شيئاً فشيئاً ، لأدرك في النهاية أنه صوت سوبارو ..
فتحت عيني ببطء لأجد سوبارو جاثياً على ركبتيه ويهزني بخفة ، وما إن فتحت عيني حتى قال سوبارو مستفسراً : روز ماذا تفعلين أمام منزلي ؟؟

تحركت بصعوبة وأنا أشعر بألم في عضلات رقبتي ، وأدركت أن الشمس قد غابت ، قلت وأنا أفرك عيني : كم الساعة الآن ؟؟

رفع سوبارو يده ينظر إلى ساعته وأجابني : إنها الثامنة والربع ..
شهقت فزعة وأنا أقول : هل نمت طوال هذا الوقت ؟؟ يا إلهي !!
ساعدني سوبارو على الوقوف وهو يقول : أدخلي إلى المنزل لنتحدث ، لا أظن أنك أتيت هنا من دون سبب ..


دخلت إلى منزله الصغير والضيق ، وجلست حول تلك الطاولة الخشبية ، بينما ذهب سوبارو ليحضر لي كأس عصير ..
وضع العصير أمامي ، وجلس قائلاً : ما الذي أتى بك يا روز ؟؟ ومنذ متى وأنت كنت تنتظرينني ؟؟


رفعت كأس العصير وأخذت رشفة من عصير البرتقال ، وقلت : في الواقع لقد أتيت لزيارتك فقط ..
قطب حاجبيه غير مصدق : هل هذا هو سبب مجيئك حقاً ؟؟ لماذا إذاً بقيتي تنتظرينني حتى نمت أمام الباب ؟؟ إذا كان الأمر غير مهم لما كنت ستنتظرين عودتي بعد أن لاحظتي أنني غير موجود في المنزل ..

لأتهرب من سؤاله قلت : أين كنت يا سوبارو عصر اليوم ؟؟
أجابني ببرود : وما شأنك ؟؟

تأففت عالياً دون أن أنطق بشيء ، ولازلت ألاحظ نظرات سوبارو الموجهة إلي ، لكنني كنت أتجاهله ، فهو يريد مني أن أخبره عن سبب مجيئي إلى هنا ، وأنا لا أستطيع إخباره أنني هربت من المنزل إلى هنا ..

بقينا صاميتين دون أن نقول شيء لفترة من الزمن ، ليكسر هذا الصمت صوت سوبارو : روز ألن تعودي إلى منزلك ؟؟ لقد تأخر الوقت وقد تقلق عليك والدتك ..


أمي تقلق علي !!! هه هذا مضحك ، لاشك أنها منشغلة بقضاء الوقت مع زوجها الجديد ..
قلت متصنعة الإبتسامة : لا بأس ، لقد أخبرتها أنني سأتأخر ..
ثم إلتفت إليه بحماس وأنا أقول : سوبارو أخبرني بما أننا أصبحنا مقربين من بعضنا ، لماذا تضع الضمادات على وجهك ..
رد سوبارو : وما شأنك ؟؟
- مجرد فضول ، أخبرني هيا ..
- لا أريد أن أجيب ..


زممت شفتاي قائلة : تباً إذا لازلت لا تعدني صديقة ..
نظر إلي بإندهاش قائلاً : منذ متى وأنت تعتبرينني صديقاً ؟؟ كما أذكر أنت تستحقرين الصبية جميعاً ..

حككت رأسي وأنا أقول بإحراج : في الواقع أنا لازلت أكرههم ، لكنك أنت وياماتو حالة إستثنائية ، لذا أعتبركما صديقاي ..
وضع سوبارو يده على رأسي وهو يقول : حسناً لقد تأخرت كثيراً يجب أن تعودي ، أنا سؤصلك إلى منزلك ..

لم يكن هناك مجال للرفض ، لذا خرجنا من منزله ، مع أن لا رغبة لي في العودة ..
في طريقنا مررنا بالقرب من متجر صغير ، قلت حينها : لندخل قليلاً فأنا أرغب في شراء بعض الأشياء ..

هز سوبارو رأسه ودخلنا معاً ، اخترت بعض الحلويات والشوكولاتات المتنوعة ، وبينما كنت أسير لمحاسبة مشترياتي سمعت أحدهم يقول : أوه إنها أنت يا روز ، مضى زمن طويل على آخر مرة رأيتك فيه ..


إلتفت ببطء وحين رأيت المتحدث تهلل وجهي وقلت : معلم أكيرا !! يالها من مصادفة ..
إبتسم معلمي في وجهي وهو يقول : كيف حالك الآن ؟؟ وكيف حال درجاتك ؟؟
ضحكت بإحراج قائلة : أنا بخير ودرجاتي كما هي ..


عبث بشعري وهو يقول : أيتها الكسولة يجب أن تجتهدي وتكوني مثل جوليا ، اوه على ذكر فتاة العدالة كيف حالها الآن ؟؟ وهل لازالت تسبب المشكلات كالعادة ؟؟..
اصفر وجهي من ذكره لها ، وقلت بصوت حزين : ألم تعلم ماحصل لها ؟؟
إختفت تلك الإبتسامة الذي كان يرسمها على شفتيه وقال : لا لم أسمع شيئاً عنها ، أخبريني هل حصل لها أي مكروه ؟؟

قلت متألمة : لقد تم إختطاف جوليا ، وقد نُشر هذا الخبر في الأخبار والصحف ..
قال المعلم أكيرا : أنا لا أتابع الأخبار كما تعلمين ، لذا لم أسمع عن هذا ، لكن ألا زالت مختطفة ومتى حصل هذا ؟؟


بدأت أشعر بالإختناق ، ولم أقوى على التحدث أكثر لينقذني سوبارو حين قال : روز هيا تعالي بسرعة ..
بعدها جرني من معصبي وقمنا بمحاسبة مشترياتنا وخرجنا من المحل ..


سألني سوبارو : من ذلك الرجل يا روز ؟؟
أجبت بهدوء : إنه معلم التاريخ في المدرسة الإعدادية التي كنت أدرس فيها ..

صمتنا بعدها بدقائق ليعاود سوبارو السؤال : لقد سمعت مادار بينكما ، لكن ماذا كان يقصد بفتاة العدالة ؟؟
إبتسمت بشحوب وأنا أقول : إنها قصة قديمة تتعلق بجوليا ..

إستدار حينها سوبارو بجسده كاملاً وهو يقول : ما رأيك بأن نتحدث قليلاً هنا عن هذا الموضوع ، فكلي فضول لمعرفته ..
بعدها أشار على متنزه كان بها أرجوحتان وقال : لنجلس هناك ..

إومأت برأسي وجلسنا على الأرجوحتين لينظر إلي سوبارو بكل لهفة ، قلت متسائلة : لماذا أنت فضولي كثيراً بهذا الشأن ؟؟ الفضول ليست من سماتك ..
أجابني : لقد ذكر المدير ذات مرة موضوع فتاة العدالة حينها تغير ملامح جوليا ، وها هو الآن يذكر مجدداً ، لذا لا أستطيع منع نفسي من السؤال ، كما أنه قد يفيدنا ..


بدأت أتأرجح قليلاً وأنا أنظر إلى السماء السوداء المزينة بتلك النجوم اللامعة وأقول : جوليا في الماضي لم تكن هكذا أبداً ، منذ صغرها وهي فتاة قوية لا ترضى بالخطأ أبداً ، في الروضة كانت دائماً تدافع عن المظلومين وتحمي الضعاف من أمثالي ، وفي الرحلة الإبتدائية كانت دائماً ما تلقن الفتيان المشاكسين درساً لا ينسى ، وعلى الرغم من أنها كانت تتأذى إلا أنها لم تكن تبكي أبداً ، ذاع صيتها في المدرسة بإكملها ، فأصبح الجانحين يتحدونها دائماً لكنها تكون المنتصرة دوماً ..

صمت قليلاً وأنا أتذكر تلك الأيام التي كانت من أجمل المراحل ، ثم إبتسمت وأنا أكمل : بسبب تلك المشاجرات كانت دائماً تزور مكتب المدير وهو كان يوبخها دائماً ، لكن الجميع يعلمون أنها لا تبدأ الشجار إلا حين يُخطئ أحد ما ، لذا الجميع أسموها فتاة العدالة ، وعندما إنتقلنا إلى المرحلة الإعدادية ذاع صيتها في أول أسبوع لها ، وأصبحنا نحن الفتيات نلجأ إليها وقت الشدة ، والشيء الوحيد الذي يشفع لها عند المدير هو أنها كانت فتاة جيدة وجميع المعلمين يشهدون لها بذكائها ..

ثم أكملت بهدوء وحزن : لكن في السنة الأخيرة إنتقلت إلى مدينة أخرى ، وعند عودتها كانت قد تغيرت تماماً ، وبدت كما لو أنهم استبدلوا جوليا فتاة العدالة بواحدة أخرى ، كنت دائماً ما أسألها عن السبب الذي غيرها ، لكنها لم تكن تجيب علي ..


سمعت سوبارو يقول بإندهاش : لا أصدق أن جوليا كانت هكذا ، كل ما رأيته هو ضعفها وكثرة إعتذاراتها ..
ضحكت بخفة وأنا أقول : لا تنخدع بقناع الضعف الذي ترتديه ، وياماتو قد جرب قوتها ذات مرة ..
قطب سوبارو حاجبيه بتساؤل : ياماتو ؟؟ ما الذي حصل حينها ؟؟
أجبت عليه : قبل أن تنتقل إلى مدرستنا ، كان ياماتو يزعجنا كثيراً ، وأنا كنت أكرهه بشدة ، ذات مرة غضبت على جوليا بسبب ياماتو حينها كادت جوليا أن تخنقه حتى الموت ، لكنني تدخلت لإنقاذه ..


وقفت سوبارو من على الأرجوحة وهو يقول بعد أن نظر لساعته : لقد تحدثنا طويلاً حان الوقت للعودة ..


=====================================


~ يومي ~

رفعت بصري نحو جوليا الماكثة بسكون في الجهة المقابلة لي ، والتعب بادٍ عليها ..
بعد أن عدنا إلى الزنزانة لم أجرؤ على التحدث إليها ، وأشعر بخجل شديد من نفسي ..

إستجمعت قوتي وقلت بتردد : جوليا هل أنت بخير ؟؟ تبدين شاحبة كثيراً ..
رفعت رأسها بعد أن كانت مطأطأة ونظرت إلي قليلاً لتشيح بوجهها بعيداً ، شعرت حينها أنها غاضبة مني ، ولها كل الأحقية في ذلك ..
فأنا حين أكون في مأزق تضحي جوليا بنفسها من أجلي ، أما أنا فلست بارعة سوى في البكاء ..


و على الرغم من أنني أشعر بالخزي من نفسي ، إلا أنني لا أستطيع تغيير نفسي ، آه ياللعار ..


فجأة رأيت رأس جوليا يتدلى بشكل غريب ، ويتهاوى جسدها على تلك الأرض الباردة لأصرخ فزعة : جولياااااا ..



نهاية الفصل ..
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
رد مع اقتباس