عرض مشاركة واحدة
  #252  
قديم 08-13-2016, 12:09 PM
 



الفصل الثالث و الأربعون
*شاطئ الحرية*





داخل المخزن الضيق الذي شتت ظلمته نور شمعة خافت قضى الستة ليلتهم العصيبة .. منهم من انكمش على نفسه فوق أحد الصناديق ، و منهم من اتكأ على الجدار البارد . كان الصمت يطبق على المكان مع أن النوم لم يزر أيا من تلك العيون الساهرة.

مر الوقت ببطء مميت و كأن الزمن يوشك أن يتوقف .. اعتدلت ماريان في جلوسها بعدما تشنج ظهرها من الاستناد على الحائط القاسي . دلكت عامودها الفقري بظهر يدها قليلا ، ثم أراحته باستلقائها على سطح صندوق ، لم يكن مريحا تماما ، لكنه أكثر ليونة من الجدار على أية حال . لحظات ثم قامت جالسة .. اختلست نظرة سريعة إلى آلويس .. كان يضع رأسه فوق ذراعه المضمومة و يدير وجهه للجدار .. لم تعرف إن كان نائما أم مستقيظا إذ تخفت عيناه بالظلام الذي حشدته حولها و عجز نور الشمعة الضئيل عن قهره أو الوصول إليه.


جذب سيباستيان قارورة ماء و روى عطشه منها ببضع رشفات .. شغل إنزو نفسه بالإطلاع على محتويات صندوق بعد أن يأس من إمكانية نومه فوقه ، كان يحتوي كمية كبيرة من ملفات و مستندات تفوح من صفحاتها رائحة التراب الخانقة .. بدت مثيرة للاهتمام له ، فرشها أمامه و انكب في قراءتها بتمعن .
تسمرت عينا غلبيرت على الفتحة المغلقة - التي كانت المدخل و المخرج الوحيد لهذا المخزن - أملا في بزوغ شعاع من نور الشمس ، أخذ آليكسي يعبث بشرود بزجاجات المحاليل الفارغة و هو يضع رأسه في حضن سيباستيان.


مضت دقائق بدت لهم ساعات طوال قبل أن ينطق صوت غلبيرت بلهفة : "انظروا لقد حل الصباح !"

ترك الجميع ما كان يشغلهم و التفتوا تلقائياً نحو الفتحة ليروا خيطا رفيعا واهنا من الضوء يتسلل بصعوبة من خلال شرخ صغير للغاية في الزاوية العليا للغطاء الثقيل.

رفع آلويس سبابته ليضعها أمام شفتيه في إشارة لهم بالصمت و التزام الهدوء.


اتجهت أبصارهم لأعلى في ترقب .. ظل الجو محافظا على سكونه لفترة ، ثم سمعوا الكعب العالي لأمينة المكتبة يدك خشب الأرضية فوقهم.
هذا الهدوء المعتاد كل صباح .. يدل على أن المدرسة لم تنتبه لغيابهم بعد لكن الأمر لن يطول حتى يدركوا ذلك.

و بالفعل لم تمر دقائق حتى زلزلت الأرض خطوات ثقيلة عجلة لرجل بدين .. قام غلبيرت أطول الموجودين قامة ، دنا من الفتحة و أصغى السمع لكلامه العصبي : "أين أؤلئك الملاعين ؟!"

تحدثت الأمينة بصوتها الممل البارد : "أرجو أن تخفض صوتك فأنت في المكتبة سيدي"

رد الآخر و قد ضاق ذرعا : "أوه دعينا من هذه التراهات ! هل رأيت أحد الأطفال يدخل المكتبة ؟!"

ردت سريعا : "لا"

"أين هم إذن ؟! لقد بحثنا عنهم في كل مكان دون أن نعثر على أي أثر لهم !"

ضرب سطح المكتب بيده الغليظة في غضب .. جالت عيناه في أرجاء المكتبة ببطء متفحصا بعناية كل زاوية منها .. أخيرا عقد حاجبيه و قال : "هل يوجد .. مكان للاختباء هنا ؟!"

حبس الخمسة شهقة رعب .. نظروا إلى بعضهم بخوف و اضطراب و أنفاسهم تتثاقل ، فأخفض آلويس عينيه الساكنتين ليوجه نحوهم نظرة تقريع حادة تستنكر خوفهم.
تلك الهالة المهيبة التي ظلت تحيط به دون أن تتزعزع شعرة طمأنت نفوسهم و هدأت من روعهم إلى حد كبير.

لم تأت الإجابة المنتظرة من أمينة المكتبة على شكل كلمات .. و إنما خطوات ! خطوات سريعة واثقة تحركت فوقهم و أخذت تقترت من مكانهم شيئا فشيئاً .. كان الصوت الوحيد الذي يهدد الصمت في الحجرة الضيقة هو صوت نبضات قلوبهم المتسارعة ، لم يسعهم طرد كل مخاوفهم فحتى إن نجوا من هذين الاثنين لن يكون ذلك بسهولة أو بطريقة سلمية بل بالقتل ! سيكون عليهم أن يقتلوا ! يقتلوا بسكاكينهم !


توقفت الأمينة عن السير .. و أحس الفتيان بها تجثو على ركبتيها .. أيا كان ما أرادت فعله ، فإنها لم تستطع إذ صدحت أصوات صراخ و صياح هزت جدران المدرسة و أضفت إلى جوها المقيت رعبا و فزعا !

انتصبت المرأة واقفة ثم انطلقت مهرولة برفقة الرجل إلى الممر.


التفت إنزو نحو آلويس : "يبدو أن السم قد بدأ يظهر مفعوله !"

بقيت عيناه الذهبيتان معلقتان في السقف .. كان على دراية بأن المرحلة النهائية من خطته لن تستغرق وقتا طويلا ، لكن الحيطة لم تكن من الأمور التي يغفل عن الأخذ بها لأي سبب ، فمن الممكن أن يحصل شيء لم يضعه في حسبانه و يطول انتظارهم في هذه الحفرة المظلمة حتى يموتوا في النهاية من الجوع و العطش.


تعالت صيحات الخوف و الألم و تردد صداها المخيف في كل بقعة .. ضمت ماريان جسدها بين ذراعيها لتوقف ارتعاشه ، ارتجفت عينا إنزو لكنه لم يسمح للرجفة أن تتعداهما .. أطبق غلبيرت جفنيه بقوة هربا من مواجهة أفعاله ، أما آليكسي ، سيباستيان ، و آلويس فكانوا هادئين تعلو وجوههم تعابير جامدة لا تحمل شيئا من الشفقة بل تزخز بالشماتة و نشوة النصر ! فعلى عكس المجموعة الأولى التي لم تعاني أو تخسر عزيزا عليها بسبب المنظمة كانت الثانية قد خسرت كل شيء بفعل وحشيتها و أتباعها القساة !


أخذت الأصوات تخفت تدريجياً .. حتى سكنت كليا و عاد الهدوء ليسود المكان مجددا.

تأهب إنزو للنهوض لكن قائده أوقفه بإشارة مفاجئة من يده و أمره بالعودة إلى مكانه و الإنتظار.

لحظات ، دقائق ، أو ربما ساعات لم يدر أحد ، فالوقت كان يسير بشكل مختلف في تلك الحفرة الصغيرة كأنها تقبع في عالم آخر مغاير للعالم فوقها !

ألقى نظرة على ساعة معصمه ثم نهض و سار حتى وقف تحت الفتحة المغطاة .. نظر إليها لثوان ثم بدأ يتسلق الصناديق نحو الأعلى.

هب إنزو واقفا و هو يقول : "سنخرج أخيرا ؟!"

كانت يد القائد قد لامست الغطاء حين أدار وجهه لرفيقه و قال ببرود : "أنا وحدي من سيخرج ! أما أنتم فستنتظرون هنا حتى أتأكد من أمان المكان !"

تهدلت قسمات وجوههم من الخيبة و ضاقت أنفسهم ذرعا من الإنتظار الطويل في هذه الحفرة الخانقة .. لم يسعهم الاعتراض على القائد الذي رشحوه عن إرادة و قناعة ، لكن القلق على سلامته كان أمرا آخر لا علاقة له بالقيادة و التبعية.

هتف إنزو محتجا : "لكن ماذا لو أمسكوا بك ؟! يجب أن.. "

قاطعه آلويس بحدة : "أنا قادر على الاعتناء بنفسي كما ينبغي ! لذا كفوا عن الجدال و الزموا مكانكم !"

أطرق ذو النظارات رأسه بغم و ألجم لسانه عن الكلام مكرها.


رفع آلويس الغطاء الخشبي بحذر محاولا قدر استطاعته عدم إصدار أي صوت.. أخذت عيناه الحادتان تجولان المكان بروية و هدوء حتى اطمئن صاحبهما إلى خلو المكتبة ، فأمسك الغطاء بكلتا يديه و أزاحهه ببطء . خرج من الحفرة و قبل أن يعيد إغلاق المخبأ وصله صوت عازم خرج منه فجأة "نصف ساعة فقط ! سننتظرك نصف ساعة إن لم تعد خلالها سنخرج نحن أيضا !"

تقابلت عيناه الجامدتان بعيني إنزو المفعمتين بالإصرار و القوة .. استمرت معركة العيون هذه لحظات ثم خرج آلويس مهزوما ! أغلق عينيه و تنهد "حسنا.. "

لاح الرضا على ملامح رفيقه و اعتلت شفتيه ابتسامة سرور فيما يعيد آلويس الغطاء لمكانه ليرجع للظلام سطوته على المقر الصغير.

عاد إلى مكانه و شرعت عيناه تلاحقان عقارب ساعته المتباطئة بلهفة و صبر يوشك على النفاذ .. أطلق زفرة ضيق ثم رمى بالساعة إلى ماريان بعدما نال كفايته من التحديق غير المجدي بها.

بدت الأخيرة أكثر صبرا من رفيقها وفي الوقت نفسه أكثر قلقا.. كانت تعتبر تقدم العقارب تهديدا يولد في نفسها مخاوف جديدة.

فجأة نهضت الفتاة فالتفت وجوه رفاقها إليها و هي تهتف : "لقد مضت تسع و عشرون دقيقة ! دقيقة أخرى فقط !" كان القلق جليا في نبرة صوتها و نظراتها المرتبكة.

راقبت العقرب الطويل و هو يتجاوز الأرقام .. عشر ثوان .. خمسة عشر .. عشرون .. خمس و عشرون .. و عندما بلغ الثلاثين ثانية أحسوا بخطوات خافتة الصوت تتحرك على الأرض فوقهم.

تجمعوا تحت الفتحة الذي أخذ غطاؤها يتزحزح عن مكانه رويدا و باشر الضوء يتسلل من خلالها إلى داخل الحفرة ليكشف تعابير السرور و ابتسامات الترحيب التي سادت وجوه من فيها.

أطلق إنزو تنهيدة نفث عبرها كل همومه خارجا "و أخيرا !"

خرج صوته الهادئ "المكان آمن ! اصعدوا !"

شعروا كما لو كانوا أمواتا ثم عادوا إلى الحياة عندما وقفوا أمام نافذة المكتبة الكبيرة و أخذت أشعة الشمس الدافئة تغمر أجسادهم و تعيد الحيوية لكل خلية فيها .. لكن هذا الإحساس الجميل لم يدم طويلا فقد تلاشى تماما حين خرجوا إلى الكابوس المخيف في الممر.


انقبضت قلوبهم و هم ينظرون بعيون عنوانها الفزع إلى الأجساد المرمية على الأرض دون حراك !
تحرك آلويس بلا أدنى اهتمام بالمنظر حوله و ببرود و قسوة مثيرين للدهشة عبر من فوق الجثث نحو ثلاثة من البراميل الصغيرة صفت قرب باب المطبخ.

وقف قربها ثم أعطاها ظهره ليوجه نحو رفاقه نظرة استنكار "إلى متى ستبقون واقفين هناك ؟! تعالوا بسرعة هناك عمل أخير علينا إنجازه !"

وقع صوته الجلد كالصدمة الكهربائية عليهم أفاقتهم من ذهولهم و أرجعت لأجسادهم المشلولة قدرتها على الحركة.
ساروا إليه متجنبين قدر استطاعتهم ملامسة الجثث أو النظر إلى قسمات وجوهها المرعبة.


أمعن إنزو النظر في البراميل البيضاء الشفافة .. ثانيتين فقط و رمى الرعب بظلاله على وجهه ! رفع عينيه الشاخصتين إلى قائده جليدي القلب و خرج صوته هامسا "بنزين ؟!"

لم تكن هناك حاجة لقول المزيد فالجميع الآن يعرف جيدا ماذا سيحدث.


حمل آلويس أحد البراميل و بدأ يعطي توجيهاته "آليكسي ، ماريان ، إنزو أغلقوا كل النوافذ و الأبواب !" تجاهل نظرات التساؤل و الحيرة على وجوههم و استدار نحو الاثنين الباقين "أما أنا ، سيباستيان و غلبيرت فسنتولى أمر هذه البراميل !" رفع عينيه الذابلتين كأوراق الخريف و القاسيتين كعيون النمور الضارية "سنحرق هذه المدرسة بكل ما فيها !"

تبادلوا فيما بينهم نظرات متباينة .. الاستغراب ، الخشية ، العزم ، التردد و تأنيب الذات !
لكن رغم اختلاف ردود أفعالهم تجاه الأمر كانوا جميعا متفقين و مجمعين على عدم عصيان قائدهم أو الاعتراض على أوامره ! لذا فقد انصاعوا لتعليماته .. و نفذوها بحذافيرها !


******

دون أن يظهر جسده مد رأسه قليلاً و ألقى نظرة حذرة من خلال النافذة المكسورة إلى الشارع حيث تندفع سيارات الإطفاء و الإسعاف بأقصى سرعة نحو البناء المشتعل لافتة أنظار و أسماع الناس إليها بأصواتها الصاخبة المزعجة.

ابتعد سيباستيان عن النافذة و عاد ليجلس فوق أريكة مهترئة قرب أصدقائه.. كانوا قد استبدلوا ملابسهم المدرسية بأخرى عادية و اجتمعوا داخل غرفة رثة متهالكة لمبنى قديم سيهدم عما قريب.

أصدر الباب الحديدي صريرا حادا حين فتحته ماريان.

استقبلها غلبيرت بتعليقه "لقد تأخرت !"

رفعت القبعة الصبيانية عن شعرها الذي جمعته فوق رأسها بتسريحة ذيل حصان و أطلقت زفرة طويلة "المدينة في حالة من الفوضى بسبب الحريق !"

سلمت الكيسين في يديها لآلويس ثم جلست بحذر فوق كرسي يهدد بالسقوط في أية لحظة.
أفرغ القائد محتويات الكيس أمامهم .. كنزة صوفية ، تنورة قصيرة ، جوارب طويلة و سميكة ، زوج من العدسات الملونة بالإضافة لشعر أشقر مستعار.

كانوا ليتوقعوا أنها لماريان لولا مقاسها الصغير .. الشخص الوحيد في المجموعة الذي يتلائم حجمه معها كان ..

التفتت الرؤوس نحو آليكسي الذي فغر فاه في عدم تصديق أو بالأحرى في محاولة لعدم تصديق الأمر ! رمش بعينيه الواسعتين مرارا بطريقة بلهاء "لا تقل .."

كتم إنزو و سيباستيان ضحكة مدوية بينما ثبت آلويس نظراته الحازمة على قط المجموعة الصغير "أجل .. سترتديها !"

انكمشت تعابير وجهه في اشمئزاز "و لماذا أنا ؟!"

لم يدر بداية إن كان آلويس قد تجاهل سؤاله أم أنه أراد الإجابة عنه بطريقة أخرى .. إذ التقط حقيبة ظهره و أدخل يده في جيبها الكبير .. اتسعت عيونهم في دهشة و انبهار و هم يرونه يخرج رزما عديدة من المال كانت كل رزمة منها تحوي أكثر من عشرين ورقة من فئة مئة يورو !

انحنى صاحب العيون الأربع للأمام بنظرات ذاهلة و أطلق سؤاله قبل الجميع "من أين لك كل هذا ؟!"

صف آلويس الحزم بترتيب بجانب بعضها ثم رفع إليه وجهه ذا البرود الهائل "من أين برأيك ؟! أخذتها من خزانة المدرسة طبعا ! سنحتاج المال إن أردنا العيش ، أليس كذلك ؟!"

أمسك إنزو إطار نظراته و قد أخذت التعابير البلهاء على وجهه لحظات حتى تغادره.. "أوه.. نعم"

قسم آلويس الرزم لثلاث مجموعات ثم رفع رأسه ليوزع نظراته الذكية بين رفاقه الحائرين "أنصتوا إلي جيدا .. سننقسم إلى ثلاث مجموعات و نفترق !"

هتفت ماريان بارتباك و قد أخذتها المفاجأة : "لكن لماذا لا نبقى معا ؟! أليس هذا أكثر أمانا ؟!"

"على العكس ! سيسهل عليهم العثور علينا إن بقينا بهذا العدد الكبير ! كما أن انكشاف شخص واحد سيؤدي لانكشافنا جميعا لذلك الافتراق هو الحل الأمثل !"

أطرقت رأسها بأسف .. و أصغى الآخرون لتوجيهاته المتتابعة : "سيذهب آليكسي - بعد تنكره كفتاة - مع إنزو.. "

قاطع هتاف آليكسي المعترض كلامه "أريد البقاء مع سيبا !"

احتدت نظراته و اكتسى صوته بالقسوة "هل تريد الموت لسيباستيان ؟!" حلت الصدمة على وجهه الطفولي و أخذت صوته "أنت و سيباستيان متناقضان تماما في الشكل و التصرفات و بقاؤكما مع بعضكما سيلفت الأنظار نحوكما دون شك !"

طأطأ رأسه الأبيض عابسا و حزينا فمسد سيباستيان على شعره بعطف "لا تقلق ! إنها مسألة وقت فقط و لن يطول الأمر حتى نعود معا !" رفع عينيه المملوءتين بالأسى .. لم يبدو أن طمأنة سيباستيان قد خففت من إحباطه كثيرا.


واصل القائد شرحه "ليس آليكسي و سيباستيان وحدهما من يلفتان الانتباه باجتماعهما ، فالأمر أيضا ينطبق علي أنا و إنزو كذلك ماريان و غلبيرت الثنائيات المعتادة في المدرسة ! لذلك لابد من إعادة التقسيم !" أضاف بعد وهلة "من الأفضل و الآمن أيضا أن يكون هناك شبه بين أفراد كل مجموعة ليتسنى لهم الظهور كأشقاء ! فالروابط العائلية هي الأقل شبهة ! إذن.. كما كنت أقول سيذهب آليكسي مع إنزو ! ماريان مع سيباستيان ، أنا و غلبيرت ! سيذهب كل منا إلى وجهة مختلفة ومن الأفضل أن نتوزع في عدة مدن !"

رفع سيباستيان يده سائلا : "ألا يجب أن يكون لنا مكان محدد للقاء كل فترة ؟!"

"بلى ! سنقوم بتحديده بعد انتقاء منطقة توزع المجموعات إذ ينبغي أن يكون الموقع قريبا للجميع !" عقد حاجبيه في تفكير "أظن من الحكمة أن تبقي كل مجموعة اختيارها لنفسها و لا تطلع باقي المجموعات عليه ! لكننا سنحدد المنطقة بشكل عام.. ما رأيكم بالجنوب الشرقي ؟! أعتقد أن انتشار أفراد المنظمة فيه أقل كثافة من المدن الشمالية طبعا هذا باستثناء نيس ، كان و ليون !"

ابتسم إنزو "القرار يعود إليك فأنت القائد !"

"لكن هذا لا يعني أن تغلقوا عقولكم و كأني وحدي من عليه التفكير ! عندما نفترق سيتوجب على كل مجموعة أن تخطط و تحمي نفسها بنفسها !" أطلق تنهيدة عميقة ثم أردف منهيا الاجتماع " إذن.. نختار الجنوب الشرقي من البلاد !"

انقسم الستة إلى ثلاث مجموعات كما أمر آلويس و ذهبت كل مجموعة - بعد أن حددوا غابة قريبة من الألب كمكان لقائهم - إلى مدينة مختلفة في المنطقة الجنوبية الشرقية.


*****

نزل آلويس و غلبيرت من القطار في محطة المدينة الساحلية غرونوبل . مدينة أخاذة بسحر طبيعتها و جمال أبنيتها ، تحفها جبال الألب الخلابة من جانب و بحر تتراقص ألوانه بين الأزرق و الأخضر من جانب آخر.

سار آلويس و رفيقه في شوارع المدينة المغدقة بأنسام البحر العذبة .. كانت أكثر انتعاشا و مرحا من المدن الداخلية التي قد تبدو مملة بعض الشيء مقارنة بها كستراسبورغ و باريس مثلا.

تلفت غلبيرت حوله بإعجاب و عيناه تستحسنان كل ما تقعان عليه ..
ثم توقف فجاة ليلتفت إلى آلويس .. كان قد ابتعد عنه قليلا و اتجه إلى متجر صغير يعرض صحفا و مجلات متنوعة في واجهته .. التقط صحيفة و عاد إلى صاحبه بعدما دفع ثمنها.

واصلا سيرهما في المدينة بلا هدى .. سأل غلبيرت قائده الذي بدا مشغولا عنه بمطالعة أخبار الصحيفة : "إلى أين سنذهب الآن ؟!"

تمعن المعني في مقال معين في الصحيفة.. و بعد لحظات من التجاهل طوى الجريدة عدة مرات ثم دسها في حقيبته و قال بما لم يبد لرفيقه كإجابة : "سنرى.."

مرا أثناء مشيهما بفندق صغير متواضع البناء .. نظر غلبيرت إلى مرافقه و قال بشك : "نحن لن ننزل في فندق .. صحيح ؟!"

رد الآخر دون أن يلتفت إليه : "طبعا لا.. الفنادق ليست مكانا آمنا ! ثم هل تعتقد أنهم سيسمحون لقاصرين مثلنا أن يمكثوا فيها بهذه البساطة ؟!"

تنهد غلبيرت بتعب و اكتفى بذلك دون تعليق موكلا للقائد مهمة العثور على مكان ملائم لإقامتهما.

نفذا إلى رواق جانبي.. و قبل أن يعبراه توقف آلويس فجأة و سأل بارتياب : "هل أنت جائع ؟!" هز غلبيرت رأسه ببعض الحرج فاستطرد الآخر و هو يشير نحو مقهى في نهاية الطريق"لنذهب هناك و نسترح قليلـ.. "


لم يكد ينطق الحرف الأخير من كلمته حتى اندفع شخص بسرعة خاطفة نحوهما !
تراجع آلويس بضع خطوات في اللحظة المناسبة بينما أوشك غلبيرت أن يسقط من دفعة الغريب المفاجئة.
ركل آلويس الرجل الذي حاول أثناء اندفاعه اختطاف حقيبته و طرحه أرضا ، و قبل أن يتمكن من النهوض و الفرار انقض عليه غلبيرت قوي البنية بلكمة فولاذية و ألصق وجهه بالأرض.

وقف آلويس عند رأسه و رسم على وجهه ابتسامة خبيثة تنضح سخرية "انظروا من وقع ! ما أتعس حظك الذي قادك إلينا أيها اللص المسكين !"

زمجر الرجل و بالكاد بانت كلماته و قد التصق أكثر من نصف وجهه بالأرض "اتر..كوني ! دعو..ني أ..ذهب !"

جلس القرفصاء و أمال رأسه للجانب و ابتسامته الماكرة تزداد اتساعا : "سنتركك ! و ستحصل أيضا على ما جئت تسرقه.."


سقطت الدهشة قوية على وجه اللص و غلبيرت بنفس القدر ! ما الذي يخطط له هذا الفتى العجيب ؟!


******

حمل السيد هوغو أكياس مشترياته الكثيرة و حث خطاه خارجا من المجمع التجاري .. كان معتادا على التسوق مرة واحدة نهاية كل أسبوع لذلك تبدو مشترياته كثيرة بالنسبة لرجل يعيش وحيدا.

وزع الأكياس على كلتا يديه بالتساوي و نزل إلى الشارع و على وجهه تلك الابتسامة الودودة المعهودة منه.. و بينما يسير عائدا إلى منزله استوقف بصره صندوق تبرعات أمام مشفى للأطفال . اتسعت ابتسامته اللطيفة ، وضع أكياسه على الأرض و أخرج محفظته .. كان السيد هوغو يلزم نفسه كلما خرج للتسوق أن يتبرع و لو بمبلغ ضئيل من المال لأي جهة من أوجه الخير و كان ذلك في الحقيقة هو سبب سعادته الدائمة و تفاؤله الذي يضرب به المثل .
لكنه ما كاد يفتح المحفظة حتى اختطفت من بين يديه !

غطت الصدمة الممزوجة بالرعب ملامح وجهه مزيحة ابتسامته عنها .. تلك المرة الأولى التي يحصل فيها شيء فظيع مثل هذا له.

شتت المفاجأة تركيزه للحظات و ما إن استعاد انتباهه حتى ركض خلف اللص و هو يصيح : "توقف ! توقف أيها السارق !"

لكن اللص كان يجري أسرع منه و لم يبد أن في استطاعة رجل غير رياضي مثل السيد هوغو أن يلحق به.. تلفت الأخير يمينا و يسارا أملا في العثور على شرطي يستغيثه لكن دونما فائدة ، لذلك صاح محاولا استنجاد الناس حوله "إنه لص ! أوقفوه ! لقد سرق محفظتي ! أوقفوه !"


و من حسن حظه أن شخصين من المارة قد سمعا ندائه ، كانا يقفان في آخر الرصيف و يعترضان طريق اللص ، و بتعاونهما لم يأخذ الأمر منهما دقيقة حتى أوقعا به !
قبض الضخم منهما على ذراعي السارق بقوة بينما تقدم رفيقه من السيد هوغو الذي توقف و انحنى على ركبتيه ليستجمع أنفاسه المبعثرة .. مد الفتى ذو العيون الساحرة يده بالمحفظة و قال بتهذيب : "تفضل سيدي !"

رفع الرجل رأسه و نظر إلى الفتى بابتسامة عريضة تفيض امتنانا و شكرا و هو يستعيد محفظته التي كاد يفقدها "شـ.. شكرا جزيلا لك !"

كان الفتى الآخر يركز انتباهه على رفيقه و السيد هوغو و لم يشعر إلا بالسارق يفلت من قبضتيه القويتين و يلوذ بالفرار بأقصى سرعة استطاعها.

التفت الآخر نحوه و قال موبخا : "كيف سمحت له بالهرب ؟!"

أطرق المعني رأسه معتذرا "آ..سف لقد شردت قليلا.."

لكن الأول واصل تأنيبه القاسي : "كان عليك أن تكون أكثر انتباها و حذرا !"

عندها تدخل السيد هوغو بدماثة "لا بأس يا بني لقد استعدت محفظتي بفضلكما و هذا كاف !"

هدأت ابتسامته من إنزعاج الفتى و تبسم قائلا : "كان واجبنا.." استأذن بأدب قبل أن يستدير "اسمح لي بأن أذهب إذن.."

لكن السيد هوغو هتف معترضا : "لا ! لن تذهبا قبل أن أعبر لكما عن شكري ! أنتما ضيفاي على الغداء !"

"لكن.. "

لوح الرجل بيده غير قابل للنقاش "لا لكن ! ستجيبان دعوتي ! أم تريدانني أن أحزن ؟!"

ارتسمت على وجهه ابتسامة إحراج صغيرة لينتهي بذلك جداله مع السيد هوغو و يخضع هو و رفيقه لمطلبه.


*****

استند اللص على جدار الزقاق و أخذ يعد غنيمته بفرح غامر : "ما أسعد حظي اليوم ! لم تمسك يداي مبلغا كهذا منذ زمن طويل !"

تقطب جبينه و هو يمد رأسه نحو الشارع ليلقي نظرة مستغربة على ذلك الفتى و رفيقه خلف الرجل الذي مثل سرقته "لكن ما لا أفهمه لماذا طلب مني أن أقوم بسرقة ذلك الرجل ؟! هل أراد أن يبدو بطلا أمامه ؟! لكن لماذا ؟!" حك رأسه عابسا ثم هز كتفيه "و ما شأني أنا ! المهم أني حصلت على ما أريد !"


صفر السيد هوغو بسعادة و هو يعد مائدة الغداء و الذي كان عبارة عن شوربة خضار و لحم بقر مشوي .. وضع أكواب العصير على السفرة ثم ألقى على الفتيان الجالسين سؤالا دون أن يتوقف عن عمله : "بالمناسبة ما اسمكما ؟!"

جاء الرد من آلويس "أنا أدريان و هذا أخي ماركو !"

وزع الرجل نظراته المستهجنة بينهما "أخوان ؟! أنتما لا تتشابهان إطلاقا !"

تصنع ابتسامة باهتة ثم قال "إنه أخي من أبي فقط و هو يشبه أمه !"

هتف السيد هوغو باقتناع : "أها هكذا إذن !" سكت لحظة ثم طرح سؤالا آخر : "أنتما لا تبدوان من سكان المدينة ، من أين جئتما ؟!"

أجاب آلويس سريعا "من باريس !"

"باريس ؟!" التفت نحوهما ببعض الاستغراب بينما يطفئ الفرن "و ما الذي أتى بكما إلى غرونوبل ؟! إنها بعيدة عن مكان إقامتكما ! هل لديكما أقارب هنا ؟!"

تحرك غلبيرت في كرسيه .. لم يكن مرتاحا لأسئلة السيد العفوية ، أما مرافقه فلم يبد عليه أي توتر أو قلق كان رد فعله طبيعيا و كذلك إجاباته.

تنهد بهم ثم قال : "لا لا نملك أقارب هنا.. " تشرب صوته حزنا عميقا "و لا في أي مكان !"

توقف السيد هوغو ليركز نظراته المصدومة على ضيفيه "هل أنتما يتيمان ؟!"

"أصبحنا كذلك قبل أقل من أسبوع !"

ظهرت الدهشة على وجه الرجل ، و حتى غلبيرت ! كان الأخير يتفاجأ كلما فتح آلويس فمه بكذبة جديدة لكنه يخفي اندهاشه بإطراق رأسه كيلا يفسد خطته.

نسي السيد هوغو كل ما حوله و جلس أمام ضيفيه الصغيرين .. انحنى باهتمام و قد استبد الفضول به "قبل أقل من أسبوع ؟! كيف حصل ذلك ؟!"

أخفض عينيه اللتين زداتهما الدموع لمعانا .. كان غلبيرت مستعدا لأن يقسم بأن تلك الدموع لم تكن زائفة بل هي في الواقع الشيء الحقيقي الوحيد في هذه التمثيلية .. حبس الأول آلامه و دموعه و عاد ليرفع رأسه و يجيب مضيفه : "هل سمعت خبر السفينة الفرنسية التي غرقت أثناء إبحارها نحو الجزر الإيطالية ؟! أمي و أبونا نحن الاثنين كانا على متنها .. و قد ماتا !"

اتسعت عينا غلبيرت .. هل هذا هو الخبر الذي حاز على اهتمامه في تلك الصحيفة ؟!

شعر الرجل الرقيق بأسف كبير نحوهما و بالاستياء من نفسه لالقائه سؤالا قاسيا بتلك اللامبالاة.

"آسف.. حقا.. "

"لا عليك سيدي "

"لكن.. لماذا جئتما إلى هنا إن لم يكن لديكما أقارب ؟!"

"لم نعد نستطيع البقاء في تلك المدينة .. إن كل شيء فيها يذكرنا بأسرتنا .. لقد زرنا عدة مدن ، لكن أيا منها لم تعجبنا بقدر غرونوبل لذلك اخترناها أنا و أخي لنقيم فيها بعض الوقت.. "

"آه .. أتفهم ذلك .. لكن أين ستقيمان ؟! الفنادق لا تسمح لمن في مثل سنكما بالنزول فيها دون مرافق بالغ كما أن أسعارها مرتفعة جدا !"

"نعم ندرك ذلك .. لكننا سنتدبر أمرنا بأي طريقة.. "

"أنتما غريبان عن المدينة و ليس من الحكمة أن تتجولا فيهما وحدكما ، فاللصوص و المحتالون في كل مكان ! و ما حدث اليوم خير دليل على كلامي !"

تبادل آلويس و غلبيرت النظرات.. و عاد الأول ليلتفت إلى السيد هوغو مبديا حيرة مقنعة "ماذا ترى إذن يا سيدي ؟!"

تنهد السيد.. مط شفتيه و جالت عيناه في أرجاء مطبخه الصغير قبل أن يرسم فوق شفتيه ابتسامة محرجة و يقول بقليل من الارتباك : "تستطيعان .. المكوث في منزلي .. إن شئتما !"

ارتفع حاجبا آلويس في تفاجؤ لم يشك مضيفه في صدقه ، التفت نحو غلبيرت الذي على خلافه أبدى دهشة حقيقية .. هذه إذن النتيجة التي كان صاحبه يسعى إليها من البداية !


أطرق الفتى عينيه مظهرا ترددا و حيرة كان طبيعيا لشخص في مثل موقفه أن يظهرهما.
و اصطبغ وجه الرجل بحمرة خفيفة و قد فهم تردده بطريقة أخرى "أتفهم موقفكما.. فمنزلي البسيط لا يبدو كالمكان الذي اعتدتما العيش فيه.."

كان منزل السيد هوغو صغيرا بطابق واحد و مساحة لا تتجاوز الثمانين مترا ، بسيط كما قال لكنه مميز بإطلالته الرائعة على الشاطئ و الجو الرحب المحبب الذي يملؤ كل زاوية منه .. كان كما رآه آلويس النقيض التام للسجن الذي قضى فيه أتعس سنين حياته و أكثرها قسوة.

ابتسم آلويس و قال بصدق : "على العكس سيدي منزلك أجمل بكثير من المكان الذي عشنا فيه ! يكفي أنه ملك لرجل كريم الخلق مثلك !"

تغلغلت السعادة في تجعيدات وجهه اللطيفة "إذن ستبقيان ؟!"


نطق غلبيرت للمرة الأولى "لكن ألن نسبب لك المشاكل ؟!"

"أبدا ، أنا لست متزوجا و أعيش وحدي ، كما أنكما لا تبدوان كمن يثير المتاعب !"

شاب ابتسامة آلويس مقدار ضئيل من السخرية لم يلحظه السيد هوغو .. هما بالفعل لا يثيران المتاعب لكن المتاعب هي من تلاحقهما أينما ذهبا.

نظر للرجل أمامه بامتنان و قال : "حسنا ، لكننا سندفع لك ثمن إقامتنا !"

قطب جبينه بانزعاج : "ما الذي تقوله أيها الفتى ؟! هذا ليس نزلا لتدفع !"

"أعلم لكننا لا نريد أن نشكل عبئا إضافيا عليك !"

"لن تشكلا أي عبء حالتي ميسورة و الحمد لله !"

"لكن.. "

"كف عن الجدال أيها الفتى لم أنت عنيد هكذا ؟! لن آخذ مالا مقابل إقامتكما عندي ، لكن قد أقترض منكما إن اقتضت الحاجة لذلك ، و الآن .. يا إلهي لقد انشغلت بالثرثرة و نسيت أمر الغداء كليا ! لا شك أنكما تتضوران جوعا !"

ضحك من بلاهته و نهض متجها إلى الفرن ليخرج اللحم المشوي.


تزين وجه غلبيرت بابتسامة رقيقة و همس لرفيقه "إنه رجل لطيف حقا !"

هز آلويس رأسه ببطء مبديا موافقته .. لقد مضى وقت طويل لم يقابل فيه أشخاصا مثل السيد هوغو ، منذ دخل إلى النجوم المضيئة لم يعد يرى من العالم سوى جانبه المظلم.


بعد تناول الغداء الشهي .. تكفل آلويس بتنظيف المائدة و غلبيرت بغسل الصحون بينما انشغل سيد المنزل بتجهيز أكواب الشاي و مراقبة الإبريق على النار.


اجتمع الثلاثة أمام طاولة في الشرفة ليستمتعوا بالنظر إلى البحر و النوارس المحلقة في سمائه الزرقاء الصافية أثناء احتسائهم الشاي اللذيذ.

استرخى السيد هوغو في كرسيه الهزاز .. مر صمت قصير قبل أن يهتف فجأة : "صحيح ! يجب أن نعثر لكما على مدرسة بسرعة !"

اتجهت عينا غلبيرت لرفيقه بنظرة قلق .. تسجيلهم في مدرسة بمثابة رمي أنفسهم بين براثن المنظمة ! لكن كيف يمكنهم تجنب ذلك دون إثارة شكوك السيد هوغو ؟!

رفع آلويس حاجبيه و رمشت عيناه عدة مرات ليبدو بمظهر بريء يعتريه العجب "نحن لا نذهب للمدرسة !"

على الذهول وجه الرجل "لا تذهبان للمدرسة ؟! لماذا ؟!"

تطلع غلبيرت إلى صاحبه بصدمة .. كيف يستطيع قولها مباشرة و بتلك الطريقة غير المكترثة ؟!

نظر آلويس نحو غلبيرت بمسحة غريبة من الشفقة لم يستطع الأخير تفسيرها ، ثم تنهد و قال موجها عينيه إلى السيد "لقد توقفنا عن الذهاب إلى المدرسة منذ سنتين .. و ذلك للمضايقات الكثيرة التي يتعرض لها ماركو هناك !"

"مضايقات ؟!"

"أجل ، إنه في الحقيقة .. مصاب بالتوحد !" انتفض جسد غلبيرت لكنه كافح حتى لا تظهر ملامح الصدمة على وجهه بينما يواصل رفيقه "و هذا ما جعله هدفا دائما للأولاد المتنمرين !" أصغى السيد بانتباه.. تنهد الفتى بعمق ثم تابع "لذلك قرر والداي أن يترك المدرسة و يكمل دراسته في المنزل . كان يقضي معظم وقته وحيدا فهو بلا أصدقاء نهائيا و كلا والدينا يخرج للعمل طيلة النهار .. لذلك توجب علي أن أترك مدرستي كذلك و أجلس معه !" رسم ابتسامة أخوية على شفتيه و هو يستدير نحو أخيه المزعوم و الذي خطف نظرة إلى وجهه ثم عاد ليلصق عينيه بالأرض .. بدا حينها فعلا كفتى يعاني عزلة و مشاكل نفسية و يشعر بتأنيب الذات على ما يسبب لأخيه غير الشقيق من متاعب.


و هو يحدق فيهما شقت ابتسامة إعجاب طريقها مزيحة تعابير الدهشة من وجهه "فهمت ! يا لكما من أخوين رائعين !"


أخفض آلويس رأسه متصنعا ابتسامة خجلة ، أما غلبيرت فلم يرفع عينيه عن حذائه .. رغم أن المفاجأة غير المتوقعة من طرف آلويس لم ترقه أبدا إلا أن دور الفتى الانطوائي لم يكن سيئا بالنسبة له ، بل إنه يناسبه كثيرا في الواقع فهو هادئ بطبعه و لا يتكلم كثيراً لذلك لن يصعب عليه تمثيل هذا الدور.


و هكذا أصبح منزل السيد هوغو ملجأ للهاربين من شرور المنظمة.


كان آلويس و صديقه أثناء إقامتهما هناك يدرسان مناهج المدارس العادية أو بالأصح يتظاهران بدراستها فمعلوماتها - بالنسبة لطالبين متفوقين من النجوم المضيئة - بديهية و محفورة في ذاكرتيهما لسهولتها و كثرة تكرارها.

مرت الأيام التالية هادئة لطيفة دون مشاكل أو أحداث تذكر .. التزم الأصدقاء الستة باللقاء عند الغابة كل أسبوع أو عشرة أيام ، كانت المجموعتان الأخريتان قد تدبرتا أمرهما بشكل جيد أيضا . أقام سيباستيان و ماريان في بيت زوجين عجوزين لم يرزقا بأبناء ، أما إنزو و آليكسي فقد وجدا مقامهما عند صياد أعزب يعيش حياته في قاربه.

كذلك فقد عرف آلويس من إتصاله بصديقه البعيد إيريك أن هوارد و عدد قليل من الطلاب استطاعوا الهرب من المشفى و الافلات من المنظمة بعد أن التزموا بتعليمات آلويس التي نقلها إليهم إيريك ، أما الباقون و هم الأغلبية فلم يبرحوا مكانهم خوفا من بطش المنظمة و هو ما أدى إلى هلاكهم و ضياع فرصتهم الوحيدة في النجاة . لم تكن تلك هي المعلومة الوحيدة في جعبة صديقه فهناك واحدة أخرى أثارت اهتمامه أكثر من سابقتها.. و هي اختفاء جاستن المفاجئ !


أطبق آلويس كتابه و أخذ نفسا عميقاً.. كان ذهنه مشغولا بأمور كثيرة لم تسمح له بالتركيز في القراءة .. أين ذهب جاستن ؟! و ماذا سيحل بهوارد و الآخرين ؟! ثم ماذا سيفعل هو و غلبيرت بشأن مكان إقامتهما ؟! السيد هوغو رجل مضياف كريم حلو المعشر و قد استضافهما لما يقارب السنة ، لكنهما لا يستطيعان المكوث هنا بشكل دائم يجب أن يتنقلا من مكان إلى آخر كل فترة حتى لا تستطيع المنظمة تتبعهما.

ألقى نظرة نحو رفيقه.. كان منصبا على قراءة كتاب الأحياء البحرية و لم يبد أن هناك ما يشغل باله غير الدلافين و أسماك القرش.


تنهد ثم نهض من كرسيه قائلا : "سأذهب لأصنع لي كوبا من الشاي .. هل تريد أن أحضر لك واحدا ؟!"

رفع غلبيرت رأسه المحني فوق كتابه و قال ببعض الامتنان : "نعم من فضلك !"


سار نحو المطبخ بذهن شبه غائب .. غير أنه حالما وضع قدميه فيه استعاد إدراكه و انتباهه ، إذ وجد هناك شيئا غير مألوف جعله يعقد حاجبيه و يركز نظراته عليه باندهاش . كانت الثلاجة مفتوحة على آخرها و قد انحنى شخص غريب على رفوفها لينبش محتوياتها ! من هو ؟! لص ؟! لكن هل اللصوص يقصدون الثلاجات ؟!

خطى آلويس على رؤوس أصابعه و أخذ يقترب من المجهول .. وقف على يساره دون أن تفصل بينهما مسافة كبيرة ، ثم أمال رأسه للجانب و قال باستنكار "من تكون ؟!"

جفل الغريب قليلا بسبب الصوت الذي بدد سكون المطبخ فجأة .. رفع رأسه لينظر إلى محدثه .. لم يكن المجهول أكثر من سيدة شقراء في أواخر العشرينيات ! احتضنت الأطعمة المعلبة التي أخرجتها من الثلاجة بين ذراعيها و كشرت بمرح عن صف من الأسنان البيضاء المتراصة و قالت بنبرة طفولية "أنا سوزان !"

ضاقت عيناه المثبتتان عليها بارتياب .. من تكون هذه المرأة ؟! السيد هوغو ليس متزوجا و لم يأت على ذكر امرأة طيلة وجودهما عنده.


تحركت سوزان نحو الطاولة و فرشت الطعام فوقها .. جلست بأريحية أمامه ثم عادت لتنظر نحو آلويس .. أمالت رأسها للجانب المعاكس له و كأنها تحاول تقليده و بذات التكشيرة المرحة قالت : "عيناك جميلتان حقا ! هل يمكنني التعرف عليك ؟!"

بغير تهذيب تجاهل آلويس سؤالها و طرح سؤاله بقليل من الحدة "ما هي علاقتك بالسيد هوغو حتى تدخلي إلى منزله دون إذن ؟!"

قهقهت المرأة باستمتاع و كأنه ألقى بدل السؤال طرفة ظريفة أثارت ضحكها ، رمقها بنظرة استخفاف باردة كانت في نظرها أكثر مدعاة للضحك من سؤاله.

"أنت ظريف للغاية لقد أحببتك !"

تحلت تعابير وجهه بالاشمئزاز .. آخر إمرأة في الدنيا قد يتمنى أن تحبه هي واحدة من صنف سوزان.

اختلط صوت ضحكها بالمضغ و هي تحشر قطعة من الجبن في فمها.. بدت مستمتعة كثيرا بالنظر إلى وجهه الجامد و التعابير الباردة التي تظهر عليه.

"هذه أنت يا سوزان ؟!"

كان ذلك السيد هوغو الذي وقف عند باب المطبخ و دهشة كبيرة بادية عليه .
لوحت له سوزان و هي تدفع زجاجة الحليب في فمها.

"متى وصلت ؟!" سأل السيد بينما يدخل لينضم إليها على الطاولة.. أبعدت المعنية الزجاجة بعد أن شربت ربع ما فيها بجرعة واحدة ثم أخذت ثانية لتعطي رئتيها مهلة قصيرة للتنفس و قالت : "اليوم !"

انتبه للمرة الأولى منذ دخوله لوجود آلويس فقال مجيبا على نظرات التساؤل في عينيه : "إنها ابنة عمي سوزان !"

أطلقت سوزان ضحكة و هي تنظر نحوه "أجل أنا ابنة عمه الغالية التي لا تحتاج إذنه لتدخل بيته و تغير على ما في ثلاجته !"

ضحك السيد هوغو بدوره بينما انسحب آلويس من أمامهما قائلا : "سأعد الشاي.."

أحاطته سوزان بنظراتها المهتمة طوال سيره نحو الموقد .. ثم التفت نحو ابن عمها و سألت : "ما اسم هذا الوسيم العابس ؟! إنه يرفض أن يخبرني !"

تظاهر آلويس بعدم الإصغاء لكلامها بينما تبسم السيد و هو يحول بصره إليه "إنه أدريان ! و لا أنصحك باللعب معه !"

تدفقت الإثارة داخلها جراء هذا التحذير "حقا ؟!"

حينها التفت الجميع نحو باب المطبخ .. كان غلبيرت واقفا على عتبته و ينظر نحو سوزان باستغراب .. أجابت الأخيرة مبتسمة قبل أن يبادر بالسؤال : "أنا سوزان ابنة عم هوغو !"

تصنع غلبيرت بعض الارتباك و التوتر كان من المطلوب أن يظهره من هو في مثل حالته - التي يمثلها - عند التقائه أناسا جددا.

أشار السيد هوغو إلى كرسي قربه و قال : "تعال اجلس يا ماركو !"

تقدم غلبيرت بعد تردد قصير و جلس دون أن تقابل عيناه عيني سوزان المتفحصة.

سألت الأخيرة و الفضول يأكلها : "هل هذان الاثنان هما ابناك بالتبني ؟!"

"لا ، إنهما يقيمان معي فقط .. لكني كنت سأسعد كثيرا بابنين صالحين مثلهما !"

بان السرور مع بعض الخجل على وجه غلبيرت "شـ.. شكرا سيدي !"

أما آلويس فبدا كأنه لم يسمع .. كان منشغلا بإعداد أكواب الشاي دون الالتفات لما حوله.

سأل السيد هوغو : "لكن ما الذي أتى بك بهذا الشكل المفاجئ ؟! هل حدث شيء مع زوجك ؟!"

ظهر الملل في عينيها حين ذكر كلمته الأخيرة "ذاك الغبي ؟!" استعادت نظرات الشغب الماكرة فجأة "لقد جئت هنا فقط لأثير أعصابه !" ثم غرقت في نوبة شريرة من الضحك "لا يمكنني تخيل ردة فعله حين يعلم بأني بعت المنزل و تركته بلا مأوى !"

أخذ آلويس يصب الشاي في الأكواب بصمت.. وضع السيد هوغو يده على رأسه و تنهد بعمق : "يا إلهي هذا زواجك الثالث يا سوزان ! لم لا تعتبرين من تجاربك السابقة ؟!"

قهقهت بخبث "كل أزواجي كانوا مغفلين و من النوع ذاته من الرجال البغيضين ! لذلك توجب ان أعاملهم بالطريقة نفسها !"

"و لماذا تقعين مع نفس النوع كل مرة ؟!"

هزت كتفيها و ابتسمت "لا أعرف و لست أهتم بأن أعرف ما دمت أحصل على المال !" رفعت عينيها الحالمتين إلى السقف "بعد أن أحصل على طلاقي من الأبله الثالث سأكون قد جمعت ما يكفيني من المال لأعيش حياة رغيدة و لن أفكر في الزواج مجددا" تنهدت بغم "فبعد رحيله لم يعد بين الرجال من قد يثير اهتمامي !"

نظر السيد هوغو نحوها باستغراب "من تقصدين ؟!"

فتحت عينيها باستغراب مماثل : "ألا تعرفه ؟! إنه .. أعني كان رئيسي في العمل ... السيد إدمون آيون !"

انقبض قلب آلويس و شخصت عيناه و قد استبدت الصدمة به ! استغرق الأمر منه وقتا حتى استطاع طمس هذه الدهشة و الالتفات نحو المرأة .. أوشك أن يسألها لكنه كبح نفسه في اللحظة الأخيرة . حمل أكواب الشاي و وزعها على الجالسين ثم اتخذ لنفسه مقعدا بجانب غلبيرت.. مع أن البرود يلف محياه إلا أن قلبه ما زال يرتجف من الصدمة.

لكن لحسن حظه فقد طرح السيد هوغو السؤال الذي تردد في ذهنه "هل كان هناك شيء بينكما ؟!"

مطت شفتيها و هزت رأسها "لا.. كانت المشاعر من طرفي أنا فقط أما هو فكان يعاملني بطريقة عادية ! لكني لم أيأس من إمكانية أن يبادلني تلك الأحاسيس ! كنت دوما أحلم به يترك إيفا - رغم علمي بإخلاصه الشديد لها - و يتزوجني أنا.. لكن .." عبست و تنهدت بحزن.

أما السيد هوغو فلم يتمالك نفسه من الضحك "لا من تكرهينه يسلم من شرك و لا من تحبينه ينجو من نحسك ! أي كارثة أنت ؟!"

قطبت جبينها و رمته بنظرة تهديد : "كلمة أخرى و سأحبك !"

لوح بيديه راجيا و هو يضحك "لا أرجوك ! سأطبق فمي و لن أفتح الموضوع مجددا !"

زمت شفتيها بطفولية "هذا من مصلحتك !"

لم يكن آلويس مستمتعا بالحديث الجاري خلافا لرفيقه.. بل بدا منزعجا لحد الغضب ! رغم إدراكه أن السيد هوغو و سوزان لا يقصدان سوءا بما قالا إلا أن جعلهما موت أقرب فرد إليه من عائلته موضوعا كوميديا مثيرا للسخرية كان شيئا يفوق احتماله و يتخطى كل حدود الصبر ! التقط كوبه و ارتشف من شايه الساخن عله يهدئ أعصابه الثائرة و لو قليلا..


لم يظهر إن كان أي من الثلاثة الآخرين قد لاحظ الغضب الذي يتملكه .. سأل السيد هوغو محولا دفة الموضوع عن إدمون "ألا زلتي تعملين في مؤسسة لوميير ؟!"

قالت بحنق : "لا ، لقد فصلني ذلك القرد القبيح بيفورت ليضع مكاني نعجته البدينة ! و لذلك تراني هنا ! فقد جئت أبحث عن وظيفة في غرونوبل !"

هز رأسه بتفهم "هكذا إذن.. أظنني أستطيع مساعدتك في هذا !"

تهلل وجهها بابتسامة واسعة "هذا ما كنت أتوقعه من ابن عمي الرائع !"
ألقت ما بقي في كوبها داخل فمها بعجالة ثم التقطت حقيبتها و نهضت قائلة "هيا لنذهب الآن !"

"الآن ؟!"

شدته من ذراعه لتحمله على النهوض "نعم الآن لا وقت نضعيه !"

تنهد في استسلام و قلة حيلة و قام من مقعده مكرها .. سارت سوزان بنشاط يتبعها ابن عمها بتمهل و قليل من التثاقل نحو الباب .. توقفت فجأة حين مرت بآلويس الذي لم يعرها اهتماما .. اقتربت منه لتقف خلفه و قبل أن يتمكن الأخير من فعل شيء أمسكت خديه و صارت تشدهما باستمتاع و تلذذ "يا إلهي ما أجمل هذه الخدود ! هل أستطيع أكلها ؟!"

ثم قفزت للوراء قبل لحظة من أن تصيبها صفعة آلويس الذي وقف يستشيط غضبا.
أمسكت بطنها و وجهها قد ازرق من الضحك .. فسحبها السيد هوغو من ذراعها قائلا بنفاذ صبر : "دعي الفتى و شأنه سوزان !"

جرها ورائه حتى باب المطبخ .. و قبل أن تغادر لوحت له مودعة "ستصبح رجلا رائعاً عندما تكبر و قد أفكر في الزواج بك !"

نهرها السيد هوغو و قد ظهر الرعب على وجهه "أوه أرجوك لا تدمري مستقبل الفتى ! هيا تحركي ! ألست أنت من حثني على الإسراع ؟!"


خرجت سوزان من المطبخ و لم ينقطع صوت ضحكاتها حتى غادرت المنزل كله.

زفر آلويس بحنق و عاد للجلوس و هو يفرك وجنتيه المحمرتين بألم .. دون أن ينتبه لغلبيرت الذي كان يهتز و يكتم ضحكته بشق الأنفس.


*****

بعد مرور بضعة أشهر من الحياة المريحة المسالمة في غرونوبل .. حدث ما شكل نهاية ذلك الحلم الجميل !
رن الهاتف و طاف رنينه اللحوح في أنحاء المنزل الهادئ دون كلل حتى خرج آلويس من غرفته و اتجه إليه.. رفع السماعة و قال بفتور : "آلو.."

اندفع الطرف الثاني ليقول بصوت مرتجف : "هذا أنت يا آل ؟! اسمعني يجب أن تغادر المدينة التي أنت فيها بأسرع ما يمكن !"

اتسعت عيناه الصفراوان في تفاجؤ "ماذا ؟! ما الذي حدث يا إيريك ؟!"

ازداد صوت صديقه اضطرابا و خوفا "إنهم يعرفون ! لقد اكتشفوا مكانك و قد يصلون إليك في أية لحظة !"

أغمض آلويس عينيه و أخذ نفسا طويلا.. ليخمد ثوران مخاوفه.. لم يكن خوفا لأجل حياته إذ كان واثقاً من قدرته على حماية نفسه لكن قلقه الأكبر كان على أصدقائه و الناس المحيطين به.

تحدث بعدما استعاد رباطة جأشه و هدوءه "من أين تحدثني يا إيريك ؟!"

"من هاتف جارتنا !"

"جيد ! إياك و مهما حدث أن تتصل بنا من هاتف منزلك ، واضح ؟!"

رد إيريك مترجيا : "حاضر ! و لكن أرجوك أن تسرع بالهرب فالوقت ضيق جدا !"

"لا تقلق سنكون على ما يرام !"


أطبق السماعة ثم انطلق عائدا إلى غرفته.. وجد غلبيرت مستلقيا فوق سريره يقرأ مجلة هزلية.. هتف آلويس : "انهض بسرعة يجب أن نغادر هذا المكان !"

أجفل غلبيرت تماما لكنه و قبل أن يفيق من دهشته قفز واقفا .. التقط آلويس حقيبته على عجل و رمى بخاصة رفيقه نحوه.
و اندفع الاثنان خارجين إلى البهو.. كان السيد هوغو في الخارج لذلك شق آلويس ورقة من دفتر ملاحظاته و كتب له رسالة قصيرة "اضطررت أنا و أخي للعودة إلى باريس لأمر عاجل ! سنبقى هناك في منزل أسرتنا لذلك لا تقلق بشأننا ! شكرا جزيلا لك على كل ما قدمته لنا !"


خرج الاثنان راكضين نحو الشارع أعلى الشاطئ.. لكن قبل أن يبلغاه بقليل أمسك آلويس ذراع رفيقه و قال آمرا : "سنفترق من هنا !"

هتف الآخر مستنكرا : "ماذا تقول ؟! لماذا ؟! ألم.. "

قاطعه آلويس بغضب : "الوضع اختلف الآن ! يجب أن نفترق و يذهب كل منا إلى جهة مختلفة !" تلفت حوله ليتأكد من أن لا أحد يراقبها ثم قال : "اسمع اذهب إلى أفيغنون ! إنزو و آليكسي هناك ، لقد استطعت معرفة المكان من وصفهما له !" دفعه بصبر نافذ "هيا تحرك ! إن بقينا معا سيمسكون بنا دون شك !"

سار غلبيرت بخطوات بطيئة مكرهة يتبعها بالتفاتة حزينة نحو رفيقه كل لحظة.. لكنه حالما وصل الشارع صار يركض دون توقف ! لم يكن يريد ترك قائده و صديقه .. لكنه في الوقت نفسه كان يخشى أن يشكل عبئا قد يتسبب في إيقاعه بين أيدي المنظمة !











رد مع اقتباس