عرض مشاركة واحدة
  #209  
قديم 08-03-2016, 03:41 PM
 




الفصـل الرابع و الثلاثـون
ج1
*عودة بالزمن*






(آذار/مارس 1988)


رحل الشتاء البارد و أتى الربيع فارشا الأرض بردائه الأخضر الزاهي معيدا للأجواء دفئها و للناس نشاطهم و حيوتهم بعد أن جمدتها الثلوج لشهور عديدة.

هبت الانسام العابقة بعطر الزهور و رحيقها على الحدائق الواسعة لقصر "الماسة الرمادية" ذلك القصر العريق الفخم الذي يدعوه الباريسيون بـ "توأم فيرساي" لشبهه الشديد بقصر الملوك الشهير فيرساي.

أمام باب هذا القصر كانت ليليان آيون أو ليليان دي لا فونت - كما أصبح اسمها بعد الزواج - قد أوقفت سيارتها و نزلت منها لتدخل إليه برفقة ممرضتها التي كانت تلازمها معظم الوقت للعناية بصحتها و مراقبة نظامها الغذائي.

و ما إن وضعت قدميها داخل البهو البهيج للقصر حتى وجدت امرأة قد أتت لاستقبالها .. كانت طويلة القامة ، جميلة الوجه ، بشعر بني قصير و عينين زرقاوين .. بدا عليها السرور بزيارة ليليان التي كانت تبادلها الشعور نفسه.

قالت المرأة بصوتها الرقيق : "كيف حالك ؟!"

ردت ليليان بمرح : "بخير ، كيف تسير أمورك أنت يا إيفا ؟! و كيف هو ويل الصغير ؟! هل بلغ عامه الثاني يا ترى ؟!"

أجابت إيفا و هي تقود ضيفتها : "كل شيء على ما يرام معي ، أما ويل فقد بلغ عامه الثاني قبل شهرين !"

"أوه نعم صحيح ، إنني دوما ما أنسى التواريخ !" أضافت بعدها : "ماذا عن باقي العائلة ؟!"

"إنهم جميعاً في أحسن حال ، لقد حضرت العمة ماري من برلين مساء أمس و الجدة لويز عندنا منذ يومين ، و الكل الآن مجتمعون في غرفة الجلوس الكبيرة ينتظرون قدومك"

قالت ليليان و على وجهها الطفولي الجذاب ترتسم ابتسامة عذبة : "هذا رائع ، لقد اشتقت إليهم كثيرا !"

في ذلك الوقت وصلت إيفا مع ضيفتها إلى غرفة الجلوس الكبيرة ، كانت غرفة واسعة ، جميلة ، تغمر أشعة الشمس كل ركن منها ، و الأهم من ذلك كانت المكان المفضل لاجتماع العائلة.
وزعت ليليان نظراتها الفرحة بين وجوه الجالسين .. العجائز الثلاث ، أمها السيدة كارولينا و الجدة لويز بينهما العمة ماري - كانت ليليان واثقة من بقايا تعابير الدهشة على وجوههم أن العمة ماري كانت تروي لصديقتيها إحدى قصصها العجيبة التي تحدث معها في ألمانيا - ، شقيقتها الصغرى سارة و التي كانت كعادتها ملولة و غير مبالية ، ثم أخوها الأكبر إدمون ذو النظرات الماكرة التي يعتليها قدر من الغرور كان يتناسب مع دهائه و شخصيته القوية ، ثم في الأخير والدها الحبيب و رئيس العائلة السيد جوزيف آيون ! كان هو أول من توجهت إليه .. عانقته بحرارة ثم استادرت لتعانق والدتها التي جاءت إليها بنفسها .. حيت الباقين ببعض الكلمات ثم جلست إلى جوار إيفا .. صديقتها منذ كانت في المدرسة الإعدادية.
جلست الممرضة بدورها بجانب سيدتها بعد أن حييت الحضور بإيماءة مهذبة من رأسها.

سألت ليليان باستغراب : "أين وليام ؟!"

"لقد نام قبل وصولك بنصف ساعة"

"هذا مؤسف ، أردت اللعب معه قليلاً .."

انحنت إيفا للأمام قليلا ثم همست بلهفة : "إذن هل اخترت اسمه ؟!"

تنهدت ليليان ثم هزت رأسها عابسة : "ليس بعد"

أشارت للممرضة كي تناولها حقيبتها لتخرج منها دفتر ملاحظات صغيراً .. فتحت إحدى صفحاته ثم قالت : "إنني محتارة بين اثنين و عشرين اسما ! كلها تعجبني و هذا ما يزيد الاختيار صعوبة !"

"دعيني أرى .." و مدت إيفا رأسها لتلقي نظرة على قائمة الأسماء ثم تنهدت في يأس : "أسماء يونانية أيضاً ؟!"

دافعت ليليان عن اختيارها بحماس : "أريد أن يكون اسمه فريدا له وقع قوي في الذاكرة !" ثم تلاشت حماستها و قد عادت إليها الحيرة : "لقد حددت هذه الأسماء لكنني لا أعرف ما أختار من بينها .."

تحدثت إيفا بنوع من الاستغراب : "و لم لا تسألين زوجك عن رأيه ؟! أليس ابنه أيضاً ؟!"

تنهدت ليليان و وضعت يديها على خديها : "نيكول مشغول طوال الوقت و قد أوكل إلي أنا مهمة اختيار اسم ابننا الأول .. قال أن ذوقي يعجبه و أن أي اسم أنتقيه سيكون بلا شك جميلا !" تبسمت بحب و هي تتذكر كلماته ..
"إن نيكول لطيف جدا و متفهم دائما ، لكنني أحس أن تعامله معي أصبح فاترا بعض الشيء بعد زواجنا !"

"هذا طبيعي ، فقبل الزواج يظهر الرجل كل محاسنه - سواء كانت حقيقية أم زائفة - أمام المرأة و يغرقها بالقصائد الرومانسية و كلام الحب و أنه لا يستطيع العيش بدونها و أنه سيشنق نفسه إن لم تتزوجه .. إلى آخر ذلك من الكلام البالي ، و ما إن تستجيب له و تتزوجه حتى يتوقف كل ذلك فهو الآن قد حصل على ما يريد .. كل الرجال على هذه الشاكلة !"

ضاقت عينا ليليان : "حتى أخي ؟!"

ردت إيفا بسخرية : "أخوك أول واحد !"

قالت هذا بصوت أعلى من كلامها السابق فالتفت إليها إدمون - الذي كان مشغولا بحديث محموم مع والده - بتقطيبة حادة جعلتها تضحك.

"هل أنت نادمة إذن على الزواج بأخي ؟!"

خفضت صوتها و هي لا تزال تضحك : "لا ، فالحياة معه مسلية ، كما أني كما تعلمين لا أهتم بالرومانسية مثلك !"

زمت ليليان شفتيها لتبدو أشبه بطفلة صغيرة متذمرة : "آه .. نعم !"

ربتت إيفا على كتف صديقتها مواسية : "لا تقلقي ، حين يولد طفلك لن يشغلك شيء في الدنيا سواه لا نيكول و لا غيره ، أنت تدللين زوجك كثيرا ، فربما لو أهملته قليلا سيشعر بقيمة وجودك معه و يحرص عليك أكثر !"

حاولت ليليان أن تبتسم لكن محاولتها باءت بالفشل ..
"لا أدري .. المشكلة تبدو أكثر من مجرد فتور في مشاعره تجاهي .."

قطبت إيفا حاجبيها : "ماذا تقصدين ؟!"

ألصقت ليليان نظراتها على الأرض تحتها و قد انتابها التوتر ..
"أعني .. لست واثقة مما أظنه يا إيفا .. لكن كلامه معي قل للغاية .. إنه يسافر كثيراً في الآونة الأخيرة و كلما طلبت منه أن يأخذني معه يرفض متعذرا بمختلف الحجج .. إنني أخشى أنه ... "

خمنت إيفا ما تريد قوله فقاطعتها : "زوجك من أسرة نبيلة و راقية بشهادة أبيك يا ليليان !"

ازدادت ليليان ارتباكا "أعلم يا إيفا لكن .. "

"لكن ماذا ؟!"

"لا شيء !"

قالت ذلك بنبرة حاسمة ثم نهضت لتجلس قرب سارة و التي كانت وحدها من لا تحادث أحدا.


*****


"آغنيس تعالي إلى غرفتي !"

قالت ليليان للممرضة عندما رأتها تهم بالخروج إلى الحديقة ، فردت الأخيرة بأدب : "كما تشائين سيدتي ها أنا ذا قادمة !" و انطلقت بلا تأخير خلف سيدتها.

فتحت ليليان الباب و دخلت ثم أمسكت الباب حتى تدخل الممرضة .. أمعنت النظر في الممر حتى تتأكد من أن أحدا ليس هناك ثم أغلقت الباب .. جلست على سريرها و أشارت لآغنيس بالجلوس قبالتها.

همست : "اسمعي يا آغنيس .. أنا في حاجة شديدة لمساعدتك !"

قالت آغنيس بإخلاص : "أنا في خدمتك سيدتي !"

"إنها ليس خدمة من ممرضة إلى مريضتها بل مساعدة من صديقة لصديقتها !"

دهشت الممرضة إلى حد ما لكنها قالت : "أنا مستعدة لتقديم ما يمكنني من المساعدة لك !"

تبسمت ليليان بامتنان : "شكرا لك يا آغنيس .." أخذت تفرك يديها في توتر ثم نطقت بعد وهلة من التردد : "الأمر يتعلق .. بزوجي !"

لم تتفاجأ الممرضة كثيرا فهي كانت تعلم عن شكوك ليليان و إن لم تفصح لها هي عن ذلك بشكل مباشر.

كان قد مضى أسبوع على زيارة ليليان لأسرتها و بعد أن يأست من مساعدتهم لها اتجهت إلى الشخص الوحيد المتبقي لديها لتطلب ذلك منه . قالت بصعوبة : "هل .. هل تعرفين متعقبا جيدا ؟!"

فغرت الممرضة فاها لتظهر ذهولا لم يبد عليها من قبل ! و زادت ردة فعلها من ارتباك ليليان.
"أعرف أن ذلك ليس تصرفا حسنا لكن .. إنه الحل الوحيد للقضاء على شكوكي !" دمعت عيناها و هي تقول : "أنت حرة و لن أجبرك على مساعدتي إن لم تريدي ذلك !"

تحدثت الممرضة : "أعرف .. شخصا يمكنه القيام بهذه المهمة .." فوجئت ليليان لرؤية آغنيس الهادئة المتزنة قد استولى عليها الاضطراب والقلق فخمنت أن ذلك الشخص الذي تقصده مقرب منها .. تابعت الممرضة : "لكنه ليس مستقيماً !"

هتفت ليليان وقد تهلل وجهها : "هذا ليس مهماً بما أنه يجيد هذا العمل أليس كذلك ؟!"

"نعم إنه في الواقع متمرس به !"

"ممتاز ! اتفقنا إذن ؟!"

"نـ.. نعم ، لكن سيدتي .. ماذا ستفعلين لو كانت شكوكك في محلها ؟!"


فتبخر كل السرور و الغبطة التي ظهرت على ليليان .. أطرقت رأسها و ابتسمت بحزن : "أنا أحب نيكول حبا لا يمكن وصفه ، إنه أروع رجل قابلته في حياتي وكان الزواج به أو حتى مبادلته إياي و لو شيئا بسيطا من المشاعر بمثابة حلم بعيد المنال بالنسبة لي ، لا يمكنك أن تتخيلي حجم السعادة التي شعرت بها حين تقدم ليطلب يدي كنت أرى نفسي المرأة الأكثر حظا في الدنيا ! لكن ... إن كانت مشاعره تجاهي قد تغيرت و لم يعد لي مكان في قلبه .. فلن أبقى ، سأرحل !"

"و ماذا عن ابنك ؟!"

"سآخذه معي بالطبع !"

سكتت الممرضة .. فقالت ليليان : "متى ستكلفين ذلك الشخص بهذه المهمة ؟!"

"سأذهب إليه غدا فهو يوم عطلتي !"


*****


بعد ثلاثة أيام وصلت إلى ليليان رسالة من المتعقب و كانت تحمل تقريرا ليومين من المراقبة قرأتها ليليان بلهفة شديدة.
و لم تكن تصدق عيناها ما تقرآن ! كان زوجها يقيم في فندق راق وسط العاصمة البريطانية لندن ، و يقضي جل وقته في لقاء رجال الأعمال و عقد الصفقات التجارية و لم تر إمرأة واحدة بالقرب منه طوال هذه الفترة !

كادت ليليان تقفز من فرط السعادة و أعطت آغنيس ضعف المبلغ المتفق عليه لتودعه في حساب المتعقب.
و بقدر سرورها كان تأنيب ضميرها ، فكيف طاوعها قلبها و شكت في إخلاص زوجها لها ؟! لقد كانت إيفا محقة فنيكول رجل نبيل و شريف كان عليها أن تكون واثقة من هذا !

التفتت ليليان إلى الممرضة و تدافعت الكلمات من فمها : لا أصدق أنني فعلت ذلك ! اوه يا إلهي ! كيف سأنظر إلى عينيه بعدما قمت به ؟!

قالت الممرضة بتؤدة : "ما حصل قد حصل يا سيدتي"

هدأ ذلك من اضطراب ليليان ، فتنهدت قائلة : "صحيح ، ما حدث قد حدث و انتهى لذا لا فائدة من هذا الكلام !"

طرق الباب فجأة فأخفت ليليان الرسالة في جيبها ، ثم أعطت إذنها ليدخل كبير الخدم ..
انحنى باحترام و قال : "لقد اتصل السيد دي لا فونت قبل لحظات و أبلغنا أنه سيعود في الغد إلى باريس !"

"حقا ؟!" هتفت ليليان بابتهاج عظيم "يجب أن نعد حفلة رائعة لاستقباله !"

بادلتها آغنيس الابتسام : "سيسر السيد كثيرا بذلك"

لكن ليليان استدركت و قالت : "لكن قبل ذلك علي زيارة إيفا !"

فهمت آغنيس أن ليليان تريد أن تقص على صديقتها ما حدث ..

قال كبير الخدم بوقار قبل انصرافه : "ستكون السيارة جاهزة خلال خمس دقائق يا سيدتي"

سألت الممرضة بعد أن خرج الرجل : "ألن تتخلصي من هذه الرسالة يا سيدتي ؟!"

"بلى يا آغنيس لكن في بيت عائلتي و ليس هنا فقد يراني أحد الخدم و يشي بي إلى نيكول !"

"أنت على حق سيدتي"

و كما قال كبير الخدم كانت السيارة جاهزة و مستعدة للانطلاق حينما نزلت ليليان و مرافقتها.


******


سارت السيدة كارولينا منتصبة القامة خلفها خادمتان في ممر واسع عالي السقف ثم توقفت أمام غرفة على جانبه الأيمن .. طرقت الباب مرتين قبل أن تدخل و هي تقول بصوت عال : هيا استيقظي ، سارة آيون ! الساعة الآن هي الواحدة ظهراً ، كيف يمكنك النوم كل هذا الوقت ؟!

أجابها صوت ناعس متذمر من تحت اللحاف : "يا إلهي اليوم عطلة ! لم علي الاستيقاظ باكرا ؟!"

تحدثت السيدة مبتسمة : "سيأتينا ضيوف على الغداء"

أخرجت سارة رأسها من تحت الغطاء ، و قالت متجهمة : " و ما شأني أنا ؟!"

رفعت السيدة حاجبيها مستنكرة : "أنت الآنسة الوحيدة في العائلة ! ومن غير اللائق ألا تنزلي لاستقبال الضيوف !"

تأففت سارة : "غير لائق ! غير لائق ! لقد مللت من هذه الكلمة !"

أزاحت غطاءها مع زفرة قوية و جلست في مكانها بخمول ..
"ليت ليليان ظلت عازبة و لم تتزوج ! كنت سأرتاح من كل هذا الإزعاج !"

"لا جدوى من هذا التذمر يا سارة ، هيا قومي و ستساعدك هاتان الخادمتان على تجهيز نفسك !"

"ولماذا خادمتان لمساعدتي ؟! أستطيع القيام بذلك وحدي لم أعد طفلة يا أمي !"

ابتسمت السيدة كارولينا : "أوه بالطبع لست طفلة ! لكنك ستعودين للنوم حالما أتركك وحدك ، هل أنا على خطأ ؟!"

مطت سارة شفتيها و أحجمت عن الرد .. فقالت أمها قبل أن تدير ظهرها و تغادر : "لديك فقط نصف ساعة لتجهزي !"

و ظلت تسمع تأففات سارة و اعتراضاتها حتى أغلقت الباب تماما ً، تنهدت السيدة بعمق و هي تعود من الطريق الذي جاءت منه ، كان هذا المشهد يتكرر مرارا كلما جاء ضيوف إلى القصر و الذي كان الاختلاط بهم يعد عقابا قاسيا بالنسبة لفتاة غير اجتماعية كابنتها الصغرى.

كانت توشك أن تستدير يسارا قبل يستوقفها رنين الهاتف و يجبرها على تغيير وجهتها ، استدارت عائدة بضعة أمتار إلى طاولة مرتفعة وضع عليها الهاتف .. رفعت السماعة بخفة وقالت : ألو .. نعم هذا قصر الماسة الرمادية ، من يتكلم معي ؟! المشفى ؟!! ..." تسارعت دقات قلبها من الخوف "ما الذي حدث ؟! ماذا تقول ؟!" سقطت السماعة من يدها التي رفعتها إلى شفتيها المرتجفتين .. عليها أن تحافظ على رباطة شأجها و تتصرف بهدوء .. كل شيء سيكون على ما يرام .. نعم لن يحدث شيء سيء .. و سينتهي الأمر على خير ! أجل .. أجل ..

كانت تسير بصعوبة و هي تتمتم بهذه الكلمات لتطمئن نفسها ..

"ما بك يا عمتي ؟!"

رفعت السيدة رأسها لتنظر إلى وجه إيفا القلق .. فلم تشعر بنفسها إلا وهي تمد يديها إليها باكية : "إنها ابنتي يا إيفا ... ليليان ! لقد تعرضت سيارتها لحادث .. وهي الآن راقدة في المشفى بين الحياة و الموت !!"


*****


عمت المشفى الصغير جلبة شديدة جعلت عددا من المرضى يطلون برؤوسهم من أبواب غرفهم ليعرفوا ما يحدث .. كان جمع من الناس يركضون في الممرات و يتوقفون كل فترة ليسألوا عن مكان معين .. حتى توقفوا إلى جانب بعضهم البعض أمام غرفة العناية المركزة .. نظر أفراد أسرة آيون الخمسة عبر الزجاج الشفاف إلى الفتاة الشقراء النائمة و قد غطت الضمادات رأسها ..

اقتربت سارة من الزجاج و عيناها اللتان دوما ما كانتا باردتين قد أغرقتهما الدموع حتى فاضت منهما و أخذت تنساب بصمت على خدين شاحبين ..
"أختي .."

كانت السيدة على وشك أن تنهار في أية لحظة ، أما إيفا فأخذت تبكي بصوت مكتوم على كتف زوجها .. الذي كان هو و أبوه فقط من حافظا على هدوء أعصابهما و التزما الصبر.

استمر الوضع على هذه الحال .. حتى تحرك الطبيب في الغرفة المغلقة .. و غطى وجه ليليان بالغطاء الأبيض..

سقطت سارة على الأرض و هي تصرخ باكية ... بينما جاهدت إيفا لتسيطر على أعصابها و تنطلق نحو السيدة كارولينا التي كادت تسقط مغما عليها لولا أن أمسكها السيد جوزيف ، و أوقفها على قدميها بصعوبة ، وقفت إيفا إلى جوار عمتها تشاطرها المرارة و الألم ، فترك جوزيف آيون زوجته في عهدتها و سار نحو الطبيب الذي خرج لتوه من غرفة العناية المركزة ..

أخذ جوزيف نفسا عميقاً ثم سأل برباطة جأش رهيبة : "ما الذي جرى للطفل ؟!"

أجاب الطبيب دون أن يمكنه إخفاء دهشته : "لقد نجى ! السيدة و الممرضة و السائق كل من كان في السيارة مات إلا الطفل و هو بصحة تامة أيضا ً! يا لها من معجزة !"

كان البكاء قد انقطع بصورة مفاجئة و اتجهت الوجوه نحو الطبيب و قد لاح عليها بصيص أمل !
فجزء من ليليان .. ما زال حيا !!












رد مع اقتباس