عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-13-2016, 11:00 AM
 
هلا والله ومليون غلا تو مانور المنتدى
نكمل--------------------------------
وفي اليوم التالي استدعى الطبيب ألين ، وأخبرها أن عليها إخراجه من المشفى ، فلا أمل من شفاءه لكي يبقى، ولكن لم يكن لديهم حتى غرفةً لتكون له المأوى ، فعادت إلى أبو أحمد مرةً أخرى ، على أمل أن تجد ملاذاً ينقذها ، فتوسلت إليه، وطلبت منه المساعدة وناجته .. ، ناجته أن يساعد من عافتهم الأيام ، ولم يرون خلال السنوات الماضية أمامهم إلا الظلام ، وأخبرته أنها سوف تدفع المال له خلال عدة أيام ، ولكن عليه فقط أن يثق بذلك الكلام ، ولما رأى ما تعانيه تلك الطفلة ، لم تطاوعه نفسه أن يكون بلا رحمة ، فَقَبِلَ أن يسكنها الحجرة ، على أن تدفع له النقود في وقتٍ قصير، فذهبت لتُحضرَ أخاها قبل أن يرجع الرجل عن قراره والزمن بها يغدر ، وعندما دخلت حجرته المعتمة ،نظرت إليه محدقة ، وبدأت الدموع من عينيها تنساب ، وظهر على وجهها أثرُ الاضطراب ، فقد رأته في وضعٍ صعب ، ومن يراه يدخل في قلبه الرعب ، وكان يبدو عليه أنه من قد يفارق الحياة في أي وقت ، وفي تلك الأثناء نظر إليها وقال لها بصوتٍ خافت : أختي أنت يا من أغلى ما أملك على قلبي ، ليتني استطعت أن أُسعدك ، وأغرس السعادة داخل قلبك ، وأنير وجهك بابتسامةٍ تُشبهكِ ، ولكنني على يقينٍ أن الكمدَ ارتهنَ سعادتك ، وأخذتِ من الألم ما لم يحتمله فؤادكِ ، وليتني استطعت أن أخفف أحزانكِ ، فأنا من ضاعفت المشاكل في حياتك ، وأنا أعلم ُ أنك أصبت بالخورِ مما عانيتيه ،ولكن احترزي أن تضعفي فالحياة لن تفف أمام شخصٍ خسرتيه ، ثمَّ أغمض عينيه بهدوءٍ ورحل ، ليأخذ معه البسمةَ والأمل ، ويزرع مكانه حزنا لن يمحوه الزمن ، ويخلد في التراب حيث هناك سيجدُ الأمن ،
وموت داني أضعف ألين ، فهي أصبحت تفقد كل شخصٍ أحبته مع توالي السنين ، وعند دفنه أخذ معه جزءاً من روحها ، فأُطفئت شمعةً كانت تنير حياتها ، ولكن ما زال عليها أن تعيش الحياة ، فما زال رواد يسألُ عن من يمنحه النجاة ، وألين وحدها هي من بقيت له ، بعد أن فقد عائلته ، وكانت تودُّ أن يحيا رواد حياة بعيدة عن الكمد، وأن تغمرهُ السعادة إلى الأمد ، فعاشت هي وأخيها حياةً أشبهُ بالمقبرة ، يكاد الألم يمزقها في كل لحظة ، تغمض عيناها فترى أخاها أمام ناظرها ، ثم تفتح عينيها لتصطدم بفقدان ملاكها ، وعاشت على هذا الحال فترةً طويلة ، تغمرها الدموع في كل دقيقة .
وفي المساء جلست ألين قرب النافذة ، لتخبر الدنيا أنها ما زالت صامدة ، ولن تيأس ما زال يخرج من صدرها الهواء ، وتدعو ربها في كُلِّ مساء ، فَطُرِقَ الباب ، فذهلت مما رأته وأصابها الاضطراب ، فقد رأت من تركهم وهم صغاراً ، ولم يسأل عنهم إن كانوا على قيدِ الحياةِ أم أمواتاً ، من لم يودع زوجته وابنه وهم سُكارى ، فأرادت أن تُغلق الباب ، وتُبقيهِ على حاله في السراب ، ولكنه منعها وكأنه عاد ليفتح أبواباً جديدة للمشاكل أمامها ، فصرخت في وجهه بغضبٍ وقالت لهُ : لمَ عدت الآن فلقد فقدنا أمنا وأنت بعيداً عنا ، عشنا حياةً أصعبُ من أن نحتملها ، عانينا من البرد واتخذنا من الهواءِ دفئاً ، ومن أوراقِ الأشجارِ غطاءاً ، والآن فقدتُ أخي لا بل فقدت الهواء الذي أستنشقه حتى الممات ، وبفقدانهم لن تعودَ ليَ الحياةْ ، فقل لي ما الذي أعادك الآن ، وإن كُنت تريد الصَّفحَ فإني أُنبئكَ لقد فاتَ الأوان ، فقاطعها عن الكلام وقال: كُفي عن هذا الهراء ، لن أسمح لكِ بحديثٍ كأقوالِ السفهاء ، فأنا جئت لكي آخذكم معي إن قبلتي ذلك أَمْ أبيتي ، فرفضت ألين الذهاب معه ، فهي تعلم أنهم لن يكونوا بخيرٍ برفقته ، فأخذها والدها رغماً عنها ، وقام بسجنها بغرفةٍ منفردةٍ وحدها ، وأبعد أخاها عنها ، وفي كل ثانية كانت تمضي ما من صوتٍ تسمعهُ غيرَ صوت بكاءه ، ولم تكن تستطيع أن تكون برفقته ، وتطفئُ لهيب دموعه ، فكان أبوها قاسي القلب ، لا يرأفُ حتى بطفلٍ صغيرٍ في وضعٍ صعب ، فهو يريد أن ينزل أشد عقاب بابنته، لأنها أقدمت على بيع المنزل دون أن تخبره ، وفي نظره ما فعلته ليس من حقها ، حتى لو كان من أجل إنقاذ عائلتها .
ومضت الثواني والساعات والأيام ، وألين تبكي على حياتها التي لم تُريها إلا الآلام ، تبكي على رواد بعدما فقد كل شخصٍ يشعرهُ بالأمان ، ويدخل السعادة في قلبه ويدخله بأجواءٍ من الاطمئنان . وفي مساء يوم الجمعة ، سمعت ألين صوتاً قريبة من النافذة ، فلم تكترث لما سمعته ، فكانت مريضة لدرجةٍ لا تمكنها من السير لرؤيته ، فأعيد ذلك الصوت بحدةٍ أقوى ، ولم يكن غريبا عليها ، فمضت لترى من جاء واستبشرت لظنها أنه من جاء ربما يودُّ مساعدتها ،فوجدت صديقتها رهف هي من كانت قرب النافذة ، وأخبرتها أن عليها الفرار بأسرع وقت ، قبل أن يأتي والدها أو أن يستمع لأي صوت ، فهي قد جاءت لتساعدها، وتقف إلى جانبها ، فكونها صديقتها ستفعل ما بوسعها ، لتخرجها من قيودٍ التفت حول عنقها ،فقبلت ألين الهروب مع صديقتها ، ثم تذكرت أخاها ، ولم يهن عليها أن تعش هي حُرَّةً ، وتترك أخاها يعش حياةً ، صعبةً ، قاتلةً ، فاختارت الموت في غرفةٍ أشبه بالسجن ، لأجل أن تبقى برفقةِ أخاها في كُلِّ حين ، فأثر ما قالته برهف ، وأخبرتها أنها ستساعدها وتقف إلى جانبها في كل ظرف ، وعليها فقط أن تقبل دون أن تنطقَ بحرف ، ففتحت رهف النافذة وأخرجتها ، ومضت ألين مسرعة لتحرر من الظلم أخاها ، وعندما رأته قيدت بسلاسلٍ من الشوق ، وودت لو تستطع أن لا تفارقه ويظهر الحق ، وفي تلك الأثناء خرج أبوها ، فأمسكت رهف بيدها وعن الأنظار أخفتها ، ومضت ألين مسرعة إلى الشارع ، وآلاف الأسئلة تدور في رأسها وتتسارع ، وكان المرض قد انتهكها ، والعذاب الذي في قلبها وأدها ، وأغلق عينيها عن رؤيةِ ما حولها ، فاصطدمت بها سيارة ، وقد ألحقت بها أضراراً بالغة ، ولم تستيقظ إلا وكانت بالمشفى ، وتشتكي من أوجاعٍ بكامل جسدها ، وودَّ الرجل الذي ألحق بها الأذى ، أن يعيدها لعائلتها ، ظنناً منه أنهم الآن قلقون عليها ، فسألها من تكون فأجابته : أنا من عشتُ في سخطٍ من الزمن ، ولم أشعرُ بيومٍ من حياتي بالأمن ، أنا من لم أذق طعم الحياة، ولكنني تذوقت في كل يوم كان يمضي سكرات من الموت ، وكانت تتسارعُ في قلبيَ الصرخات .
حينها شفق الرجل على ألين، وأراد أن ينسيها آلام كل تلك السنين ، وكأن الله قد بعثه لها وأراد أن يخلصها من كل ما يدور حولها ، فأدخلها أبو لؤي بيته وأسكنها مع عائلته ، ومنحها من المال ما تحتاجه ، وكونه إنساناً مترفا لم يمنعه ذلك من أن يكون شخصاً متواضعاً ، فتغيرت حياة ألين، ولم تصدق أنها في هذه الرفاهية بعدما رأته من عذابٍ وأنين ، فأبدل الحزن الذي في قلبها ، إلى سعادةٍ تنيرُ وجهها ، ولكن رغم ذلك فكان هناك من ينقصها ، فأخيها الصغير هو من بحاجتها ، وأهم من سعادتها كلها ، وكان عليها أن تحضر أخاها ليعيش حياةً كريمةً برفقتها ، وكان ذلك هو قرارها .
وعندما حلَّ الصباح ، تمالكت ألين شجاعتها ،وذهبت لتحضر أخاها ، أمام أعينِ أباها ، وعندما فتح الباب لها ،لم يعرفها فقد تغيَّر الماضي وتغيرت معه ملامحها ، فهو اعتاد أن يرى ابنته فتاة ً َضعيفة،هزيلة، لا تملك ما يجعلها أنيقة ،فطلبت منه أن يعيد إليها أخاها، ولكنه رفض ذلك وقام بزجرها ، فقالت له : أبي هل نظرت يوماً إلى الملابس الرثة التي يرتديها أخي ،ألم تستمع يوما إلى صرخاته التي لو سمعها الصخر منه سيبكي ، هل فكرت يوماً في مستقبله، أنا لم آتي إلى هنا لكي آخذه رغما عنك ، بل جئت لأعيده إلى الحياة التي لن تكون له وهو برفقتك وقريبٌ منك ،فأنا الآن أعيش حياةً لم أكن أحلم بها ، ولم أفكر يوماً أنني سأحصل عليها ، ولكن رغم ذلك لن أقبل أن أعش حرة أبيةً وحدي ، وأخي يعاني وفي وضعٍ لن يُرضيني ، ولما سمعَ هذا الكلام ، تذكر ما حلَّ بعائلته وكيف أصبحت رؤيتهم مستحيلة حتى ولو بالأحلام ،حينها قبل أن يعيد لألين أخاها ، فهو يعلم انه ليس باستطاعته أن يمنحه الحياة التي يستحقها ، فعاشت ألين وأخيها حياةً تملأها الهناءةَ والسرور ،فأصبحوا الآن يمتلكون ما يجعلهم بعيدين عن كل الشرور ، فرغم كل الأحزان التي كانت تعانيها ، لا بد وأن يأتي يوم ونعيش الحياة بأجملِ ما فيها .


تم الانتهاء

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين