عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 07-11-2016, 02:39 AM
 



12



انتهى دوامه الرسمي من بعد صلاة المغرب ..

غادر القسم بعدما أعطى بعض الأوامر الرسمية بشأن بعض القضايا ..

و انتهى من التدقيق في جميع الأوراق على مكتبه ..

نزع قبعته العسكرية بينما كان يتوجه إلى سيارته الفارهة ..

جلس متأملا المِقوَد لعدة ثواني و هو يُحدث نفسه :

كيف استطعت مغادرة عملي و هناك رجل أعمال مفقود منذ يوم تقريبًا ؟ ..

ألا يقتضي عملي التضحية بعض الشيء براحتي من أجل الآخرين ؟ ..

و لكني لست مطالبًا بذلك .. فأنا لم أرَ أبنائي منذ يومان تقريبًا .. و لكن ..

يبدو بأني سآخذ حمامًا دافئً و أعود لأتواصل مع رجالي عن هذا الأمر ..

فالموضوع ليس بسيطًا على الإطلاق , ستتفهم عائلتي موقفي و منصبي .. لا مزيد من هذه المشاعر عديمة النفع !

توجه إلى منزله و التقى بعائلته التي كانت تتوزع في جميع أرجاء المنزل .. صعد إلى غرفته و بدل ملابسه بعدما أخذ حمّامًا دافئًا .. و نزل إلى الغرفة الجلوس مجددًا ..

و سرعان ما سمع صوتها الدافئ و هي تخرج من المطبخ .. :" سيف , لقد عدت أخيرًا .. ".. توجهت زوجته إليه بابتسامتها التي يعشق و يديْها التي لها القدرة على جعله ينسى لماذا أتى إلى المنزل أساسًا !!

" أهلًا عزيزتي .. متأسف بشأن هذا و لكن كما تعلمين ... " صمت - العقيد سيف - بابتسامة يواسيها بها على غيابه ..

ردت عليه بجملته المعتادة :" نعم أنا أعلم ما ستقوله .. (( بينما نحن مسترخون هنا .. يوجد المئات من الذين ينتظرون إفراجًا , حُكمًا أو إعدامًا )) ..! ".. قالت له و هي تمده بفنجان القهوة ..

"أرأيت ؟ , لقد بدأتِ بتقمص شخصيتي و أخذ مكاني في هذا المنزل ".. قال جملته و أردفها بضحكة ..

" لن يأخذ أحدًا مكانك أبدًا .. " قالت و هي تُقبِل يده ..

" أين هو ؟! "..

تعجبت زوجته من سؤاله قائلة :" من تَقصِد ؟! "...

رد عليها بينما كان يتناول بعض التمر مع قهوته :" أقصد ذاك المخلوق الذي يتغذى على هاتفه " ..

فهمت زوجته المغزى و ذهبت بجانب السلالم و هي تنادي أكبر أبنائها :" وليد , وليد ألن تلقي السلام على والدك ؟؟ "..

انتظرت - سلمى - بضع دقائق قبل أن تسمع بعض الارتطامات في الدور العلوي .. سألت باستغراب :" وليد ماذا تفعل ؟! " ..

" لا شيء يا أمي .. لا شيء " .. و نزل ذاك الشاب ذو 18 عامًا و هو يقول مازحًا :" أين زوجك ؟؟ " ..

" توقف عن الحديث بهذه الطريقة عن والدك ! "..

" أوليس والدي هو زوجك ؟ .. ما بك ؟ .. إنك تجعلينني أشعر و كأنني ابن السائق .. ! "..

وصل إليها و ضربته بخفة على كتفه و هي تشير بعينيها إلى والده ..

" أهلًا أهلًا .. ".. قال وليد و هو يقبل رأسه أبيه بسرعة ثم ينتقل إلى كتفيه و من ثم يديه .. أوقفه والده عمّا يفعل وهو يعلم أنه يفعل ذلك مزاحًا و ليس احترمًا ..

" أتعلم ؟.. إني أخاف على صحة والدتك منك أنت , و ليس من إخوتك الصغار ! .. " قال سيف و هو يحاوط وليد من عنقه ..

رد وليد بهدوء :" حسنًا .. تبدو الحقيقة واضحة الآن .. أنا ابن السائق !! "..

" كف عن الحديث و اخبرني .. كيف تجري دراستك ؟! "..

" بأفضل حال .. دعنا من هذا الحديث السقيم الآن .. أنا .." صمت قليلًا ثم قال :" أبي لقد سئمت من العيش هنا ! "..

" أتقصد المنزل .. ؟! "..

" لا ليس المنزل .. بل المحافظة بأكملها .. لمَ لا ننتقل إلى الرياض , و أكمل دراستي الجامعية هناك ؟! "..

" و ما الذي يوجد في الرياض و لا يوجد هنا ؟؟ "..

" لابد من أنك تمزح أليس كذلك ؟! "..

" قرار النقل ليس بسيطًا حتى ننفذه بهذه السرعة .. سنناقش هذا الحديث لاحقًا "..

" و لماذا لاحقًا .. أين ستذهب ؟! .. لا .. لا تخبرني أين ستذهب لأنني سأذهب معك في كل الأحوال .. "..

" لن أذهب إلى أي مكان .. بل أريد الاسترخاء قليلًا .. "

" لا وقت للاسترخاء , لقد مضى وقت طويل منذ أن تحادثنا آخر مرة " ..

قالت سلمى بسرعة :" وليد .. ! إن والدك مرهق , اهدأ قليلًا .. و إن كنت تريد الذهاب للرياض في نهاية الأسبوع فاذهب .. لن نمنعك .. "

صمتت قليلًا قبل أن تكمل : " منذ أن فعل عادل فعلته لم تبارح عقلك فكرة روعة و حيوية الرياض .. ! "

سأل سيف وهو لا يزال مسترخيًا :" من عادل هذا ؟! "..

أجابا الاثنان :" عادل سليمان " ..

فتح سيف عينيه بسرعة ..

ما الذي تعرفه سلمى و ابنه عن عادل !! لا أحد يعرف بما أصابه .. و لم يخبر هو أحدًا بذلك ..

سألهم و هو ينهض بهدوء مخفيًا صدمته :" و ما به عادل ؟! "..

أخرج وليد هاتفه و فتح له على الصفحة المقصودة .. تاركًا الصدمة في عينا والده تحكي كل شيء !!!



********


بدأ بالدخول من محل إلى آخر .. و هو يدور بعينيه في جميع الزوايا ..

لابد أن تكون في مكان ما .. إنها مخبأة .. حتمًا في مكان مخفي و آمن !!!

أكمل بدر المشي و هو يسرع باتجاه المحلات التي بدأت بالازدحام النسبي ..

لقد بحث عن المغلفات في جميع المحلات و المقاهي بجانب الإشارة المرورية الثالثة .. و لكن لا شيء !!!

فقرر أن يوسع نطاق البحث .. أكمل السير باتجاه المحلات الأخرى البعيدة .. و لكنه كان يبحث بعينيه فقط ..

همس لنفسه :" ماذا إذا كانت المغلفات في مكان يحتاج البحث الشديد ؟ ذاك البحث الذي يجعل الدنيا تنقلب رأسًا على عقب !! "..

أخرج هاتفه و هو يطلب رقم – عبدالرحمن - .. و سرعان ما أتاه صوت ذاك و هو يقول :" أوجدت شيئًا ؟! ".

" لا .. لا شيء .. سأفقد صوابي , لقد اقتربت الساعة السابعة مساءً .. و لم نجد شيئًا حتى الآن .. ".

" ولا أنا حتى .. لا يوجد أثر لها على إطلاق .. ".

" هل يعقل أن وجدها أحد غيرنا ؟؟ " قال بدر و هو يشهق بصدمة ..

" لا أعلم .. أنا حقًا لا أعلم .. "

" لا .. لن أسمح لذلك بالحدوث .. سأجدها .. حتى لو وجدها أحدًا قبلي .. سآخذها منه .. بالقوة أو بالهدوء !! "..

" إنني أرى بعض الشبان بالقرب مني .. يبحثون و يتفرقون .. ثم يعودوا ليجتمعوا .. يبدو بأنهم يبحثون عنها أيضًا !! "..

" لن يجدها غيري .. حتى لو كلفني ذلك حياتي .. " .. قال بدر غضب و هو يغلق الهاتف بقوة ..

و بينما كان يكمل سيره .. لمح مجموعة من الشبان ينهضون عن طاولة إحدى المقاهي التي تضع جلساتها في الخارج و مطلة على الشارع الرئيسي ..

لفتت نظره إحدى الكراسي التي كانوا يجلسون عليها ..

هناك طرف شيء أبيض يظهر من تحت الإسفنج الذي يوضع على الكرسي !!

أسرع بدر باتجاههم .. غير مصدقُ عيناه .. !


**********

ها أنا أجلس بين أخواتي الصغيرات اللاتي لم يتزوجن بعد !! ..

و اللاتي أتمنى من كل قلبي ألّا يفعلن !! ..

سينتهي بهن المطاف مثلي بالضبط .. و مثل الآلاف من قبلي ..

و لكن ما عسانا أن نقول .. !

لطالما كنت أنا المحور الرئيسي في أحاديث نساء هذه العائلة المختلة قبل عدة سنين ..

و بالطبع كانت أحاديثهن بعيدًا عن مسمعي و لكن كانت أعينهن - التي تسقط علي - تحكي كل شيء !!

تهمس إحداهن للأخرى :

- سيفوتها قطار الحياة ..

و سرعان ما تبدأ الباقيات بأكل لحمي حيةً بأحاديثهن :

- لقد أصبحت عانسًا .. !!

- ألا يوجد من يتطوع لأخذها .. ؟!

- لقد بلغت الخامسة و العشرون من العمر .. !

- عندما كنَا بعمرها .. كانوا أولادنا يغلبوننا في الطول !!

- أتراها فعلت شيئًا لا نعلمه .. ؟

- ربما هناك عيب فيها .. لن آخذها لابني مهما حصل .. فلتفعل إحداكن ذلك !!


لابد من أنهن يمزحن أليس كذلك ؟! .. يتحدثن عن الزواج و الارتباط و كأنه الهواء و الماء !!

لقد كانوا يجعلونني أشعر بأنني عارية في الشوارع .. و بحاجة ( رجُل ) ليستر عليّ !!

لم أكن أكترث لقطار الحياة و الزوجية .. لقد كنت أكترث بشأن الوجهة التي سيأخذني إليها هذا القطار المزعوم !!

ماذا إذا كان سيوصلني إلى هلاكي ؟! ..

أهذا هو القطار الوهمي اللاتي يتحدث عنه , و يجبرن بناتهن على وضع مساحيق التجميل و لبس فساتين لا تناسبهن في الأعراس من أجله !؟

يا للوهم .. لقد ابتكروا هلاكهن و تعايشن معه و هن سعيداتٌ به !!

و لكني خرجت من محيط أحاديثهن و العائلة بأكملها ..

إلى محيط رجل لا يعرف حتى يوم ميلادي !!

و لكنّي صببت الأمل كله و حقنت حياتي كلها في هذه الصغيرة التي تلتصق بجانبي منذ وصلنا ..

همست لها قائلة :" حنين .. اذهبي و ألعبي خارجًا مع الفتيات .. هيّا "..

و لكنها زادت من اقترابها مني و هي تجلس في حضني تقريبًا .. اضجعت على جانبي و أنا أحتويها في صدري و أمسح على شعرها الأملس القصير ..

لا يا ابنتي ..

لا تكوني خجولة هكذا ..

فـ والدتك لم يفدها خجلها و عزلتها يومًا ..

لا تكوني مثلي ..

اذهبي و أقبلي على الحياة و امتصي رحيقها كامًلا ما دام فيك قلبًا ينبض و روحًا تسبح في دمك ..

حتى بعد زواجي بالمدعو سلطان - ابن عمي - .. لم أسلم من كلامهن السمْ .. و أوّلهن أمّي !!

منذ اللحظة الأولى التي طرقت فيها الباب و دخلت منزل العائلة .. استقبلني أخي ...

و لكن لم يكن الاستقبال المرجو .. إنما استقبال من نوع آخر ..

لقد بدأت بالسلام و لكنه رد علي قائلًا :" لماذا أتى بك زوجك إلى هنا .. ماذا فعلتي ؟! "..

و كالعادة .. أحب أن أتحلى ببعض القوة أمام هذا التسلط الرجولي الجاهلي ..

رددت قائلة :" و هل يزرن النساء بيوت أهاليهن عندما يختلفون مع أزواجهن فقط ؟؟! "..

صمتُ و أنا أحدق فيه .. ثم أكملت قائلة :" ماذا لو اشتقت لكم ؟ .. أليس هذا عذرًا كافيًا ؟ "..

" لم تجيبي على سؤالي .. ماذا حدث بينكم ؟ "..

يا إلهي سيقودني هذا إلى الجنون ..

إنني حتى لم أخلع نقابي ..

و ها نحن نتحدث عند باب المنزل !!

ألم يستطع الانتظار حتى أدخل !!؟

رددت عليه لأخفف قلقه المرضيّ ..:" لم يحدث شيئًا بيننا .. إنه مسافر فحسب .. و أحضرني هنا حتى لا أشعر بالوحدة في المنزل .. "..

مشيت إلى الداخل قبل أن أسمع رده .. يا لجاهليته !!

و ما أن وصلت إلى الداخل .. حتى سمعت نفس الاسطوانة من الباقين !!
رد مع اقتباس