عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-09-2016, 09:09 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:800px;background-image:url('http://www.arabsharing.com/uploads/1468082668021.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






فَدوى طُوقَان (1917 - 2003) أَهمْ شَاعِرات فلَسطين فِي القَرن العشرِين، مِن مَدينةِ نَابلُس،
وَهي تَنتمِي إِلى إِحدَى أعرْق عَائلاتِ فلَسطين، وَلُقبت بشَاعرة فِلسطين،
حيثُ مَثّل شِعرها أسَاسًا قَويًا للتجَارب الُأنثويّة فِي الحُب وَالثوْرة وَاحتجاجِ المَرأة عَلى المُجتمع.
وَقَد تَأثرتْ فَدوى طُوقان بِاحتلَال فِلسطين بَعد نَكبة 1948،
وَزادَ تَأثرها بَعد احتِلال مَدينتِها نَابلس خِلال حَرب 1967،
فَذاقت طَعم الاحتِلال وَطعمَ الظُّلمِ وَالقهرِ وَانعدَام الحُريّة.
يَقولُ عَنها عَبد الحَكيم الوَائلي: "كَانتْ قَضيةَ فِلسطين تصْبغ شَعرهَا بِلونٍ أَحمر قانٍ،
فَفلسْطِين كَانت دَائمًا وِجدانًا داميًا فِي أَعماقِ شَاعرتِنا،
فَيأتي لِذلك شِعرُها الوطنيّ صادقًا مُتماسكًا أصيلًا لَا مَكان فِيه للتعسُف وَالافْتعال."






هَا هِي الرّوضةِ قَد عَاثتْ بِها أَيدي الخَريف
عَصفت بِالسَجف الخُضر وَألوتْ بِالرفيف
تَعس الِإعصار، كَم جَار عَلى إشراقِها
جرَدتها كفْهُ الرّعناءَ مِن أَوراقِها
عرِيت، لا زهر، لا أفياء، لا همس حفيف!

*

ها هي الريح مضت تحسر عن وجه الشتاءِ
وعروق النور آلت لضمورٍ وانطفاء !
الفضاء الخالد اربدَ وغشَاه السحابُ
وبنفسي، مثله، يجثم غيم وضباب
وظلالٌ عكستها فيَ أشباح المساء !

*

وأنا في شرفتي ، أصغي الى اللحن الأخير
وقَعته في وداع النور أجواق الطيور
فيثير اللحن في نفسي غمَا واكتئابا
ويشيع اللحن في روحي ارتباكا واضطرابا
أي أصداء له تصدم أغوار شعوري !

*

الخريف الجهم ، والريح ، وأشجان الغروب
ووداع الطير للنور وللروض الكئيب
كلها تمثل في نفسي رمزاً لانتهائي !
رمز عمرٍ يتهاوى غاربًا نحو الفناء
فترةً، ثم تلفّ العمر، أستار المغيب.

*

سيعود الروض للنضرة والخصب السّريّ
سيعود النور رفّافاً مع الفجر الطّريّ
غير أني حينما أذوي وتذوي زهراتي
غير أني حينما يخبو غداً نور حياتي
كيف بعثي من ذبولي وانطفائي الأبديّ ؟!

*

آه يا موت ! ترى ما أنت ؟ قاس أم حنون؟
أبشوش أنت أم جهمٌ ؟ وفيٌّ أم خؤون ؟!
يا ترى من أي آفاق ستنقضّ عليّه؟
يا ترى ما كنه كأسٍ سوف تزجيها إليّ ؟!!
قلْ ، أَبِنْ، ما لونها ؟ ما طعمها ؟ كيف تكون ؟

*

ذاك جسمي تأكل الأيم منه والليّالي
وغداً تلقى الى القبر بقاياه الغوالي
وي ! كأني ألمح الدود وقد غشّى رفاتي
ساعياً فوق حطام كان يوما بعض ذاتي
عائثاً في الهيكل الناخر ، يا تعس مآلي !

*

كلّه يأكل، لا يشبع، من جسمي المذاب
من جفوني، من شغافي، من عروقي، من غهابي
وأنا في ضجعتي الكبرى، وحضن الارض مهدي
لا شعورٌ، لا انفعالات، ولا نبضات وجد
جثّة تنحل في صمتٍ، لتفنى في التراب !
*

ليت شعري، ما مصير الروح، والجسم هباء ؟!
أتراها سوف تبلى ويلاشيها الفناء ؟
أم تراها سوف تنجو من دياجير العدم . .
حيث تمضي حرّةً خالدةً عبر السُدم . .
ساط النور مرغاها، ومأواها السماء ؟!

*

عجباً، ما قصة البعث وما لغز الخلود ؟
هل تعود الروح للجسم الملقّى في اللحود ؟
ذلك الجسم الذي كان لها يوما حجابا !
ذلك الجسم الذي في الأرض قد حال ترابا !
أو تهوى الروح بعد العتق عودًا للقيود ؟!

*

حيرةٌ حائرةٌ كم خالطت ظنّي وهجسي
عكست ألوانها السود على فكري وحسّي
كم تطلعت ؛ وكم ساءلت: من أين ابتدائي؟
ولكم ناديت بالغيب: إلى أين انتهائي؟
قلقٌ شوَش في نفسي طمأنينة نفسي!



أوهامٌ في الزيتون*



في السفح الغربي من جبل
(جرزيم) حيث تملأ مغارس الزيتون
القلوب و العيون، هناك، ألفت
القعود في أصل كل يوم عند زيتونة
مباركة تحنو على نفسي ظلالها، وتمسح
على رأسي غذ بات أغصانها، و طالما
خيل إليّ أنها تبادلني الألفة و المحبة،
فتحس إحساسي وتشعر بشعوري.
وفي ظلال هذه الزيتونة الشاعرة،
كم حلمت أحلاماً، ووهمت أوهاماً !.

هنا، هنا، في ظل زيتونتي تحطّم الروح قيود الثرى
وتخلد النفس إلى عزلة يخنق فيها الصمت لَغوَ الورى
هنا، هنا، في ظل زيتونتي في ضفة الوادي بسفح الجبل
أصغي إلى الكون و لمّا تزل آياته تروي حديث الأزل
هنا يهتم القلب في عالم تخلقه أحلامي المبهمة
لأفقه في ناظري روعة وللرؤى في مسمعي هيمنة
عالم أشواق سماويةٍ تطلق روحي في الرحاب الفساح
خفيفةً لا الأرض تثنى لها خطوا ولا الجسم يهيض الجناح
واهاً: هنا يهفو على مجلسي في عالم الأشواق روحٌ حبيب
لم تره عيناي لكنني أحسه مني قريباً قريب !
أكاد بالوهم أراه معي يغمر قلبي بالحنان الدّفيق
يمضي به نحو سماء الهوى على جناح من شعاع طليق
زيتونتي، الله كم هاجسٍ أوحت به أشواقي الحائرة.
وكم خيالات وعى خاطري تدري بها أغصانك الشاعرة
نجيّتي أنت و قد عزّني نجيُ روحي يا عروس الجبل
دعي فؤادي يشتكي بثّه لعل في النجوى شفاءً ، لعلّ !
يا ليت شعري إن مضت بي غداً عنك يد الموت إلى حفرتي
تراك تنسين مقامي هنا وأنت تحنين على مهجتي؟!
تراك تنسين فؤدًا وعت أسراره أغصانك الراحمات
باركها الله ! فكم ناغمت وهدهدت أشواقه الصارخات
زيتونتي ، بالله إما هفت نحوك بعدي النسمة الهائمة
فاذكري كم نفحتنا معاً عطورها الغامرة الفاغمة
وحين يستهويك طير الربى بنغمةٍ ترعش منك الغصون
فاذّكري كم طائرٍ شاعرٍ ألهمه شدودي شجّي اللحون!
تذكّرني كلما شعشعت أوراقك الخضراء شمس الأصيل
فكم أصيل فيه شيعتها بمهجة حرّى وطرف كليل
إن يزوها المغرب عن عرشها فالمشرق الزاهي بها يرجعُ
لكنني، آها ! غداً تنزوي شمس حياتي ثم لا تطلع !
ويحي؟ أتطويني الليالي غداً وتحتويني داجيات القبور
فأين تمضي خفقات الهوى؟ وأين تمضي خلجات الشعور؟
ونور قلبي، والرؤى والمنى وهذه النار بأعماقيه
هل تتلاشى بددًا كلها كأنها ما ألهبت ذاتيه؟!
أما لهذا القلب من رجعة للوجد، للشعر، لوحي الخيال؟
أيخمد المشبوب من ناره؟ واشقوة القلب بهذا المآل !
يا ربّ، إما حانٍ حين الردى وانعتقت روحي من هيكلي
وأعنقت نحوك مشتاقةً تهفو إلى ينبوعها الأول
وبات هذا الجسم رهن الثرى لقى على أيدي البلى الجائرة
فلتبعث القدرة من تربتي زيتونة ملهمةً... شاعره !.
جذورها تمتصّ من هيكلي ولم يزل بعدُ طرياً رطيب
تعبّ من قلبي أنواره ومنه تستلهم سرّ اللهيب !.
حتى إذا يا خالقي أفعمت عناصري أعصابها و الجذور
انتفضت تهتز أوراقها من وقدة الحسّ و وهج الشعور
وأفرعت غيناء فينانة مما تروّت من رحيق الحياة
نشوى بهذا البعث ما تأتلي تذكر حلماً قد تلاشت روءاه
حلم حياة سربت و انطوت طفّاحة بالوهم .. بالنشوة
لم تك إلاّ نغماً شاجياً على رباب الشوق و الصبوة!





[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________

رغمَ الزّوالِ فيكَ، لا زلتَ جُرمًا.

التعديل الأخير تم بواسطة عَدم❝. ; 07-09-2016 الساعة 09:22 PM
رد مع اقتباس