عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-02-2016, 09:45 PM
 

الفصل الرابع
بريق عابر....

استيقظت ايلا باكراً في اليوم التالي....لقد نامت جيداً...خاصة بعد تعب وارهاق الليلة الماضية...لكنها ما ان فتحت عينيها حتى عاد لذاكرتها ما حدث معها بالأمس...انها ليست في بيتها..بل في قصر السنيور سلفادور...صديق جدها دايفيد!
كانت غرفتها جميلة جداً وفسيحة...أكبر بكثير من غرفتها في انكلترا..كان السرير محفوراً باتقان وروعة وكأنه تحفة نادرة..يغطيه فرش قشدي موشى بخيوط خضراء...وعلى جانبيه منضدتان من نفس نوع خشب السرير..ويعلوهما مصباحان مكسوان بقماش أخضر لامع....ينسجم مع غطاء السرير...والسجادة الملقاة على الارضية الخشبية...كما انتشرت أحواض النباتات الخضراء والزهور اليانعة في ارجاء الغرفة وعلى شرفتها الرائعة ذات الستائر الخضراء....
كما كان هناك طاولة الزينة ذات ثلاث مرايا مذهبة....وهناك أريكة في وسط الغرفة على السجادة المكونة من مربعات تحمل تدرجات اللون الاخضر والقشدي...نثرت عليها بعض الوسادات الصغيرة الناعمة...باللونين القشدي والاخضر...!!!
اتجهت للشرفة وفتحت أبوابها الزجاجية كما هي جميع شرفات القصر...فهب نسيم الصباح مداعباً خصلات شعرها...

" آه يا الهي!! ياله من منظر!!..ولكن لا ...لا يجب أن يغريني كل هذا! يجب أن أضع حداً لبقائنا هنا...لن أعيش تحت سقف واحد مع هذا الامير المدلل ريكاردو!"

لم تدري لم انتابتها قشعريرة عند لفظها لاسمه! مع كل الذي حدث بينهما في الحفل..الا انها تحس بأنه قريب منها..الى درجة بعيدة! ولكم لم؟ وهي لم تتعرف اليه سوى من ساعات قليلة؟!

" أوه..كفى! لا اريد التفكير به! أفضل حل هو أن أبدأ تمارين الجري. الكل نيام والطقس رائع حقاً...ولا يوجد أفضل من هذا المكان لممارسة رياضتي الصباحية!"

ابتسمت للفكره...فذهبت لتغسل وجهها وتبدل ثيابها...فارتدت حلتها السوداء القطنية الخاصة بالجري...لكنها ألقت السترة العلوية جانباً..فالجو حار حتى مع ساعات النهار الاولى..., واكتفت بالبلوزة الداخلية وكانت بدون أكمام...وارتدت حذاءها الرياضي وعقصت شعرها على شكل ذيل فرس لتبعده عن طريقها...ووضعت سماعات هاتفها في أذنيها....ونزلت للطابق السفلي.., لم يكن أحد استيقظ فعلاً...خرجت للحديقة..." آه..كم الجو منعش!!" ألقت نظرة على المكان...لاحظت الحدائق الممتدة على مد البصر...ثم أخذت تمشي وهي تنظر أمامها...أسرعت قليلاً في المشي..بدأت تهرول...وأخيراً انطلقت في جريها تسابق الريح..

مرت أمامه كالسهم..ولم تتنبه له...فقد كانت تنظر أمامها وسارحة بكلمات الاغنية التي تستمع لها والتي كانت تذكرها بوالدتها!!!

كان هو يمتطي حصانه...وما إن رآها حتى ابتسم ابتسامة جانبية ...ومشى في أثرها.....
ركضت ايلا وركضت..وهي تحس بأنها تتحرر من مخاوفها وهمومها وجميع أحزانها...! كانت تركض وتركض...!..حتى لمحت بطرف عينها حصاناً يسير الى جانبها...فصرخت مذعورة!! وارتدت الى الخلف....

: " أوه..!!!أنا آسف جداً سنيورا ايلا! لم أقصد أبداً اخافتكِ!"

رفعت رأسها اليه بغضب وقلبها ينبض بقوة لشدة ذعرها....! كانت حبات العرق تتصبب على جانبي وجهها....

" لا أدري لم تصر على الظهور الفجائي دوماً!! لقد أصبتني بالذعر!"

أحنت ظهرها وأراحت ذراعيها على ركبتيها..وهي تلهث بشدة...وضربات قلبها تتزايد..وعرقها يتصبب أكثر على وجهها...

" أنا آسف حقاً سنيورا! لم أكن أظن بأنني سأفزعكِ بهذا الشكل...هل تقبلين أسفي؟" وهو ينظر لها نظرات متفحصة..غريبه!!

نظرت اليه نظرة جانبية..وهي ما تزال في نفس وضعيتها....كانت ما تزال تلهث...ولم تعد قادرة في السيطرة على دقات قلبها المتلاحقة! أهو حقاً الذعر من الحصان؟؟ أم من فارس الحصان؟؟؟ تباً له كم يبدو وسيماً وجذاباً في زيه ذاك...بقميصه الابيض الذي يبرز أكتافه...وبنطاله الجلدي الاسود...وحذائه ذو الساق العالية بلون حبات القهوة المحمصة...!! ثم...ما هذه السهام التي ترشقها عيونه الحادة في قلبي؟! ما معنى هذه النظرات؟؟ لم تتفحصني هذه العيون القاسية؟ماذا تريد مني؟...لست نداً لها أبداً....!أوه... يا الهي!..ها هي تلك الابتسامة اللعينة!!...هو يبتسم....وأنا أذوب!!

لماذا يوترني؟ لماذا يجذبني؟ آه...!!أموت قبل أن يحدث هذا؟! أنا أحب هذا المغرور؟ ماذا؟؟ أحبه؟؟؟؟لا..لا..لا..هذا لن يكون أبداً!! لن يكون أبداً!
أيقظها صوته حينما نظرت الى عينيه...

:" هل انتهيتي؟؟؟؟"

ذعرت أشد الذعر...هل يعني هذا بأنه يقرأ أفكارها؟؟؟ياللمصيبه!!هل كان واضحاً الى هذا الحد...بأنها سارحة معه بخيالها؟؟؟لابد أنها جنت لتفعل ذلك!!
أجابت وهي مرتبكه:" لست...لست أعلم عن ماذا تتحدث!!" حاولت تصنع البرود..وهي تنتصب واقفة..وتمسح حبات العرق من على جبينها برباط قطني حول معصمها....

ابتسم بسخرية وقال بلهجة لا تخلو من الاستهزاء:" آه..طبعاً لا تعلمين!!حسناً...هل هذا يعني بأنكي غفرتي لي اقتحامي لخلوتك وافزاعك على هذا النحو؟"

قالت وهي تستدير لتعود أدراجها:" أصبحنا متعادلين إذاً! فانس الامر...عن اذنك!"

ابتسم وهو ينظر اليها..وتبعها وهو على ظهر فرسه...

" أتجيدين ركوب الخير سنيورا ايلا؟"

كانت قد قررت أن تعود مشياً للقصر....وأن........تنسى وجوده!

"لا!"

" حسن جداً! بإمكاني أن أعلمكي ...ان رغبتي!"

قالت بلا مبالاة:" شكراً...ولكنني لست مهتمة!"

قال باستهزاء:" أووه...السنيورا تخاف الخيول؟ مع أنها بالامس فقط كانت لا تخاف أي شيء!!"

عادت لها عصبيتها من جديد...فتوقفت عن المشي...!أما هو فابتسم..هاهو قد أصاب الهدف مجدداً! فتوقف عن السير كذلك...وهو ينتظر جوابها...
التفتت اليه..والنيران تتراقص في عينيها..." هل لي أن أعرف ...لماذا تحب اغاظتي سنيور ريكاردو؟؟ ألهذا علاقة بحديثنا على الشرفة؟ لأنه ان كان كذلك..."
قال مقاطعاً:" لا سنيورا! أؤكد لكي بأن الاوان لم يحن بعد!!"

استغربت من كلماته...:" أوان ماذا؟ لماذا تتحدث بالألغاز؟"

" انسي الامر ساندريلا....سيكون هناك متسع من الوقت فيمابعد! والآن..سيكون علي الذهاب...طبعاً الا ان رغبتي بالعودة معي..على ظهر حصاني؟"

ردت بكل عنفوان وكبرياء:" أشكرك على لطفك الزائد...لكنني كما قلت لك سابقاً.....لست مهتمة!"

ابتسم بسخرية وعلق:" ما كنت لأنتظر غير هذا الجواب منكي يا طفلتي العنيدة!! حسناً...أراكي على الفطور!!"
وانطلق على ظهر حصانه بعيداً عنها....

" يا له من متعجرف فظ!!"

انه يتعمد ان يغيظها..وهو يستمتع بذلك! فهي ترى ابتسامته الخطيرة..كلما لمح الشرر يتطاير من عينيها...ولكن لماذا؟؟ أيكرهها الى هذا الحد؟ حتى يتسلى بمضايقتها؟ زادت هذه الفكرة من غضبها وحزنها..فعادت تركض في اتجاه طريق العودة الى القصر....علها تطفئ النيران التي تكاد تحرق قلبها الصغير!