عرض مشاركة واحدة
  #110  
قديم 05-30-2016, 04:49 PM
 




الفصـل الواحد و العشـرون




أخرج السيد أوربان منديله الفاخر ومسح به جبينه المتعرق .. ففي هذه الأثناء و في منزله أيضاً يقام إجتماع طارئ له و شركائه يدور موضوعه الرئيسي حول كوبرا !
كان الجو مشحونا بمختلف المشاعر السلبية مما جعل المضيف يشعر بتوتر متزايد !

قال شوانيير و كان أشيب الشعر ، فارع الطول ، نحيلا : لا أصدق أن ذلك العقرب أفلت من بين أيدينا بهذه السهولة و بعد أن قبضنا أخيراً على واحد منهم !

أضاف دانتون البدين ، قصير القامة ، بشارب ضخم : ما الذي كانت تفعله كوبرا حينها ؟!!

فتدخل أوربان مدافعا بنبرة ضعيفة : لقد بذلت ما في وسعها...

قاطعها عجوز ضخم الجثة ، خشن التعامل يدعى بالينغر : حقاً ؟! لقد وضعنا فيها كل ثقتنا لكن يبدو أننا بالغنا في تقديرها !


"من الذي بالغتم في تقديره ؟!"

قالت كوبرا ذلك بصوتها الجهوري القوي و قد علت وجهها تقطيبة حادة !

فوجئ المجتمعون من دخولها المباغت و لم يجرؤ أي منهم على الرد !
تقدمت كوبرا و خلفها بيكارت الذي كان يرمق الحاضرين بابتسامة إزدراء عريضة ، و أخذت كرسيا يتوسط الجلسة ، ثم شرعت تتكلم و هي تبدو كملكة دكتاتورية أثناء اجتماعها بوزرائها المتخاذلين :
كلام كبير من فاشلين لم يفعلوا في حياتهم شيئا مفيدا ! هل نسيتم أم يجب علي تذكيركم كل مرة ؟! من قبض على ذلك العقرب هو أنا ! ومن أنقذ حياة أوربان أنا ! ومن اكتشف أولاً تسلل العقارب للمبنى كان أنا أيضاً ! فما الذي فعلتموه أنتم ؟!! أنتم و رجالكم الحمقى عديمو النفع السبب في نجاح آلويس الدائم في تدميركم ثم الافلات بفعلته بكل سهولة !

كان الاستياء و الغيظ باديين على وجوههم ، لكن كلامها رغم قسوته و فظاظته كان صحيحاً بشكل كامل !

وضعت ساقها فوق الأخرى و ابتسمت في ثقة قائلة : ثم ... من أخبركم أننا خسرنا ؟!!

نظروا إليها في اندهاش ، و قال أحدهم مستنكرا : وكيف لم نخسر و قد هرب أسيرنا الوحيد منهم ؟!!

أرجعت كوبرا رأسها للوراء و أطلقت ضحكة استخفاف ثم قالت : لو شغلتم عقولكم لحظة واحدة فقط لأدركتم أن الخاسر الوحيد هنا ... هو آلويس !!

قال بالينغر باستهجان شديد يشوبه الاستهزاء : اوه نعم الكونت استعاد تابعه و سخر منا لذلك هو خاسر ! اوه بالطبع سيكون كذلك !

فحدقت إليه كوبرا بابتسامة احتقار : إني لأتعجب من تفاهة تفكيركم ! حسنا.. بما أنكم بلهاء إلى هذه الدرجة فسأشرح لكم ، أولاً حتى لو استعاد آلويس تابعه فماذا يستفيد من ذلك ؟!! نحن الآن متأكدون من أن آوتنبورغ تابع له و لهذا لن يستطيع استخدام ورقة مكشوفة كهذه ! ببساطة آلويس قد خسر حجر مهماً في اللعبة ، و هذه الخسارة لا تقل عن الموت ففي كلتا الحالتين لن يكون بمقدوره الاستفادة منه مجدداً ! وليس هذا فحسب ، فقد عرفت أيضاً حقيقة أتباع آخرين له و هم في غاية الأهمية أيضا ! آليكسي آبراموف ، سيباستيان لاكلير ، إيريك إيردمان هؤلاء أيضاً لن يستطيعوا التحرك بحرية كما في السابق !
أنتم تظننون أن هجومهم على مقرنا لإنقاذ زميلهم كان في صالحهم ، لكنه في الحقيقة صب في صالحنا نحن ! أنا لم أخبركم بهذا سابقا لكني كنت متيقنة من مجيئهم ، و كنت أترقب ذلك بلهفة شديدة ! و ما قلت لآوتنبورغ من عدم اهتمامي بوجود دليل قوي يدينه كان كذبة !
الدليل الدامغ كان ما أهدف إليه في الواقع !
وقد حصلت عليه باقتحام العقارب للمقر ، فقد أثبت ذلك انتماءه إليهم !!


رغم شدة إنزعاجهم في البداية و وقاحة كوبرا في حديثها معهم ، إلا أنهم بعد استماعهم لهذا الكلام المنطقي الذي إن دل على شيء فعلى الدهاء و المكر الذي يتمتع به صاحبه لم يسعهم إلا التحديق فيها بدهشة و انبهار !

هتف أوربان وقد احمر وجهه سعادة و فخرا : عزيزتي أنا كنت دوماً واثقاً من أنك الشخص الوحيد الذي في استطاعته قيادتنا نحو النصر على الكونت ! و إن إيماني بك قد ازداد الآن كثيراً !

قال بالينغر العجوز و قد غدا كالكلب المروض : أعترف أنني لم أفكر في الأمر من هذه الناحية ! إذن ... ماذا علينا أن نفعل بعد ذلك ؟!!

قامت كوبرا في صمت ، و اتجهت نحو النافذة البعيدة في أقصى الزاوية ، ثم جلست على حافتها ، و قالت بينما تنظر إلى الناس في الشارع تحتها :
الناس متعاطفون مع آلويس و منظمته ضدنا .. فهل تدركون السبب ؟!!

قال دانتون بقليل من التوتر : حسنا ً.. إنه بسبب حادثة السفينة تلك و إنقاذ الأطفال المختطفين !

قالت كوبرا بلهجة ساخرة : حقاً ؟! هل ترون أن هذا وحده كان السبب ؟!!

نظروا إلى بعضهم يتشاركون الحيرة ..
عندها شخص.. كان يراقب ما يحدث في صمت دون أن يشارك أزاح عنه السكون فجأة و قال مبتسماً : أعرف ما ترمين إليه .. نحن السبب الرئيسي أليس كذلك ؟!!

ضحكت كوبرا ملء فمها و قالت : أخيراً شخص بعقل في مجموعة المغفلين هذه !

و خاطب بالينغر ذلك الشخص متجاهلا إهانة كوبرا : ما الذي تقصده بكلامك يا بيفورت ؟! كيف نكون نحن السبب ؟!!

كان هذا الشاب المستهتر هو الابن الوحيد للرجل الثري و المدير السابق لمؤسسة لوميير "بيفورت" والذي قتله الكونت مع أربعة من شركائه قبل أربع سنوات !
بيفورت الابن - على خلاف والده - لا يحب الأعمال الادراية بل لا يحب أي عمل ! شاب فاسد يتسكع في الشوارع و يبذر أمواله في مقامرات خاسرة ! لكنه رغم ما فيه من مساوئ يمتيز عن أبيه بنظرته السليمة لبعض الأمور !

قال بيفورت الشاب ببساطة : ما أعنيه واضح تماماً ! الناس يقفون إلى صف الكونت لأنهم يكرهوننا ، أو بالأحرى يكرهونكم أنتم فأنا لا علاقة لي بما يحصل !

قال شوانيير بحدة : قلت لا علاقة لك ؟!! هل نسيت أن الكونت قتل والدك ؟!!

أمال بيفورت رأسه بابتسامة خفيفة و هز كتفيه بلا اكتراث قائلا : لم أنس ، لكنني لا أهتم ! فأبي كان ذلك النوع من الرجال الذي يصنع له أعداء في كل مكان و زمان ، لذلك لا يفاجئني أن يموت مقتولاً !

حملق فيه بالينغر بعينين مشدوهتين ثم قال بغضب : بيفورت ! إن كلامك هذا يجعلنا نشك فيك و هذا ليس في صالحك !

كشر بيفورت باستمتاع : لو كنت عقربا لقلت "آه أبي العزيز ! لن أدع ذلك القاتل يفلت بفعلته سأنتقم لك حتماً !" أو شيء من هذا القبيل ، لأكسب ثقتكم و يكون في ميسوري مراقبتكم و التجسس عليكم ! <التفت نحو كوبرا و أردف : ألست محقاً يا جلالة الملكة ؟!!

تبسمت المعنية و قالت بمكر : نعم و لا أيضاً ! العقارب حاذقون ، محترفون في التمثيل ، بارعون في الإقناع ، و من غير الطبيعي لشخص مثلك لو كان عقربا أن يظهر الاهتمام و الحزن لموت والده و هو لم يأبه له في حياته ! أي أن ما تفعله أنت الآن هو التصرف و الأداء المثالي لعقرب متمرس !
مع ذلك .. أنا أعرف أنك لست منهم ، فليس لديك ما يكفي من الدوافع ، حتى لو لم تكن تحب والدك فعدم التآلف ذاك لن يصل إلى درجة الكراهية و الرغبة في القتل !

تبسم بيفورت و أومأ في استحسان ، بينما عاودت كوبرا النظر من خلال النافذة و هي تقول : والآن لنعد إلى موضوعنا ! الناس يقفون إلى جانب آلويس و يؤيدون ما يفعل و ذلك لكرههم إياكم !
لذا .. فأول خطوة لهزيمته هي انتزاع محبته من قلوبهم و قلبهم ضده ! فهل من فكرة لديكم لفعل ذلك ؟!!

صمتوا مستغرقين في التفكير .. بعدها هتف دانتون بحماس : نفجر مبنى أو متجرا ، ثم نمسك بأحدهم و نجعله يعترف بأنه من العقارب و أنه قام بتفجير ذلك المكان تنفيذاً لأوامر الكونت !

أطلقت كوبرا ضحكة صاخبة ممعنة في الاستهزاء و قالت متعجبة : و لم يقوم آلويس بذلك يا فهيم ؟!! لقد بذل كل جهده لجذب قلوب الناس إليه ، فلماذا قد يفعل شيئاً غبياً و أرعنا كتفجير مكان عمومي دون سبب ؟!! هذه الكذبة أغبى من أن تخدع أي شخص مهما كان عقله صغيرا !!
ما تحتاجون إليه هو شيء يفعله آلويس عادة مع إضافة بعض المبالغة من جانبنا !

تطلعوا إليها ببلاهة فلم يسعهم الوصول إلى مقصدها .. لذا أكملت بطريقة أكثر وضوحاً : بعبارة أخرى .. يتحتم علينا استهداف واحد منكم و تفجير سيارته صباحاً وقت الزحام !! سيتأذى العديد من الأبرياء نتيجة لذلك و تتجه أصابع الاتهام تلقائياً إلى آلويس فهو الوحيد الذي يتجرأ على استهدافكم ! ما رأيكم بهذا ؟!!

و وقفت تراقب بعين الرضا و المتعة ظلال الرعب التي غطت وجوههم ... نهض أحدهم و هدر بانفعال مفرط : مستحيل ! من المستحيل أن نوافق على شيء كهذا !

أضاف دانتون : بالطبع لن نقبل ! لقد تحالفنا معك لضمان سلامتنا فما فائدة ذلك إن كنا سنخسر حياتنا ؟!!

و صاح العجوز بالينغر : ما هذا الهراء ؟!!

و بينما هم مشغولون بالصراخ و الاحتجاج أخذ بيفورت يضحك و يقول : اهدؤوا يا سادة ! لا داعي لكل هذة العصبية ، فهي لم تكن أبداً تخطط لفعل شيء كهذا ، لكنها قالت ذلك فقط لتختبر ردود أفعالكم ! و أنا واثق أنها قد جهزت داخل عقلها العجيب ذاك فكرة مدهشة !< استدار نحوها مردفا : هل أنا مخطئ ؟!!

علت شفتيها الورديتين ابتسامة ماكرة و كررت تعليقها السابق : و أخيراً شخص بعقل !


⭐⭐⭐


جلست أمام شاشة التلفاز ، و أخذت أقلب قنواته في استراحة كان من النادر أن أحصل عليها مؤخرا بسبب ذلك المتطلب المزعج !
لكني وجدته مملا للغاية و لا جديد فيه ، مع أني توقعته أن يكون زاخرا بالمتعة و الأخبار المهمة ! تمددت فوق الاريكة و تركته مفتوحا على إحدى القنوات الإخبارية ، كان هناك خبر عن رجل يعد رمزاً من رموز المال في العالم :

"ها قد وصل السيد لامارك ظهر هذا اليوم إلى باريس ! هذا الملياردير الذي أنفق نصف ثروته على الأعمال الخيرية قدم إلى المدينة ليفتتح صباح غد مشفى متطورا لمعالجة مرضى السرطان بالمجان !"


إنه رجل رائع بالطبع ، لكن أعماله الخيرية لم تكن لتثير فيّ الكثير من الاهتمام !
جلست لأكثر من ربع ساعة في انتظار وصول مدام لوبين ، فعندما قدمت البارحة قصت علي كل ما حدث لها أثناء تمثيلها لدوري ، و من بينها ما حدث لجان ، و إنقاذه لها ظناً منه أنها أنا !
و تملكتني على إثر هذا الخبر غير السار حالة من القلق و التوتر ، رغبت بشدة في زيارته و الاطمئنان عليه ، لكن لم يكن في استطاعتي ذلك فمن المفترض أن أبقى متخفية لبعض الوقت ، لذلك تطوعت مدام لوبين للذهاب إلى المشفى و الإطلاع على حالته !
و ها أنا ما زلت أترقب عودتها بالأخبار !


و فيما أكاد أغفو على الأريكة أفزعني صوت قرع الجرس !
قفزت من مكاني و أسرعت نحو الباب في لهفة ثم فتحته قائلة : لقد تأخرت كث..

و تبخرت الكلمات من طرف لساني.. ذلك أن الذي كان واقفاً أمامي لم يكن مدام لوبين إنما شخص آخر ! كان .. كان .. ماذا كان اسمه ؟!!
من حسن الحظ أن الغباء قد حل علي تلك اللحظة و نسيت اسمه ، وإلا كنت هتفت به في دهشة دون أن أنتبه لنفسي !

قال الرجل الأنيق بأدب و ابتسامة فاتنة تتراقص على شفتيه : مساء الخير سيدي ! هل يمكنني مقابلة المصمم آليغرا إذا سمحت ؟!!

قلت بارتياب و أنا أخفي جسمي دون رأسي خلف الباب : و من تكون أنت ؟!!

أخرج عندها بطاقة عمله و قال معرفا عن نفسه : أنا المخرج آدم ريغال ! و قد أتيت للتشاور مع المصمم آليغرا حول اللقاء التلفزيوني له بعد يومين !

فصحت متذكرة : أها !

طرفت عيناه في استغراب .. و قال بتشكك : عفواً .. هل أنت فتاة ؟!

و في محاولة خشنة لترقيع خطئي السابق دفعت الباب عني بقوة و زمجرت بلهجة عنيفة : فتاة ؟! أي فتاة ؟! لا يوجد في هذا المنزل إلا الرجال !

قال معتذراً و نظراته تعكس عدم اقتناعه : آسف.. لكنك بدوت للحظة كالفتيات و أنت تتحدث !

ضربت الباب بيدي فجأة و بقوة ثم صحت في غضب : أنا أبدو كالفتيات ! كيف تجرأ لسانك على التلفظ بكلمات فظيعة كهذه ؟! هذه إهانة كبيرة لرجولتي !

اعتذر مجدداً : أنا آسف حقاً لم أقصد الإهانة !

في تلك اللحظة أتى المصمم الكسول يجر ساقيه و يسأل متثائبا : من الذي على الباب يا روميو ؟!

تراجعت للخلف وأنا أقول ببرود : يدعي أنه مخرج و..

لم أوشك أن أنطق الكلمة التالية حتى دب النشاط في أوصاله و دفعني بعيدا عن طريقه كما لو كان يرمي كيسا من القمامة ، ثم انطلق مسرعاً نحو المخرج ليعتذر قائلاً : أعتذر عن وقاحة ذلك الغبي فهو لا زال جديداً ولا يعرف كيف يتصرف بلباقة ! تفضل بالدخول سيد ريغال !

دلف آدم ريغال إلى الداخل بخطواته الرشيقة و قال بلطف : لا بأس يا سيد آليغرا !

و التفت ذلك الغول إلي بنظرات مخيفة و قال آمرا : لا تقف هكذا كالأبله ! هيا اذهب و أعد الشاي !

تبسمت بصعوبة قائلة : حاضر .. سيدي !

و ذهبت إلى المطبخ و أنا أتمتم من بين أسناني : أتمنى أن يكون آخر ما تشربه أيها الغول الغبي !

لكن هذا كان مفاجئا حقاً لي ! لم أتوقع رؤية آدم ريغال مرة أخرى ! لقد التقيته إثر خروجنا أنا و لونا و جان من المحكمة ، و لكن لقائنا لم يدم دقيقتين حتى ، لذلك لم يعلق اسمه في ذاكرتي ! كما أنه هذه المرة بدا مختلفاً ، فسابقا كان يصفف شعره الكستنائي للخلف أما اليوم فهو ينسدل بحرية على جبهته مما جعله يبدو أصغر سنا و ألطف مظهرا ! و هو في كلتا الحالتين وسيم جداً !

أنهيت إعداد الشاي .. وضعته في الصينية و أخذته إلى غرفة الضيوف ، قدمت كوبا لآدم قابله بابتسامة جميلة : شكراً لك !

و وضعت آخر أمام ذلك المزعج ، كنت أكافح حتى تظل ابتسامتي مرسومة على وجهي ، لكن عيناي خانتاني فبدأ حقدي الأسود يتسرب منهما بشكل واضح ! قلت أثناء ذلك : هل تريد أن أضع لك سما - أقصد سكرا في الشاي يا سيدي ؟!

فرمقني بنظرة حادة و قال ساخطا : أنا لا أشرب الشاي أيها الأحمق ! اذهب و اجلب لي قهوة مُرة !

حملت الكوب ، و أعدته إلى الصينية التي كانت ترتعش جراء الغضب الذي يعصف بي !
عدت أدراجي إلى المطبخ ، و حضرت له القهوة التي يريد ، ثم دخلت عليهم مرة ثانية .. بقوة وضعت الكوب على الطاولة حتى كاد يتحطم بين يدي و قلت بصوت أجش : تفضل سيدي ! قهوة سوداء كالجحيم مرة كالحنظل أتمنى أن تعجبك !

و بينما أدير ظهري و أهم بالخروج..

"عفواً سيد روميو هل أستطيع أن أسألك سؤالاً ؟!"

هكذا قال آدم بتهذيب !

تعجبت للوهلة الأولى ثم أجبت بحذر : نعم .. تفضل !

فقال مشيرا إلى صندوق الموسيقى فوق الرف : هل يمكنني أن أعرف من أين اشتريت هذا الصندوق ؟! لقد أعجبني كثيراً و أرغب في إهداء مثله لصديق لي !

قلت بارتباك : في الحقيقة.. أنا لم أشتره !

- أهدي إليك إذن ؟!

حككت رأسي قائلة بشيء من التردد : شيء .. كهذا !

تنهد قائلاً : أه فهمت..

أضاف بعد مضي بعض الوقت : كان هناك متجر في نيس يبيع هذا النوع من صناديق الموسيقى ، لكنه للأسف أغلق منذ ثلاث سنوات ، و عندما رأيت هذا الصندوق تصورت أن صاحب المحل ربما يكون افتتح فرعا آخر لمتجره خارج نيس..

قلت باستغراب : لكن لماذا أنت مهتم بهذا المتجر هكذا ؟! هناك العديد من المتاجر التي تبيع صناديق أفضل من هذا !

فلوح بيده نافيا ذلك بشكل قطعي : لا ذلك المتجر كان مميزاً عن كل المتاجر ! كان يصنع الصناديق بالطلب ، نوع الموسيقى ، و مدتها ، و الزخرفة على سطح الصندوق ، و المجسمات الصغيرة داخله كل هذا كان المشتري من يقوم بتحديده ثم يشركه البائع في صنعه ! و لهذا استطعت بسهولة تمييز صندوقك الفريد إنه بالتأكيد من ذلك المتجر !

قلت ببعض الإعجاب : هكذا إذن.. من المؤسف إغلاقه..

ابتسم فجأة بلطف و قال : أياً كان الشخص الذي أهداك إياه فهو يحبك كثيراً ! فصنعه يأخذ وقتاً و جهدا ليس بالقليل !

- أوه بالطبع .. إنه يحبني .. كثيراً !

يحبني ؟!! كيف سيكون رد فعله لو قلت له أن شادو أعطاني إياه بدلا من رميه في حاوية القمامة ؟!! لطالما أدهشني كم الرومانسية التي أحصل عليها في هذه الحياة !

لم يمكث آدم طويلاً بعد ذلك ، حيث كانت لديه مواعيد أخرى و أعمال أكثر أهمية يجب عليه إنجازها ، و قبل رحيله تبسم لي بود : طاب يومك روميو و آسف بشأن ما قلته لك عن غير قصد.

بادلته الابتسام و أغلقت الباب وراءه ثم تنهدت قائلة : إنه لطيف خفيف الظل و حلو كالسكر !

قال رانكورت الذي قفز أمامي فجأة من حيث لا أدري : حقاً ؟! و ماذا عني ؟!

أجبت بفظاظة و غضب : أنت مثل قهوتك !

فقطب جبينه و ثنا ذراعيه في احتجاج : حسناً .. تقولين هذا و أنت في منزلي ! يا له من جحود ! و ليس هذا فقـ... هي أين تذهبين ؟!! لم أنه كلامي بعد !

قلت بتململ و لا مبالاة و أنا أدخل غرفة الضيوف : لست مهتمة بما تقول !

ثم خرجت حاملة في يدي صندوق الموسيقى الصغير.

حدق رانكورت إلى الصندوق ثم إلي باستغراب و تساؤل : ماذا ستفعلين به ؟!!

قلت بغضب : سأعيده إلى ذلك الأحمق بعد أن أبرحه ضرباً !

- هاه ؟! هل تقصدين شادو بكلامك ؟! إني لأخشى أن من سيبرَّح ضرباً هو أنت ! لا تغتري بنفسك ! مجرد إنقاذه حياتك لا يعني أنه قد يسمح لك بإهانته !

- لا يهمني ! فليحدث ما يحدث !


و فتحت الباب لأغادر .. عندها قال رانكورت ببرود : و هل تعرفين مكانه أصلاً يا ذكية ؟!!

التفت إليه ببطء و قلت ببلاهة : هو .. في شقته أليس كذلك ؟!

تنهد رانكورت : لا !

- إذن أين ؟!

أجاب و هو يسند ظهره إلى الجدار : إنه في كورسيكا !

-ماذا ؟!! كورسيكا ؟!! و لماذا قد يذهب إلى هذه الجزيرة ؟!!

فهز رانكورت منكبيه في قلة اهتمام : لا أعلم تحديداً ، لكنه ذكر شيئاً عن لقاءات مهمة هناك !

قلت بعناد و إصرار : سأذهب إلى كورسيكا إذن !

- ماذا ؟!!

- نعم سأركب هذه الليلة الطائرة إلى نيس ومن هناك سأتجه إلى كورسيكا !



⭐⭐⭐


قبل الساعة الثالثة ظهرا بعشر دقائق بدأت الحشود بالتجمع و شرع الناس يتوافدون إلى هذا المكان.. حيث سيفتتح السيد لامارك المشفى الجديد !

وصلت أخيراً سيارة الليموزين السوداء ، و نزل منها الملياردير الذي ذاع صيته في كل أنحاء العالم !
كان رجلاً في السبعين من عمره ، دمثا ، لطيفاً ، و ذو ابتسامة ودودة !
استقبله الصحفيون بالتقاط الصور و إلقاء أسئلة لا جدوى منها حتى وصل إلى بوابة المشفى ، و الذي قد امتد أمامه شريط أحمر طويل.
ناول أحد المعاونين السيد مقصا ، و تقدم على مهله نحو الشريط ليقصه معلنا بذلك عن افتتاح المشفى !

كان عدد من رجال الأعمال و الأغنياء يقفون على كلا الجانبين لتهنئته على هذا الإنجاز الإنساني النبيل.

و حين رأى الناس المتجمهرون في الخلف الشريط ينقطع و يتهاوى بجزءيه على الأرض بدؤوا بالهتاف و التصفيق.
لكن القريبين من السيد لامارك لم يفعلوا .. بل ظلوا متخشبين في مواضعهم من الصدمة ! ذلك أن السيد لامارك لم يكن قد لمس الشريط بعد !
و الذي قطعه... لم يكن غير رصاصة !!

حدث كل ذلك في ثوان لكن الزمن بدا لهم أطول من ذلك بكثير !

شخص ما .. من بين الحشد الغفير .. اندفع نحو السيد لامارك ، و حينما انطلقت الرصاصة الثانية مستهدفة الرجل العجوز .. صدها ذلك الشخص بجسده ، فاخترقت كتفه الأيسر ، و تفجر ينبوع من الدماء أخذت مجراها على الأرض و لونتها بأحمرها القاني !

صاح السيد لامارك فزعا : الإسعاف ! استدعوا الإسعاف حالاً !


تفرقت الجموع في هلع و لاذ الأثرياء هاربين إلى سيارتهم ، بينما ظل السيد لامارك جاثيا على الأرض الملطخة بالدماء ممسكاً بيد منقذه و هو يقول بحزن : تماسكي يا ابنتي !

فتحت عينيها الزرقاوين و ابتسمت قائلة بصوت واهن : لا عليك سيدي .. إنني .. بخير..


الشيء الوحيد الذي ظل يرافقهما حتى وصول سيارة الإسعاف كان الصوت المزعج لكاميرات الصحفيين ، فمن المستحيل بالنسبة لهم تفويت مشهد درامي نادر كهذا !

و تسابقت الصحف والقنوات الإخبارية لنشر هذا الخبر :

"السكرتيرة الشابة للسيد أوربان تنقذ مخاطرة بحايتها السيد لامارك من محاولة اغتيال أثناء افتتاحه المشفى الجديد !"


طوى بيفورت الصحيفة و ألقاها جانباً ، ليضحك بعدها قائلا : تلك المرأة استثنائية بحق !

وافقه السيد أوربان بإيماءة من رأسه و أضاف : بالطبع إنها كذلك ! ألم أخبركم بهذا منذ البداية ؟!!

قال بالبنغر مذهولا : كيف يمكنها أن تقدم على مجازفة مميتة بهذه السهولة و اللامبالاة المفرطة ؟!! ماذا لو أخطأ القناص و أصابها في قلبها ؟!!

قال بيفورت بينما يدس سيجارة في فمه و يشعلها : هذا هو الإختلاف بينها و بينكم ! أنتم لا تأبهون إلا بحماية أرواحكم ، أما هي فحياتها آخر ما قد تلتفت إليه ! كل ما يهمها هو تحقيق هدفها بأي وسيلة ! <نفث سحابة من الدخان من فمه و أكمل بانبهار : تلك المرأة إما أن تقودكم لنصر كاسح .. أو تهوي بكم جميعاً إلى قعر الجحيم !!

أطلق ضحكة خافتة و أردف بينما الجميع صامتون : يا لها من مقامرة خطيرة !

قال دانتون بتردد : بالنسبة لمن هم في مثل وضعنا .. فلا حل غير المجازفة !

تبسم بيفورت و نهض من مكانه مضيفا : نعم أنت محق ، لا خيار آخر ! كل شيء .. أو لا شيء !



في المساء .. دخل بيكارت حاملاً باقة من زهور النرجس إلى غرفة في أحد المستشفيات الخاصة !
نظر إلى الفتاة الشاحبة في السرير الأبيض و هي تتكئ على وسادتين كبيرتين و تشاهد التلفاز..
و تحدث بابتسامة مرحة بينما يضع الباقة على الطاولة : كيف حال أنطوانيت الآن ؟!!

ضحكت كوبرا و ضحكت حتى غطت فمها بيدها كيلا يرتفع صوتها ثم قالت : كان ذلك.. مؤلماً أكثر مما تخيلت !

قال بيكارت متعجبا : و هل يضحك الإنسان عندما يتألم ؟!! إنك تمتلكين جنوناً فريدا حقاً !

ضحكت مرة أخرى بصخب لكن لم تحمل أي من ضحكاتها معنى البهجة : هذا لا شيء عندما أحقق هدفي و أنتصر ! حينها كل هذا الألم سيختفي ! انظر حولك !


على الأرض ، فوق الكراسي و الأرائك باقات من الزهور بمختلف الألوان و الأحجام ، هدايا ، ظروف رسائل !

صفر بيكارت و قال مدهوشا : واو ما كل هذا ؟!!

قالت كوبرا بابتهاج و هي تسترخي بين وسائدها الناعمة : من الناس ! فقد غدوت اليوم بطلة كما تعلم ! الأمور تسير كما أخطط لها تماماً ، و إذا استمر الحال على هذا المنوال .. فلن ينقض هذا الشهر إلا و أنا منتصرة في هذه الحرب !

فتنهد بيكارت و قال بما يشبه التأنيب : حسناً ، حسناً ، لكن يجدر بك التخلي عن أفكارك المجنونة هذه لبعض الوقت و الخلود للراحة ! يجب أن تكوني أكثر حرصاً على صحتك ، فإصابتك لم تكن بسيطة ! اهدئي و استرخي و قللي قدر المستطاع من ضحكاتك الشريرة الصاخبة !

عقدت كوبرا حاجبيها و قال بإنزعاج : كف عن التفوه بهذا الهراء و اذهب لتفتح الباب !

فقد كان هناك طرق خفيف على الباب .. تحرك بيكارت بتثاقل و فتحه .. كان السيد أوربان بصحبة التمثالين الضخمين .. التوأم آغويلارد !

نفذ أوربان إلى الداخل بخطوات صامتة يتبعه التوأم ، ثم وقف أمام كوبرا و قال محييا إياها : مساء الخير عزيزتي !

قالت كوبرا باشمئزاز : لا تنادني بعزيزتي ! هذا يجعلني أشعر بالمغص !

فصحح أوربان بارتباك : اعذريني .. سيدتي !

تبسمت كوبرا برضا : هذا أفضل ! إذن .. ما الذي حصل ؟!!

قال أوربان بتوتره المعهود : لقد كنت محقة في شكوكك ضد حليفنا بارنيير ! لقد اكتشفنا رسائل متبادلة بينه و بين طرف مجهول يذكر فيها نيته و استعداده لمساعدته في القضاء علينا ! وقد قام الخنجر المعقوف بقيادة التوأم باقتحام منزله قبل ساعات ، لكنه لسوء الحظ كان متأهبا للقتال ، فنشبت معركة طاحنة ! صحيح أن التوأم آغويلارد تمكنا في النهاية من الانتصار في المعركة و قتل بارنيير إلا أننا خسرنا على إثر ذلك الكثير من العملاء !

أطلقت كوبرا تنهيدة ثم نادت : شارل ! كارل !

رفع الاثنان قبعتيهما في احترام و أجابا معا : في خدمتك سيدتي !

ثنت ذراعيها و قالت : عليكما البحث عن أعضاء جدد للخنجر ! أجريا اختبارا ثم رشحا الأفضل لي لأنتقي من بينهم الأعضاء المناسبين !

- كما تشائين سيدتي !

التفت نحو أوربان قائلة : هل لديك ما تقوله أيضاً ؟!

- في الحقيقة .. أردت سؤالك عما ينبغي علينا فعله في غيابك !

أغمضت كوبرا عينيها و قالت بصوت مرهق : لست غائبة ! بل إنني أدرك ما يحصل في الخارج أكثر من أي شخص آخر ! و إذا حدث أن واجهتم أمراً غير متوقع ، فبإمكانكم القدوم إلي من فوركم و إطلاعي على ما يطرأ من مستجدات !

فتح أوربان فمه ليضيف شيئاً لكن بيكارت أوقفه بإشارة من يده ، ثم اقترب و همس في أذنه : لقد غفت أخيراً ! لذلك اخرج من هنا ! و لا تنس أن تأخذ معك هذين الثورين !

قال شارل بوجه خال من التعابير : كن حذرا إذن حتى لا تُنطح !
وافقه كارل : أجل كن حذراً أيها النعجة !

ثم غادر الثلاثة الغرفة بهدوء..


و للمرة الأخيرة قبل انصرافه هو الآخر التفت إلى كوبرا النائمة ، و أخذ يمعن النظر في وجهها الهادئ و التعابير اللطيفة المسالمة المرتسمة عليه .. قال مبتسماً : تبدو كالحمل الوديع أثناء نومها ! يا له من مشهد نادر ! ليتني أحضرت معي كاميرا لأصوره ثم أعلق صورته في المتحف !

مد سبابته ليزيح بلطف خصلة من شعرها الأسود عن جبينها ، لكنه فوجئ بتلك النائمة تفتح عينيها و تصوبه بنظرة سوداء قاتلة !

سحب بيكارت إصبعه فزعا و ضمه إلى صدره بخوف ثم قال و هو يتفحصه : إنه سليم ! سليم ! الحمد لله ! خشيت أني قد فقدته بعد تلك النظرات الشيطانية !

تمتم وهو يسرع خارجاً : الأفعى تبقى أفعى حتى في نومها !



⭐⭐⭐


"إذن .. لماذا غيرت رأيك فجأة و عرضت مرافقتك علي ؟!"

هذا كان سؤالي لرانكورت و نحن نسير بسيارته متجهين إلى مطار باريس !

قال أثناء قيادته للسيارة : حسناً كنت سأشعر بالملل ببقائي وحيدا في المنزل ، كما أني لن أجد من يعد لي القهوة وقتما أريد !

تجهمت و رمقته بنظرة استياء : آه هكذا إذن ! يا لك من شخص استغلالي كسول ! <سألت بعدها : هل أبلغته بقدومنا ؟!!

- لا ، اتصلت به لكن هاتفه كان مغلقاً !

فالتفت أمامي و أنا أقول بابتسامة خبيثة : جيد ستكون مفاجأة له !

قال رانكورت ببرود : و لا أظنه سيسعد بها !


فتحت مفكرتي و قرأت ما دونت فيها سابقاً : الطائرة ستقلع في تمام العاشرة مساءً إلى نيس أي بعد ساعة من الآن ! و الرحلة بكاملها لن تستغرق أكثر...

و في لحظة طارت مفكرتي ، و انقلبت أنا رأساً على عقب ، و انحشر رأسي بين أقدام رانكورت !

سحبت رأسي ، نفضت عنه الغبار ، و جلست في مكاني أصيح بغضب : هل أنت معتوه ؟! لماذا أوقفت السيارة فجأة هكذا ؟!!

قطب رانكورت جبينه و قال ممعنا النظر في الشارع أمامه : هناك سيارة أمامنا تسد الطريق ! يبدو أنها معطلة !

نظرت بدوري إلى حيث يقصد ثم قلت : نعم .. و هناك شخصان يحاولان إصلاحها ... انظر إنهما يلوحان لنا ! لابد أنهما في حاجة للمساعدة !

قال رانكورت بلا مبالاة : هذا ليس من شأننا ، يجب أن نسرع حتى لا تفوتنا الرحلة !

صحت فيه موبخة : ألا يمكنك التخلي عن أنانيتك و لو للحظة ! أنا سأنزل و يمكنك المضي في طريقك لوحدك !
تنهد رانكورت متجهما في عدم رضا ثم قال : يا ليت لو أستطيع ! لكن ذلك العفريت سيكون في انتظاري بنظراته المرعبة قائلاً "سأجعل حياتك جحيما !" لذلك.. مع كل أسف لا أملك خيارا آخر !


و هكذا نزلنا قاصدين السيارة المعطلة.. كان الواقفان بجانبها رجل و إمراة ، قالت الأخيرة بامتنان : شكراً لكما على تلبية ندائنا !

أضاف الرجل أسود البشرة : كنا في طريقنا لأخذ صديقنا إلى المشفى ، لكن واجهتنا مشكلة في أحد إطارات السيارة الخلفية !

أكملت المرأة بشيء من القلق : نحن يمكننا تدبر أمرنا لكن صديقنا في السيارة بحال حرجة .. لذا هل تستطيعون نقله إلى المشفى بسيارتكم ؟! إنه لا يزال مستلقيا في سيارتنا !

ابتسمت قائلة : بالطبع سيسرنا ذلك !

قال كلاهما بسعادة : إننا ممتنان لكما حقاً !

و مد الرجل رأسه من النافذة ليقول مبتهجا : لا تقلق يا صديقي ! سيوصلك هذان الطيبان إلى المشفى !

و عاد يلتفت إلينا .. و اتجهت أنا و المرأة نحو السيارة.. فتحت بابها و انحيت لمساعدة المريض على المشي و الصعود إلى سيارتنا .. قلت بابتسامة ودودة و أنا أدس رأسي داخل السيارة : مرحباً جئنا لـ...

" أهلاً بالزرافة !"


مع أنه كان يغطي رأسه و نصف وجهه بقلنسوة قميصه .. إلا أن هذا اللسان السليط ، النبرة المتهكمة ، و الوقاحة المفرطة .. لا يمكن أن تكون إلا لشخص واحد !

انتفضت و صحت بصوت عال : جان !!

و أخذت أفرك رأسي بألم بعد ارتطامه بسقف السيارة من فرط حماسي ، في حين التفت جان إلي بنظرته الباردة و قال ساخرا : أحسنت ! لا شك أن باريس كلها سمعت صوتك البديع !

قلت باندهاش بالغ : ما الذي تفعله هنا ؟! ألست مصاباً ؟! ثم كيف تمكنت من التعرف إلي بتنكري هذا ؟!!

قال في استهزاء لاذع : تنكر ؟!! بربك هل تسمين هذا تنكرا ؟!! تمثيلك لدور رجل ليس أقل فظاعة من جاموس يتسلق أغصان الأشجار ، يغني و يحسب نفسه بلبلا !

قلت و نيران الغضب تشتعل داخلي : جاموس ؟!! أنا كالجاموس ؟!!

تبا له و للسانه الطويل ! إنه يحاول استفزازي فقط ، فأدائي لدور الرجل كان في معظم الأحيان جيدا و مقنعا و انخداع أقرب أصدقائي به خير دليل على ذلك !

استفهم رانكورت بتململ : ماذا إذن هل سنأخذه للمشفى أم لا ؟!!

قلت محتدة : بلسانه الطويل هذا .. يبدو أفضل حالاً منا !

و قال جان : هناك شخص يود رؤيتك !

- حقا ؟! من هو ؟!!

رمقني عندها بنظرته التهكمية و قال : إنه فارس أحلامك المزعج .. كلارك !!

احمر وجهي من شدة الإحراج حتى أصبح منظره مضحكاً ثم أنكرت قائلة : ل.. لست معجبة بكلارك ! من قال لك شيئاً كهذا ؟!!

رفع جان أحد حاجبيه في استهزاء : لا أحتاج لأحد كي يخبرني فهذا واضح ، و الجميع يمكنه إدراك ذلك ، إنك مكشوفة كالكتاب المفتوح !

أدار رانكورت ظهره و قال متثائبا : أنا سأعود للمنزل !

فهتف جان : إنه يريد رؤيتك أيضاً !

هز رانكورت كتفيه و قال بلا اكتراث : و ما الذي قد يدفعني لتلبية طلبه ؟!! أنا لا أعرف هذا الشخص و لا يمكنني الوثوق به بهذه البساطة !

فقلت له مطمئنة : لا تقلق إنه من أصدقائي ، أي شخص موثوق !

فانكمشت قسمات رانكورت في اشمئزاز و حنق : و من قال أني أعدك شخصا موثوقا ؟!! أنا مغادر فلا سبب يدفعني للبقاء !

اعترض الاثنان طريقه و هما يوجهان مسدسيهما نحوه بابتسامة لطيفة : نرجو أن تتفضل معنا سيدي !

جفل رانكورت و قال ببرود يواري غيظه : يا لها من لباقة و أنتم تهددونني بأسلحتكم !

ثم استدار نحوي و صب جام غضبه في قائلاً : هذا كله بسببك ! أنت كاللعنة ! لم أر خيراً منذ رأيت وجهك النحس !إنني لأتساءل أحياناً ما إذا كان هذا الذي داخل رأسك عقلاً أم كومة من الحشيش !

قلت بصعوبة و أنا أكبت غضبي و أغير مجرى الحديث : ألا .. يجب أن نعلم شادو قبل رحيلنا ؟!!

قال رانكورت و استياؤه لم ينقص : لا فائدة من هذا اللعين الآخر ! حاولت الإتصال به لتوي لكن هاتفه لا يزال مقفلا ! سحقاً له !

ثم ركبنا معهم في سيارتهم والتي لم تكن معطلة في الحقيقة !
كنت أرغب حقا في إعلام شادو كيلا ينتابه القلق لإختفائنا .. لكنه يبدو مشغولاً !
كما أنه أخبرني ذات مرة أن جان شخص جيد و أهل للثقة .. لذلك لا أظنه سيغضب .. كثيراً .. لذهابنا معه ! أو هذا ما أتمناه !











رد مع اقتباس