عرض مشاركة واحدة
  #86  
قديم 05-17-2016, 08:56 PM
 



ذلكَ شيءٌ غريبْ ، كيف تشرقُ الشمسُ من بعد ليلة عتماء قاتمة ! ، كيفَ ينجليَّ الأمسُ سريعا وكأن تلك اللحظاتِ البسيطة فيه لمْ تكن ، أشعر بالغرابة حينما أفكر بأن تلك الأيامِ والسنين الطوال لمْ تساويْ شيئا في هذه اللحظة ، هذه اللحظة بالذاتْ التيْ شعرتُ فيها بضعفيْ يتلاشى ، لقد كنت مجرد روح حبيسة في جسد يتوجَّع ، يتألم ، يصرخُ في كل ليلة ، شعورٌ داخليٌ تفجَّر لوهلة جعلنيْ أتشتت ، عجزت عن لملمة كيانيْ ،وَ طرحتُ هذا السؤال حينها من أنا ؟ ، من أكون ؟ ، مجرد فتاة تعامل كخادمة ، تعملُ منذ بزوغ الفجر إلى أنْ تصطبغ السماءُ بالسواد ، لمْ تعرف في حياتها سوى الغسيلِ والتنظيف ! ، من أكون ؟ ، " أوديت " المشرَّدة ذات السنواتِ الأربع ! ، لستُ بعمر الأربع السنوات ، هذه الملامح والجسد من المستحيل أن يكونا لفتاة بذلك العمر ، أعرف فتاة عشرينية كانت تمتلك هذا الجسد ، مدللة ، تعيش بين جدران منزل دافئ ، تأخذ أكثر من أن تعطي ، تطلب المساعدة من رجل غاب عنها ، أتذكر الاسم الذي مُنِحَتْ إياه أيضا ، هل كان ذلك الاسم فعلا ! ..




باريس





ليسَ وكأن الشمس توشكُ على المغيبْ بل إنها لا تزال ساطعة في السماءْ ، منزلُ السيد " ألبرتين " دائما هكذا مظلمٌ ومعتمْ وكأنه فيْ خصامِّ مع العالمِ المحيطِ به ، فكرتْ بأنَّ المنزلَ يبدو مثل مالكه تماما فحتى السيد يرفضُ الاختلاطَ مع الآخرينْ رغمَّ شعبيته الواسعةْ لا بد وبأنه عانى منهمْ الكثير ، الوحدة والعزلة .. نوعَّا ما تصرفاتُ هذا السيد يجعلُ ذهنها مشتتا فهو يستحضر صورة ذلك الرجلِ في مخيلتها دائما ، ذلك الرجلْ الذي قرر العيشَ بعيدا عن صخبِ المدينة إذ أنه فضَّل حفيف الأشجار عليها ، لم تنسه ولمْ تنسى كلَّ شيءِّ متعلقٌ بحياتها الماضيَّة ، ذكرياتها العزيزة ! ..
أفرجتْ عن أنفاسِّ أثقلتْ كاهلها للحظة وتمنت لوْ أنها تستطيع الجلوسَّ على أحد الكراسيْ ، مفاصلُ قدميها بدأتْ ترتعشْ وكذلك بدأت رقبتها تتصلبْ قليلا ، ضغطتْ على قبضتيها المضمومتينْ ومنَّت نفسها بأنَّ كل شيءِّ سينتهيْ على خير ما يرامْ ، لا تستطيعُ أنْ تخفيَّ التوتر الذي يتملكها ولا العاصفة التيْ ألمَّت بمشاعرها المضطربة ، رغمَّ أنها تتلاطمُ في دواخلها برجفة إلا أنها لا تزال متسمرة فيْ مكانها ترقبُ منْ يجلسُ أمامها فيْ هدوءِّ واضحْ ، يجلسُ خلفَ مكتبه الكلاسيكيْ ويتمتَّع باحتساءِ كوبِّ من الشايِّ الساخن ، الشايُّ بالليمونْ النكهة المفضَّلة إليْه ولطالما تشعر براحته الواضحة حينما تداعبُ رائحة الليمونْ بشرته الشاحبَّة ، ارتعاشَّة بسيطة استولتْ على مفاصلها فيْ الوقتِ الذيْ رفع فيه رأسه إليها ومنْ نظرة عينيه الناعستينْ علِمَّت بأنه يتساءلْ عن الوقتِ الذي جاءت فيه ! ، لن تجيب َ على تساؤله بقولها بأنه هو من طلبَ قدومها منذ عشرون دقيقة بلْ ستطلبُ منه أن يسمح لها بالجلوسِ على الأقلْ ، تركَ كوبَ الشايِّ المزخرفِ جانبا ثمَّ رفع بصرهْ إليها من جديدْ حينها تساءلَ بشيءِّ من الاستغرابْ : تودينَ الرحيْل ؟! ..



سؤالٌ غريبْ لكنه مهم ، بل مهم لها وبدرجة كبيرة حتى أنها لم تنم ليلة البارحة تفكر بواحد من الاحتمالين له ، إما نعم أو لا ، بماذا سوف تجيبه ؟ ، لقد حزمت أمرها واختارت أحدهما عليها فقط أن تومئ برأسها بدون أن تنطق بكلمة ذلك لأنها تجد صعوبة في لفظها ، ضغطت على أطرافها علَّ قوة ما تستلهم جسدها الضعيف ، ارتفعت زاوية فمها في بسمة غريبة أزالت شحوبا غريبا اعتلى قسمات وجهها المرهق فاستطردت بقليل من الشجاعة : اعتنيت بي طوال هذه المدة وقدمت لي الثياب والطعام إنك فعلا رجل طيب ، لم أفكر يوما بأن هنالك أحد ما مثلك عندما جئت إلى هذه البلاد أول مرة ، شكرا لكرمك السخي معي ، إنني ممتنة لكَ فعلا سيد " ألبرتين " ! ..
لا تدريْ إنْ كان خطُّ شفتيه ذاك ابتسامة أم لا ولكنها استمرت في الحملقة فيه وكأنها ترغبُ في التأكد لا أكثر ، طرف بعينه قليلاَّ كعادته حينما يكونُ ذهنه مشغولا فيْ التفكيرِ بأمر ما ، هيَّ تعلمُ تماما بماذا يفكر وتعلمُ بأنها استحوذت على مساحة كافية من ذهنه وبأنها أصبحتْ جزءَّا من همومه الثقيلة لذلكَ هيَّ لن تسمحَ بأن تكونَ عبءَّ إضافيا لها ، سوف تذهبْ وتحملُ له امتنانا وشكرَّا عظيما فيْ قلبها ،راحت مقلتيهْ تتفحصانِ وجهها أخيرا وكأنه يرغبُ فيْ معرفة إنْ كانَّ ذلك القرار نابعُ من قرارة نفسها أم لا ، تنفسَّ بعمقْ قبلَ أنْ يستطردَ بقليل من التهكمْ : إنكَّ تبالغين في شكريْ وتعبرين عن امتنانك ، ومع ذلك تناديننيْ بسيديْ وترفضين مناداتيْ بأيِّ لقبِ آخر ، أيُّ مفارقة غريبة هذه ! ..



ذلكَ صحيح ، لقد حاولَ بشدَّة أنْ يجعلها تتجاوز حاجز الرسميَّة ذاك إلا أنه لمْ يفلح كذلك هيَّ ، ليسَ الأمر وكأنها تحبُ مناداته بسيديْ دائما ولكنْ لا تستطيعُ سوى مناداته بذلكَ اللقبْ ذلك لأن هنالكَ شخصين عزيزين على قلبها ولن تناديَّ غيرهما بتلك الألقابَ الغاليَّة ، يبدو وبأنه استطاع فهمها مرة أخرى إذ أنه نهضَ من على كرسيه وتجاوز مكتبه بقليل من الخطواتْ ، تقلصَّ ضوء الشمسِ المنبعثِ من الستائر خلف جسده ولم تتمكنْ من رؤية ملامح وجهه بوضوحْ كما تريد ، لا تريد بأن تنسى تفاصيل وجهه على الإطلاقْ ، تراجعت خطوتين إلى الخلفْ واستمرت في النظر إليه ، ضمَّ قبضتيه خلفَ ظهره وتمتم بصوتِّ مسموع : جاءتْ بكِّ " فانتين " إلى هنا وكمْ بدوتِ بائسة ولا أملَ لكِ فيْ الحياة إطلاقا ، كنتِ تكابدينَ كثيرا فيْ حياتكِ داخل أسوار هذا المنزل ولتدخلِ الصحافة بالكثير من أموري الشخصية قمتُ بوضعكِ عند " أودريك " مطمئن البالْ إذ أننيْ ظننت بأنه سيحسنُ إليكْ .. صمتَ قليلا لثوانِّ معدومة بعدها أكملَ فيْ شرود : لا أخفِ عليكِ بأنني كنتُ أعلمُ أيَّ نوع من الأشخاصِ هنا ، ولكنني لم أكن أتوقع تلك المعاملة منهما ، على كل انتهى كل ذلك الآن ، احظي بحياة سعيدة وابدئي مشوارك في لُندن ! ..


لم يكد ينهي آخر كلماته حتى التفت معطيَّا إياها ظهرها ، كانت تعلم بأنه يودعها الآن ، بلا دموع أو كلمات رقيقة تشفي اضطرابها الغريب ذاك ، ليس الأمر وكأنها ترغب في البكاء أمامه ولكنها لا تملك المقدرة على الحراك ، شيءٌ ثقيل كالجبال يمنعها من الحراك جعل من دموعها تتجمع في صمت بمحجريها الرطبين ، بللت ريقها سريعا واغتصبت الكثير من الأنفاس قبل أن تستجمع قواها وتستدير للخلف ، هذه الخطوات ستكون الأخيرة لها هنا ، لن تكون قادرة على رؤية أي واحد منهم ، لا " فانتين " ولا السيد " ألبرتين " ولا حتى البستاني الطيب ، الضريبة التي تدفعها جراء العودة إلى موطنها غالية الثمن فعلا ، قبل أن تعانق أصابعها مقبض الباب الدائري حتى قطع صوته صمت الغرفة المريب منبها إياها على أمر تغافلته ، حروف جملته جعلتها تتوقف في مكانها عدة لحظات إذ أنه هتف براحة :جواز سفرك وهويتك التي تدل على أنك فتاة فرنسية الأصل من أب فرنسي وأم انجليزية والتي تثبت بأنك تحملين اسم " أوديت كاساندرا " أعطيتها لذلك الشاب ، يبدو وبأنه تصرف سريعا بها إذ أن طائرتك ستقلع بعد ساعات ، سرعة بديهته جيدة إلا أنه يكون مزعجا أحيانا .. أردف في اهتمام : خذي حذركِ من ثلاثة أشياء ! ..
استرعت كلماته الأخيرة انتباهها لتلتفت نحوه بشيء من الهدوء وجدته قد استدر نحوها ليرمقها وذات الهالة الغريبة الغامضة تحيط بجسده ، إنه بالفعل مخيف لمن لا يعرفه ومن يراه يكاد يجزم بأنه لا يحمل مشاعرا طيبة فعلا ، بقي صامتا لوهلة قبل أن يستطرد محذرا : انسي هويتك القديمة وحاولي التأقلم مع هويتك الجديدة ، أنتِ لا تعلمينَ بمَّ يفكر به الأشخاصُ من حولكِ لذا لا تضعيْ ثقتكِ بهم بسهولة ، استخدمي عقلك قبل أن تقدمي على أيَّ خطوة وإلا فإن أمركِ سيُكشف سريعا ! ..






لُندن ..




قطراتًُ المطر لا تطربَ الآذان فقط بل هيَّ تريحُ القلبُ بإيقاعاتِ متناغمة بسيطة ، تحدِّثكْ وتخبركَّ بأن الأمل لا يزالُ موجودا ، إنْ نهضت واستدرت يمينا أو شمالا فسترى شعلة من الضوء قريبة منك ، كلُّ مافيْ الأمر أنك استسلمتَ قبل أوانكْ ، محاولته البائسة في البحث عن نقطة مضيئة في حياته لم تفشل ، رغم أنه عانى الكثير ومر بالكثير من الأوقات الصعبة إلا أنه استطاع الوصول إليها في النهاية ، كان فرحا لربما سعيدا ومرتاحا فهو لن يضطر إلى العيش تحت سطوة ذنب لم يرتكبه ، كل ما كان يحتاجه لتغيير حياته هي خطوة واحدة ، أخذها بتردد فلم ترحمه الأفكار المزعجة من زيارتها الدائمة له ! ..


ما هذا المكان ؟ ، سؤال ظلَّ يدور فيْ خلده لعدةِ أسباب إلا أنه لمْ يتجرأ على طرحه خشيَّة أن يفقد أحد أصابعه ، عجزتْ عينيه عن تصديقِ السواد الذيْ يلف المكانْ وكأنَ هذه البقعة لا تمت للعالمِ المحيطِ بها بصلة ، يضغطُ على أطرافه بقوةْ فيمَ يحاولُ استنباطَ أيِّ شيءِّ ممَ حولهْ ، شعر بذلك الشيءِ الصلبْ يرتطمُ بوجهه بلا سابقْ إنذار ، في ْ الحقيقة هوَ الذي لمْ يكن في وعيه لذلك ارتطمِ بجسد " سكوتْ " الذي توقفَ في مكانه فجأة ، ارتدَّ على عقبيه عدة خطواتْ قبلَ أنْ يلمح نظراتِ الشرر فيْ عيني رفيقه ، ظلَّ يحملِقُ بنظرة عينيه المزعجتين بهدوءْ فهو بلا شكْ سيلقى توبيخا أو كلمات سخرية لاذعة من هذا الشخصِ الذي لمْ يستلطف انضمامه إليهم ، تعجبَ " جوليان " من حال " سكوت " الذي مالبث أنْ أدار عنقه عنه بعدها لمح أصابع كفه تعانقُ شيئا ليشعر بعدها بالنور يناسبُ رويدا من بين براثن تلك العتمَّة ، إنه بالفعل يملك بصرا حادا فهو لم يستطع رؤية الباب على الإطلاقْ ، ربما على السيد " أودين " أنْ يدرِّبه على استخدام حدة البصر بدلا من جعله يتمرن كلَّ يوم ، لمْ يطلبْ منه ذلكَ الشابْ المنزعجْ أن ينتظر في الخارج لذلك لا بأسَ إن أدار مقبض الباب الآن ودخلْ ، فهو وعلى أيِّة حالْ أصبح فردَّا من هذه المنظمَّة الغبيَّة ، جذبَ الكثير من الأنفاسِ التيْ اختلطتْ برائحة هذا المكانِ مم جعله يندمً على تنفسه بتلك الطريقة ، دخلَ بعدها إلى غرفةِ صغيرة نسبية مربعة الشكلْ ، لفت نظره أريكة مستطيلة في إحدى زواياها ظهر ما في باطنها من كثرة الشقوق عليها ، على الجدار لوحة غريبة الشكل لم يلق بالا لها ، تنبه أخيرا ل " سكوت " الذي ظلَّ واقفا أمام طاولة دائرية في وسط الغرفة وقد بدى وكأنه يحادث شخصا ، شعر " جوليان " بالفضول ليتقدم أكثر ويقف مقابلا لرجل عجوز استفحل بعض الشيب صلعته اللامعة ،و تتمركز عدسة واحدة على عينه اليسرى فيم خبأت لحيته البيضاء الباقي من معالم وجهه ، شعر بحدقتي تلك العجوز تلتف نحوه سريعا فور أن لاحظ اقترابه منهما ، دسَّ كلتا كفيه في جيبي معطفه بينما بقي يحدقُ في العجوزِ الذيْ ظلَّ يتفحصه للحظة من الزمنْ بعدها هتفَ بشيءِّ من التساؤلِ الفطنْ : إن لم يخبْ ظنيْ فأنتَ هو رقمُ ثلاثة وثمانون! ..



كادتْ أن تفلت ضحكة من بين شفتيه ، منذ متى أصبح الناسُ يسمونَ أنفسهم بالأرقامْ بدلا من الحروف ! ، وجدَ في الردِ على هذا العجوزْ مشقة لا نفع منها ، لذا التزمَ الصمتْ وبقيَّ في مكانه هادئا رغمَ استدارة " سكوت " نحوه وكأنه ينتظر منه الرد كما الآخر ، ماهيَّ إلا ثوانِّ صامتة تلاها ضحكُ العجوز المريب ذاك الذيْ التفت للخلفْ متوجها إلى أحد الأبوابْ ، لمْ ينتبه إلى وجودِ باب آخر غير باب الولوج الذي دخلوا منه قبل قليل ، بالفعل هذه الغرفة مخيفة فعلا وتبثُ على الشعور بعدم الراحة ، لا يدري كيفَ يقضيْ هذا العجوز وقته فيها حتى أنها تقعُ داخل نزُلِّ لا يسكنه أحدْ ، هل هو مالك النُزلِ يا ترى ؟، لمْ يكد يهدر القليل من الأنفاسْ حتى انتبه إلى عيني " سكوتْ " التيْ لمْ تلبث ترمقه بشيءِّ من اللامبالاة ، رفعَ أحد حاجبيه بتململ وكأنه يسأله إنْ كان في وجهه خطبٌ ما ، حاولَ " سكوت " ردع قبضته التيْ راحتْ ترتجفُ بقوة وكأنها تخبره بأنها تتطلع لتعانقَ وجه هذا الشابْ المزعج بقبضة لطيفة ، تنهد بضجر قبل أن يستطرد بتساؤل : ألم تكن تعلم بأنك تملك رقما .. أتبع بعد ثانية حينما احتدت زاوية فمه ببسمة ساخرة : يا أبله ؟! ..



إنه يحاول أن يستفزه إذا ، لقد استغربً سؤاله الأولْ الذي كان خاليا منْ أيِّ لقبِ قد يزعجه ، هذا الشابُ المدعو ب " سكوت " عليه ألا يحتك به كثيرا بل ويكون حريصا في تعامله معه ، نوعا ما هوَّ يذكره بعمته التي هربَ من معاملتها القاسية نحوه ، قرر الحفاظَ على ذات الهدوء حينما أجابَ على سؤاله بإيماءة نفيِّ صغيرة فيْم تكلمَ أخيرا بقصد إثارة غيظه : ثقِّفنيْ ! ..
استدار " سكوت " نحوه بقوة وقد طفح الكيلُ به إذ أنه قرر ضربه رغمَ أيِّ شيءْ ولمْ يلقِ بالا لتعليماتِ السيد " أودين " التيْ أخبره فيها بالانتباه على هذا الجرو العنيد ، وبالفعل ، كان قد قبضَ على أصابعه بقوة ورفعها في حركة سريعة وبطريقِ مدروسْ قاصدا بذلك إصابة أيَّ جانبِ من وجه هذا المتحاذقْ إلا أنه وقبل أنْ يدرك ذلكَ شعر بكفه ترتطم بالهواء ، استقام " جوليان " في وقفته أخيرا بعد أن قوَّس ظهره سريعا متفاديا هذه الضربة بدون أن يتحرك مسافة إنش من مكانه ، لم ينظر إلى الشاب المنزعج ذاك الذي ظل يحملق فيه بتعجب فهو يعلم بأنه إن فعل ونظر إليه لن يكف عن إرسال ضرباته الموجعة إليه ، حسنا مع أن هذه فرصة جيدة لاختبار قدراته الجديدة ، قام " سكوت " بتحريك مفاصل معصمه قبل أن يعتدل في وقفته ويرمق " جوليان " بنظرات قتل باردة ، لم يكن يعلم بأنه استطاع التحكم في جسده بهذه المهارة ، لا بد وبأنه قضى الكثير من الوقت في التمرين ، إنه يثير غيظه فعلا ، التفت صوب العجوز الذي عاد من تلك الغرفة حاملا بين ذراعيه الضعيفة حقيبة طويلة ، وضعها على الطاولة بعدها قام بفتحها وجعلها تحتَ مرأى أولئك الاثنين ، تقاربَ حاجبي " جوليان " باستغرابْ حينما رأى قنَّاصة متمركزة على قماشِ أحمر ، اقتربَ " سكوت " من الطاولة كثيرا وقبلَ أن يرفع أصابعه ليتلمسها أغلقَ العجوز الحقيبة سريعا ، رفع " جوليان " بصره صوبَ من تبسم بخبثِ واضحْ فيمَ تحدثَ بعدها ملفتا : لن تستطيع لمسها بهذه السهولة فقد تكبدت الكثير من العناء في سبيل الحصولِ عليها .. أتبع حديثه : المالُ أوَّلا ! ..



تقلصت ملامح " سكوت " في اانزعاجِ واضح ، وراوده ذلك الشعور الذي يحفزه على فصل رؤوس من حوله ، حاول تهدئة نفسه عن طريق التنفسِّ بعمق ، بعدها انحنى للأسفل ملتقطا حقيبة سوداء استقبلها العجوز بحفاوة كبيرة ، لم يلبث أن قدم القناصة إلى " سكوت " بينما هو بدأ يعد الأوراق النقدية بعينيه قبل أصابعه المرتجفة ، وحالما تأكد بأنها كاملة حملها وتقدم نحو الأريكة ذات الشقوق ممَ أثار استغراب " جوليان " الذي راح يلاحقُ تحركاته بحذر ، ارتفعت كفيه لتعانقَ أصابعه اللوحة على الجدار قام بتحريكها من مكانه لتظهر له خزنة صغيرة في الجدار ، فتحها سريعا بعدها قام بحشر الأموال داخلها ، شعور غريب راوده منذ البداية بسبب تلك اللوحة المريبة ، فوجودها في مثل هذا المكان يثير الشكوك فعلا ، ثمَّ .. ماهذه الطريقة القديمة لإخفاء النقود ، طريقة عفى عليها الزمنْ فعلا ، لا بد وبأن عقل العجوزْ لم يعد يعملُ كما في السابق ، تنبه إلى حركة " سكوت " ذاك لذي التقطَ حقيبة القناصة واستدار قاصدا الخروج من المكان ، بقيَّ " جوليان " يحدقُ بعينيه الثائرتين لوهلة ، الرغبة في قتله لا تزال واضحة على ملامحه ، زفر بعمقْ وقد علمَ بأنه سيخوضُ معركة معه حال خروجه من هنا ، استدار بقصد لحاقه إلا أنه توقف لقليل من الثوان استدار صوبَ العجوز الذي لازال يرصف الأموال فيْ الخزانة فتبسم بشيء من السخرية قبل أن يصدر صوتا ليتوقف العجوز عمَّ كان يفعله ثم ينظر إليه باستغراب ، استطرد " جوليان " بقليل من الهدوء :من نية طيبة ودافع الشفقة فقط أرغب في إخبارك بأن الشرطة ستشك في هذه اللوحة إن حصل وعلمت بوجود هذا المكان خبِّئ أموالك الثمينة في مكان آخر ، وَ عليك أن تجد وكرا أكثر حصانة من هذا ، أراك لا حقا ! ..
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag
رد مع اقتباس