عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-07-2008, 06:50 PM
 
فراشة في قفص شوكي

لقد قرأت كل المشاركات وفي الواقع كلها مشاركات رائعة حفزتني أن أقوم أنا أيضا بالمشاركة في هذه المسابقة الرائعة وهي أول مسابقة لي في المنتدى عسى الله يوفق الجميع .
هذه هي قصتي التي سأشارك بها:
العنوان: فراشة في قفص شوكي.
في عالم الحياة، وفي وسط دروب الدنيا، كان هناك منزل مهمش في أطراف الواقع يعمه جو الحب والفرح تارة وجو الحزن والكآبة تارة أخرى. وسط هذا الجو المتناقض كانت تعيش فتاة صغيرة بيضاء البشرة مدورة الوجه كالبدر المكتمل، شعرها شديد السواد ينسدل على كتفيها كقطعة من الليل، عيناها تلمعان كنجمتان تتلألآن في السماء، خداها حمراوان كالتفاح، وفمها صغير بحجم الفستقة، عندما تبتسم ترتسم على شفتيها ابتسامة كقطعة من الشمس ترسل نورها لتدفئ بأشعتها كل من حولها وترسم البسمة على شفاههم، ملامحها بريئة وطبعها هادئ وأخلاقها حميدة، أحلامها صغيرة بالرغم من خيالها الواسع، ربما لأنها كانت تخاف أن تحلم أحلاما أكبر من أن تتحقق، كانت تعيش مع عائلة تتخذ التعصب رمزا والتشدد مبدأ في الحياة، كيف لفتاة بهذه الرقة أن تعيش في محيط خشن كهذا؟ بل كيف لفراشة زهرية أن تمتص رحيقها من أعشاب شائكة؟
وفي يوم من أيام هذه الدنيا الفانية، كانت السماء صافية والشمس مشرقة والعصافير تتراقص تحت أشعتها الذهبية المنسدلة من السماء لتدفئ بها سكان الأرض، استيقظت الفتاة على ضوء الصباح، فتحت شباكها كالعادة لترى الحركة تدب في الشارع والناس يمرون كل منهم يقصد مكانا، ارتدت ثيابها وقصدت مدرستها إنه يوم الإعلان عن النتائج، لم تكن خائفة من النتيجة لأنها درست جيدا، فما ضاع جهد من عمل بجد، بوصولها شاهدت حشدا من التلاميذ منهم من يضحك ومنهم من هو حزين، مشهد عادي في نهاية السنة الدراسية، تقدمت نحو اللوائح تفحصتها فإذا بها من الأوائل اشتدت غبطتها لكونها ستنتقل إلى المستوى الأعلى، وبلهفة، قصدت والدها لتبشره، لكنه استقبل البشرى بجفاء شديدأخبرها بأنهاسواء نجحت أو رسبت فلن تكمل دراستها. قصدتني والدموع في عينيها أخبرتني بما حصل، فشاهدت غبطتها تتحول إلى حزن قاتل يجتاح صدرها، شاهدت أحلامها تتكسر كذلك الجسر الذي كان سينقلها إلى ضفة النجاة، فتفتت أجزاؤه وسقطت في العدم، اجتاح الظلام نهارها، ووئدت أحلامها تحت أنقاض الواقع المرير، اشتد الصقيع والبرد وتجمدت أوصالها وتعالى بكاؤها وصراخها ولكن عبثا فلا أحد يسمعها سواي كان نحيبها يمزقني إلى أشلاء، كنت كلما تذكرت ضحكاتها في الماضي كانت تنغرس في قلبي إبر تقتل في داخلي الأمل في الحياة، شفقت عليها وتمنيت لو استطعت مساعدتها، ولكن لم تكن لدي القدرة، كنت أقف عاجزة لا أحرك ساكنا ولكن في أعماقي كانت تجيش ثورة على الظلم والإستبداد. حبسها والدها في البيت ومنعها من الخروج منه إلا إذا كانت مع والدتها، سألوه عن سبب ما فعل فقال:" أنا رجل شرقي محافظ، ومن حقي أن أحافظ على بناتي من مخاطر الشارع، أنا كالراعي وبناتي هم خرفاني وإذا تركتهم في الخارج أكلتهم الذئاب".
باعدت بيني وبينها الأقدار والمسافات، وبقيت مجرد ذكرى تعبر مخيلتي من حين إلى آخر، لتوقظفي داخلي كل شعور الحب والإشتياق لها، وتوقظ كذلك شعور اليأس والإحتقار للحياة، وشعور الغرابة والإستفهام لوالدها.
مرت 6 سنوات وجمعتني بها الصدفة كان يوم عيد وجدتها رفقة والدتها، فرحت لرؤيتها ووددت لو أنني ارتميت في حضنها لأضمها إلى صدري لأعبر لها عن مكانتها في قلبي وأبرز لها أن طول البعاد وبعد المسافات لا ينسينا أحبابنا ولا يقلل الحب في قلوبنا بل يزيدها، لكنني لم أستطع، ولا أدري لماذا؟ ربما من كثرة اشتياقي لم أستطع التعبير.
على العموم فرحت عندما وجدتها تبتسم وتضحك، دار بيننا حديث قصير قصر المسافة التي جمعتناعرفت من خلاله أنها تزوجت شابا مثقفا يسعى ليعوض لها ما فاتها من دراستها ثم افترقنا ثانيتا.
استغربت في البداية كونها استسلمت لقدرها، لكنني بعد أن التقيتها أدركت أن والدها لم يكن قاسيا إلا خوفاعليها، كرجل شرقي يرى أن حبس الفتاة وجهلها يفيدها أكثر من حريتها وعلمها بكنوز المعرفة، لكل وجهة نظره وحريته في اتخاذ الطريقة التي يجدها مناسبة في تربية أبنائه بغض النظر عن مدى صحة وجهة نظره.
بالرغم من أنها بكت ومرت بظروف عصيبة وتحول نهارها ليلا شديد الظلام، إلا أننا ما دمنا أحياء فلا بد من الليل أن ينجلي وتشرق شمس فجر جديد ونبدأ نهارا آخر حافلا بما يحمله إلينا من أسرار وأخبار سارة ومؤلمة، ومهما كانت ظروفنا صعبة نتعذب في البداية ولكن سرعان ما نتأقلم معها لأننا نعيش على أمل أن تتحسن ظروفنا وهذا ما يساعدنا على الإستمرار.
النهاية
أتمنى أن تحوز إعجابكم .

__________________
الحلم سحابة من الصعب الوصول إليها
وإذا وصلت إليها سرعان ما تكتشف
أنها مجرد دخان لا يمكنك الإمساك بها .