عرض مشاركة واحدة
  #52  
قديم 04-11-2016, 03:31 PM
 





لندن
2013



[ .. إنه وقت طويل ، طويلٌ كفاية ليسحبَ من عالميْ أشياءً حلوة ..فجأة !
لا زالت الغيومُ المتراكمة باضطراب تحتشدُ في كبد السماء لتبكيها على نحوِ مفاجئِّ لنا جميعا ، لا زالتْ أوراق الأشجار تضطرب لتصفع نافذة غرفتي وكأنها تخبرني بأنَّ الغوصَّ في عالم الأحلامِ والخيالْ لن يعودَ عليَّ بالنفع ، لازال السيدُ " جريجُر " يزورنا بين كل فينة وأخرى راغبَّا فيْ الاطمئنان على حال والديْ الذي لا يسُّر وعلى ذكر هذا لا يزال والديْ مشتت الذهنِ ضائعا وكأنه طفلٌ أضاع أثمن لعبة يحرصُ عليها ، حتى بعد مرور أربعِ سنوات على تلك الفاجعَّة لا يزال والديْ يتفوه بأشياء لا يعنيها أمامي عباراتِّ سئمت من تصديقها فأنا أعلم تمام العلم بأنه يشكو من علَّة ما كما ينفي وهو ليس بخير ، شرود ذهنه الدائم و تفكيره ، كسره للأطباق يوميَّا بعيدَّا عن لومه ل يديه الممتلئتين بالصابونْ ، عميْ و " لوسيانا " لا يزالان يشكلان لغزَّا عجِز الجميع عن حلِّه ، ماذا حلَّ بهما وأين اختفيا ؟ هل كُتبَ لهما حياة جديدة أم أنهما بالفعل في السماء ! ..
ذلك يبدو صعبَ التصديقِ لكنْ إلى أين يمكن أن يصيران بعد حادثِّ فظيع كذلك ؟ ..
أخبرني والدي مرارا بضرورة عدمِّ المشيِّ قرب المنطقة التيْ صار فيها الحادثْ حتى أننيْ بتُّ أسلك بعضَ الطُّرق الطويلة بعض الشيءْ حينما أفكر في الذهابْ إلى الجامعة ممَ يجعلنيْ أُنهضُ قبل بداية المحاضرة بساعات فقط حتى لا أفوِّت ولو جزءَّا بسيطا منها ، وَأجل ذلك متعبٌ كفاية بالنسبَّة ليْ ..
من جهة أخرى لا تزال السيدة " ليونيل " تعاني بعض المشاكل في العناية بالأطفال ، فهم قد ازدادوا طولا وعمرا عوضا عن طبيعة شخصياتهم التي بدأت تتكون في هذه الأثناء لذا أذهب دائما في نهاية كل أسبوع إلى الملجأ لمساعدتها ! ..
أتمنى لو تحصل معجزة ما تجعل هذه الغيوم السوداء تبتعد عن السماء ولا تعكر صفو حياتنا أبدا أتوق ليعود الحال كما كان قبل سنوات ، هل ذلك ممكن يا ترى ؟ ..
]


أغلق دفتر المذكرات الورديْ فيمَّ داعبت أصابعه الريشْ المزيَّن به، لقد عاد ليقرأ السطور التيْ خطتها بيدها على تلك الصفحات السرية بالنسبة إليها إلا أنها لم تعد كذلك فقراءته لمذكراتها ليلة البارحة وصباح اليوم كفيلٌ لإخباره بمدى الحزن الذي يعيش داخل قلبها ، من سيُصدقُ بأن من كانت تضحكُ باستمرار فيمَ مضى تكتفيْ بالابتسام فقطْ هذه الأيَّامْ ؟ ، حِيَلُها التيْ تخبره بها عن إحساسها بالإرهاق والتهربْ من الخروج برفقة الأصدقاء لم تعد تنطليْ عليه لذا هو سيعمل جاهدَّا ليخرجها من هذا الجوِّ الخانقْ ! ..


دسَّ كفيه بجيبْ بنطاله وعاد يزفر للمرة السادسة بشيء من الضجر ، لقد استطاع إيجادها أخيرا بعد أن احمرت بشرته قليلا بسبب تعرضه لأشعة الشمسْ وبذله مجهودَّا في البحثْ ، إلقاء بعض الكلمات اللاذعة على مسامعها ستشعره بالقليل من الراحة ، لماذا لم يُفكر في احتمالية وجودها بالمكتبة منذ البداية ؟! ..
لأنه يكره هذا المكان الخانق والهادئ ربما ، قطع العديد من الأرفف المصطفة بانتظام وبعض الطلبة المنتشرين في الأرجاء إلى أن استطاع رؤيتها بوضوح تقف أمام أحد الأرفف فيْ أحد الأقسام ، ولم يخب ظنه عندما قرأ اللوحة المعلقة على القسم ، كتب ومواضيع مملة إنها لا تسأم من قراءة أي شيء ، تمسك بين أًصابعها أحد الكتبْ وبدت مندمجة فيْ القراءة ، لا يبدو هذا ملحوظا ولكنْ طولها قد ازداد بعدة سنتيميترات فقطْ ، مظهرها لم يتغير البتَّة رغم دخولها الجامعة .. ذاتُ الحذاء الرياضيْ .. بنطال فضفاضْ وقميصٌ اختارته بعشوائية بالإضافة إلى لونِ المعطفِ الذي لا يتناسب فعلا مع ما ترتديه ، ترفع خصلات شعرها بفوضويَّة إلى الأعلى فيمَّ انهمر القصير منها بتمرد على ملامح وجهها الهادئة ، لم يجعلها هذا تسلمُ منْ همهمات الآخرين حولها وعن مدى سوء اقتنائها للقطع التي لا تُلبسُ في الجامعة بل ربمَّا تصلحُ لفتاة مهمتها الوحيدة هيَّ حلبُ الأبقار ، انطلقت القلة من الشهقات من حنجرتها حينما خُطف الكتابُ من بين أًصابعها بقوَّة لتستدير بسرعة صوبَ الشابِ الأشقر الذيْ وقف بالقربِ منها إذ أنه احتجز الكتابَ بين أصابعه وتمتم بشيءِّ من التهكم : عِلمُ النباتات ؟! .. عاد يُكمل سخريته فيمَ ينظر إليها : بربِّكِ " إيرما " منذ متى أصبحت مثل هذه الأشياء تستهويكِ .. وأتبع جملته باللقب الذي يفضل مناداتها به : أيتها الممِّلة ! ..


شعرتْ بالدمِّ يغليْ فيْ عروقها فعلا إلا أنها حاولت الحفاظَ على أعصابها فلا وسيلة واحدة قد تنفع لمجابهة الشاب اللعنة الذيْ قام بلحاقها إلى ذات الجامعة فقط لإزعاجها ، زفرت بشيء من الغيظ قبل أن تخطف الكتاب من بين أصابعه وتصيحُ به بقليل من الحدَّة : النباتات لطيفة ومسليَّة فعلا أكثر من الأشخاصِ الذين لا يملكون الوقت سوى لإطلاقِ المزحات السخيفَّة سيد " جوليان " ..
لإزعاجها بقيَّ واقفا بالقربِ منها حتى أنه التقط أحد الكتب أمامه غير آبه بالعنوان فهو على أية حال لن يقرأه .. حرفيًا ، بقيَّ يتطلع إليها باستغرابْ فهيَّ حتى وعندما تكون تحادث أحدَّا ما وبين يديها كتابْ قد تُهمل المحادثة ذاتها وتنزوي لقراءته ، تشعره دوما بالسوء فلا مجال لمقارنة علاماته بعلاماتها حتى أن القسمَّ الذي تدرس به مرغوبٌ بشدة ولا يستطيعُ أيُّ أحد دخوله على خلاف حاله تماما ، دراسة مملة .. زملاء صفِّ مملين .. واجباتِّ صعبة .. هل هناكَ أًصعبُ من أن يُجبر نفسه على كل هذا يا ترى ؟! ..





عاد يزفرُ بمللْ قبلَ أنْ يدس كفه بجيبِ معطفه ويخرج دفتر مذكراتها قاصدَّا بذلك إعطاءه إيَّاها فيمَّ هتف بها بشيءِّ من البرود والكذبْ : لقد وجدته مرميَّا فيْ الساحة الخلفيَّة !
والترجمة الفعلية لكلماته هيَّ [ لقد قمت بسرقته من حقيبتك حينما كنتِ منشغلة في محادثة أحد زملائكِ ] ، لأنها تعلمُ بأنه يعرفُ دفتر مذكراتها الذيْ تكتبُ فيه دائما هيَّ لم تشك بالأمر فلطالما رآها تحتضنه بين ذراعيها تعامله وكأنه أعزُّ مقتنياتها وهو كذلك فعلا فكل صفحة فيه هيَّ بمثابة سرِّ لا ترغبُ لأحدِّ في اكتشافه ، لم تقمْ بأخذه ممَ جعله ينظر إليها بضجر قبلَ أن يهتف بها بإحباط : لا تبكِ فأنا لم أقرأ صفحة واحدة منه !
عقدت حاجبيها باستياء قبل أن تخطفه من يده هاتفة : لنِ أبكِ ومن ثمَّ لا تنتظر شكريْ لأنك استطعتَ إيجاده ليْ !


لم يقمْ بالردِّ عليها فكل ما فعله هوَّ أنه حدَجها بتضجر قبلَ أن يعيد الكتابَ إلى مكانه ويستدير يقصدُ بذلك الذهابَ إلى أبعد نقطة عن مكانها ، زفرت بقليل من العمق ثمَّ سارعت في فحصِّ المذكرات بين أصابعها لا يوجد شيء يدل على أنه قام بقراءتها فكما فقدتها سليمة هو قام بإرجاعها كذلك ، قامت باستعارة الكتاب الشيِّق الذي كانت تقرأه قبل لحظات على أن ترجعه في صباح اليوم التاليْ بعدها قررت العودة سريعا إلى المنزلْ فالطقسُ لا يبدو بحالة جيدة ويبدو بأن السماء على موعد مع البكاء اليومْ ! ..






هل هيَّ دقات عقاربُ الساعة أمْ هي نبضات قلبه التيْ جعلته يفكرُ بأن هذا اليومْ سيكونُ مختلفا عن البقيَّة ، ما زالت أصابعه الصغيرة تقبضُ على أطراف قميصه وكأنه يحاول الدخولَ فيْ الجدار خلفه من كثرة التصاقه به ، ذلك الألمُ الفظيع في صدره بدأ يتفاقمْ حتى أنْ عتمة المكان لمْ تعد تعنيْ له شيئا بالرغم من أنَّ الظلام هو الشيءُ الوحيد الذي لا يستطيع أن يتباهى بشجاعته في المكوث فيه أمام زملائه ، أغمض عينيه بقوَّة حينما التقطت مسامعه صوتُ الخطواتِ القادمة نحو الغرفة التيْ اعتقد بأنها آمنه وذلك الشخصْ لن يفكر في إمكانية وجوده فيها ، حالما فُتح البابْ تجمدت الدماء في عروقه بينما رُفعت ذراعيه لتُّحيطَ برأسه ، فهو يعلمُ تماما بأن ما عايشه قبل ثوان ليسَّ بالرعبِ الحقيقي فهو سيبدأ الآن ! ..
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag
رد مع اقتباس