عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 03-27-2016, 09:30 PM
 


الوقتُ ليس مناسبًا البتَّة ، انحنتْ بسرعة لتلتقطَ الزجاجَ المهشمَّ على الأرضْ ذاك الذي كان قبل دقائقَ معدودة فقطْ كأسًا ، بدأت تجمعُ تلك القطعْ في راحة كفها ولمْ تنتبه نحوَ ذلك الخدشِ البسيطِ إلا عندما رأت القليل من اللون الأحمر على الزجاج ، نظرت نحو اصبعها تندبُ حظها ، جرحٌ وحرقْ ! حُبَّا بالله ، عليها أن تنتبه أكثر ! ، قامت أخيرا برميِّ تلك القطع المهشمة في القمامة ، توقفت قليلا تنظر نحوَ الساعة المعلَّقة على الحائطْ ، تساءلت بصوت عالِّ إن كان أولئك الاثنان قد وصلا أم لا ! ، ضمَّت شفتيها باستياء فهيَّ كانت ترغبُ ببقائهما أكثر ، تفطنتْ أخيرا لأمر ذلك الجرح الذي بدأ يؤلمها ، توجهت نحوَ الطابق العلويْ باحثة عن لاصق موجود فيْ درج المنضدة .. ربما ! ..






شيءٌ كرؤوسِ سهام حادة تغرسُ أسنانها الحادة في أجزاء جسديْ منذ مدة ، الألمُ بدأ يفتكُ بيْ حتى شعرتُ به يتغلغل بخجلِ إلى داخلي ، لستُ أملك القوَّة للمقاومة ولستُ أملك القوَّة حتى فيْ تحريكِ عضلة واحدة ، لا أدريْ كم مضى على بقائيْ فاقدة للوعي ، ساعة ربما ، أو ربما أقلْ بل أكثر ، لا أدريْ ، لمْ تكن الأرضية صلبة كفاية لتحطيم جمجمتيْ إلا أنها أشبعت جسديْ ألما قويًا جعلنيْ عاجزة عن الحراك إذ أننيْ لوهلة شعرتُ بأننيْ لا أستطيع التحكم بقدميْ ، هل فقدت القدرة على السير ؟ ، أعتقد بأني نجوتُ بأعجوبة كما يقولون ! ..


هنالكَ شيءٌ دافئ ينسابُ على بشرتيْ ، أشعر به يتدفق من داخلي ، يرسم خطوطا قانية على ملابسي ، متلفة للقميص الذي أعطاني إياه والدي ، إنها آخر هدية منه بمناسبة بلوغي التاسعة عشرة ، أرجُوك ابقى نظيفا لن أهنأ بلحظة واحدة إن رآه والدي بهذه الحالة ! ، هل سيقول بأني فرطت بهديته يا ترى ! ، هل ما يزالُ ينتظرنيْ هناك ! ، ربما سيسأمُ من الانتظار وسيصفنيْ قائلا بأننيْ عديمة المسؤولية ، لن أسمح له بقولِ ذلك عنيْ مجددا ، ربما هو الآن يطرق الأرض بقدمه منتظرا وينظر إلى ساعة معصمه يحسبُ الدقائق منزعجا ! ، بمعجزة غريبة وبصعوبة كبيرة استطعت أن أنقلب لأسفل ، بدأت ذراعاي تتخبطان على الأرض أحاول الوصول إلى المكان السابق ، أرغب في رؤية والدي ، لأول مرة أحِسُّ بذلك الشعور الغريب في داخلي ، إنني أفتقده بشدة الآن ، لكم شعرتُ بألم قوي في قدميْ رغمَ أننيْ لم أكن أمشيْ فذراعايْ قد قامت بمكانهما ، بدأت أشعر بالقليل من التعبْ فذلك المنحدر لا يساعدنيْ على التقدم أكثر ، مالذي بوسعيْ فعله يا ترى ! ، هل سينتظرنيْ أكثر من ذلكْ ! ، التقطتْ أنفاسيْ بصعوبة عندما شعرتُ بألم يتفاقمُ في صدريْ ، وصداع قويْ داهمَ رأسيْ ، لم أعد قادرة على الرؤية جيدًا إلا أنني ْاستطعتُ أن أشتم رائحة غريبة ، هنالك رائحة مريبة وتبدو قريبة جدًا ، إنها تبدو لشيءْ .. يحترقْ ، أغمضتُ عينيَّ بقوة علنيْ أستطيعُ أن أستعيد القليل من إدراكيْ ، لحسن حظيْ وبعد محاولات شتى بدأت أستطيع الرؤية قليلا واستلهمتنيْ شجاعة غريبة حفزتنيْ على التقدم أكثر ، إذ أننيْ بدأت أتخبطُ بذراعايْ مرة أخرى على الأخرى ! ..



تقدميْ " لوسيانا " ليسَ الأمر وكأنك ستموتين الآن ، ليسَ الأمر وكأنكِ لا تستطيعين الحركة فعلا ، ألا ترغبينَ في العودة إلى العاصمة ؟ شعرتُ باستجابة جسديْ إذ أننيْ استطعتُ الزحفُ بسرعة أكبر، أريد أن أصل إلى هناك ، أريد ن أكف عن خلق تلك الأوهام المستحيلة في رأسيْ ، هل والديْ بخير ! مالذيْ حلَّ به ! هل استطاع النجاة يا ترى ؟ ..

دوار ، أجل لا أستطيع رؤية إلا السواد ، لوهلة ظننت بأننيْ أصًبت بالعمى لولا انقضاء تلك الثوانِ القاتمة التيْ ومن بعدها استطعتُ أن أبصر خيوطَ الشمسَ التيْ لفتنيْ بتحنان علَّها تمدنيْ باليسير من القوَّة ، أدرتُ بصري يمينا ويسارا إنه ذاتُ المكان ، اتكأتُ على جذع أحدهم حتى استطعتُ الجلوسَ بصعوبة قريبا من أحد الأشجار ، ماهيَ إلا ثانية واحدة حتى شعرتُ وكخنجر حاد يُغرسُ بقوَّة فيْ صدريْ !، رفعتُ كفِّيْ المرتجفة بضعف وضغطتُ على قلبيْ بقوَّة كبيرة أرتجيه ، لمْ أستطع منع نفسيْ من الانكسار حينها ، أجهشتُ بالبكاء وصرتُ غير قادرة على استيعابِ أيِّ شيءِّ أبدًا ، شعرتُ بأننيْ أموتُ حقا حينها ، بدأت ألتقطُ الكثير من الأنفاسَ محاولة بذلك استرداد القليل من قوتيْ ، عدتُ أتقدمُ نحو ذلك المكانْ ، بقوة أكبر ، بسرعة أكثر ، يجبُ عليْ أن أطمئن على والديْ أولاً ! ..






استطعتُ رؤية الدخانِ المنبعثِ من مكان قريبْ ، ذاته الذيْ أقتربُ منه الآن ، كصدمة قوية لم أستطع تجاوزها حال رؤيتيْ للسيارة منقلبة رأسا على عقبْ تتطاير ألسن اللهبِ منها فيمَ لا تزال عجلاتها تدور بنجدة وكأنها تنويْ الهربَ من الحرارة التيْ باتت تتآكلها ، أنزلت بصريْ لأسفلْ حيثُ استطعتُ رؤية المجلات التيْ اندفعت إلى الخارج وتلوثُ أغلفتها بالرماد والتراب بالإضافة إلى سلَّة الطعام ، كلُ الأغراضِ كانت متناثرة على الأرضِ حينها ! ، كل شيءِّ استطعتُ رؤيته ! لم أكن أعنيْ بكلمة " كل " الشموليَّة تماما ! ، أين والديْ ؟! ..

بحثت عنه بعيني علني أستطيع لمحه لكنني لم أستطع ، كدتُ أنْ أجن حالما اعتقدت بأنه لا يزال حبيس ألسنة اللهبْ والأبواب الموصدة داخل السيارة الملتهبَّة ، تعقَّليْ " لوسيانا " ، لعنة التجميدِ تلك باتت تحاصر جسدي ومنعتنيْ عن الحراك ، لاشيءَ أستطيع فعله سوى تأمل هذا الدخان وندبَ حظيْ السيءْ ، لازلتُ أشعر بتلكَ القطراتِ الدافئة ترسم خطوطا لامعة على كلتا وجنتَّيْ ، تلك الأفكار والهواجس المخيفة عادت تهاجمُ رأسيْ حينها إذ أنني بدأت أشعر بالضيق والانزعاج ، الكثير من الخوف والقلق ، لم أرتعب في حياتي هكذا من قبل ! ، بعد ثوان مخيفة أطلقت صرخة متأوهة حالما شعرت بتلك الأصابع الغليظة تحكم القبض على ذراعي فيم وبأصابعه الأخرى شدَّ على خصلات شعريْ حتى أحسستُ بها ستُقتلع من جذورها ، جذبني للأعلى بقوة مجبرا إياي على الوقوف وليته لم يفعل ، وقعت في كثير من المرات إذ أنني حقا كنت لا أستطيع الإحساس بقدمي ، استطعتُ سماع صوته الخشن قبل أن أتمكن من رؤية ملامح وجهه : يبدو وبأنها استطاعت النجاة بمعجزة ، ما عسانا نفعلُ بها ؟!

جبهةُ عريضة وعينين حادتينْ فيمَ تختفي ملامح وجهه بقطعة قماشِ سوداءْ وقبعة كذلك ، يتدثر جسده بمعطف من الصوفْ ، ظهر ذلك الجسدُ المثقلِ بالدهون من خلفه حيث تكوَّر جسده خلف ملابس مشابهة لملابس صاحبه كذلك يغطيْ وجهه بقماش وقبعة ، شعرتً بنظراته الحادة تتفحصنيْ قبل أن يدير رأسه صوب السيارة قليلا ، عاد ينظر نحويْ مرة أخرى هاتفا : ما نفعله دائما ، لنذهبْ ! ..

مالذي يعنيه ؟ ، أعلمُ بأننيْ لست في وضعِّ يسمح ليْ باستيعابِ أيِّ شيءِّ الآن ولكننيْ شعرت بالخوفِ عند سماع حروف جملته الأخيرة ، ما يفعلونه دائما ! ، يا إلهي .. دوَّار مؤلمْ ، لستُ أقوى حتى على الحركة أو المقاومة ، جسديْ خائر كما أنيْ بدأت أشعر بثقل رأسيْ ، لا أستطيع أن أفعل شيء أشعر وكأن وعيي سيُسلبُ مني بعد لحظات ، بدأت أنفاسي تتهجد بخشية فيمَ تلونت ملامح وجهي قلقا وشعرت بالدمِ يغليْ في جسديْ ، ليس الأمر وكأنني سأكون قويَّة أمامَ قاطعيْ طرقْ سجلاتهما قد تكون مليئة بالسوابق الإجرامية ، ابتلعت ريقي بصعوبة حالما استدار الرجل أماميْ وأحكم الآخر قبضتيه على ذراعي بقوة خشية مقاومتي ، لم تمر إلا عدَّة من الثوان بتُّ فيها أتحرك كهرَّة مختنقة إلا أنه أمسك بخصلات شعريْ بقسوة وأجبرنيْ على انتشال تلك الرائحة المخدِّرة المحشورة داخل ذلك المنديلْ بعدها فقدتُ القدرة على الإحساسِ بأيِّ شيءْ ..






الإحساس بالخوفْ والخشيَّة لهما القدرة عل قلبِ حياتك رأسا على عقبْ ، كالغريق الذي يبحث عن حبلِ رُمي إليه علَّه يفلتُ بأنفاسه المختنقة ، وكبدايَّة لم أحسبْ لها حسبان ظننت بأن نهايتي عند ذلك الحد أًصبتُ بالعجز وكذلك بالضعفْ لستُ أدريْ أيُّ نوعٍ من المواقف سأواجه ؟ ماذا بعد استيقاظي ! ... هل سأكون قادرة على فتح عينيْ أصلا ؟ ..





لا يزال ذلك الألم البغيض يفتك بعظامي متناسيا أمر الجروح التي علت بشرتيْ مم جعل الشعور بالتعب والمرض أضعافا مضاعفة ، أيقنت حينها بأنني على مقربة خطوة واحدة من الموت فعدا الألم الذي أشعر به قلبي لم يهدأ عن الخفقان منذ أن فتحت عيني قبل نصف ساعة ، قيود من الحبال تحيطُ بمعصمَّي المثبتين خلف ظهريْ كذلك مثلها تحيطان بقدمي ولمنعي من الصراخ أو طلب النجدة شعرت بذلك الشريط اللاصقْ الذيْ ثُبت على شفتيْ المكبلتين ..

وجدت نفسيْ حينها بأنيْ مرمية فيْ صندوق السيارة المغلقْ إذ أنني شعرت بحاجة ماسة إلى الهواء ، المكان ذو رائحة نتنة و أيضا لا أثر لنقطة ضوء خافتة ، سرعان ما اكتشفت مصدر الرائحة حينما أدرت رأسيْ للأعلى لأرى حقيبة سوداءْ ظهرت من خلالها قنينة ملفوفة ، بعد توقف السيارة أمسك ذلك الرجلْ بذراعي وسحبني إلى الخارج بعنف وبطريقته الفطنة اختار موقفًا بعيدا بعض الشيءْ عن مرأى الناسْ ساعده ذلك الآخر بنزع الحبال عنيْ وكذلك الشريط اللاصقْ ، قام أحدهم بإجباري على ارتداء معطفٍ كان كبيرا علي وذلك لإخفاء ملابسي الملطخة ، بعد ذلك قام بتغطية رأسي بقبعة كانت متصلة بالمعطف ! ، لم أكد أتنفسُ الحرية حتى عاد أحدهم ليمسك بذراعيْ بقوة فيمَ جرني خلفه نحوَّ مكان بدأت معالمه تتوضح لديْ ، لقد رأيته مسبقا ، أنا أعلم هذا المكان ، أيقنت أينَ نحن حالما سمعُت صوتَ تلك الموظفة من خلال مكبرات الصوتِ المعلَّقة على الأعمدة في المحطة وقد كانت تقولْ ..

[ القطار المتوجه إلى باريس سيأتيْ في غضونِ عشر دقائقْ ، نشكرُ لكمْ حسنَ انتظاركم وتعانكمْ ..
أُكرر القطار المتوجه إلى باريس سيكون هنا خلال عشر دقائق نرجو منكم الاستعداد
] ..
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag
رد مع اقتباس