عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-03-2016, 06:55 PM
 
سيدُّنا عليٍ عليهِ السَّلام -9 !!

سيدُّنا عليٍ عليهِ السَّلام - 9
سيرة
سيدّنا عليٍّ بن أبي طالبٍ عليهِ السَّلام
مِنْ دروسٍ
لفضيلةِ الدكتور : محمد راتب النابلسي
حفظه الله تعالى وبارك فيه وبارك في علمه وعمره آمين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ , والصَّلاة والسَّلام على سيدِّنا مُحمَّدٍ الصَّادقِ الوعدِ الأمينِ , اللهمَّ لا علمَ لنا ، إلا ما علمتنا ، إنكَ أنتَ العليم الحكيم , اللهمَّ علمنا ما ينفعنا , وانفعنا بما علمتنا , وزدنا علماً , وأرنا الحقّ حقّاً , وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه , واجعلنا مِمَنْ يستمعونَ القول فيتبعونَ أحسنهُ , وأدخلنا برحمتكَ في عبادكَ الصَّالحينَ .
الترغيب والترهيب اللذان إعتمد هذا الصحابي الجليل عليهما في هذه النصيحة :
قال الإمام عليّ رضي الله عنه : " فاحذروا منْ الله ، ما حذَّركم منْ نفسه ، فإنه حذَّر ـ فبأسه شديد ، واعملوا ، منْ غير رياءٍ ولا سمعة ، فإنَّ مَنْ عمل لغير الله ، وكَّله الله إلى ما عمل ، ومَنْ عمل مخلصاً له ، تولاَّه الله ، أعطاه فضل نيته ، أشفقوا من عذاب الله ، فإنه لن يخلقكم عبثاً , ولم يترك شيئاً ، من أمركم سُدى ، وقد سمَّى آثاركم ، وعلم أسراركم ، وأحصى أعمالكم ، وكتب آجالكم ، فلا تغرنكم الدنيا ، فإنّها غرارةٌ لأهلّها ، والمغرور ، مَنْ اغتر بها " .
فإنسان : أنشأ دورَ اللهو ، فيها كلّ المُوبقات ، وما إنْ افتُتِحتْ ، حتى جاء أجله بعد أسبوعين ، وانقضت حياته ، وأصبح رهن عمله السَّيء ، وكلّ ما يجري في هذه الدور ، من مُوبقات إلى يوم القيامة ، في صحيفة أعماله السَّيئة ، لذلك أخطر عملٍ ، هو العمل ، الذي تتجدد آثامه ، بعد موت صاحبه ، واعظم عملٍ ، هو العمل ، الذي تتجدد خيراته ، بعد موت صاحبه .
يقول هذا الإمام الكريم : " ألا إنّكم ملاقو القوم غداً ، فأطيلوا الليل ، وأكثروا تلاوة القرآن ، وسَلُوا الله الصبر والعفو والعافية " , والنَّبيُّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، كان إذا حزبه أمرٌ ، بادر إلى الصَّلاة ، وكلّ واحد منا ، إذا أقدم على عمل خطير ، على عمل مصيري ، فلْيكثِرْ منْ ذكر الله والصَّلاة ، وعليه أنْ يسارع إلى الصَّلاة ، كي يتولاه الله عزَّ وجلَّ.
قيد الإيمان الفتك لا يفتك مؤمن :
قال بعض كتاب السيرة : " لو شاء ، هذا الإمام الجليل ، لكان داهيةً لا يشقُّ له غبار " ، فالإنسان ، قد يؤتيه الله ، عقلاً راجحًا ، والعقل الرَّاجح المتألق ، يعينه على أنْ ، يكون داهيةً .
وقال أحد مُحللي سيرة : عنْ سيدِّنا عليّ : " لو شاء ، هذا الإمام الجليل ، لكان داهيةً ، لا يشقُّ له غبار ، فحدّة ذكائه ، واتقاد بصيرته ، يعطيانه منْ الدّهاء ، ما يريد ، ولكنْ تخلَّى ، عنْ كلّ مواهب الرَّجل الداهية ، وأحلَّ مكانها ، مواهب الرَّجل الورع " .
ألا تجد ، مؤمنٌ ذكيًا جداً ، يقدر أنْ يخرب بلد ، لكن ما الذي يمنعه ؟ إيمانه ، الإيمان قيد ، فالإيمان قيَّدَ الإنسان ، عن كثيرٍ ، من هوى نفسه ، وقد ترى إنسانًا ، منْ أهلِّ الفساد والضلال والدنيا ، وصل ، إلى مكان عالي جداً ، عن طريق اتِّقاد ذكائه ، واحتياله ، ودهائه ، ودخوله ، وخروجه ، وأساليبه ، ومجاملاته ، والمؤمن ، قد يكون ، أذكى منه ، ولو سلك سبيله ، أو تقمص سريرته ، لكان أعلى منه ، لكنَّ المؤمن ، إذا كان موقعُه ، أقلَّ من أهلّ الدنيا ، فليس لأنه أقل ذكاءً منهم ، لا ، بل أكثر ورعاً .
أحياناً : الإنسان ، يسترضي شخصًا عظيمًا ، بزوجته ، في سهرة ، لكنَّ المؤمن ، يقف عند مليون قيد وقيد ، فلا تسمح له قيمُه ، ولا مبادئه ، ولا أهدافه النبيلة ، أنْ يفرِّط قِيدَ أنملة بمقدساته .
مرَّة أحدّ أخواننا المُحامين ، حدثني بحديث ، ترك في نفسي ، أثراً بالغًا ، قال لي : جاءني رجل ، يريد أنْ يوكِّل محاميًا ، وله قضية ، وصدر قانون عفوي ، فقلتُ له مخَلِّصاً : يا أخي ، قضيتك لا تحتاج إلى محامي ، اذهب إلى القاضي ، وقدِّم استدعاءً ، وينالك العفو ، منْ دون أي شيء ، فذهب هذا الرجل ، نفسُه إلى محامٍ آخر ، وقال له : هذا الأول ــ لا يفهم شيئاً ، أوهمه ، أنه أمامَ مشكلة كبيرة خطيرة ، فدفع له أول دفعة : عشرين ألف ليرة ، فقلتُ له : واللهِ ، هذا وسامُ شرفٍ لك ، فالثاني ذكيٌّ ، أوهم هذا الموكل ، أنِّ الأمر خطير ، وقد يتعرَّض ، إلى سجن وغرر به ، لكنِّ الأول ، هل كان أقلَّ ذكاءً منه ؟ لا ، والله ، فما الذي قيده ؟ دينه .
فأحياناً يا أخوان ، إذا فاتك مكسب ، في الدنيا كبير : لأنك ورع ، فَفَوْتُ هذا الشيء ، وسامُ شرفٍ لك ، وأهلّ الدنيا ، وإنْ تفوقوا ، في دنياهم بطرقٍ ملتويةٍ ، وبأساليب لا ترضي الله عزَّ وجلَّ ، فتفوُّقهم ، في دنياهم وصمةُ عارٍ لهم ، أرجو أنْ أكون ، قد وفّيتُ هذه النقطة حقّها .

مُقدّمة عامة :
أيها الأخوة : مع الدرس الثالث ، منْ سيرة الصَّحابي الجليل : سيدّنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد بينتُ لكم ، أنَّ الخلفاء الراشدين ــ هؤلاء قممٌ شامخةٌ ، من الصَّحابة الكرام .
فعَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَاةَ الْفَجْرِ ، ثُمَّ وَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ !! فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ؟؟؟ فَأَوْصِنَا ، فَقَالَ : " أُوصِيكُمْ : بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا !!! فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي ، فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي ، وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ " . (أخرجه أبو داود في سننه ).
إذًا: فهؤلاء الصَّحابة الأربعة ، الذين ذكرهم النَّبيّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، يمكنْ ، أنْ نقتدي بهم ، في كلّ أفعالهم وأقوالهم .
ماذا تعني كلمة رجل في القرآن ؟
تحدثنا ، عنْ سيدّنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ـ في الدرس الماضي منْ زاوية علمه ونشأته ، واليوم نتحدث عنه ، منْ زاوية رجولته وبطولته ، ولا تنسوا : أنَّ كلمة رجل ، في القرآن الكريم ، في أكثر الآيات ـــ لا تعني أنه ذكر : بل تعني ــ أنه بطلٌ , قال تعالى :
﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ( سورة النور الآية : 37 ).
أي : إنهم أبطال ، وسيدّنا سعد رضي الله عنه يقول : " ثلاثةٌ أنا فيهنَّ رجلٌ ، وفيما سوى ذلك ، فأنا واحدٌ منْ الناس " .
قد اشتقت ، منْ كلمة رجل : الرجولة ، والرجولة :هي البطولة .
إذًا : الدُّنيا كلّها ، من أجل العمل الصَّالح ، والعلماء : فسروا العمل الصَّالح , ما تصلح به الدُّنيا والآخرة , قال تعالى : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ( سورة المائدة الآية : 2 ).
البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة ، يصلح به الفرد والمجتمع ، فربّنا عزّ وجلَّ ، قرن العملَ الصالح ، في القرآن الكريم ، مع الإيمان ، في سبعين آية .
يتبع رجاءاً
جمعها مع التنسيق
عبد الله الراجي لعفوه ورضاه تعالى
رد مع اقتباس