الموضوع: البيت الاسود
عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 12-28-2015, 06:50 PM
oud
 
الفصل ١٢




الفصل الثاني عشر والأخير



مرت لحظات صمت.. مصعب جامد لا يتحرك.. هيثم ينظر في حيرة وقلق... سحر تبكي بهدوء..
كان هناك قلب ينبض بالقهر والغضب والإحباط.. كان قلب مصعب.. ومن دون سابق إنذار، وعلى غير توقع من الجميع، أمسك مصعب بيد سحر وجرها بعنف إلى المطبخ، أخذت سحر تصرخ:

- مصعب انتظر اترك يدي..
لحق هيثم بهما.. رأى مصعب يرمي سحر في فتحة القبو ثم ينزل خلفها.. فتبعه.. لم يسبق أن رأى صديقه غاضبا إلى هذا الحد..

رمى مصعب بسحر في القفص الحديدي في القبو وأقفل عليها بالمفتاح الذي لم يفارقه منذ حادثة الاسطبل والفرس..
كانت تصرخ بشكل هستيري:

- مصعب لا تفعل.. افتح الباب.. هيثم ساعدني افتح الباب.. هيثم..

كانت سحر تتحدث برعب حقيقي..
فقال هيثم بدهشة:
- لماذا تفعل هذا يا مصعب؟!!..
- لماذا؟ أحقا؟!! حتى الآن لم تفهم يا هيثم لماذا؟..
- ألا تراها تصرخ خائفة افتح الباب فورا!!..
- لقد سئمت من تعاطفك معها يا هيثم.. كفى.. كفى انخداعا بهذه الصورة الكاذبة.. إنها منظر جميل من الخارج فقط.. لكنها قبيحة كل القبح في داخلها.. حتى الآن لم تفهم يا هيثم..

أجاب هيثم بغضب:
- لست غبيا ولا متعاطفا، إنني فـ..

قاطعه مصعب صارخا:
- أنت مفتون بجمالها وحسب.. مأخوذ بسحرها وابتسامتها منذ البداية..
- سبحان الله!! من هو المفتون منا.. عندما كنت أريد التفاهم معها على مبلغ الإيجار صارحتني بما قلت لها.. ألم تطلب منها الزواج والتخلص مني؟ .. ألم تكن أنت المفتون والمسحور يا مصعب؟!!..
- أرأيت؟!! ها هي ذي خدعتك مرة أخرى ووضعت في ذهنك عكس الحقيقة..
- الحقيقة أنك صرت تبغضني منذ رأيتها..
- هيثم ألا تفكر؟.. أنسيت كيس المال والفرس الذيَن تشاجرنا بسببهما؟ لقد كانت هي السبب.. كانت تريد أن نتعارك.. ألا تذكر؟

لكنْ هيثم لم يكن يستمع، مد يده بغضب وقال:
- هات.. هات المفتاح سأخرجها أنا.. مصعب هات المفتاح..

هز مصعب رأسه نفيا وهو يقول:
- لن أفعل، لن أدعك تخرج هذا الشيطان من مكانه الذي يجب أن يكون فيه، ما أدراك أن هذا القفص وضع لهذه الشيطانة في الأصل.. انظر.. انظر إليها كيف ترتعش من الخوف.. لماذا تفعل ذلك الآن بينما كل ما كانت تبذله من مجهود ابتسامة قذرة متشفية..
- مصعب هات المفتاح لن أتركها خائفة.. هات..

وانقض هيثم على صديقه يريد انتزاع المفتاح، بينما كانت سحر تقول:
- بسرعة يا هيثم أخرجني.. خذ منه المفتاح أرجوك..

قال مصعب وهو يلهث:
- أسمعت.. كل اهتمامها في الخروج حتى لو قتل أحدنا الآخر.. هيثم اسمعني.. من كان سبب الكوارث التي حدثت في هذا البيت؟ الطمع؟.. الحقد؟.. الكراهية؟.. إن هذه الفتاة وراء كل شيء منذ البداية.. لا تـ...

لكن أسكتته لكمة قوية من هيثم الذي انتزع المفتاح أخيرا:
- لم أكن أريد ضربك..

قال هيثم ذلك وهو يلهث، بينما تمدد مصعب على الأرض ولم يتكلم، كان متفاجئا..
- لم أكن أظن أنني سأضربك يوما.. لماذا جعلتني أفعل هذا؟..

نهض مصعب على قدميه ينظر إلى صديقه بوجه يسيل من فكه الدم بهدوء..

- لماذا يا مصعب؟.. ليس من الضروري أن تشرح لي.. ليس من المهم أن أعرف..

جاء صوت سحر من جديد..
- هيثم أخرجني بسرعة.. لا تدعه يسترجع المفتاح منك.. أرجوك.. هيثم..

لكن هيثم لم يستمع، أخذ يتكلم بصوت مبحوح..
- عندما تقول هي السبب.. عندما تريدني أن أدرك الحقيقة.. حين تتهمني بأنني مأخوذ .. مسحور.. متعاطف.. أ هذا كل ما يمكنك أن تقول؟!! ألم يحوي قاموس كلماتك الرائعة غير هذه التفاهات..

كان هيثم يصرخ.. بينما مصعب يحدق فيه بدهشة.. لأن دموع هيثم لم تتوقف... إنها المرة الأولى التي يراه فيها يبكي..

تابع هيثم:
- تمنيت لو أنك من ضربني وليس العكس.. تمنيت لو قلت لي أعرف أنك لن تصدقها يا هيثم، تمنيت لو كنت واثقا بي.. بتفكيري.. لكنك لم تر غير جاذبيتها.. رأيتني مشدودا إليها.. فقط؟.. أهذا كل ما رأيت؟.. تريدني أن أعترف أنها جميلة؟ سأفعل.. تريدني ان أعترف أنني غرت منك حين ادعت انك معجب بها؟.. سأفعل.. تريدني أن أعترف بأنني رغبت بامتلاك الفرس.. المال.. الزوجة.. البيت كله.. الدنيا كلها؟.. سأفعل.. لكن.. لا تشك بأنني أصدقك..

- هيثم أنا..
- اصمت.. إذا كنت ستتابع اتهاماتك لي فلتصمت..

مرت فترة صمت لا يقطعها غير توسلات سحر وبكائها..
بعد لحظات.. سُمع صوت المفتاح ساقطا على الأرض..


***

بعد عدة أيام، انتشرت في القرية شائعات جديدة عن البيت الأسود الحزين.. فقد أخذ الناس يسمعون صوت امرأة تبكي بعد منتصف الليل..
عندما رحل مصعب وهيثم، لم يسكن البيت أحد من ذلك الحين.
__________________