الموضوع: البيت الاسود
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-28-2015, 06:41 PM
oud
 
البيت الحزين (1)




الفصل الأول



شاهد أهل القرية أضواء ذات ليلة في البيت الحزين، فعرفوا أن عائلة جديدة قد أقامت أخيرا في ذلك البيت الموحش، فذهب جمعٌ من أهل القرية لتحذير ساكنيه الذين هم- بلا شك- لا يعرفون سر المنزل المخيف..
فتح الباب شابٌ في الخامسة والعشرين، أنيق الملابس، فسلموا عليه وقالوا:
- أيها السيد أ...
فقال:
- اسمي مصعب أيها السادة الكرام..
قال هذا.. ودعاهم إلى الدخول لكنهم رفضوا بشكل أثار عجبه ودهشته ثم قال أحدهم:
- أهلا بكم في قريتنا، إننا لاحظنا أنكم تقيمون في هذا البيت بعد أن ظل مغلقا مدة سبع سنوات..
- هذا صحيح، أقيم فيه مع صديقي هيثم.. لقد أتينا من مدينة منخفضة قرب النهر تسببت السيول والفيضانات الجارفة في فقداننا الغرفة الصغيرة التي كنا نستأجرها في منزل متهالك كنا نقيم فيه.. فأخذنا نبحث عن مأوى وعمل.. لكن الحظ لم يحالفنا في العاصمة مدة سنتين.. ثم وقع اختيارنا على هذا المنزل لأنه واسع ومريح وزهيد الأجر.. أرجو أن نجد في قريتكم عملا يناسبنا أيضا..
- على الرحب والسعة.. والبيت كما تقول حقا.. لكنه موحش و..
فقاطعه مصعب قائلا:
- تقصد بسبب المآسي والكوارث التي حدثت لكل من أقام فيه؟..
قالوا بصوت واحد:
- إذن أنت تعرف؟
- نعم وصديقي هيثم يعرف أيضا.. لكننا لا نخاف من شيء مثل هذا.. وما حدث لأولئك الأشخاص كان قضاء وقدرا، وما يقضي به الله نحن راضيان به إن شاء الله..
فقال له أكبرهم سناً:
- يا ولدي!! لا يأخذنكما غرور الشباب وحماسه، ويجعلكما غافلَين عما تخبئه الأيام، إن الأمر قَدَر كما تقول، لكن الله نهانا أن نلقي بأيدينا إلى التهلكة، فلا تبق مع صديقك في هذا البيت المشؤوم، وسوف تجدان بيتا أفضل منه بإذن الله..
فقال هيثم الذي ظهر في تلك اللحظة وسمع كلام الكهل:
- لا يا سيدي!.. إنني مع مصعب لقينا من المصاعب وخضنا من المغامرات والمفاجآت الشيء الكثير، ولا نبالي بالإقامة في بيت الأشباح إن لزم الأمر، فهو تحدٍ، وسنثبت لكما أن المنزل ليس هو سبب المشاكل فيما مضى من سنوات..
فترك الرجال الصديقين وشأنهما وقالوا لبعضهم:
- لقد حذرناهما وقمنا بما يجب علينا، وما على الرسول إلا البلاغ.
***

رشف هيثم رشفات متوالية من الشاي الساخن الذي أعده بنفسه ثم ابتسم وقال:
- ما اجمل هذا البيت، إنه مريح، وهذا الأثاث رائع أيضا، فهو يبدو جديدا..
فقال مصعب الذي كان يمد ساقيه على الأريكة:
- هذا صحيح، فآخر عائلة أقامت في هذا البيت أثثته بأفضل الأثاث وأغلاه ثم لم تُقم أكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر كما قيل لي.
- ما رأيك في قصة هذا البيت يا مصعب؟
- إن الناس في الريف قوم بسطاء، ويحبون الحديث في هذه الأمور ويخلقون الأساطير حول كل شيء نتيجة الفراغ الذي يعيشونه، فيجدون نوعا من التسلية..
فقاطعه هيثم:
- أي تسلية يا مصعب؟!! .. إن الكوارث التي حدثت لسكان المنزل حقيقية ومؤلمة، فهل كل ذلك مصادفة وقضاء وقدر؟..
- إنها ليست مصادفة، إنه القدر يا صديقي.
- هل تظن أن ماحدث لهم سيحدث لنا؟!!...
فضحك مصعب وقال:
- وهل أنت خائف يا هيثم؟
- الأمر ليس الخوف يا مصعب، لكن هو الحذر أيضاً، ربما كان السبب هو الجو هنا على سبيل المثال، فهذا المنزل يقع كما ترى على ربوة عالية، والجو يصبح باردا ورطبا في الأماكن المرتفعة، وقد يؤثر ذلك على الصحة فيصاب سكان المنزل بالأمراض أو الحمى القاتلة.. فما رأيك في هذا التفسير؟..
فعقد مصعب حاجبيه مفكرا، ثم قال بعد لحظة صمت:
- ربما يكون كلامك صحيحا، لكن إذا بحثنا في المسألة بالتفصيل، فإن تفسيرك هذا يكون مقنعا في حالة الطفلة الصغيرة ابنه عبد الله نعمان التي ماتت بالحمى، أو عادل عزيز الذي ابتلي بالهلوسة، فالحمى تؤثر على خلايا الدماغ كما يقال. لكن بالنسبة للعمى وخسارة الأموال والقتل وحوادث العربات والموت تحت حوافر الخيل.. هل سبب ذلك هو الجو البارد؟
فرد هيثم متنهدا:
- معك حق، إن الأمر عجيب جدا، لكن مضى على إقامتنا هنا أكثر من شهر ومع ذلك لم يحدث شيء..
فغمغم مصعب:
- نعم.. نعم... لن يحدث شيء بإذن الله.. لن يحدث إلا الخير..

***

أفاق مصعب ذات صباح بعد أن لمس شيءٌ ناعم له رائحة طيبه خدَّه الأيسر، فلما نظر حوله لم يجد أحدا، لكنه وجد على صدره باقة من الزهور الندية، فابتسم وتساءل:
- ترى ما هو تاريخ اليوم، نعم إنه الرابع والعشرين من يوليو، لكن لا توجد مناسبة لتقديم هذه الزهور، ترى ماذا يقصد هيثم بهذه الحركة اللطيفة؟..
***

كان هيثم قد أعد مائدة الإفطار، فلما نزل مصعب من غرفة نومه وجد هيثما يبتسم ويقول:
- ماذا يا مصعب؟ أيها الفتى الماكر!!.. تتصنع النوم!!..
فقال مصعب مندهشاً:
- أنا أتصنع النوم؟ لماذا؟
- حتى لا أعرف متى وضعتَ الزهور على سريري..
- ماذا؟ زهور؟ لكن ألستَ أنت من وضع الزهور على سريري؟
فرد هيثم رافعا حاجبيه:
- أنا؟!!.. على سريرك أنت؟ ماذا تقول؟
فصعدا إلى غرفتيهما وأحضر كل منهما باقته، فوجدا أن الباقتين متشابهتين تماما فنظر كل منهما إلى الآخر، ولم يستطيعا الكلام.. كانت مفاجأة..
***

في المساء قال هيثم:
- إنني إلى الآن أفكر في حادثة هذا الصباح، ترى من وضع باقتَي الزهور على سرير كل منا؟؟.. من الذي دخل البيت ولم نشعر به؟.. ولماذا فعل ما فعل؟!!..
فرد مصعب متثاقلا:
- كنت أعتقد أن ما سيحدث كارثة وليس زهورا لطيفة..
- لكن ربما كان هذا أول الغيث.
فاعتدل مصعب في جلسته وقال:
- ماذا تقصد يا هيثم؟
- إنني فعلا لا أدري!! لكن ربما حدث هذا الشيء نفسه لكل من سكن المنزل.
- هل تظن ذلك؟ لم يقل أحد شيئا كهذا من أهل القرية..
- لعلهم لا يعرفون.. نحن مثلا لم نخبر أحدا بما حدث، لأن ما حدث غير جدير باهتمام أحد من أهل القرية..
- اسمع يا هيثم، يجب أن نسهر هذه الليلة..
- لا .. الرأي عندي أن يسهر كل منا ليلة وينام الآخر، وفي الليلة التي تليها نتبادل الأدوار..
- نعم الرأي..
***

مضى على حادثة الزهور أسبوعان، ولم يلاحظ الصديقان شيئا رغم المراقبة الشديدة التي بذلاها. لكنهما أقلعا في النهاية حين لم يجدا نتيجة لها..
وفي يوم من الأيام.. جاء هيثم يركض إلى حديقة المنزل حيث كان مصعب يسقي الزهور التي يحبها ويعتني بها، فقال مصعب:
- مالك يا هيثم؟ تبدو مرتبكاً!!
- وجدت هذه الصرّة من المال تحت وسادتي.. أنت من وضعها؟
- كلا طبعا، لكن ما هذا المال؟
- إنها جنيهات من الذهب البراق.
- عجيب.. هل تعتقد أن تحت وسادتي صرة مثلها كما حدث مع الزهور؟
- لقد بحثت تحت وسادتك ولم أجد شيئاً..
- غريب!!.. لماذا تحدث كل هذه الأشياء؟
- لا أعرف.. لكن ما أنا على يقين منه هو أن في هذا المنزل شخص غيري وغيرك..
***
__________________