عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 12-21-2015, 01:58 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




- 24 -


عدنا إلى الكابوس ثانية. هذا ما خطر بالي بينما كنت و تافيرنر في السيارة خارجيْن
من لندن كما فعلنا في رحلتنا الأولى.

كان تافيرنر بين فترة و أخرى يخفف من توتره بالشتائم في حين كنت أكرر أنا من
وقت لآخر بغباء و دون فائدة: إذن فلم يكن بريندا و لورانس! لم يكن بريندا و
لورانس!

هل كنت حقاً أعتقد أنهما هما الفاعل؟ كنت سعيداً بهذا الاعتقاد لأنه يدفع عن الآخرين
الاحتمالات الأكثر شراً!

كانا يحبان بعضهما و كتبا رسائل عاطفية سخيفة، و أخذتهما الآمال بموت العجوز
قريباً بسلام و سعادة. لكن، هل كانا يرغبان موته حقاً؟ كنت أشعر أن الشوق و
القنوط في الحب غير السعيد أنسب لهما من الزواج. كنت أظن أن بريندا تتوق فقط
إلى حياة رومانسية، و لورانس أظنه يستمتع بالإحباط و أحلام المستقبل الغامض و
يفرح للسعادة الروحية أكثر من إشباع الغريزة الجسدية.

لقد أوقعهما الخوف في فخ فلم يكونا ذكيين في الخروج من هذا المأزق. إن لورانس
كان غبياً إذ لم يتلف رسائل بريندا، و أظن أن بريندا قد أتلفت رسائله لأن أحداً لم
يجدها. و لم يكن لورانس هو من وضع ساندة الباب الرخامية فوق باب غرفة
الغسيل، بل شخص آخر مازال يستر وجهه بقناع.

توقفت السيارة عند الباب. خرج تافيرنر و تبعته، و رأينا رجلاً قدّرت أنه من الشرطة
السرية في الصالة. حيا تافيرنر و جذبه تافيرنر إليه.

لفت انتباهي كومة من الأمتعة في الصالة عليها رقاع و قد رُزمتْ لتُحمل، و عندما
نظرت إليها نزلت كليمنسي عن الدرج و دخلت من الباب المفتوح أسفله. كانت تلبس
فستانها الأحمر و عليها معطف و قبة حمراء. قالت:

- لقد جئت في الوقت المناسب لتودعنا يا تشارلز.

- و هل انتما مسافران؟

- سنذهب إلى لندن الليلة. سوف تطير طائرتنا في وقت مبكر من صباح الغد.

كانت هادئة تبتسم و قد بدا الترقب في عينيها.

- لكنكما لا تستطيعان الذهاب الآن بالتأكيد؟

- و لم لا؟

كان صوتها قاسياً. قلت:

- من أجل هذه الوفاة...

- ليس لنا أية علاقة بوفاة ناني.

- ربما، لكن...

- لماذا تقول: ((ربما))؟ لا شأن لنا بالأمر. كنت أنا و روجر في الطابق الأعلى
نحزم أمتعتنا. لم ننزل لحظةً قطُّ ساعة تُرك الكاكاو على طاولة الصالة.


- هل يمكنك أن تثبتي ذلك؟

- أستطيع إثباته عن روجر، و روجر يستطيع إثباته عني.

- ألا شيء غير هذا؟ أنتما زوجان، تذكرا ذلك.

اشتعل غضبها.

- مستحيل يا تشارلز! إنني و روجر راحلان لكي نحيا حياتنا الخاصة. لماذا نسمّ
عجوز حمقاء لم تؤذِنا أبداً؟

- لعلكما لم تكونا تقصدان تسميمها هي.

- و نحن لا نسمم طفلة أيضاً.

- هذا يعتمد على الطفلة في الواقع، أليس كذلك؟

- ماذا تقصد؟

- جوزفين ليست طفلة عادية. إنها تعرف عن الناس كثيراً. إنها...

سكتّ. و ظهرت جوزفين من الباب تسير نحو غرفة الاستقبال تقضِم تفاحة و عيناها
تلمعان و خداها متوردان و هي فرحة فرحاً شديداً. قالت:

- لقد سُمّمتْ ناني مثل جدي... أمر مثير، أليس كذلك؟

سألتها بقوة:

- ألا يزعجك ذلك؟ ألم تكوني تحبينها؟

- قليلاً. كانت تزجرني دائماً و تثير الضجة.

سألتها كليمنسي:

- هل تحبين أحداً يا جوزفين؟

أدارت جوزفين عينيها الغوليتين نحو كليمنسي:

- أحب خالتي إيديث كثيراُ، و أحب يوستيس لكنه نذْل، لم يشاركني في اكتشاف الفاعل.

قلت: من الأفضل لك يا جوزفين أن تكفّي عن تحرياتك، فهذا عمل غير آمن!

- لا حاجة أن أتحرّى شيئاً منذ الآن. إني أعرف.

صمتنا لحظة. كانت عينا جوزفين ساكنتين لا تطرفان و مازالتا تنظران إلى كليمنسي.

و سمعت صوتاً كالشهيق فاستدرت إلى الخلف. كانت إيديث دي هافيلاند تقف في
وسط الدرج لكنها لم تكن صاحبة الشهيق، فقد جاء الصوت من وراء الباب الذي
جاءت منه جوزفين لتوها.

خطوت نحوه بخفة و فتحته بقوة فلم أر أحداً.
أصابني قلق شديد. كان بالباب شخص و سمع كلمات جوزفين هذه. عدت و أمسكت
جوزفين من ذراعها و هي تأكل تفاحتها و تحدق في كليمنسي بثبات. ظننت أن وراء
هدوئها رضىً خبيثاً. قلت:

- هيا يا جوزفين. سنذهب لنتحدث قليلاً.

أظن أن جوزفين تمنعت لكني لم اكنت أحتمل أي كلام تافه. أسرعت بها رغماً عنها
إلى الجناح الذي تسكن فيه، و أخذتها بقوة إلى غرفة صغيرة لا تستعمل حيث لن
يسمعنا أحد. أغلقت الباب بقوةو أجلستها على كرسي و أخذت كرسياً آخر و سحبته
للأمام حتى قابلتها، و قلت:

- و الآن يا جوزفين. ستصارحينني. ماذا تعرفين؟

- كثيراً جداً من الأمور.

- لا شك في هذا، فرأسك مليء بالأخبار المتصل منها بالقضية و غير المتصل، لكنك
تعلمين تماماً ما أقصده، أليس كذلك؟

- بلى، إني أعرف. لست غبية.

لم أدرِ إن كان هذا ذماً لي أم للشرطة لكني لم أكترث له. و قلت:

- هل تعرفين من وضع لك شيئاً في الكاكاو؟

أومأت جوزفين برأسها أنْ ((نعم)).

- و تعرفين من دسّ السم لجدك؟

أومأت أنْ ((نعم)) أيضاً.

- و تعرفين من ضربك في رأسك؟

أومأت أنْ ((نعم)) مرة ثالثة.

- إذن فستخبرينني بما تعرفينه، ستخبرينني بكل شيء... الآن.

- لن أفعل.

- يجب أن تفعلي. إن عليك أن تخبري الشرطة بكل معلومة لديك.

- لن أخبر الشرطة بشيء؛ لأنهم أغبياء يظنون أن بريندا هي القاتل أو لورانس، و
أنا لست غبية مثلهم. كنت أعلم تماماً أنهما لم يفعلاها. كانت لدي فكرة عن الفاعل
من البداية، ثم أجريت نوعاً من اختبار، و الآن أعرف أنني كنت على حق.

أنهت كلامها و فرحة الانتصار على وجهها.

دعوت الله أن يلهمني الصبر، و حدقت إليها ثانية:

- اسمعيني يا جوزفين: أظن أنك ذكية جدا... – بدت جوزفين مسرورة – ... لكنّ
ذكاءك لن ينفعك كثيراً إذا لم تستمتعي بالحقيقة. ألا ترين – أيتها الحمقاء – أن
كتمانك أسرارك بهذه الطريقة السخيفة يجعلك في خطر كبير؟

- بل أفهم ذلك بالطبع.

- لقد نجوتِ من الموت مرتين بأعجوبة. في المرة الأولى أوشكت أن تموتي، و في
المرة الثانية ضحى شخص آخر بحياته. ألن تفهمي أن التجول في البيت و الجهر
بأعلى صوتك أنك تعرفين مَن القاتل يهيء لمحاولة ثالثة فتموتي أو تموت نفس أخرى؟

قالت جوزفين بمتعة:

- في بعض القصص يُقتل الشخص تلو الآخر و تنتهي بالقبض على القاتل، لأنه،
أو لأنها الشخص الوحيد الذي بقي.

- هذه ليست قصةً بوليسية. هذا بيت ((ثري غابلز)) في سوينلي دين، و أنت فتاة
صغيرة حمقاء قرأتْ أكثر مما يفيد مصلحتها! سأجعلك تخبرينني بما تعرفينه لو تطلّب
الأمر استعمال القوة.

- أستطيع دائماً أن أخبرك بشيء غير صحيح.

- لكنك لن تفعلي. على أية حال فماذا تنتظرين؟

- إنك لا تفهم. لعلي لا أخبرك أبداً، فربما كنت أحب هذا الشخص.

و سكتت كأنها تريد أن أفهم مغزاها ثم قالت:

- لو أخبرتك فسأفعل هذا بطريقة صحيحة: أجمع الجميع فيجلسون حولي ثم أفصّل
الأمر كله مع الأدلة، ثم أقول على بغتة: ((و الفاعل هو أنت..)).

و أشارت بسبابتها بطريقة مثيرة إلى إيديث دي هافيلاند التي دخلت الغرفة و قالت:

- ضعي لب التفاحة في تلك السلة يا جوزفين، هل معك منديل؟ أرى أصابعك دبقة،
سآخذك في السيارة.

و قابلت عيناي عينيها بإشارة ذات دلالة. قالت:

- ستكونين آمنة و أنت خارج البيت في الساعة القادمة أو قريباً من ذلك.

أبدت جوزفين تمردها فقالت خالتها:

- سنذهب إلى لونغ بريدج و نشتري البوظة.

لمعت عينا جوزفين و قالت تخاطب خالتها:

- اثنتان؟

- ربما. اذهبي الآن و البسي قبعتك و معطفك و وشاحك الكحلي، فالطقس اليوم بارد.
الأفضل أن ترافقها يا تشارلز حتى تلبس ملابسها. لا تتركها، فلدي رسالتان أريد كتابتهما.

جلست إيديث على الطاولة و رافقتُ جوزفين خارج الغرفة. كنت آخشى خطراً وشيكاً
على الطفلة و قريباً منها!

و بعد أن تزينت جوزفين دخلت صوفيا فأذهلها حضوري:

- هل تحولت يا تشارلز إلى مربية أطفال؟ لم أعلم أنك هنا!

تباهت جوزفين و قالت:

- إني ذاهبة إلى لونغ بريدج مع خالتي إيديث. سنأكل البوظة.

- في يوم كهذا؟

- الوبظة دائماً لذيذة، و حين تأكلينها تشرعين بالدفء.

عبست صوفيا و أزعجني لونها الشاحب و الخطوط السوداء تحت عينيها بسب الارهاق.

و رجعنا ثانية حيث إيديث. كانت تكتب على ظرفين، و نهضت بخفة و قالت:

- الآن سننطلق. أخبرت إيفانز أن يحضر سيارة ((الفورد)).

- و تركزت عيناي ثانية على الحقائب و الملصقات الزرقاء عليها فأثارت في نفسي
قلقاً غامضاً.

كانت سيارة الفورد أمام البيت. لبست إيديث دي هافيلاند قفازها و نظرت إلى السماء:

- إنه يوم جميل! الجو بارد لكنه ينشط البدن... يوم خريفي إنكليزي حقيقي! الأشجار
تبدو جميلة بأغصانها العارية تحت السماء بينما تعلّقت بها ورقة ذهبية أو ورقتان!

صمتت قليلاً ثم التفت إلى صوفيا و قبّلتها. قالت:

- وداعاً يا عزيزتي. لا تقلقي كثيراً، يجب احتمال أمور معينة. هيا يا جوزفين.

و دخلت في السيارة تتبعها جوزفين. لّوحتا لنا بينما انطلقت السيارة. قلت:

- أعتقد أنها على حق، من الأفضل إبقاء جوزفين بعيدة فترة من الزمن، لكنّ علينا
أن نجعل تلك الطفلة تخبرنا بما تعرفه يا صوفيا.

- لعلها لا تعرف شيئاً... إنها تتباهى فقط. جوزفين تحب أن تجعل نفسها مهمة.

- الأمر أخطر من هذا, هل تعلمين ما هو السم الذي كان في الكاكاو؟

- يعتقدون أنه ديجيتالين. إن خالتي إيديث تتناولة الديجيتالين لقلبها، و في غرفتها
زجاجة مليئة منه و لكنها الآن فارغة.

- كان ينبغي أن تحفظ مثل هذه الأشياء بحرص أكبر.

- كانت تفعل ذلك، و لكن ليس صعباً على شخص ما أن يعلم مخبأ المفتاح.

- شخص ما؟ من هو؟

نظرت إلى كومة الأمتعة قائلاً:

- لن يذهبا، يجب ألاّ يسمح لهما بالرحيل.

تفاجأت صوفيا:

- روجر و كليمنسي؟ هل تعتقد يا تشارلز؟

- ما رأيك أنت؟

حركت صوفيا يديها حركة يأس و همست:

- لا أعرف يا تشارلز. كل ما اعرف أنني عدت إلى الكابوس ثانية!

- أعرف. في هذا كنت أفكر و أنا قادم مع تافيرنر.

- هذا كابوس حقاً. تمشي بين الناس و تنظر في وجوههم، و فجأة تتغير الوجوه فلا
تعرف منها وجهاً... فقد أصبح الوجه غريباً... غريباً وحشياً!... تشارلز، هيا
نخرج، هيا نخرج كي نصبح في أمان! إني خائفة ما دمت في هذا البيت!






[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]