عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12-18-2015, 08:12 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


- 9 -

وجدت بريندا ليونايدز تجلس حيث تركناها، و لدى دخولي رفعت بصرها بحدة
و سألتْ:

- أين المفتش تافيرنر؟ هل سيعود؟

- ليس بعد.

- من أنت؟

أخيراً سمعت السؤال الذي كنت أتوقعه طوال الصباح، و أجبتها بصراحة:

- أنا مرتبط بالشرطة، لكنني صديق للعائلة أيضاً.

- العائلة؟ إني أكرههم جمبعاً.

نظرت إليّ و فمها يتحرك و بدت عابسةً خائفةً و غاضبةً.

- كانوا دائماً يعاملونني بحقارة، منذ البداية. قالوا: لماذا أتزوج أباهم العزيز؟ و ماذا
يهمهم من ذلك؟ لقد أعطاهم المال، لم تكن لديهم عقول لكي يجمعوا المال بأيديهم –
و نظرت إليّ بجرأة - : لماذا لا يتزوج الرجل ثانية حتى لو كان كبيراً؟ إنه لم يكن
طاعناً في السن، و قد أحببته كثيراً!

- فهمت. فهمت.

- لعلك لا تصدقني، لكنها الحقيقة. لقد سئمت الرجال. كنت أرجو بيتاً و عائلة و رجلاً
يحنو علي و يقول قولاً جميلاً. أريستايد كان يؤنسني، و كان مرحاً، و ذكياً و كان
يبتدع كل أسلوب حتى يجتنب كل هذه القوانين السخيفة! لقد فجعتُ بموته.

أسندت ظهرها إلى الأريكة و ابتسمت بسمة غريبة تدل على البلادة:

- كنت هنا سعيدة و آمنة، كنت أذهب إلى الخياطين المهرة الذين كنت أقرأ عنهم، و
اريستايد قد أعطاني أشياء جميلة – و مدت يدها و هي تنظر إلى ياقوتة فيها – و
كنت طيبة معه في المقابل.

رأيت يدها الممدودة كأنا مخلب القط، و سمعت صوتها الهادر، قالت و ما زالت تبتسم:

- ما العيب في ذلك؟ لقد كنت لطيفة معه و جعلته سعيداً!

و مالت إلى الأمام: هل تعلم كيف التقينا؟

و لم تنتظر جوابي:

- كان لقاؤنا في معطم شامروك. طلب بيضاً مقلياً على خبز توست، و عندما أحضرتُه
له كنت أبكي. قال لي: ((اجلسي، و أخبريني مالي يحزنك)) فقلت له: (( لا
أستطيع محادثتك لأنهم سيفصلونني من العمل إن فعلت)) فقال: ((لا، لن يفصلك
أحد فأنا صاحب هذا المكان))! نظرت إليه. فكرت... إن الذي أمامي هو عجوز
ضئيل الحجم غريب، لكن له شخصية جذابة!
و قصصت عليه الأمر كله! و أظنك ستسمع التفاصيل منهم ليقولوا لك بأنني سيئة،
لكني لم أكن كذلك... لقد تربيت تربية حسنة، و كان لنا دكان رائع فيه أشغال و
مطرزات. لم أكن يوماً من الفتيات اللاتي يتخذن أصحاباً من الشبان، أو يبيعن
أنفسهن، لكن تيري كان مختلفاً... إيرلندي يسافر إلى ما وراء البحار، و لم يكن
يكاتبني أبداً. كم كنت حمقاء!
و هكذا كان، وقعت في مشكلة تماماً مثل ما يصيب خادمة بائسة!... إريستايد كان
رائعاً، وعدني أن أكون آمنة، قال إنه وحيد و أننا نستطيع أن نتزوج فوراً. و كان
ذلك عندي كالحلم!
ثم عرفت أنه السيد ليونايدز العظيم الذي يمتلك أعداداً ضخمة من المحلات و المطعام
و الأندية الليلية. كان ذلك مثل القصة الخيالية، أليس كذلك؟

قلت بتحفظ: نوع من القصص الخيالية.

- تزوجنا في كنيسة صغيرة في المدينة، ثم سافرنا للخارج. عاهدت نفسي أن أكون
زوجة صالحة. كنت أطلب له كل أصناف الطعام التي يشتهيها، و ألبس له الملابس
التي يحبها، و أسعى دوماً إلى رضاه! و كان هو سعيداً. لكننا لم ننْجُ من عائلته،
كانوا يأتون إليه فيعطيهم. العجوز دي هافيلاند كان يجب أن ترحل عندما تزوج، و أنا
قلت هذا لكن أريستايد قال: ((إنها تعيش هنا منذ زمن طويل، البيت الآن
بيتها)). كان زوجي يحب أن يكونوا حوله جميعاً و رغم أنهم كانوا يسيئون إليّ
فلم يكن يلحظ ذلك أو يهتم به. إن روجر يكرهني! هل رأيت روجر؟ كان
دائما يكرهني. إنه غيور. و فيليب كان متعجرفاً جداً و لم يكلمني ألبتة. و
الآن يزعمون أنني قتلته و أنا لم
أفعل، لم أفعل! أرجوك صدقني! أنا لم أقتله!

أثارت شفقتي. كان ازدراؤهم لها و تمنيهم أن تلتصق بها الجريمة يبدو في هذه
اللحظة سلوكاً غير إنساني حتماً. كانت وحدها دون مدافع و لا حول لها و لا قوة. قالت:

- و إن لم يكن القاتل أنا، فهم يطنون أنه لورانس.

- و ماذا عن لورانس؟

- أنا آسفة كثيراً لأجله!... رجل لطيف لا يستطيع أن يقاتل، ليس جباناً لكنه رقيق
المشاعر! و قد اجتهدت أن أساعده و أجعله يشعر بالسعادة. عليه أن يعلّم الأطفال
الفظيعين. يوستس يهزأ به كثيراً، و جوزفين. هل رأيت جوزفين؟ لو رأيتها فستعرف حقيقتها.

- لم أري جوزفين بعد.

- أحيانا يكون عقلها غير طفولي. إن لها طرقاً حقيرة جداً، و هي تبدو غريبة
الأطوار، إنها ترعبني أحياناً!

لم اكن أريد الحديث عن جوزفين فرجعتُ إلى موضوع لورانس براون و سألتها:

- من هو و من أين جاء؟

قالت بخجل:

- إنه ليس شخصا محدداً. إنه مثلي تماماً. أي حظٍ هذا الذي يجعلهم يعدوننا؟

- ألا ترين أنك أصبحت في حالة هستيرية بعض الشيء؟

- لا، لا أعتقد. هم يريدون أن يُعلنوا أن الفاعل هو أنا أو لورانس، و قد كسبوا ذاك
الشرطي إلى صفّهم فأية فرصة لي إذن؟

- إهدئي... إنك تثيرين نفسك كثيراً.

- لم لا يكون الفاعل واحداً منهم؟ أو يكون القاتل شخصاً من الخارج أو خادماً من الخدم؟

- و لكن أين الدافع؟

- أوه! دافع؟ أيدافع لديّ أو لدى لورانس؟

شعرت بعدم الارتياح و أنا أقول:

- أظنهمو يعتقدون أنك أنت... و... لورانس... تحبان بعضكما، و أنكما تريدان الزواج.

نشزتْ كالسهم:

- هذا قول فظيع! ليس صحيحاً! إننا لم نقل كلمة من ذلك لبعضنا. كنت فقط أشعر
بالأسف لأجله و حاولت أن أساعده فحسب، هذا كل ما في الأمر. انت تصدقني...
أليس كذلك؟

أكدت لها بأنني أصدقها حقاُ، و أظن أنها و لورانس ليسا إلا صديقين، لكني كنت أشك
أنها كانت تحبه فعلاً.

نزلت إلى الطابق السفلي لأرى صوفيا و في رأسي تلك الفكرة. و بينما أنا على وشك
دخول غرفة الاستقبال أطلت صوفيا برأسها من أحد الأبواب في الممر و قالت:

- مرحباً! أنا أساعد ناني في إعداد الغداء.

كنت سأنضم إليها لكنها خرجت إلى الممر و أغلقت الباب وراءها و قادتني إلى غرفة
الاستقبال و هي تمسك بذراعي، و كانت الغرفة خالية، فقالت:

- هل رأيت بريندا؟ ما قولك فيها؟

- بصراحة؟ إني مشفق عليها!

ضحكت صوفيا و قالت:

- فهمت. لقد كسبتك في صفها!

أحسست بالانفعال قليلاً و قلت: أرى الأمر من جانبها و من الواضح أنك لا تستطيعين
رؤية ذلك.

- ماذا من جانبها؟

- قولي بأمانة يا صوفيا: هل كان أحد من العائلة لطيفاً معها أو يعاملها بعدل منذ
جاءت إلى هنا؟

- كلا، لم نكن لطفاء معها، و لماذا نكون كذلك؟

- إن لم يكن من أجل شيء فمن أجل الوازع الأخلاقي.

- أنت تتحدث عن الأخلاق يا تشارلز؟ لابد أن بريندا قد أحسنتْ دورها جيداً!

- ماذا أصابك يا صوفيا؟

- هذا هو الصحيح. لقد سمعتَ بريندا، و الآن فلتسمعني: أنا أبغض المرأة الشابة
التي تخترع قصة حظها العاثر و تتزوج عجوزاً ثرياً اعتماداً على هذه القصة. لا أحب
هذا الصنف من النساء و لا أتظاهر بأنني أحبها بتاتاً. و لو قرأت أنت الحقائق مجردة
في ورقة مكتوبة لما أحببت هذا الصنف أيضاً.

- و هل كانت قصة مخترعة؟

- ربما، هذا ما أعتقده أنا على الأقل.

- و هل ساءكِ أن جدك قد انخدع بهذه القصة؟

ضحكتْ صوفيا و قالت:

- جدي لم يكن مخدوعاً، لا أحد يستطيع خداع جدي العجوز! كان يريد بريندا. أراد
أن يظهر في دور المنقذ لهذه الخادمة المتوسلة و هو يعلم تماماً ما يفعله، و قد
تحقق ذلك على نحو جميل وفق خطة ما. إن الزواج – عند جدي – قد نجح نجاحاً
كاملاً مثل سائر أعماله الأخرى.

سألتها ساخراً:

- و هل كان توظيف لورانس براون معلماً هو نجاحاً آخر من نجاحات جدك؟

قطبتْ صوفيا جبينها:

- لست متأكدة... لعله كذلك. أراد جدي أن يُسعد بريندا و يسليها. ربما كان يظن أن
الجواهر و الثياب لم تكن تكفِ، و لعله قدّر أن شاباً مثل ليورانس براون – و هو
رجل مروَّض في الحقيقة – سيقوم بعمل هذه الحيلة: الصداقة الجميلة المفعمة
بالعاطفة المشوبة بالاكتئاب ستمنع بريندا من عشق رجل غريب، أظن أن جدي قد
حقق شيئاً بهذا الفتى، لقد كان عجوزاً شيطاناً! و لم يستطع التنبؤ أن ذلك سيقتله! –
و صار صوتها عنيفاً – و أنا في الحقيقة أستبعد أنها فعلت ذلك، فلو كانت خططت
لقتله أو اتفقت مع لورانس لعرف جدي ذلك و كشفه. أنت أيضاً تستبعده ، أليس كذلك؟

- نعم، أعترف بذلك.

- أنت لا تعرف جدي حقاً. لم يكن ليتغاضى عن مسألة قتله.
- بريندا خائفة يا صوفيا، خائفة جداً!

- أمِنْ رئيس المفتشين تافيرنر و رجاله العفاريت؟ نعم، هم مرعبون! ألا ترى
لورانس في حالٍ هستيرية؟

- أمر طبيعي. لقد تصرّف أمامنا بشكل سخيف. أتساءل ما الذي يعجب هذه المرأة فيه؟

- ألا تفهم يا تشارلز؟ إن لورانس – في الحقيقة – جذاب!

قلت غير مصدق:

- رجل ضعيف كهذا!

- عجباً للرجال! لماذا تظنون أن رجل الكهف وحدَه هو الذي يجذب النساء ليس غير؟
- و نظرت صوفيا إليّ – إني أرى بريندا قد اصطادتك لا شك.

- لا تكوني شخيفة. إنها ليست حسناء. و هي حتماً ليست...

- ليست مغرية؟ بريندا ليست حسناء و لا هي ذات ذكاء حقيقة، لكنها تتمتع بصفة
واحدة هي: القدرة على توليد المشكلات! و ها هي قد ولّدت مشكلة بيني و بينك!

- صوفيا!

انصرفت صوفيا إلى الباب:

- انسَ الأمر يا تشارلز. لابد أن أُتمّ إعداد الغداء.

- سأقوم معك لأساعدك.

- لا، ابقَ هنا. إن وجود رجل في المطبخ سوف يزعج ناني.

و خرجت فناديت:

- صوفيا!

- ماذا؟

- أسألك عن الخدم: لماذا ينقصُ الطابق الأرضي هنا خادمة، و الطابق العلوي فيه
خادمة تلبس المريلة و تفتح لنا الباب؟

- كان عند جدي طاهية و مدبرة منزل و خادمة استقبال و خادم. كان يحب الخدم و
يُعطي كثيراً لكي يجلبهم. أما كليمنسي و روجر فعندهما خادمة في النهار فقط لأعمال
التنظيف فهما لا يحبان الخدم، أو أن كليمنسي لا تحبهم، و لو لم يكن روجر يأكل
وجبة مشبعة في المدينة كل يوم لمات من الجوع؛ لآن كليمنسي لا تعرف من الطعام
إلا الخسّ و الطماطم و الجزر. أما نحن فأحياناً يكون عندنا خدم ثم تصيب أمي إحدى
نوباتها العصبية فيتركون المنزل! و عندنا خدم يعملون في النهار فترات قصيرة ثم
يذهبون. ناني هي الدائمة عندنا و هي تنسجم مع حالات الطوارئ. و الآن قد عرفت
كل شيء.

خرجت صوفيا. و جلستُ على مقعد مظرز أفكر.. في الطابق العلوي رأيت جانب
بريندا من المسألة، و هنا – في الطابق الأرضي – رأيت جانب صوفيا منها فأدركت
عدالة قول صوفيا – و هو ما اسميه نظرة أسرة ليونايدز – بأنهم يكرهون الغريبة
التي دخلت البيت بوسيلة خسيسة. كانوا على حق تماماً كما قالت صوفيا: ((على
الورق لا تبدو وجهة نظر حسنة))...

لكن فيها الجانب الإنساني، الجانب الذي رأيته أنا و لم يروه، فقد كانوا أغنياء
يعيشون في برجٍ عاجي لو يذوقوا غصة المعاناة. بريندا ليونايدز كانت تريد الثروة و
الأمان، و زعمت أنها – بالمقابل – جعلتْ زوجها العجوز سعيداً. لقد تعاطفت معها و
أنا استمع إليها فهل أتعاطف معها الآن كذلك؟

للقضية جوانب و أبعاد مختلفة فأيها هو الصحيح؟

كنت قد نمتُ قليلاً جداً في ليلة الأمس، و قد استيقظت مبكراً لأرافق تافيرنر. و الآن،
في هذا الجو الدافيء الذي تعبق فيه رائحة الزهور في غرفة استقبال ماجدا ليونايدز،
استرخى جسدي فوق المقعد الكبير و سقطت جفوني. تبددت أفكاري و أنا أفكر في
بريندا و صوفيا و صورة الرجل العجوز، ثم نمت.






[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]