عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04-19-2008, 11:04 PM
 
رد: ردا علي المفترين علي سيدنا عمر رضي الله عنه من العصرانيين(شبهات-ردود مهمة جداً جداً)

المطلب الخامس منعه بعض الصحابة من الزواج من الكتابيات

ومما يستند إليه المؤولون المعاصرون في دعواهم جواز تعطيل النصوص ومخالفتها بالاجتهاد الشخصي، ما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من أمره لعدد من الصحابة بتطليق نسائهم الكتابيات مع نص القرآن الصريح على جواز نكاحهن، فاستدلوا منه على أن للمجتهد أن يوقف العمل بالنص، ويجمده حتى لو كان قطعي الثبوت والدلالة، إن رأى أنه يخالف المصلحة.(1) وبيان ذلك أن الله عز وجل قال
}الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ{ (المائدة 5).
قال القاسمي: "ظاهر الآية جواز نكاح الكتابية، وهذا مذهب أكثر الفقهاء والمفسرين " ورواية عن زيد والصادق والباقر واختاره الإمام يحيى وقال إنه إجماع الصحابة "(2).
وقال ابن كثير: " وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأساً أخذاً بهذه الآية الكريمة، فجعلوا هذه الآية مخصصة للتي في سورة البقرة } وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ { ( البقرة 222) إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها وبينها لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع كقوله تعالى } لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ { (3)(البينة 1).

قالوا: وبعد إباحة الزواج من الكتابيات وانعقاد والإجماع عليه جاءت الأخبار عن عمر رضي الله عنه تفيد تحريمه الزواج منهن على الصحابة ومنعه وإنكاره عليهم ذلك، وأمره لهم بتطليقهن، ومنها:ما روي " أن حذيفة قد تزوج يهودية زمن عمر فقال له عمر: طلقها فإنها جمرة، قال حذيفة: أحرام ؟ قال: لا: فلم يطلقها حذيفة لقوله، حتى إذا كان بعد ذلك طلقها(4)، وفي رواية أنه قيل له – أي حذيفة - : ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ قال: كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمراً لا ينبغي لي(5).
وفي بعض الروايات أن عمر قال له معللاَ طلبه طلاقها: إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا المومسات(6).
وفي رواية أخرى أن حذيفة قال له حين أمره بتطليقها: لم ؟ أحرام هي ؟ فقال له عمر لا، ولكنك سيد المسلمين ففارِقْها(7)، وفي رواية أخرى أن عمر كتب له وهو بالكوفة ونكح امرأة من أهل الكتاب: أن فارقها فإنك بأرض المجوس، فإني أخشى أن يقول الجاهل، قد تزوج صاحب رسول الله r كافرة ويحلل الرخصة التي كانت من الله عز وجل فيتزوجوا نساء المجوس ففارَقَها(8).وقال الطبري:" وقد نكح طلحة بن عبد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه غضباً شديداً حتى همَّ بأن يسطو عليهما، فقالا نحن نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، وقال: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكن انتزعهن صغرة قماء "(9)
هذه طرق الخبر وكل منها يحمل برهاناً على سقوط دعوى المؤولين وتهافتهم وبيان ذلك:
1. قد تبين في بحث المؤلفة السابق أن النص القطعي لا ينسخ إلا بشرع، وسورة المائدة من آخر ما نزل، وليس يعلم لهذا النص ناسخ، وتقرر فيه أيضاً عدم جواز النسخ بالإجماع، وعدم إمكانه شرعاً.
2. أن الآية لم توجب زواج المسلم من الكتابية حتى يكون فعل عمر تعطيلاً للعمل بحكم واجب، بل غاية ما تفيده الآية هو الجواز والإباحة المقتضية للاختيار، وذلك غير موجب إثماً لأحد، وعليه فإن تصرف عمر ومنعه كان في دائرة المباح، والإمام له حق أن يمنع من أراد من الرعية أن يتصرف في المباحات، إذا كان تصرفه يؤدي في اجتهاد الإمام إلى إلحاق مضرة بالرعية، وقد اتفق أهل الأصول على أن للإمام أن يقيد العمل بالمباح لمصلحة يراها(10).
وليس ذلك بمحض التشهي والتحكم والاستبداد، وليس في ذلك مخالفة للنص ولا تعطيل له، بل إن قواعد الشريعة دلت على أن المصلحة العامة الحقيقية مقدمة على المصلحة الخاصة لبعض الناس، وهو أمر معلوم بفطرة العقل، وليس مختصاً بملة الإسلام.

3. أن هؤلاء المؤولة أغفلوا التدقيق في النص، ولو أنهم انصفوا لعلموا أن عمر عمل بما يقتضيه لا بما يخالفه، فإن النص القرآني ذاته اشترط في إباحة الزواج من الكتابية أن تكون عفيفة
بقوله تعالى } وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ{ (المائدة-5) والمحصنات هن العفيفات،
فنقل الطبري عن مجاهد والشعبي والسدي وسفيان أن المحصنات هن العفيفات، وهي التي لا تزني وتغتسل من الجنابة(11).
وقال الطبري: "والتحصن التمنع ومنه الحصن، لأنه يمتنع فيه ويراد ذوات الأزواج
ومنه قوله تعالى } وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ{ ( النساء 24) أو العفيفات ومنه قوله تعالى
} وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ{ ومُحْصنة وحَصان أي عفيفة ممتنعة من الفسق(12)".

وقال ابن كثير: والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا كما قال تعالى في الآية الأخرى } مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ { (13) ( النساء-25).
وهو ما فهمه عمر رضي الله عنه، وحمله على أن ينهى الصحابة عن الزواج من الكتابيات بقوله في غير رواية: أخشى أن تواقعوا المومسات منهن.
4. إن الروايات التي استدلوا بها على تعطيل عمر للنص ومخالفته له لا تحمل أي معنى يفيد أن عمر يعتقد التحريم، بل العكس هو الصحيح، فما جاء من عبارات وألفاظ سواء من عمر أو من
الصحابة يقطع بأن عمر لم يحرم بل كان يرى جواز نكاح الكتابيات، وأنه ما عطل نصاً، ولا شرّع من دون الله بل مارس حقه كإمام مسؤول عن المسلمين.

وإذا لم يكن للإمام أن يتصرف في المباحات أمراً ونهياً ففيم إمامته ؟ ومتى تجب طاعته؟ أفي تحريم الحلال أو تحليل الحرام؟ وفرق كبير بين القول بتحريم أمر هو حلال، وبين المنع منه في مكان ما أو زمان ما أو حال ما أو لشخص ما مع اعتقاد جوازه وهو ما فعله عمر، والروايات في ذلك صريحة، فلما سأله حذيفة: أحرام هي ؟ قال لا: وفي رواية: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن، وفي رواية للطبري لا أزعم أنهن حرام(14).
وسؤال حذيفة الاستنكاري له: أحرام هي ؟ ثم إبقاؤها تحته مدة بعد أمر عمر له بطلاقها ثم تعليله – حذيفة – ذلك بقوله: كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمراً لا ينبغي لي، كل ذلك دليل على أن حذيفة ومثله طلحة –رضي الله عنهما- فهما قول عمر على محمل السياسة الشرعية من إمام لرعيته، أي بمعنى المنع سياسةً لا التحريم الشرعي، وما كان لمثل هؤلاء أن يسكتوا لو لمحوا أنه يريد بالمنع التحريم الشرعي.
ومن الأدلة على أن عمر كان يرى إباحة الزواج من الكتابيات وأن المنع كان سياسة لأسباب عارضة، أنه علل أمره مرة بأنها " جمرة " ومن الخطر الفادح أن يضمها بيت مسلم لاحتمال إشاعة الحريق فيه، وذلك بان يتأثر الأولاد بدين أمهم ويميلون إلى عقيدتها، وعادة الأطفال شدة الولع والتعلق بالأمهات، وتقليدهن خصوصاً البنات.
وقد ذكر الطبري أن من شروط جواز نكاح الكتابية أن تكون بموضع لا يخاف الناكح على ولده أن يجبر على الكفر(15).
وعلله مرة أخرى بالخوف من أن يقلدهم عامة المسلمين في نكاح الكتابيات لجمالهن فتكسد سوق المسلمات وفي ذلك فتنة وأي فتنة، ونساء المسلمين أحق بالستر والإعفاف من الكافرات، خصوصاً وان حذيفة وطلحة من وجوه الناس وأشرافهم الذين يقتدى بهم، وعلله مرة ثالثة بالخوف من مواقعة العاهرات، وقد تقدم إفادة الآية اشتراط العفة والإحصان في المنكوحة.
وعلله مرة رابعة بكونهم في أرض المجوس وبين قوم حديثي عهد بالكفر ولم ينضج علمهم بعد بالدين وأحكامه وشرائعه، فخشي عمر - وحق له أن يخشى - أن يظن هؤلاء الداخلون في الإسلام حديثاً جواز نكاح المجوسيات قياساً على الكتابيات بجامع أنهن كلهن كافرات وخصوصاً أن
الرسول r قال في المجوس " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "(16). وهي كما ترى تعليلات وجيهة من إمام يحتاط لرعيته.
ونقل البهيقي عن عمر أنه قال "ينكح المسلم نصرانية ولا ينكح النصراني مسلمة "(17). وعرف ذلك عن سائر الصحابة فروى عبد الرزاق عن جابر بن عبد الله أنه كان يقول "نساء أهل الكتاب لنا حل ونساؤنا عليهم حرام"(18)، ونقل عن عثمان بن عفان أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية(19).
فهذا كله يؤكد أن عمر وسائر الصحابة كانوا يرون حل نكاحهن ولم يأولوا أو يعطلوا حكم الآية الكريمة.



(1) انظر: أصول التشريع الإسلامي 01-183، ومعالم المنهج الإسلامي 09، النص الإسلامي 2.

(2) القاسمي محمد جمال الدين: محاسن التأويل 6/1871.

(3) تفسير القرآن العظيم 2/504.

(4) مصنف عبد الرزاق 7/176.

(5) السنن الكبرى 7/280.

(6) نفس المصدر 7/280.

(7) سنن سعيد بن منصور 3/1/193.

(8) محاسن التأويل 6/1871، ولم أجده في مظانه من كتب الآثار.

(9) جامع البيان 2/378، والأثر عند عبد الرزاق 7/178، والبيهقي في السنن الكبرى 7/280.

(10) انظر:د. فتحي الدريني: الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده 8.

(11) جامع البيان 4/108.

(12) الجامع لأحكام القرآن 5/122.

(13) تفسير القرآن العظيم 2/504.

(14) جامع البيان 2/378.

(15) نفس المصدر 4/108.

(16) أخرجه الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - في الموطأ 64، والحديث مرسل انظر: نصب الراية 2/448.

(17) السنن الكبرى 7/280،المحلى 7/313.

(18) مصنف عبد الرزق 7/176.

(19) السنن الكبرى 7/279.

__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس