عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-19-2008, 11:02 PM
 
رد: ردا علي المفترين علي سيدنا عمر رضي الله عنه من العصرانيين(شبهات-ردود مهمة جداً جداً)

المطلب الرابع: منعه سهم المؤلفة قلوبهم
ومما قاله المؤولون المعاصرون ومما ظنوه مستنداً لجواز تعطيل نصوص الكتاب والسنة بمحض الرأي والمصالح المتوهمة والمقاصد المتخيلة، ما ادعوه من تعطيل عمر -رضي الله عنه- لسهم المؤلفة قلوبهم ورفضه إعطاءهم من الزكاة على الرغم من نص القرآن صراحة على أن لهم سهماً ومصرفاً من مصارف الزكاة الثمانية، إذ رأى أنه ليس من مصلحة الإسلام أن يعطوا بعد أن أعز الله الإسلام وأظهره على الباطل واشتد عوده، فكان فعله -رضي الله عنه- اجتهاداً في مورد النص القطعي ثبوتاً ودلالة فعلّله وعطّله بالمصلحة وما جاز لعمر يجوز لمن بعده(1)، والقصد أن الاجتهاد مسوغ حتى في المسلمات و القطعيات ونحن لسنا أشد حرصاً وورعاً من عمر، بل بلغ الحال ببعض هؤلاء أن يقول: أن عمر لم يتأخر في مخالفة النصوص باسم السياسة الشرعية والمصلحة، وجاوزه آخر مدعياً أن فعل عمر دليل على جواز نسخ القرآن بالاجتهاد(2).

وهو تحليل واه ودعوى باطلة والرد عليها يتلخص في الآتي:
1. أن الناظر في الروايات التي جاءت بفعل عمر هذا وما قاله للمؤلفة قلوبهم لا يفهم منه تعطيلاً ولا تعدياً على النص ولا إرادة إلغائه ولا نسخه، وكل ما في الأمر أن عمر فهم أن الله عز وجل علّق الإعطاء على وصف التأليف، فإن كان ثمة من يحتاج إلى تأليفة كقوم يخشى شرهم ويرجى خيرهم ومنفعتهم فالسهم قائم وللإمام أن يتألفهم بما يرى، وإن لم تكن هناك في ظرف من الظروف -مكاناً أو زماناً أو حالاً - حاجة إلى تأليف قوم لعدم وجود من تلك صفتهم فالسهم منتفٍ ومعدوم وكيف يعطي معدوم لا وجود له ؟!.
ووصف التأليف ليس لازماً لفئة من الناس بأشخاصهم وأعيانهم يسمون "مؤلفة قلوبهم" يعطون أبد الدهر بل هو وصف متغير متبدل تماماً كوصف الفقر والمسكنة، وأي عاقل يقول أن رجلاً أو قوماً بأعيانهم كانوا فقراء أو مساكين يوماً من الأيام فأعطوا من الزكاة لوصفهم ذاك يجب أن يعطوا منها حتى وفاتهم؟ ومن افتقر اليوم فقد يغتني غداً وأي اجتهاد يجيز إعطاءه من سهم الفقراء بعد غناه؟ وهذا سهم وهذا سهم، وهو ما أجاب به الشيخ محمد المدني من كبار علماء الأزهر(3).
"فالزكاة تعطى لمن يوجد من الأصناف الثمانية التي جعلهم الله –تعالى- أهلها، فإذا لم يوجد صنف منهم سقط سهمه ولم يجز أن يقال: أن ذلك تعطيل لكتاب الله ونسخ له، فإذا لم يوجد سهم العاملين عليها لعدم قيام حكومة إسلامية توظف من يقوم بجمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها فقد سقط سهم العاملين عليها، وإذا لم يوجد صنف " وفي الرقاب " كما هو الحال في عصرنا الذي ألغى الرق الفردي فقد سقط هذا السهم ولا يقال في سقوط هذا السهم أو ذاك أنه نسخ للقرآن أو تعطيل للنص"(4).
وهو ما رد به ابن قدامه على الحنفية الذين قالوا بنسخ هذا السهم قال: على أن ما ذكروه من المعنى لا يوجب رفع حكمهم، وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى، فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا، فكذلك جميع الأصناف إذا انعدم منهم صنف في بعض الأزمان سقط حكمه في ذلك الزمن خاصة وإذا وجد عاد وكذا هنا(5).
2. ثم إن تحديد الحاجة إلى التأليف من عدمها أمر مرجعه إلى إمام المسلمين فهو المطلع والناظر لأمور المسلمين، ويحسن تقدير وجود الحاجة من عدمها، و لا يصح لفرادى المسلمين أن يتألفوا لعدم اطلاعهم وإشرافهم على الأمور جيداً، وهذا ما فعله عمر(6).
3. أن النص معلل لا مطلق فعمر -رضي الله عنه- نظر إلى علة النص لا إلى ظاهره، ووجد أن علة إعطائهم تأليفهم لاتقاء شرهم عندما كان الإسلام ضعيفاً فلما قويت شوكة الإسلام زالت علة إلى إعطائهم والقرآن لم يوجب إعطاء أشخاص بأعيانهم وأسمائهم من هذا السهم(7).
ويدل على أن عمر ما منع المؤلفة قلوبهم إلا لفهمه بأن ذلك خاص بحال ضعف الإسلام ما قاله لعيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس بعدما أرياه كتابا من أبي بكر لهما باقتطاعه لهما أرضاً دون الناس فبصق عمر في الكتاب فمحاه وقال له: أن رسول الله r كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل وإن الله قد أعز الإسلام فاذهبا واجهدا أنفسكما(8).

وقد وافق عمرَ جمهورُ الصحابة، حتى أن الحنفية قد حكوا إجماع الصحابة على موافقة عمر، ونحن وإن سلمنا بإقرار الصحابة لفعل عمر فهو إجماع لا على نسخ الحكم ولكنه إجماع على صحة فعل عمر وتعليله وفهمه للنص وسداد رأيه فيه، والقاضي بعدم إعطائهم لانعدام وجودهم أصلاً أو لأن الحاجة إلى التأليف قد انتهت بانتشار الإسلام وظهوره.
وقد روي ما يفيد أن هؤلاء الذين كانوا مؤلفة قد جاءوا إلى أبي بكر رضي الله عنه، وقالوا له:أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: هو إن شاء، ولم ينكر أبو بكر قوله وفعله وبلغ ذلك عامة الصحابة فلم ينكروا عليه فيكون ذلك إجماعا(9).
وهذا التوجيه هو اللائق بأعلام الصحابة ودينهم وورعهم، فإنهم عاصروا الوحي، وشاهدوا التنزيل الذي نزل بلغتهم، وهم أرفع ما يكونون بلاغة وفصاحة وحسن بديهه وفطنة، ففعل عمر وقوله ورضا الصحابة بمن فيهم الصديق رضي الله عنه، وعدم إنكار أحد منهم ذلك مع وجود الداعي للإنكار لو وجد، وانتفاء الموانع ووفرة الصحابة، لهو أبلغ دليل على صحة تعليل عمر، وفهمه على أن الحكم معلق على وجود الحاجة إلى التأليف، فإن وجدت كان ثمة مؤلفة، وإن لم توجد فليس هناك مؤلفة، ولا سهم للمؤلفة، ولا ريب أنه تعليل في مكانه سدّد إليه عمر ووافقه كبار الصحابة والفقهاء من بعدهم.
هذا التوجيه والاستدلال لرأي الصحابة، و النقول عن الأئمة الأعلام تؤكد أن الحاجة للتأليف لم تنقطع، وهذه الحاجة باقية ما بقي الإسلام فلا صحة للقول إذن أن فعل عمر هو نسخ للحكم وهو ما قال به الحنفية، وإن لم يرتبوا عليه ما استنتجه المؤولون المعاصرون، بل اقطع أن فرية المعاصرين لم تخطر على بال فقهاء الحنفية، بل كان اجتهاداً منهم دعموه بإجماع الصحابة السكوتي على فعل عمر، فاعتبروه رافعاً للحكم وإسقاطا لسهم المؤلفة للأبد.

ودعوى النسخ هذه باطلة لوجوه:
أ - أن فعل عمر وقوله ليس فيه دليل على النسخ، وأنه لا يعدو فهماً لعلة النص أي أن الإعطاء معلق بوجود التأليف والحاجة إليه كما سبق بيانه.
ب - أن الجمهور قد خالف الحنفية في اجتهادهم، ولم يلغوا سهم المؤلفة قلوبهم.
ج - أن الحنفية وهم من قال بالنسخ قد اختلفوا في تعيين الناسخ الذي نسخ حكم المؤلفة قلوبهم، وهو ثابت بالنص القرآني القاطع، فبعضهم ادعى أنه الإجماع، وعلى فرض حصول الإجماع فلا يصح نسخ الحكم الثابت بالنص بالإجماع، قال ابن عابدين: "وإنما لم يجعل الإجماع ناسخاً لأنه خلاف الصحيح، لأن النسخ لا يكون إلا في حياته r والإجماع لا يكون إلا بعده"(10)
وقال الشوكاني " أما النص فلا ينسخ بالإجماع لأن الإجماع لا ينعقد أصلاً على خلاف النص " واشترط في الناسخ أن يكون مثل المنسوخ في القوة أو أقوى منه أما إذا كان دونه، فلا يصلح ناسخاً لأن الضعيف لا يزيل القوي(11).
وقال عبد العزيز البخاري " لا يقع النسخ إلا في حال حياة النبي r إذ أن النسخ لا يكون إلا من طريق الشرع، والشرع لا يعرف إلا بالوحي، والوحي في حال حياة النبي r أما بعد وفاته فلا نسخ لشيء من الأحكام إذ لا وحي ولا شرع "(12).
وقال الشاطبي" أن الأحكام إذا ثبتت على المكلف فادعاء النسخ فيها لا يكون إلا بأمر محقق، لان ثبوتها على المكلف أولاً محقق، فرفعها بعد العلم بثبوتها لا يكون إلا بمعلوم محقق، ولذلك أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبر المتواتر لأنه رفع للمقطوع بالمظنون"(13).
وقال ابن حزم " من استجاز نسخ شيء من القرآن والسنة الثابتة بيقين بالظنون، فقد أوجب ألا يطاع الله في أمره وأسقط لزوم اتباع رسله وذلك يؤول إلى إبطال الشريعة كلها، لأنه لا فرق بين دعواه النسخ في آية ما أو حديث ما، وبين دعوى غيره في آية أخرى وحديث آخر، فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة وهذا خروج عن الإسلام "(14).
وقال ابن قدامة ": ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ، والنسخ لا يثبت بالإجماع.
ثم إن النسخ إنما يكون في حياة النبي r، لأن النسخ إنما يكون بالنص ولا يكون النص بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام وانقراض زمن الوحي، ثم أن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن وليس في القرآن نسخ لذلك ولا في السنة "(15).



(1) معالم المنهج الإسلامي 03، النص الإسلامي 8، أصول التشريع الإسلامي 101، 183، الإجتهاد ومقتضيات العصر 12.

(2) نقله عنهم الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه السياسة الشرعية 72.

(3) نفس المصدر 75.

(4) يوسف القرضاوي: السياسة الشرعية، مصدر سابق، 82.

(5) ابن قدامة موفق الدين المقدسي: المغني 2/527.

(6) الشوكاني محمد بن علي: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار 2/52، الأموال لأبي عبيد 47.

(7) المدخل الفقهي العام 1/153-171.

(8) السنن الكبرى 7/32، وجامع البيان 10/162.

(9) أحكام القرآن للجصاص 3/124، والجامع لأحكام القرآن 8/181.

(10) رد المحتار 3/288.

(11) إرشاد الفحول 92.

(12) كشف الأسرار 3/334.

(13) الشاطبي أبو اسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي: الموافقات في أصول الشريعة 3/105.

(14) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/591.

(15) المغني 2/527.

__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس