عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-19-2008, 11:00 PM
 
رد: ردا علي المفترين علي سيدنا عمر رضي الله عنه من العصرانيين(شبهات-ردود مهمة جداً جداً)

المطلب الثالث: عدم قطع السارق عام الرمادة

ومما يستدل به المؤولون المعاصرون على ادعائهم بجواز تعطيل أو إيقاف العمل بالنصوص القطعية بالاجتهاد، ادعاؤهم أن عمر -رضي الله عنه- قد عطل العمل بحد السرقة باجتهاده ورأيه المحض، وبدون دليل، قالوا: إن حد السرقة قد وجب على كل سارق بنص القرآن


} وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ ( المائدة 38)

وهو نص قطعي في ثبوته قطعي في دلالته، وقطع الرسول r به ولم يعلم له ناسخ، فلما عطل عمر حد السرقة عام الرمادة، ولم يقطع أيدي السارقين علم أنه يجوز الاجتهاد في نظائره من النصوص واستنباط وجهات نظر جديدة قد تخالف ما استقرت عليه أنظار الفقهاء على مر القرون وذلك رعاية للمصلحة العامة التي يراها الإمام(1).

ودحض هذه الشبهة وتفنيدها، ليس بالأمر العسير إن شاء الله، لمن عرف ظروف الحادثة ووقف على رواياتها وملابساتها ويتلخص الرد في النقاط الآتية:
1. أن الحادثة التي يعتمدون عليها قد رواها غير واحد من المحدثين فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه والبهيقي في سننه الكبرى والرواية للبهيقي:
"أن رقيقاً لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ولكنه لم يلبث أن عدل عمر عن ذلك وقال: لولا أني أظن وفي رواية أخرى "أعلم " أنك تجيعهم حتى أن أحدهم لو أتى ما حرم الله، لقطعت
أيديهم ولكن والله لئن تركتهم والخطاب لسيدهم - لأغرمنك غرامة توجعك وغرمه ضعف ثمن الناقة(2).
وفي رواية أن عمر -رضي الله عنه- امتنع عن إقامة حد السرقة في عام المجاعة وقال: إنا لا نقطع في عام سنة(3).
فقد تبين من هاتين الروايتين وغيرهما، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ما عطل حد السرقة وإنما هو أعمل نصاً آخر قيد وجوب إقامة الحد في غير حالة الضرورة - ضرورة الجوع - وقد قال الله تعالى بعد ذكر حرمة أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وسائر المحرمات
}فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ { ( المائدة 3). فهذا النص استثنى من
المحرمات حالة الضرورة، وعمر حيث لم يقم الحد اعتبر ضرورة الجوع إكراهاً ضمنياً، وشرط اقامة الحد ان يكون السارق مختاراً، والجوع الشديد يتنافي والاختيار، فهو شبهة مسقطة للحد والرسول r يقول "ادرؤوا الحدود بالشبهات " (4).
وعمر كان خير من أدرك ذلك إذ جاء عنه أنه قال " لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات"(5). وقال: وإني لأن أخطئ في العفو أحب إلي من أن أخطئ في العقوبة "(6).
ثم قد تبين من الرواية أن عمر كان عازماً على القطع حتى في عام المجاعة، ولم يمنعه من ذلك إلا علمه، ولا أقول ظنه وهو ما صرحت به الرواية الأخرى - بأنهم ما لجأوا إلى السرقة - ونقولها تجوزاً - إلا مضطرين بسبب الجوع الشديد " لولا أني أعلم أنك تجيعهم حتي أن أحدهم لو أتى ما حرم الله لقطعت أيديهم، وفي الرواية الأخرى علل عدم القطع بصراحة بقوله: فإنا لا نقطع في عام سنة. فذاك الدليل الذي اعتمدوا عليه في دعواهم يحمل ما ينقضها من أساسها.
2. لقد نص القرآن الكريم صراحة على أن الجوع الشديد مبيح لأكل المحرمات وشربها من الميتة والدم ولحم الخنزير فاقتضى ذلك وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال، فكما أن الجوع الشديد مبيح لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير فمال المسلم أولى وقد ذكر القرطبي أنه لا يحل ولا يجوز للمسلم أن يأكل من الميتة وهو يجد مال المسلم لا يخاف فيه قطعاً (7).
وقد أطلق الله الإباحة بوجود الضرورة من غير شرط أو صفة في قوله تعالى } وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ { ( الأنعام 119). فاقتضى ذلك وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال وجدت فيها(8)، والاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم أو جوع في مخمصة(9).

ويرى ابن العربي أن الفقر سبب آخر مبيح للحرمة(10). وذكر ابن جزيء أن من شروط إسقاط الحد عن السارق أن يضطر إلى سرقة من جوع(11). فإذا لم يجد المضطر شيئاً حلالاً يتغذى به جاز له استعمال المحرمات في حال الإضرار ولا خلاف في ذلك(12).
وعلى ذلك جرى جماهير علماء المسلمين إذ اعتبروا أن من شروط إقامة الحد على السارق إضافة للعقل والبلوغ، الاختيار وعدم الإضرار، وأن لا يكون للسارق فيه حق الأخذ كمال الحربي، ولا تأويل الأخذ كالمصحف، وأن لا يكون للسارق فيه ملك ولا شبهة كبيت المال(13).
وإذ قد تقرر أن حفظ نفس المسلم فرض كفاية على المسلمين، وهي من ضروريات الإسلام الخمس، وتضييع النفس حرام من الكبائر، فإذا تعارض حكم الإبقاء على النفس المسلمة وهو فرض مع حرمة أكل فضل مال امرئ مسلم فما من شك أن الإبقاء على النفس ولو بالسرقة مقدم، وهو ما عمل به -عمر رضي الله- عنه بل ولا يليق بذي عقل أن يقول بغير ذلك.
وقد صحح ابن القيم مذهب من يقول بوجوب بذل الطعام للجائع مجاناً لا بثمن لوجوب المساواة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج (14).
3. وكيف يصح عن عمر تعطيل حد السرقة وقد ورد عنه أنه كان يشدد في وجوب تنفيذه حيث كان يقول: اشتدوا على السراق فاقطعوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً تنفيذاً لقول الله تعالى


} وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ ( المائدة 38)

وقد سرق رجل للمرة الثالثة في عهد أبي بكر بعد أن قطعت يده ورجله فأراد أبو بكر أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهر بها وينتفع بها، فقال عمر: لا والذي نفسي بيده لتقطعن يده الأخرى، فأمر أبو بكر فقطعت يده وفي رواية أنه قال: السنة اليد(15).
وكان يرى وجوب إقامة الحد على المريض الذي لا يرجى برؤه ولو أدى ذلك إلى هلاكه كما في جلده لقدامة بن مظعون وهو مريض، وروي عنه أنه قال " لا عفو عن شيء من الحدود بعد أن يبلغ الإمام(16).
4. وكيف يتهاون عمر في حد السرقة ويسقطه بالهوى والتشهي وهو يعلم ما قال رسول الله r لأسامة في المرأة المخزومية التي سرقت، فتشفع لها أسامة إذ ظل يقول له: أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟ ثم قام فاختطب فقال:" أيها الناس إنما ضل الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(17).
5. وقد جاء عن عمر أنه أسقط حد الزنا أيضاً، بسبب ضرورة الجوع والعطش، فقد أتيَ عمر بامرأة لقيها راعٍ بفلاة من الأرض، وهي عطشى فاستقته فأبى أن يسقيها إلا أن تتركه يقع عليها، فناشدته بالله فأبى، فلما بلغت جهدها أمكنته من نفسها، فدرأ عنها الحد بالضرورة(18).
وما قيل في توجيه فعله في حد السرقة يقال في توجيه إسقاطه لحد الزنا عن هذه المرأة.


(1) معالم المنهج الإسلامي 04، النص الإسلامي 1، وانظر: أصول التشريع الإسلامي 0، 183، الإجتهاد ومقتضيات العصر 22.

(2) انظر: الإمام البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي: السنن الكبرى 8/483، والحافظ الكبير الصنعاني أبو بكر عبد الرزاق بن همام: المصنف 10/239.

(3) المحلى 11/343.

(4) سنن الترمذي ح 1424، والصحيح أنه موقوف عن ابن مسعود وعمر ولا يصح مرفوعاً ولا مرسلاً ( المحلى 8/253).

(5) الحافظ ابن أبي شيبة عبد الله بن محمد الكوفي العبسي: المصنف في الأحاديث والآثار 2/129.

(6) السنن الكبرى 8/414.

(7) الجامع لأحكام القرآن 2/225.

(8) انظر: أحكام القرآن للجصاص 1/126.

(9) الجامع لأحكام القرآن 2/225.

(10) أحكام القرآن لابن العربي 1/55.

(11) ابن جزيء أبو القاسم محمد بن أحمد الكلبي الغرناطي المعروف: القوانين الفقهية 16.

(12) الإمام ابن رشد أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرطبي: بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/476.

(13) انظر: شروط إقامة حد السرقة، الإمام الشيرازي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي: المهذب في فقه الإمام الشافعي 2/295 ، وابن عابدين محمد أمين الشهير: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير ال.أبصار ( حاشية ابن عابدين ) – تحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، الشيخ علي محمد معوض 6/159.

(14) إعلام الموقعين 3/15.

(15) السنن الكبرى 8/475، المحلى 11/355

(16) انظر هذه الآثار: مصنف عبد الرزاق 9/241، المحلى 11/288.

(17) الحديث: أخرجه البخاري 8/199

(18) المصنف لعبد الرزاق 7/407.

منقول
__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس