عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 10-18-2015, 11:58 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://dc20.arabsh.com/uploads/image/2015/10/17/0c3e424362f104.jpg');border:2px outset gray;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


الفصل الثاني عشر
اليوم المشهود



دونكاستر اعتقد اني سوف اتذكر اليوم الحادي عشر من شهر سبتمبر مدى الحياة
والواقع اني كلما سمعت عن عيد القديس ليجير تذكرت فورا تلك الأحداث الرهيبة المتوالية التي وقعت
في ذلك اليوم لقد كنا هناك في ذلك اليوم ..في دونكاستر . المفتش كروم وجميع معاونيه و آلاف من
رجال المباحث وبوارو ودونالد فريزر وفرانكلين كلارك وتورا جراي وميجان بارنارد وماري دراور
وقررنا ان نوسع نطاق البحث بان نتفرق في انحاء البلدة وقد تم الإتفاق على ان يذهب كل من فرانكلين
ودونالد فريزر بمفرده وان يصحب بوارو المس جراي الوحيدة بيننا التي سبق ان شاهدت القاتل وان
اصحب انا ماري دراور لأن اسمها الثاني _ كما اشار بوارو_ يبدأ بالحرف "د" اذ ليس من المستبعد
ان يتعمد المجرم المجهول طعن بوارو في الصميم بقتل واحد من اعوانه.
وقال لي بوارو ونحن نفترق :
- اطمئن يا هاستنغز هذه المرة ان النجاح المتواصل سوف يدفع المجرم الى الإيمان بحظه ومن ثم لن
يكون شديد الحرص هذه المرة واكبر ظني انه سيرتكب بعض الأخطاء التي ستوقع به في ايدينا.
فقلت في شيء من الإرتياب :
- انني اعتقد ان هذا المجرم لن يفي بوعده ويرتكب جريمته الرابعة هذه المرة وهو يدرك احكام الحلقة.
فابتسم بوارو وقال :
- ان ذلك المجرم يعاني هذا النوع من الجنون الذي يجعله يصر كل الإصرار على تنفيذ ما وعد به
مهما تكن الظروف والأحوال لأنه سيدرك تماما ان تراجعه عن تنفيذ خطته سيعني الفشل وهذا ما لايتفق
مع الدوافع التي دفعت به الى ارتكاب هذه الجرائم.
- اكبر الظن انه سيكون ماكرا يا بوارو اذا قرر ارتكاب هذه الجريمة الرابعة.
- تأكد يا هاستنغز ان عجلة الحظ قد دارت ..وسوف يقع هذه المرة في ايدينا الى اللقاء.

×××

غمغم المستر ليدبتر بخفوت وامتعاض عندما نهض الرجل الجالس بالقرب منه في دار السينما وسار في
طريق الخروج وهو يتخطاه متعثرا ثم يزداد تعثرا ويسقط قبعته على المقعد الأمامي ثم ينحني ويلتقطها وينصرف
كل هذا ضيع بعض لحظات ثمينة من مناظر الفيلم " ليس عصفورا" الذي كان المستر ليدبتر ينتظر
مشاهدته بفارغ الصبر وتململ المستر ليدبتر في مقعده وهو يتساءل في نفسه " لماذا لا ينتظر هؤلاء الناس
حتى نهاية الفيلم قبل ان ينصرفوا ؟"
حسنا لقد انصرف ذلك الجار المتعثر الثقيل الظل وها هو ذا المستر ليدبتر يستمتع بمتابعة الفيلم حتى نهايته
وتنهد في ارتياح عندما اضيئت الأنوار في الصالة..
ونهض واقفا ببطء وهو يطرف بعينيه
ولم يكن من عادته ان يسرع بمغادرة دار السينما عقب انتهاء الفيلم وانما كان يجب ان يتمهل
حتى يعود الى واقع الحياة تماما ..وتلفت حوله ان الصالة لم تكن مزدحمة ..كان المتفرجون فيها عددا
قليلا جدا آه لاشك ان معظم الناس كانوا في تلك الساعة يتفرجون على سباق الخيل احتفالا بعيد سانت ليجير
واستعد المستر ليدبتر للخروج وراء المتفرجين الذين كانوا يتسابقون الى ابواب السينما لاحظ ان الرجل الجالس
على المقعد الأمامي بالنسبة له ظل جالسا مطرق الراس وكانه مستغرق في النوم
وشعر المستر ليدبتر بالسخط على مثل هذا الرجل الذي ينام في اثناء عرض فيلم رائع مثل "ليس عصفورا"
وهز كتفيه وسار في طريق الباب ولما وصل اليه وراح ينتظر دوره للخروج..ولم يدر لماذا التفت وراءه
الى حيث كان جالسا وعلى اية حال فقد راى جمعا من الناس حول ذلك الرجل الذي ظنه نائما في مقعده
وتردد برهة ثم خرج...
وهكذا فاتته الفرجة على الحادث الذي اقام الراي العام واقعده في جميع انحاء البلاد
لقد تبين لمدير الصالة حين هز الرجل الذي ظنه هو ايضا نائما انه مقتوا بطعنة سكين في القلب.
واجتمع حوله بعض النظارة الذين لم يكونوا قد انصرفوا بعد
وساد الفزع الجميع حين هتف احدهم مشيرا الى دليل ا.ب.س للسكة الحديدة الموضوع بجانب القتيل :
- لقد ارتكب المجرم المجنون جريمته الرابعة.
غارد المستر سوست سينما ريجال وتطلع الى السماء كان الجو في ذلك المساء صحوا ..جميلا
وقال لنفسه مادام الله في سمائه فكل شيء في الأرض على ما يرام وسار في طريقه مبتسما حتى وصل
الى فندق بلاك سوان الذي كان ينزل فيه
وصعد السلم الى غرفته الصغيرة الخانقة المطلة على فناء داخلي ومرآب "جراج" للسيارات
واختفت البسمة فجأة من وجهه حين لمح على كم معطفه _بعد دخوله الغرفة_ آثار الدماء
ولما لمسها وجدها لا تزال رطبة ..دماء رطبة
ودس يده في جيب معطفه فاذا هي تخرج ممسكة بسكين حاد طويل النصل ملوث بالدماء ايضا
ودار بعينيه في انحاء الغرفة كحيوان واقع في الفخ
وتهالك جالسا على مقعد قريب وهو يتمتم لنفسه :
- هذه غلطتي انا...
وبدا كانه يتحدث مع شخص مجهول بلهجة التلميذ الذي يلتمس الصفح من ناظر المدرسة
وقعت نظراته على حوض الإغتسال فنهض اليه وخلع معطفه
وملأ الحوض بالماء وراح يغسل المعطف بما فيه من دماء لقد غدا الماء احمر اللون
وفي تلك اللحظات سمع نقرا على الباب
وتسمر في مكانه لايريم وقد لراح يحملق فيما امامه ببلاهة
وفتحت الباب سيدة شابة ممتلئة الجسم ودخلت تحمل ابريقا وتقول :
- معذرة يا سيدي ..هذا هو ماؤك الساخن.
واستطاع اخيرا ان يقول لها
- شكرا لقد اغتسلت بالماء البارد.
ولما راى نظراتها تقع على الماء الأحمر في الحوض قال في فزع :
- لقد جرحت يدي.
وبعد لحظة طويلة طويلة جدا من السكون قالت :
- حسنا يا سيدي.
ووقف المستر سوست في مكانه كالتمثال من الحجر
لقد جاءت النهاية اخيرا
وارهف سمعه
هل هم قادمون اليه الآن ؟
ولكنه لم يسمع غير دقات قلبه المضطرب
وتحول جموده فجأة الى حركة دافقة فارتدى معطفه بسرعة وسار على اطراف اصابعه الى الباب وفتحه
ثم ارهف السمع مرة اخرى ثم هبط متسسلا السلم وعند نهايته وقف حائرا وفجأة لمح الباب الخلفي المؤدي
الى الفناء فانفلت منه وسار متمهلا امام اثنين من السائقين كانا يغسلان سيارتيهما ثم مضى الى شارع جانبي
وظل ينتقل من شارع الى آخر في اتجاه المحطة وهو يتمتم :
- لو ان الحظ يساعدني فاستقل القطار دون ان يتعرف علي احد.

×××

كان المفتش كروم جالسا ينصت الى حديث المستر ليدبتر المضطرب - أؤكد لك يا سيدي المفتش ان
قلبي يهوي بين ضلوعي كلما فكرت ان القاتل الرهيب كان جالسا بجواري طيلة عرض الفيلم.
فتذرع المفتش كروم بالصبر وقال :
- دعنا من هذه التعليقات يا مستر ليدبتر ارجوك ان تحدثني بوضوح هل تقول ان ذلك الرجل انصرف
قبل هنايه الفيلم ؟
- اجل..اجل.
- وهل مر بك وتعثر في اثناء مروره ؟
- اجل انني ادرك الآن انه تظاهر بالتعثر ولاشك انه طعن الرجل الذي كان جالسا امامي وهو
يتظاهر بانه يسترد قبعته.
- ألم تسمع شيئا لاصيحة ولا آهة ولا شيء ؟
- ربما سمعت شيئا ولكني حسبته الفيلم.
- هل تستطيع ان تصف لنا هذا الرجل ؟
- كان رجلا ضخما يزيد طوله على ستة اقدام ..كان ماردا
- اشقر ام خمري اللون ؟
- لست واثقا من هذا..لكنه كان اصلع رهيب المنظر
- هل كان يعرج ؟
- آه مادمت قد ذكرتني يا سيدي المفتش فيمكنني ان اقول انه كان يعرج فعلا واذكر ايضا انه كان
ملوح الوجه كانه نصف زنجي.
- هل كان موجودا في مقعده قبل بدء العرض ؟
- لا لقد حضر بعد بدء الفيلم بقليل عندما اظلمت القاعة.
وأومأ المفتش كروم براسه وبعد انصراف المستر ليدبتر قال لمساعده :
- هذا اسوأ انواع الشهود انه على استعداد لأن يقول اي شيء توحي به اليه واكبر الظن انه لايعرف
اي شيء عن شكل الرجل ..حسنا..استدع مدير الصالة
واقبل مدير الصالة الذي كان عسكريا سابقا ورفع يده بالتحية فقال له المفتش كروم :
- والآن دعنا يا جيمسون نسمع شهادتك.
ورفع جيمسون يده للتحية العسكرية مرة اخرى وقال :
- تماما يا سيدي ..عند قرب انتهاء العرض يا سيدي سمعت ان احد المتفرجين لا يزال جالسا في مقعده
في حالة تدل على انه نائم او مريض او اي شيء من هذا القبيل وكان ذلك السيد جالسا في مقعد بالصالة
منحنيا على نفسه بشكل يلفت النظر ورايت سيدا آخر واقفا بالقرب منه يقول ان جلسة ذلك السيد الآخر
غير طبيعية ولما وضع يده على كتف السيد المنحني على نفسه لاحظت فورا انها تلوثت بالدماء فارسلت
من فمي سيلا من اللعنات وأسوأ من هذا يا سيدي اننا وجدنا السيد المنحني على نفسه مقتولا بطعنة في
صدره امام القلب والدماء لا تزال تنساب منها وعلى المقعد الذي بجواره دليل ا.ب.س للسكة الحديدية فانتشر
الفزع بيننا وبادرنا الى اخطار مركز الشرطة.
فقال المفتش كروم :
- حسنا يا جيمسون لقد احسنت التصرف.
- شكرا يا سيدي.
- الم تلاحظ رجلا غادر الصالة قبل نهاية الفيلم بلحظات ؟
- غادرها كثيرون قبل نهاية العرض يا سيدي.
- هل يمكن ان تصفهم ؟
- لااظن ..وانما اعرف منهم فقط المستر جيوفري بان تل والشاب الوسيم بيكر وزوجته الحسناء
ولكنني لم الاحظ شخصا بالذات يا سيدي.
- هذا امر يؤسف له حسنا يا جيمسون.
- شكرا يا سيدي.
ورفع جيمسون يده للتحية العسكرية وانصرف
وما كاد ينصرف حتى اقبل رجال الشرطة وقال للمفتش كروم :
- ان المسيو بوارو ومعه سيد آخر يريدان مقابلتك يا سيدي.
وقطب كروم جبينه وقال :
- دعهما يدخلان .

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________