عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-07-2015, 02:27 PM
 
مريمُ الصدِّيقة !! عليها السَّلام متجدد 4

ويحتملُ : أنَّها مِنْ جهةِ زكريا عليهِ السَّلام : عرفتْ صفةُ الملائكةِ ، فلمَّا قالَ لها : { إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ } أظهرَ لها مِنْ باطنِ جسدهِ ، ما عرفتْ : أنَّهُ ملكٌ ، فيكونُ ذلكَ هو العلمُ.
وسألَ القاضي عبد الجبار : في تفسيرهِ : نفسهُ !!! ، فقالَ : إذا لم تكنْ نبيَّةٌ عندكم ، وكانْ مِنْ قولِكم : أنَّ اللهَ تعالى ، لم يُرسلْ إلى خلقهِ : إلا رجالاً ، فكيفَ يصحُّ ذلكَ ؟؟؟
وأجابَ : أنَّ ذلكَ ، إنما وقعَ ، في زمانِ زكريا عليهِ السَّلام ، وكانَ رسولاً ، وكلُّ ذلكَ كانَ عالماً بهِ .

وهذا ضعيفٌ : لأنَّ المُعجزَ ، إذا كانَ مفعولاً للنَّبيِّ ـ فأقلّ ما فيهِ : أنْ يكونَ عليهِ السَّلام عالماً بهِ ، وزكريا ما كانَ عندهُ علمٌ بهذهِ الوقائعِ !! ، فكيفَ يجوز جعلهُ معجزاً لهُ ؟؟؟
بل الحقّ أنَّ ذلكَ : إمِّا أنْ يكون كرامةً لمريم أو إرهاصاً لِعيسىعليهِ السَّلام .
المسألة الثانية : قرأَ ابنُ عامرٍ ونافعٌ : لِيَهبَ ( بياءٍ مفتوحةٍ بعدَ اللامِ ) أي : لِيَهبَ اللهُ لكِ.
والباقونَ بهمزةٍ مفتوحةٍ بعدها( لِأَهَبَ ).
أمَّا قولهُ : لِأَهَبَ لكِ ، ففي مُجازهِ وجهانِ :
الأول : أنَّ الهبةَ ، لمَّا جرتْ على يدهِ ، بأنْ كانَ هوَ الذي نفخَ في جيبِها ، بأمرِ اللهِ تعالى ، جعلَ نفسهُ كأنَّهُ : هو الذي وهبَ لها !! ، وإضافة الفعلِ ، إلى ما هو سببٌ لهُ : مُستعملٌ ، قالَ تعالى ، في الأصنامِ : { ... إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس ...} ( إبراهيم : 36 ) .
الثاني : أنَّ جبريلَ عليهِ السَّلام ، لمَّا بشَّرها بذلكَ ، كانتْ تلكَ البشارةِ الصادقةِ جارية ، مجرى الهبةِ .
فإنْ قالَ قائلٌ : ما الدليلُ : على أنَّ جبريلَ عليهِ السَّلام : لا يقدرُ على تركيبِ الأجزاءِ ، وخلقِ الحياةِ والعقلِ والنطقِ فيها ؟؟؟ .
والذي يُقالُ فيهِ : إنَّ جبريلَعليهِ السَّلام : جسمٌ والجسمُ : لا يقدرُ على هذهِ الأشياءِ.
أمَّا أنَّهُ جسمٌ : فلأنَّهُ مُحدثٌ ، وكلُّ مُحدث : إمِّا مُتحيزٌ أو قائمٌ بالمُتحيزِ.
وأمَّا أنَّ الجسمَ : لا يقدرُ على هذهِ الأشياءِ ؟؟؟ ، فلأنَّهُ : لو قدرَ جسمٌ على ذلكَ ، لقدرَ عليهِ كلّ جسمٍ : لأنَّ الأجسامَ مُتماثلةٌ ، وهو ضعيفٌ .
لأنَّ للخصمِ ، أنْ يقولَ : لا نسلمُ أنْ كلّ مُحدثٍ : إمِّا مُتحيزٌ أو قائمٌ بهِ ، بلْ ههنا موجوداتٌ قائمةٌ بأنفسِها : لا مُتحيزةٌ ولا قائمةٌ بالمُتحيزِ ، ولا يلزمُ مِنْ كونِها كذلكَ ، كونها : أمثالاً لذاتِ اللهِ تعالى ، لأنَّ الاشتراكَ في الصفاتِ الثبوتيةِ : لا يقتضي التماثل !!! فكيفَ في الصفاتِ السلبيةِ . سلمَّنا كونهُ جسماً !! : فلمَ قلتَ : الجسم لا يقدرُ عليهِ ؟؟ ، قولهُ الأجسامُ متماثلةٌ ؟؟؟ قلنا نعني بهِ : أنَّها مُتماثلةٌ , في كونِها حاصلة ، في الأحيازِ , ذاهبة في الجهاتِ أو نعني بهِ : أنَّها مُتماثلةٌ في تمامِ ماهياتها .
والأولُ مُسلَّمٌ : لكنَّ حصولها ، في الأحيازِ ، صفات لتلكَ الذواتِ ، والاشتراك في الصفاتِ : لا يوجبُ الاشتراك ، في ماهياتِ المواصفاتِ .
سلمَّنا أنَّ الأجسامَ مُتماثلةٌ : فلمَ لا يجوز : أنْ يقالُ : إنَّ اللهَ تعالى خصَّ بعضُها بهذهِ القدرةِ دونَ البعضِ ؟؟؟ ، حتى أنَّهُ يصحُّ منها ذلكَ ، ولا يصحُّ مِنْ البشرِ ذلكَ ؟؟؟
والجوابُ الحقّ : أنَّ المُعتمدَ ، في دفعِ هذا الاحتمالِ ، إجماعُ الأُمَّةِ فقط ، واللهُ أعلمُ .
المسألة الثالثة : الزَّكي يفيدُ أموراً ثلاثة :
الأول : أنَّهُ الطاهرُ مِنْ الذنوبِ .
والثاني : أنَّهُ ينمو على التزَّكيةِ ، لأنَّهُ يقالُ فيمَنْ لا ذنبٌ لهُ ( زكي ) ، وفي الزرعِ النامي ( زكي ). والثالث : النزاهة والطهارة، فيما يجبُ أنْ يكونَ عليهِ ليصحَّ : أنْ يُبعثَ نبياً .
وقالَ بعضُ المتكلمينَ :
الأولى : أنْ يُحملُ على الكلِّ !!!.
وهو ضعيفٌ ؟؟.
لما عرفتُ في أصولِ الفقهِ : أنَّ اللفظَ الواحدُ : لا يجوزُ حملهُ ، على المعنيينِ : سواءٌ كانَ حقيقةٌ فيهما أو في أحدِهما مُجازاً وفي الآخرِ حقيقةٌ .
المسألة الرابعة : سمَّاهُ زكيِّاً معَ أنَّهُ : لم يكنْ لهُ شيءٌ مِنْ الدُّنيا !!! ، وأنتَ إذا نظرتَ في سوقِكَ ، فَمَنْ لم يملكْ شيئاً : فهو شقيٌ عندكَ .
وإنِّما الزَّكيُ : مَنْ يملك المالَ !! .
واللهُ يقولُ : كانَ زكيِّاً ، لأنَّ سيرتهُ الفقرُ وغناهُ الحكمة والكتاب .
وأنتَ : فإنِّما تُسمّي بالزَّكي : مَنْ كانتْ سيرتهُ الجهل وطريقتهُ المال .
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)}.
وفيهِ مسائلٌ :
المسألة الأولى : أنَّها إنِّما تعجبتْ ، بما بشرَّها جبريلُعليهِ السَّلام : لأنَّها عرفتْ بالعادةِ ، أنَّ الولادةَ : لا تكونُ إلا مِنْ رجلٍ ، والعادات عندَ أهلِّ المعرفةِ مُعتبرة ، في الأمورِ ، وإنْ جوزوا خلافَ ذلكَ ، في القدرةِ ، فليسَ في قولِها هذا دلالةٌ ، على أنَّها لم تعلمْ ، أنَّهُ تعالى قادرٌ على خلقِ الولدِ ابتداء ، وكيفَ : وقدْ عرفتْ : أنَّهُ تعالى خلقَ : أبا البشرِ على هذا الحدِّ ، ولأنَّها كانتْ منفردة بالعبادةِ ، ومَنْ يكونُ كذلكَ : لا بدَّ مِنْ أنْ يعرفَ قدرة اللهِ تعالى على ذلكَ .
المسألة الثانية : لقائل : أنْ يقولَ قولها : { وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ } يدخلُ تحتهُ قولها : { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } فلماذا أعادتها ؟؟ ومِمَّا يؤكدُ هذا السؤالِ : أنَّ في سورةِ ( آل عمران ) ، قالتْ : { رَبّ أنى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ قَالَ كذلك الله يَخْلُقُ مَا يَشَاء } ( آل عمران : 47 ).
فلم تذكرْ البغاء ؟؟؟
والجوابُ مِنْ
وجوهٍ :

أحدها : أنَّها جعلتْ : المسَ عبارةٌ ، عنْ النكاحِ الحلالِ ، لأنَّهُ كنايةٌ عنهُ لقولهِ : { ... مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ... } [ الأحزاب : 49 ] والزِّنا : ليسَ كذلكَ ، إنِّما يُقالُ : فجرَ بها أو ما أشبهَ ذلكَ ، ولا يليقُ بهِ رعاية الكناياتِ .
وثانيها : أنَّ إعادَتها : لتعظيمِ حالها كقولهِ : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى... } ( البقرة : 238 ) ، وقولهِ : {.... وَمَلئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكالَ ....} ( البقرة : 98 ) ، فكذا ههنا : إنَّ مَنْ لم تعرفْ : مِنْ النساءِ بزوجٍ ، فأغلظ أحوالها ، إذا أتتْ بولدٍ : أنْ تكونَ زانية ، فأفردَ ذكر البغاءِ : بعدَ دخولهِ ، في الكلامِ الأولِ : لأنَّهُ أعظمُ ما في بابهِ .
المسألة الثالثة : قالَ صاحبُ «الكشاف» البغي : الفاجرة : التي تبغي الرِّجال ، وهو فعولٌ عندَ المبرد بغوي ، فأُدغمتْ الواو في الياء ، وقالَ ابنُ جني ، في كتاب «التمام» هو فعيلٌ ، ولو كانَ فعولاً لقيلَ بغوا : كما قيلَ نهوا عنْ المنكرِ .
المسألة الرابعة : أنَّ جبريلَ عليهِ السَّلام ، أجابها بقولهِ : { قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } وهوَ كقولهِ ، في آلِ عمرانَ : { كذلكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ( آل عمران : 47 ) لا يمتنع عليهِ : فعل ما يريدُ خلقهُ ، ولا يحتاجُ في إنشائهِ ، إلى الآلاتِ والموادِّ .
المسألة الخامسة : الكناية في : { ... هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } وفي قولهِ : { وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ ... } تحتملُ وجهينِ :
الأول : أنْ تكونُ راجعة ، إلى الخلقِ : أي أنَّ خلقهُ عليَّ هينٌ ، ولنجعلَ خلقهُ آيةً للناسِ : إذْ ولدَ مِنْ غيرِ ذكرٍ ، ورحمةً منا : يُرحم عبادنا : بإظهارِ هذهِ الآياتِ ، حتى تكونَ دلائل صدقهِ أبهر ، فيكونَ قبول قولهِ أقرب .
الثاني : أنْ ترجع الكناياتِ إلى الغلامِ ، وذلكَ لأنَّها : لمَّا تعجبتْ ، مِنْ كيفيةِ وقوعِ هذا الأمرِ ، على خلافِ العادةِ : أُعلمتْ أنَّ اللهَ تعالى : جاعلٌ ولدَها : آية ، على وقوعِ ذلكَ الأمرِ الغريبِ ، فأمَّا قولهُ تعالى : { ... وَرَحْمَةً مّنَّا ...} فيحتمل : أنْ يكونَ معطوفاً على : { وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ ... } أي فعلنا ذلكَ : { وَرَحْمَةً مّنَّا } فعلنا ذلكَ ويحتمل : أنْ يكونَ معطوفاً على الآيةِ ـ أي : ولنجعلهُ آيةً ورحمةً فعلنا ذلكَ .
المسألة السادسة : قولهُ : { وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }.
رد مع اقتباس