عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 08-11-2015, 06:37 PM
 
[align=center][tabletext="width:100%;background-color:silver;border:4px double gray;"][cell="filter:;"][align=center]

{الفصل السادِس : ما هذا؟}

تَوَقَفَت فجأة بِماتشي ليَصيح لاندرين : هيه أنتِ! ما خَطبِك؟!
نطَقَت مِن تَحت خُصلاتِ غُرَتها البُرتُقالية : طَلِقني!!
تعَجَب : هاه؟
أنتَفَضَت صائِحة : كما سَمِعت أمر زواجَنا هذا كانَ مُجرَد خطأ! ويجِب أن ينتَهي!
حاوَلَ تهدِئتها : أُقسِم أني لا أفهم ماالذي تَتحدثين عنه! أنا لا أُحاوِل إغضابِك!
تنَفَسَت بِعُمق : فقط طَلِقني, الأمر سَهل !
قالَ مُفَكِراََ : هذا فِعل أمر! لَكني فَقَط لا أستَوعِب المُراد مِنهُ ، هلا كَرَرتيه بصيَغ أُخري؟! أنا مِن زَمَن أخَر كما تَعلَمين! للأمر عِلاقَة بِزواجَنا أفهم هَذا!
ظَلَت فاغِرَة فاهها لثواني, هل يُمكِن أن هذا الشاب لا يَعلم فِعلاََ معني كَلِمة "الطلاق" ؟
أخذَت تشرَح بِهدوء : طَلِق ، طَلَقَ ، يُطَلِق مِن الطلاق تَطليقاََ
أبتَسمَت بِرضا ليرُد : والطلاق تَطليقاََ هذا هو..؟
-أنفِصال الزَوجَين!
-هل تُريدين السَفَر وَحدِك؟!!
-ماذا! لا! فقط أُريد الطلاق مِنك!
-الإنفصال يعني الذَهاب في طُرُق مُختَلِفَة!
-ليس حَرفياََ! أعني معنوياََ!
-وهَل كُنا يوماََ مُتَصِلان معنوياََ كي نَنفَصِل؟! إننا غريبان!!
زَفرَت بِحُنق : أتعلَم ماذا؟! لا شيء يُثبِت إننا زوجان أصلاََ! لا أوراق! لا خاتِمان! لا شيء!
صَمَت لثواني مُعطيها فُرصَة لِتهدأ : الرَب شاهِداََ..
رَمَشَت في دَهشَة : هيه لاندرين
-ماذا؟
-ماذا يفعَل الناس عادَةََ في هذا الزمن إن أرادوا الزواج بشخص أخر غير الذي هُم متَزَوجون مِنه؟
-ماذا؟! الخيانَة؟!
-لا! لا خيانَة! زواج عادي!
-أحد الزوجان قد مات؟!
نفَذَ صَبرها : ماذا ستَفعَل إن أردت الزواج فِعلاََ!؟ زواج حقيقي غير مُزَيَف! نحنُ بِمُشكِلَة حقيقية هُنا!
رد بهدوء : ليس فِعلاََ, لا أُفَكِر بالزواج, أنا لا أهتَم!
جمُدَت لثانية : ماذا عَني؟
أردَف بِنَفس الهدوء : ماذا عَنكِ؟ هذا ليس زَمَنِك حتي! لديكِ مشاكِل أكبر!

هل هوَ مُحِقٌ؟!

___

مَر علي تلك المُحادَثَة شَهر أو أكثَر ، النقود التي دُفِعَت عِندما حَطَم لاندرين نِصف غُرفَة تقريباََ كانَت كثيرة, زادَهم بالطبع أنتهي وقاموا بالتوقُف لِشراء الطعام أكثَر مِن مرَة من القُري الصغيرة التي مروا بِها ، لكن تلك المرة..؟

أفرَغ لاندرين سُرِة العُملات أمام عيونٌ زَرقاء فلم يخرُج مِنها شيء, قالَت وهيّ تنظُر للكيس البُني : لا نِقود ها؟
أدخَل الكيس بالحقيبة المُعلقَة علي يَمين سِرج شامايل : كما تَرين..
-ماذا سنفعل؟
رَدَت علي نفسها بسعادَة : سنأكُل مِن توت الغابَة أخيراََ؟!
رَد لاندرين بمَلَل : لا, مازال "قد يكون مسموماََ"
هَبَطَت عن ماتشي بِقَفزَة رَشيقَة : إذن؟
-سوفَ نَعمَل!
-هل أنتَ جِدي؟!
-نعم! نحنُ في مَدينَة كُبري الآن مُتأكِد أننا سَنَجِد وَظِيفَةََ في مكانِِ ما !
-لكن ماذا سنعمَل؟!
-أي شيء! وظيفة مؤقتَة لمُدِة يَوم! ، الأمر بسيط ، نفتَرِق الآن, نتقابَل في نفس المكان مُجدداََ عِند الغروب بعد أن نكون قد أنتهينا مِن يوم مِن العمل وقد حَصَلنا علي نِقود!

هل لَديها حَل سِوي الموافَقَة أصلاََ؟

__

دَقَت باب مَتجَر بَسيط ، فتَحَ لها عجوزٌ فالأربعينيات ، أخذَت جاهِدَة تُحاوِل إقناعُه أن يوَظِفها : أنا فالسنة الأخيرَة بِكُلية ...
توقَفَت عن الكلام ، المؤهِلات لَن تَنفَعها هُنا وأسلوب مُقابلات الوظائِف العادي أيضاََ لا قيمَة لهُ! رفَعَت أصبعها السبابة : أستَطيع أن ..
توقَفَت عن التحدُث مرة أُخري ، ما الحِرَف التي تُجيدَها؟!
رَفَعَ العجوز حاجِباََ لِتَقول بإبتسامَة بلهاء : لا عَليك أغلِق الباب مَرة أُخري!

فَقَط ، ما كانَ هَذا؟! مَشهَدٌ مِن مَسرَحية هزلية؟

قابَلَها مَكانٌ كالذي زَيَنَتها فيه تشارا ومالوري ، رُبما هيّ وظيفَة حقيقية في ذلك الزَمَن ، عَرَضَت أن تُساعِدهُم في تَزين الفتيات لذلك اليوم لكنهم قالوا "لا" !
تستَطيع الأعتِناء بالأطفال، "لا" !
التَنظيف؟ لا ،الطَهو؟ لا ،تستطيع القراءَة! الأُمية كبيرة في تلك الحُقبَة لا بُدّ إنّ شخصاََ ما يحتاجَها! أيضاََ لا!
"لا" أُخري وسَتُصاب بِنَوبِة غَضَب! ما خَطبُهم ألا يَحتاجَها هذا العالَم في شيءٌ ما؟!

قدماها تؤلِماها ولَم تَعمَل شيئاََ طوال اليَوم ولم تَكسِب أيَة نِقود، جَلَسَت علي الجُزء الباقي مِن شَجرَة قَد جُزَت تَنتَظِر قِدوم لاندرين ،تُري هل وَجَد عَمَل؟ بالطبع قد وجَد! شَخصٌ مِثلُه ماالذي لا يستَطيع أن يَعمَلُه أصلاََ؟

أرتَفَعَت قَدَميها فجأة عن الأرض!، نظرَت بِفَزَع لِعملاق أسمَر ذو بَطن كبير بِلا قميص قد رَبَط بِنطالُه بِحَبل وهوَ حافي القدَمين : ماذا تَفعَلين هُنا يا جميلَة؟ لِمَ لا تأتين معي؟!
تأرجَحَت قدماها فالهواء مُستَنجِدَة بالجاذبية الأرضية داعية أن تُسقِطها مِن يَدُه لكن لا فائِدَة! قَد أمسَكَ رِسغٌ واحِدٌ مِنها بقوة وبِهِ عَلَقها فالهواء كَدُمية!
هيّ بالطبع تُدرِك مُرادُه ليسَت طِفلَة ،هل تَصرُخ؟ رُبما تركُله؟!
لاحَظَت بِبُطء توتُر عضلاتِها الذي أفقَد رَكلَتها القوَة عندما ضَحِك وكإنها دَغدَغَته!

أحاطَت يدٌ أُخري بِخِصرِها لكن من المُستَحيل أن تَنتَمي هَذِه اليَد للعِملاق حيثُ أنّ كِلتا يداه أمامَها إلا إن نمي لهُ ذِراعٌ ثالِث!
واليَد الأُخري لِلشاب الذي تَدخَل أنتَزَعَت رِسغَها بِقوة مِن العملاق, ألَمتها لكنها لم تَنطِق بل سَقطَت في حُضن ... نعم ،لاندرين ،من غيرُه سيكون؟!
صاح بغضَب : ما مُشكِلتَك؟!
رَد الأسمر بصوتُه الأجَش : وما دَخلَك أنت؟!
-إنها زَوجتي!
-لكن أنتَ راهِب!
رمي لاندرين بالقلنسوة عن وجهُه : والآن! لم أعُد كذلك!
من المُحتَمَل إنها كانَت لِتَضحَك في موقِفٌ أخَر لكنها أكتفَت بالمُشاهَدَة في صَمت رُبما رَمَت بالقليل مِن وَزنَها لا إرادياََ علي لاندرين وإن لاحَظ فهوَ لم يتَحَدَث, لم تَعلَم مدي ضَعف أعصابَها إلا حين أتَت إلي ذلك الزمان فهيّ لم تُعَرَض لِمواقِف كتلك أبداََ من قبل وعاشَت حياة آمِنَة.
أشار لاندرين بيدُه للرجُل بغرور : أغرُب عن وجهي بِسُرعَة!
تعجبَت مِن تلك الثقة ،قد يكون لاندرين قوي لكن الرجُل ضَخم ولاندرين يبدو ضَئيلاََ بطريقة أو بأخري أمامُه ،رَفَعَ الرجُل حاجِبُه الأيمن : ومن أنت لِتأمُرني؟! أنا أفعَل ما أشاء!
تَرَكها لاندرين بِبُطء وكأنهُ يَخشي أن تَسقُط وأبعَدها لِتُصبِح خَلفُه، قَفَزَ بسُرعَة أو لِنَقُل تَشَقلَبَ فالهواء لِتَطول قَدَمُه رأس الرجُل, لم تَري سيرين الحركَة التي أداها فعلياََ بسبب سُرعَتُه لكنها سَمِعَت صوت رَكلَة قوية سقط العِملاق بعدها فالأرض كجُثة مَغشياََ عليه : لاندرين ،حارِس المَلِكَة سينامون!
قالَ هذا رداََ علي سؤال الرجُل "من أنت لِتأمُرني" ،من المؤسِف إنهُ ليس مُستَيقِظاََ ليَسمَع الإجابَة!

أخذا فالسَير لِلمكان الذي رَبَطا فيه الحِصانان في صَمت بعد أن عَلِمت إنهُ لم يجد عملاََ أيضاََ ،رُبما أغضبُه ذلك حتي سيرين نفسها غضبت وهيّ تقريباََ بلا مؤهِلات تجعل من أي شخص يقبَلها بماذا سيشعُر هوَ؟
أخَذَت سيرين تَرتَعِد بِشَكل غير مَلحوظ، هيّ لا تَثِق فيه هذا أمر طبيعي فلا أحَد يَثِق بالغُرباء إلا إن كانَ مجنوناََ لكنها الآن تَخشاه أيضاََ! ،هوَ لم يقتُل ذلك الرجُل صحيح؟! وكإنها للتو تُلاحِظ من هوَ فِعلاََ وأهمية مَنصِبُه ،لِماذا شَخص مِثلُه يُساعِدها؟!
-لاندرين؟
-همم؟
-لِماذا تُحارِب؟!
ألتَفَتَ لها بإستغراب : ماالذي تعنينَه؟
تَلَعثَمَت : ماالذي تُحارِب مِن أجلُه؟ ما هَدَفَك مِن كُل ما تفعَل؟! ماالذي تعيش له؟!

هل توضِح أكثَر؟ رُبما "كيف تُفَكِر؟!!" ستكون غريبة! بعض الشيء أو "لماذا أنتَ معي مُجدَداََ؟!" ستكون أغرَب ،هيّ لا تَستَطيع قول هَذا!

ضَحِك فجأة بِسُخرية : أنا لَستُ كَلب المَلِكَة إن كان هَذا ما يَدور في ذِهنِك!
فالواقِع كان هذا أخِر ما يَشغَل ذِهنَها ،هيّ لم تَستَصغِرُه! لكنها جارَت الحوار : إذن، ألستَ تُحارِب من أجلها؟
قال بلا أهتمام : أنا لا أُحارِب مِن أجل أحَد ،أنا أُحارِب من أجل الحقيقة!
أستَرخَت قليلاََ : هه لا يُمكِنَك أن تَكون بِهذا الكمال!
-فِرقِة المُغتالين تَنظيم مُنفَصِل عن الحُراس العاديين ،قَد نأتَمِر بأوامِر المَلِكَة لكن ولاءَنا الحقيقي.. للحقيقة فقط! نحنُ نحتاج مكاناََ فالمُجتَمَع وجوار المَلِكَة هوَ المكان الوحيد الذي نستطيع من خلالُه التحرُك بحُريَة!
فَكَرَت قليلاََ : لكن من أعطاكُم الحق؟!
نَظَر للسماء فجأة عِندما سَمِع صَوت صَقر, تسائَلَت "فقط ماالذي يدور بذهنُه" : علي الجميع فِعل شيء من أجل هذه الأرض.
صمَت ليُتابِع بعد ثوانِِ : أعتَرِف رُبما لم يتم تفويضَنا للتصرُف مِن قِبَل العامَة ،رُبما العائِلة الحاكِمة تَستَغِلَنا! لكننا لا نهتم! نحنُ لدينا المعلومات الحقيقية كجواسيس، القوة للتَصَرُف! هذا بِنَظَري يُعطيني حَق التَدَخُل فأنا لن أقِف كالمُتفَرِج!
هُنا سَقَط خوفَها مِنه ،نَظَرَت لعيناه مُحاوِلَة قِراءَتُه : لكن ،أنتَ مُجرَد بشري بعد كُل شيء ،نحنُ نُصيب تارَة ونُخطيء أُخري، لا شيء يؤكِد إن معلوماتَك صحيحَة تماماََ!! لا شيء يجعلها يَقيناََ!! أنتَ لستَ معصوماََ!!
إبتَسَم لأوَل مرَة بِصِدق : سيرين، أنا لستُ رجُلاََ واحِداََ! نحنُ موزَعون علي العالَم! نحنُ نفعَل ما نفعَل من أجل الصالِح العام!
شَهِقَت : العالَم! ونحنُ لا نَعلَم شيئاََ عنكم؟! هل مازِلتُم موجودون فالمُستَقبَل؟! أعني زَمَني!!
-كيف سأعلَم هذا؟!
أستَمَرَ لحنٌ مِن القَلَق بالرَقص في صَدرَها وقد أستَشعَر هذا ليقول : علي الأقل نحنُ نفعَل شيئاََ!
أومأت في موافَقَة لِتَرُد بجدية : لاندرين!
صمَتَت لثانية لا تدري كيف تقول ما ستقول : إن العالَم سيسير إلي ما هوَ أسوء..
أشاحَت بوَجهها عنهُ! لا تَستَطيع أحتمال هذا ،حِس العدالة الخارِق الذي لديه هذا! هوَ أسوء مِن مُجرَد قاتِل! أو كَلب المَلِكَة! هوَ.. لديه قضية حقيقية؟

سرَحَت بِفِكرَها للزَمَن الذي أتت مِنهُ ،لاندرين لا يعلم شيئاََ عن الحرب العالمية ،الأولي أو الثانية!
لا يعلم شيئاََ عن ثَقب الأوزون، لا يعلَم شيئاََ عن المجاعات بأفريقيا أو أنقراض الملايين من الحيوانات التي رُبما يعرفها في زَمنُه أو حتي أختفاء مساحات كثيرة من ذلك الأخضر، لا يعلم معني كِلمة أحتلال ،لا يعلَم شيئاََ!! وكونَها فتاة مِن المُستَقبَل لا يُعطيها الحُريَة في تَدمير أحلامُه أو تحطيم إيمانُه بالصالح العام!
نظرَت لعيناه المُلتَمِعَتان بإنعكاس ضوء الشَمس عَليهُما ،لا تستَطيع أخبارُه إنهُ سيُضَيع عُمرُه من أجل اللا شيء! إن قَضيتُه خاسِرَة ،إنهُ لا يوجَد ما يُسَمي بالصالح العام أو السلام العالمي والصراعات ستبقي ما دامَ الناسُ أُمَماََ أو فِرقَتان وعلي فِرقَة أن تُبيد الأُخري كي يحِل السلام!

مَن الطِفل الآن؟! هيّ أم هوَ؟!
رُبما ولِد علي هذه الأرض قبلَها لكنها الأقدَم!

___

كانَ هُناكَ طِفلاََ يرتدي ملابِس غريبَة يُطعِم الحِصانان! وفالجوار خَيمَة كبيرة بألوان مُزَكرَشَة!
السِرك؟! فِعلاََ؟!

إنسَلَت كالماء علي أطراف أصَابِعها لتختَلِس نظرَة بداخِل الخَيمة وَتبِعَها لاندرين بِدون أن تَشعُر! ليأتي نفس ذلك الطِفل من خَلفَهما ويُفزِعهُما!
-أتعملان مَعَنا؟
نظرا لبعضَهُما بتعجُب ، هل سيأتي الفرَج بعد أن يَئِسا؟!
أومأ كِلاهُما بِسُرعة ليأخُذهما في جَولة حول السِرك حتي أنتهيا عِند مُديرُه الذي أخذَهُما إلي أحد التمارين بالتحديد.
كان هُناك شابٌ وشابَة يَقِفان في مكانِِ عالِِ، يقفِزان مِن جِهة للأُخري، يستَخدِمان الحِبال، كانَت حركاتُهم بالفِعل رشيقة وصعبة علي غَير المُحتَرفين، كانَت عيون لاندرين مُسَمَرَة علي حركات الشاب دارِسَة لَها في حِساب دَقيق وكأنهُ يَنسَخها : أستَطيع فِعل هذا!
هَبطا علي الأرض ليَنزِل الشاب علي رُكبَة مُعطياََ الفتاة وَردَة حمراء ،تلألأت عينا سيرين : عَرض روميو وجوليت السِركي!
تعَجَب المُدير : عَرض ماذا؟!
أردَفَت وكأن الإنبهار قد زال : لا تهتم!
قد يكون الأمر مُحبِطاََ بعض الشيء حينَ لا يعلم أحد عمَ تتحدَث، تابَع المُدير : روبَرت وباتريشيا يرغبان في عُطلة لذلك كُنا نُفَكِر في إلغاء فَقرَتهُما حتي ظَهرتُما لنا!
أصبح ينظُر للاندرين : من الجيد حقاََ إنَكَ تستطيع فعل هذا!
نقل نظرُه لسيرين : ماذا عَنكِ؟
ماذا عنها؟! إنها تخشي الأماكِن المُرتَفِعة وليس لديها ذَرِة إتزان!
-إنها مُناسِبة تماماََ!
قالها لاندرين قبل أن تَجِد فُرصَة للتَنفُس حتي، لاحَظ شيء مِن المُعاناة علي وجهها : لكنها تحتاج فقط إلي بعض التدريب!

صحيح؟! هذا كُل ما تحتاجُه؟!

___

فُستان أحمَر قصير ضَيق، حِذاء أسوَد علي الأرض ،شرائِط سوداء ألتَفَت علي كِلتا ذِراعَيها ، أصبحَت فتاة السِرك الآن! كانَ علي وجهها علامات خِطوط، أثَر السِقوط علي الشبَكَة لأكثَر مِن مَرَة! مع ذلك قد صاحَت بحماس : لاندرين هل رأيت هذا؟!
قميص أسود بلا أكمام مع بِنطال بنفس اللون لكنهُ ليس جلدياََ كملابس لاندرين العادية! ،شريطَة حمراء غريبة الشَكل طَوَقَت عُنُقُه ،فتي السِرك! أبتَسَم بِخفة : أصبحتِ أفضَل بسُرعَة! أظُنِك ستكونين مُستَعِدَة مع حلول الغَد!

قَبل أن يَنتَهي اليَوم وَجَدَت سيرين نفسَها تتناوَل الطعام مع فتيات السِرك، مِنهُن من يُعطيها النصائِح ،مِنهُن من تُحدِثها عن أهمية الإبتسام في وَجه الجمهور، قَد أحبَت الجميع وتأقلَمَت بطريقة غريبة لا تبدو معها كفتاة مِن زَمَن أخَر، أليسَ هذا أيضاََ عمَل محفوف بالخَطَر؟! لِماذا لم تتوَتَر؟!
خَطِر؟ رُبما، مُمتِع؟ بالتأكيد!!
مع حلول الليل كانَت نائِمة بالفِعل في سَرير مُعَلَق فالهواء!
تساءَلَت قليلاََ قبل أن تغفو "تُري هل تأقلَم لاندرين جيداََ مع زُملاءُه؟"
هوَ فالأصل يَنتَمي لأخوية! بالتأكيد تأقلَم! وإن لم يَفعَل فإنهما سيرحلان بعد العرض التالي علي أي حال ولن يبقوا معهُم!

___

لم يَسبِق لسيرين أن وَقَفَت أمام جمهور كبير ،حسناََ، علي الأقل ليس بِملابِس السِرك وبالتأكيد ليس في زَمَنِِ ماضِِ!

لم تكُن تَبتَسِم لأن الفتيات أخبروها أن تَفعَل! هيّ كانَت بالفِعل سَعيدَة! هل كانَت سعادَتها تَنتَقِل للجمهور أم أن سعادِة الجمهور هيّ من أنتقَلَت لها عبر التَصفيق والتَهليل؟! لا أحد يَعلم! فقط كان المكان مُمتَلئاََ بالكثير مِن.. السعادَة! رُبما الطاقَة أيضاََ! لاندرين نفسُه كانَ يَبتَسِم إلي جِوارَها!

لم تؤدي كُل الحركات كما يَجِب لَكِنَها أدَتها! ،هَبَطَ لاندرين وجاءَ دَورَها فالنزول وبالطَبع لم تكُن الشبَكَة مُعلَقَة فهذا ليسَ تَمريناََ!

دارَ المكان بِها فجأة وَخَفُتَت كُل الأصوات وكإنها فَقَدَت السَمع، كانَت تَنِزل علي حَبل، قد قطَعَت أكثَر مِن نِصف الطَريق لكنها فقط توَقَفَت!
لاحَظ لاندرين أنّ شيئاََ غريباََ يحدُث! كذلك جميع المؤدين الأخرين لكن لم يكُن للجمهور أدني فكرة عن ما يحدُث! وَقَف عند نهاية الحَبل وفَتَح ذِراعيه : فقط أقفِزي! سأمسِكِك!

لم تَسمَع شَيئاََ غَير الجُزء الخاص بـ"أقفِزي" لكنها فهمت البقية مِن حركاتُه ،زاغَ بَصَرَها، هل تستَطيع أن تَقفِز بين يديه؟ ماذا إن أخطأت التصويب؟ ماذا إن لم يَستَطِع إمسَاكَها؟ هوَ شاب غريب يرغَب في إنقاذ العالَم! ألن يَستَطيع إمساكَها إن قَفَزَت مِن هذا البُعد القريب؟!
وبُناءََ علي هذه الفِكرَة الأخيرَة قَفَزَت! لكنها أُغشي عليها قَبل أن تَصِل إليه!، قامَ بِعَدل رأسها المُتَدلي بِسُرعة لتُصبِح علي كَتِفُه ليُخفي حقيقِة إغماؤها، وَضَع الوَردَة الحمراء التي كان من المُفتَرَض أن يُقَدِمها لها في شَعرها!

لم يَظُن الجمهور شَيئاََ سِوي أنّ هذا جُزء مِن العَرض!
أختَفَت إبتسامِة لاندرين وهوَ يختفي عن أنظار الجميع وأستُبدِلَت بوَجه مُمتَعِض، الجمهور سَيُهَلِل فَقَط علي أي حال!!
نعم أراد إخفاء الأمر لكن كيف لهم أن لا يَشعُروا؟!

نَظَر لِصاحِبُه "المُهَرِج" بِشَفَقة, لم يَنضَم للسِرك إلا بِسَبَب مرَض أُمُه الذي جعلُه في حاجَة إلي النقود! وكانَ جميع الشُبان يُحاوِلون إضحاكُه بالأمس! كيف أضحَك هذا الجمهور كُلُه أمر يتَخَطي عَقل لاندرين!

كانَت تِلك أخِر فَقرَة ،غادَر الناس بَعدَها وبدأ جميع المؤَدين بجمع أغراضُهم وحزمها للرحيل إلي بلدَة أُخري ،رَغَب لاندرين في المُساعَدَة لَكِن المُدير أبي إلا أن يُعطيه نُقودَهما ويذهبا في طريقِهما إن شاءا!
كان الحُزن واضِح علي ملامِح العجوز : لِماذا لم تُخبِرني إنها تخشي المُرتَفَعات؟!
لم يكُن لاندرين أفضَل حالاََ مِنهُ فلا إنسان طبيعي في حالَة جيدَة سيتَمَني رَكل نَفسُه ! : لم أعلَم! هيّ كانَت.. سَعيدَة!
لاحَظ العجوز تأنيبُه لِنَفسُه : لكنها كانَت جيدة! بالنِسبَة لفتاة تخشي المُرتفعات !
تابَع بإبتسامَة مواسياََ : الحُب يَهزِم الخَوف في أي وَقت وأي مكان!

___

جلَسَ في رُكنِِ مِن غُرفَة بسيطَة في فُندُق أبسَط لم يدفَع بِها غير قِطعتان نقديتان، ينظُر مِن النافِذَة للسماء بتفكُر ،سيرين علي السرير الوحيد.
ما كانَ ذلك الإحساس عندما سَقَطَت؟ كانَ مُتأكِداََ! إنّ بإمكانُه إلتقاطَها! وقَد فَعَل! لِماذا إذن سَقَطَ معها قَلبُه؟!
الفَزَع الذي أنتابُه وهيّ كالجُثَة بين يَديه ،ما كان هَذا؟! كان يستطيع سماع نَبضها! بمهاراتُه الغريبة التي أمتَزَجَت بالطاقَة الصاعِقَة ،كانَ مُتأكِداََ من كَونَها حيَة! لِماذا كانَ خائِفاََ إذن؟!
هل، هل حقاََ كانَ خائِفاََ؟! أياََ كانَ ما شَعَر بِهِ فقد تغلَب عليه! لكنهُ بقي في حالَة مِن الصدمَة الخفيفة وكإن كياناََ طُفيلياََ قَد إختَرَقُه وأصبَح يُشَكِل تَهديداََ علي وجودُه!
فقط ما هذا الإحساس الذي لا يستطيع أن يَجِد لهُ "إسماََ" !

أستَيقَظَت سيرين ،نظرَت حولَها دون أن تَنهَض ففهمت إنهما أصبحا في مكانِِ أخَر الآن! وعلي الأغلَب وقت أخَر!، تذَكَرَت أخِر الأحداث التي عاشَتها ،تباََ! لا بُدّ أنّ لاندرين غاضِبٌ مِنها الآن! علي ذلك الموقِف الذي وضَعتهُ فيه!، هيّ لا تُتقِن ركوب الخَيل إتقاناََ تاماََ, لا تُتقِن السِباحة أصلاََ! وأيضاََ تخشي المُرتفَعات! ،سيوَبِخها وكأنها طِفلَة كما يفعَل حين يُخبِرها أن ترتدي حِذائَها أو لا تتناوَل التوت الذي بالغابَة ؟
تفاصيل! السَفَر مع أحدَهم لأكثَر من شَهر يملأك.. تفاصيلاََ!

كانَ يَعلَم إنها أستيقَظَت فقد تسارَع نَبضُها لكنها لم تقُل شيئاََ؟ ماالذي تُفَكِر فيه؟!

قررَت التشَجُع وأخذ التوبيخ الذي تَستَحِقُه! ليس وكأن توبيخ لاندرين قاسِِ عادَةََ علي العَكس , من الواضِح إنهُ ليس مِن الرِجال الذين يُجيدون توبيخ الفتيات وهذا علي الأغلَب يرجَع لثقتُه العالية في مقدار قوَتُه ،هوَ فقط لا يُضايق الفتيات!! فهو ليسَ ضعيفاََ ليفعَلَ هذا! ،فالمُنافَسَة عادَةََ تنشأ بَين الواقِفون علي مستوي واحِد في مُقارَنَة وهذا أيُ شيء إلا لاندرين وفتاة؟
ليس وكأنهُ يستَصغِر الفتيات ،هوَ فقط لم يَعتَد جَذب شعورِهِن عندما كانَ طِفلاََ!

لكن كُل هَذا لم يَجعلها تشعُر بشيء إلا وكأنها طِفلَة حولُه، لنتجاهَل حقيقة إنها طِفلَة مُعظَم الأوقات!، نطَقَت بترَدُد : لقد أستَيقَظت ..
"أخيراََ!" زفَرَ لاندرين زَفرَة خفيفة وقد علَت تقاسيمُه إبتسامَة غريبة، لم ينظُر لها أو يُشِح بوجُهه عن السماء فلَم تري مِنهُ إلا جانِباََ واحِداََ ، نطَقَ بِبُطء : هل أنتِ أفضَل الآن؟
أومأت لكنهُ لم يري فشعرَت بالغباء لِتَرُد بصَوت : نعم!
أتَسَعَت إبتسامَتهُ شيئاََ قليلاََ لا يُلحَظ فقد شَعَر بإيمائَتها! : جَيد!

أنتَظَرَت التوبيخ لَكِنَ شيئاََ كهذا لم يأتِ ، كانَت تَشُمُ رائِحة طعام فقامَت مِن السَرير باحِثَةََ عن مَصدَر تِلك الرائِحة لتَكتَشِف إنها ترتدي فُستان لورانس الآن! كانَت ماتزال تشعُر بِملابِس السِرك الضيقة مِن تحتُه لكن فقط من الذي أعطي لنفسُه الحُرية لِقلبَها بين يديه؟! ، أمتلأ وجهها إحمراراََ مِن الغضَب : لاندرين ، من الذي ساعَد في إدخالي بالثَوب؟!
قال وكأن الأمر ليس إلا واضِحاََ : لا أحَد غَيري بالطبع!
كتَفَت ذراعَيها تحت صَدرها : ومن أعطاك الحَق؟!
رَد بِهدوء : كانوا ينظرون إليكِ فالشوارِع ، كُنتِ في مقام الغائِب بينَما كُنتُ أنا حاضِراََ ، هذا يُعطيني الحَق! لأني كُنتُ موجوداََ!

ألتَمَعَت عيناها ، ليس لديها رداََ علي هذا ! ، مُعظَم الناس لا تَجِدهُم أصلاََ حينَ تَقَع وإن طَلَبتَهم وهُناكَ من يَقِف بموقِف المُتَفَرِج ، لَكن لاندرين؟ أعطي نفسُه حق التدخُل لمُجرَد تواجُدُه ، وكإن المُعادَلَة أنقلَبَت !

___

مرَ شهرٌ أخَر ومازالا في حِلِِ وتَرحالِِ ، كانَ لاندرين يُمسِك بِلِجام الفَرَسَان ويسير وعلي مسافَة بِجوارُه كانَت سيرين تَسير ، هُما لا يستَطِيعان ركوب ماتشي وشامايل طوال الوقت! ، تلك مخلوقات تَتعَب أيضاََ وتحتاج للراحَة!

وقفَت سيرين فجأة : هيه لاندرين! توقَف أُريد قِراءِة تلك اللافِتَة!
أقترَبَ لاندرين حيثُ وقَفَت بِصَمتِِ لتقرأ بصَوتِِ عالِِ :
"حية لِحية وفارِس لِفارِس
إن لم يَكُن مَعَك حَية فليسَ لَكَ حارِس
سَتُقتَلُ قَتلاََ لَيسَ كأي حادِث
وَتَحِلُ عَليكَ لَعنِة الحابِس"
نظرَت لهُ بِهدوء تنتَظِر رَدِة فِعل ليَنطِق بإستنكار : ماذا؟! هذا فقط هُراء! تلك أخِر مَدينَة كُبري سَنَمُر بِها! نحنُ لن نَعود الآن!

دخلا إلي تلك المدينة كأي غريبان وسارا بين الناس، سَقَطَ شابٌ غريب أخَر قد رأوه عند عبورهم للحدود أرضاََ فجأة ، تعالي صُراخ الناس : إنها اللعنة!

-أنتهي الفصل السادِس.

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]

التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 09-22-2015 الساعة 06:42 PM
رد مع اقتباس