عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-08-2008, 01:10 PM
 
التحكّم في النفس··· مظهر قوة لا مظهر ضعف

''ليس الشديد بالصرعة''
التحكّم في النفس··· مظهر قوة لا مظهر ضعف

تحريش الشيطان
فالشيطان جاهز، فهو ينزغ في مثل هذه المواقف لأنه يريد أن يقع المرء في مثل هذه المهلكات من الاستعجال أو التصرفات التي لا تحمد عقباها· ويأتي للإنسان من باب النصيحة والخير كما يأتيه من باب المكيدة والشر·· ولذا حذرنا القرآن منه ومن طرقه وأبوابه التي قد يأتي منها قال تعالى: (وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) الأعراف· وقال تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتّبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) البقرة· فالشيطان عدو مبين وله خطط ووسائل ليخرج الناس من النور إلى الظلمات، ومن الطاعة إلى المعصية، ومن التوحّد إلى الفرقة، ومن الصلاح إلى الفساد··· وقد عهد إلينا ربنا عز وجل بأنه عدو مبين لنحذر مكره وخديعته، قال تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين) يس· وقد يقول قائل إن الشياطين مصفدة في رمضان، فهذه حقيقة، ولكن في الأمر كلام عند العلماء في معنى التصفيد· وعلى كل حال فلا يمنع من أذاها، ولكن تضعف قوتها· ثم إن هناك بعض النفوس مازال فيها من رواسب الشياطين ولم تصفو بعد، ناهيك عن النفس الأمّارة بالسوء·
استفزاز الجهلة من الناس
فالإنسان قد يكون سببا في إثارة أخيه بدل أن يكون سببا في مساعدته في التحكم في نفسه؛ فيثير الحمية والغيرة والعصبية والأنفة المذمومة، فيشتعل قلب السامع وهو في نفسية غير مهيأة تجعله يتصرّف بكل ما خطر بباله في تلك اللحظات الثائرة· ومن هنا كان على الإنسان أن يهدّئ من روعه ويتحكم في نفسه ولا يسمع لكل كلام يقال له، بل عليه أن يزن هذا الكلام، وإن كان الأمر يحتاج إلى مشورة شاور أهل المشورة الذين يساعدونه في الرأي السليم الذي لا يرجع عليه بالخسران أو الندم·
الأراجيف والإشاعات
وخاصة أن البعض يتعجلون بتصديق هذه الإشاعات· فهناك إشاعات، وهناك تصرفات يقصد بها إحداث فوضى، وإحداث خلل، يقصد بها إيقاع الطيبين في الفخ·· فلنتنبّه لهذا؛ فالإشاعات والأراجيف وألاعيب بعض العابثين قد تكون سببا رئيسا في وقوع بعض الأمور التي تبعث على عدم التحكم في النفس· ومن هنا جاء القرآن ليحذرنا قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الحجرات·
الطبائع الفردية:
فالناس يختلفون، فهناك من أعطاه الله سعة في الصدر، وتحمّلا وقدرة على التحكم في النفس، وهناك آخرون سريعو الغضب، سريعو الثورة، فأي سبب يقع في بيته قد يطلّق معه زوجته، قد يسيء إلى ابنه، وقد يتعدى هذا الأمر إلى ما يتعلق بأمور المسلمين العامة· فبسبب طبيعته المتعجلة، وبسبب طبيعته الشخصية التي لا تتحمل، قد يجني على نفسه وعلى المسلمين ما لا تحمد عقباه·
ثمار التحكم في النفس
هو من أوصاف المتقين وعليه الأجر العظيم: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)·· والمتقون يوم القيامة من أهل الجنة والثواب العظيم والكبير·
كما أنه يجنب النفس الحسرة والندامة، فالإنسان يجني من ثمار التحكم في النفس أن الله تعالى يجنبه مغبات الأمور والحسرة على التصرفات التي قد تنتج من ضعف النفس· ولذا قيل ''في التأنّي السلامة وفي العجلة الندامة''·· وما أصدق قول الشاعر حين قال:
عوّد لسانك قول الخير تنجو به
من زلّة اللفظ أو من زلة القدمِ

فبدل أن يسب أو يدعو بالشر أو يضرب أو يفعل فعلا لا يليق، يتحكم في نفسه، ويطلب الخير والصلاح· وله في عباد الرحمان أسوة حسنة عندما قالوا: لابنك، بدل أن تدعو عليه ادع له·· (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)·
كما أنه مظهر القوة الإيمانية وعدم التحكم في النفس مظهر ضعف لا مظهر قوة· يعني إذا جاء إليك إنسان وقال إن فلانا شتمني أو تصرف كذا وإني ضربته، فلا تقل له إنه بطل، أبدا فهو في الحقيقة ضعيف: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا)·
فإذا كان تصرّفك سيجر عليك مصيبة أعظم فلا·· ولعل الكثير من الناس يتحمّل الأذى والإهانة من أجل مصلحة نفسه، يخشى على وظيفته، أو يخشى أن···، أو يخشى من أي أذى شخصي، ولكنه في بعض الأحيان لا يتحكم في نفسه في أموره الأخرى، فيجر على نفسه المتاعب والويلات نسأل الله تعالى السلامة والعافية·
فنتذكر أيها الإخوة المؤمنون وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام وليكن شعارنا: ''لا تغضب''·


المصدر :علي زواوي أحمد / إمام وخطيب مسجد الرياح بالوادي - الجزائر -
رد مع اقتباس