عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 06-28-2014, 04:36 PM
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
انه لموضوع جميل هذا الذي اقترحتيه عزيزتي مدى
و كما تعودت منك الابداع:
فإليكم المقتطف الأول من رواية أسرتني من رأسي إلى أخمص قدمي " الفضيلة " للكاتب القدير مصطفى لطفي المنفلوطي:
{ جاء الصباح فنهض بول من مضجعه القلق المضطرب ، و مشى في طريقه إلى كوخه ، و مشيت وراءه أرقبه على البعد من حيث لا يشعر بمكاني. فلم يزل سائرا حتى لمح الخادم "ماري" واقفة على رأس هضبة عالية تنظر جهة البحر ، فذعر إذ رآها، وناداها: أين "فرجيني" يا "ماري"؟
فأطرقت برأسها و بكت. فجن جنونه، و علم بما كان ، و هرع إلى شاطئ البحر يعدو عدو الظليم. فلم ير أمامه على سطح الماء شيئا ، وحدثه الناس هناك أنا السفينة قد أقلعت قبيل الفجر، وأنها قد تجاوزت مدى البصر، فلا سبيل لرؤيتها.
فكرَّ راجعا حتى وصل إلى ذلك الجبل االعظيم الذي يسمونه " جبل الإستكشاف "، فارتقاه بأسرع من لمح البصر على وعورته و تشعب مسالكه حتى بلغ قمته العليا، و ضرب الفضاء بنظره، فلم ير في عرض البحر إلا نقطة سوداء صغيرة تتلاشى شيئا فشيئا، فعلم انها السفينة التي تحمل " فرجيني ". فاستمر نظره عالقا بها لا يفارقها حتى غابت عن عينيه، فظل واقفا حيث هو، ينظر حيث ينظر، كأنما يظن أنها ما تزال باقية في مكانها، وظل على ذلك ساعة حتى نشأت أمام عينيه سحابة سوداء حجبت عنه كل شيء، فلوى رأسه و انفجر باكيا، و أنشأ يعج عجيجا محزنا يرن في أجواف الغابات و الأدغال، و تردد صداه أكناف الجبال. }
ثم الإقتباس الثاني من نفس الرواية:

{ و ما هي إلا لحظات حتى خلا سطح السفينة من كل شيء إلا من " فرجيني " واقفة في مؤخرتها تنتظر قضاء الله فيها، و رجل بحار واقفا في مقدمتها قد خلع ملابسه ثم لمح " فرجيني" و اقفة موقفها هذا، فأبى له كرمه ووفاؤه إلا أن يمد لها يد المعونة لينقذها، فمشى إليها وجثى بين يديها و طلب منها أن تخلع ثوبها ليحملها على ظهره و يسبح بها

أتدري ماذا كان بعد ذلك؟

كان أن غلب الحياء على الفتاة حينما رأت رجلا عاريا بين يديها يريد أن يضمها عارية إلى جسمه فأشاحت بوجهها عنه، و أشارت برأسها أن لا، فصاح الناس من كل جانب: أنقذها! أنقذها!
فوثب الرجل قائما على قدميه و مد يده إلى ثوبها ليجردها منه.
و هنا، واأسفاه، أقبلت موجة عظيمة كالجبل الأشم تندفع نحو السفينة اندفاع القضاء النازل، وتزمجر في اندفاعها زمجرة الليث الهصور، فذعر الرجل إذ رآها و طاش عقله، و ما لبث أن قفز من مكانه و ألقى بنفسه في الماء.
اما " فرجيني " فلم تخف ولم تطش، بل لبثت في مكانها كما هي وعلمت أن الساعة آتية لا ريب فيها، فضمت قميصها إلى جسمها بيد، ووضعت اليد الأخرى على قلبها، و سبحت بنزرها في الفضاء فأصبح منظرها منظر ملك عظيم يطير بجناحيه في جو السماء.
و ما هو إلا أن أغمض الواقفون عيونهم جزعا من هذا المنظر الهائل المخيف، ثم فتحوها فإذا البحر قد ابتلع كل شيء، و إذا كل شيء قد انقضى. }

دمني في حفظ الرحمان
__________________


بَديعٌ شَكْلُ وَجْهِي بَعْدَ أَنْ فَقَدْتُ اِبْتِسَامَتِي!