عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-23-2014, 02:04 AM
 
القصة .. !

[align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('http://s02.arab.sh/i/00004/kae0dem0f4yz.png');"][cell="filter:;"][align=center]















[/align]
[/cell][/tabletext][/align][align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('http://s02.arab.sh/i/00004/7q9og1tt665f.png');"][cell="filter:;"][align=center]







قبل 400 عام !





كانت هدوءاً تلك اللحظة ، انتكاسة فيها واعينٌ ترمق السماءَ بتعّجبٍ منبوذ ،

اضواءٌ من بعيد لاحت على مقلهم اللامعة بالعجاب وتناحر الارواح

لحينِ اقتربت تلك الاصوات بهلهلات المصير الاسود ،

نيرانٌ كالنيازك تسقط على كلِ البقاع ! والناس يهرعون لحيث يظنون الامان !

زئير نارّي وخلفه سحابات النيران الحمراء المشبعة بالسواد ،

بجناحين من الجلد القاسي و مخالب فولاذية ! ورئتين .. تضخان النيران !

غضاضة جلبها التنين الأسود على مملكة " كايوس ،
حينما سوّاها بالأرض في دقائقَ معدودات كانت كرمشة
الاعين للبشر الهائمين في طرقات الضياع !


فتاةٌ وحيدة على منارةٍ تقفٌ مغنية والدموع في عينيها !

حتى حرقتّها النيران للرماد الاسود !

ولكنه لم يشبع ! ما يزال يشتهي حصّد المزيد من الارواح ! فإذا

به حط الارض بقوة دمرتها على امتداد امتار !

فزئر ! وبزئيره استدعى ريح الممات ! ضخّ النيران من جوفه
[/align]
[align=center]
فأحرق كل بشرٍ كان في ثبات الخوف من جبروت مسوخ الدمار !

خطاه البطيئة المميتة حطّت على المنازل والمحال ،

اعتصرت اجساد بعض الابرياء ومزقت الآخرين لأشلاء !

احتّد بريق عينيه على التماع لظى النيران ، فسمع زفيرها

فما كان منه إلا تحريك جناحيه العظيمين والطيران !

فمتّع ناظريه بلوحة الدماء النارية ! وجعلها ذكرى لمن

عاش في تلك الحقبة من تاريخ الحروب !

وقبيلما يختفي في ضعضعة الخيال الاسود همسّ بحشرجة
صوته ونيرانه تخرج من بين فكيه :-

- هلموا لنيرانيّ فأنتم منها أنا خُلقّت !



الوقت الحالي

ترنيمة رتيبة هي تلك التهويدة التي تغطي قرية " ميداردس "

بهمسٍ ملائكي يختفي خلف سفوح الجبال الشامخة

الرياحُ الهادئة هزت اطنان العشب الاخضر الذي يغطي المنطقة بطابع الجمال الأخاذ

بين جبلين ضخمين هي قرية ميداردس التي بقيت بعيدة عن معمعة الحروب لدهور

سكانُها البسيطون والحياة فيها لم تشبها شائبة ، الفرح والاحتفال ما انفك يتخذ عرش السلطة

سماؤها الفضية التي تحجب بعضاً من اشعة الشمسِ لتشبّع الارض بربيع ازلي

اصواتُ الغنج والغناء والضحكات تتعالى كل ليلة إلى وقتِ الغسق

ارواحٌ متلاحمة تستقطب اصوات الموتى إلى الحياة !

ولكن يوماً شاذاً قد حلّ بحمّرة غريبة في الشمس الخالدة

في نهارٍ كانت فيه الشمسُ كابية زرقاء تحرق الجلود

صيفٌ اتى على بغتة من بعدِ قرنٍ من الربيع والنسيم البارد العليل

تعجبَ اهلُ القرية ولم ينفكوا يتسائلون عن العلّة فيما اختفى خلفه تخطيط القدر

ولكنهم تآنسوا وتعاضدوا مع بعضهم كالماس المضغوط !

لم يتركوا أنفسهم تتعرض للسحق على اثر موجة حرٍ عابرة !
فجميعهم فقط .. لا يصدقون بالأساطير التي يرويها كبار القرية وشيوخها !





بيتٌ صغير توسط ضواحي القرية التي احاطتها الغابات الخضراء المزهرة

وفي جوف خباياه الصغيرة واسراره التي لا تظلمها ظلمة ولا ظلال

جدرانه أرففٌ صغيرة احتضنت عدداً لا يستهانُ به من الكتب الثقافية

توسطت فراغه سجادٌ بنيٌ رُسم عليه معينٌ مقلوب بلون العسجد الثمين والنفيس

جلست الاربعاء في وسط تلك السجادة فتاة !

تغوص بناظريها إلى الكتاب متلحفة بكلماته و
غارقة في احداثه التي لم تطأ قلبها من قبل !


خصلاتٌ من شعرها الليلكيّ سقطت على عينيها فحالت
دون رؤية بعض الكلمات


ابعدتها على مضضٍ وهي تحاول ان تفهم سبب
إقدام امير الكتاب على الانتحار !


مررت عيون الذئابِ الفضية خاصتها على اتربة
الصفحات الصفراء رثة الكيان


ابتسمت بهدوء وهي تغلق الكتاب الصغير الذي
ظفرت به من بعض قطاع الطرق


الذين تمكنت من السطو على حمولتهم في لحظة
غفلة منهم حينما كانوا سكارى !


تركت الكتاب جانباً وخرجت من الكوخ الصغير
وهي تنفض الغبار عن ملابسها القديمة الرثّة


وقفت على امتداد حقلٍ للتوت الازرق وهي تضع
يديها على خصريها تنظر اليها بابتسامة حادة المحتوى


وإذا بالخبثِ بان في مقّلتيها وهي
تقول بصوتٍ كان اشبه بصوتِ القاتل حينما يسفك دماء ضحيته :


- حان وقتُ اختطافكم من اماهتكم الشجر خضراوات الجلد !
سألوككم بين فكيّ بلذة انتصار على الطبيعة !


قهقهت بشرٍ وبلاهة على اعتقادها بأنها اضحت
من مجرميّ الاقمار السبعة الذين اشتهروا باستعمال السيوف


الذئبية التي تصنع من عظم الذئاب الفضية النادرة

لا تعلم لما بدا لها هذا الامرُ منحطاً بعض الشيء ،
صمتت وقد شعرت بالتوتر جراء تفكيرها الساذج


ارتدت مريلتها وامسكت بالسلة لتحملها على الجانب
وتسير بمحاذاة الشجر على بطءٍ في قدميها !


توقفت عند اكبر شجرة فوضعت السلة ونظرت إلى
اعلى وهي تغطي بظلال يدها عينيها


حالما شاهدت اعناق التوت تتدلى من الشجرة حتى
بانّ الخبث في عينيها وشمّرت عن سواعدها


فارتقت الشجرة كصبيٍ في العاشرة من عمره
متحمسٌ للقضاء على عشّ طيور صغيرة !


جلست على احد الاغصان القوية فراحت تؤرجح قدميها
وهي تدندن بأغنية ريثما تقطف التوت وتلقيه في السلة


ديفا فتاة السابعة عشر محبوبة القرية ،
يتيمة الابوين مهووسة الكتب والخيال والاساطير !


ملامحٌ حادة لها من الهيبة ما لا يمكن حصره ،
شعرٌ اسود فحمي كسربٍ من الغربان في دجى الظلام


وعيون فضية حادة كأعين الذئاب ،
بديعة الجمال ولكن الوحدة تملأ حياتها المحصورة بين جدران الكتب


هادئة الابتسامة وبلهاءٌ فقط حينما تكون
مع نفسها منفردة وسط الغابات الهادئة بسكون الضباب !


انتهت من قطف الضحايا والقتهم في مصرعهم
تلك السلة البنية التي تأكلهم احياء يصرخون !


قفزت من الشجرة فحطت على قدميها مستقيمة
كالبهلوان فأصابها تشنجٌ حاد ادى الى سقوطها على وجهها


احمّر انفها فقالت ببرود وبحة في صوتها

- اعتقد بأني لن اصبح من المجنحين ابداً ، يال الاسف !

تنهدت بعدها بأسى على حالها فوقفت وقدماها
تتراقصان من اثر القفز القوي ، حملت السلة واكملت حصاد


الارواح التوتية الزرقاء بهدوء وهي تتخيل نفسها
ترتدي لباس حاصدي الارواح و تحمل مناجل الموت بين يديها


مرّ الوقت بلمح البصر حتى ادركت الشمسُ الغروب
من خلف الجبال التي ارتدت السواد استعداداً لعسعس الليل الداكن


لا تزال هذه الارض عجفاء في ناظريها ،
مستفردة بوحشة لا تعرفها إلا الكائنات الضائعة


فحينما تكون قريةٌ محمية بين جبلين تنسى
على مرّ الزمن ولا تعرف للعالم من اخبار !


وقفت فوق تلةٍ مرتفعة بعض الشيء عن سطح الارض المستوية ،
والهواء يحرك شعرها الليلكي بهدوء


استكانت تشاهد الشمس على حين هروبها
من حدود بصرها ولونها الاحمر القاتم ينعكس على عينيها الفضيتين


تخيلت هنا حال القرية قبل مئات السنوات
حينما تم بنائها بعد حربٍ اهلية دمرت مملكة " كايوس " العريقة


احتمى فيها الناجون من تلك المملكة من
النبلاء بين جبلين من براثن الاعداء والوحوش الاسطورية الحيّة !


او هكذآ قيل لجيلها ! ومن سبقها بقليل من الاجيال الصغيرة !

زفّرت بحدة تلتفت عائدة إلى حيثُ منزلها ،
وشعلةٌ صغيرة في جوفها .. تخبرها بالسواد من الدمار القادم !




الصبحُ هو ذلك الوقت الذي تبّث فيه الشمس الحياة بعد مماتِ الليل !

سلة حملتها بين يديها تأخذها إلى حيث مكان تبادل الرهائن !
تلك السوق التي اكتضت بالسكان الطيبين !


وقفتْ أمامَ محل الخضر والفواكه فحياها البائعُ بابتسامة حنونة !
بشعره الاسود الكثيف وجسمه السمين ووجه البشوش !


كان دوماً يشتري منها ما تقطفه من حقولها ،
ويعطيها الرهائن التي اُختطفت منها " اموالها "


- يال صغاري الذين اختطفهم القراصنة ! هل انتم بخير ؟!

ابتسم البائع عليها ، اجابها بضحكة ظريفة

- تغرقين في عالم الخيال دوماً ، ألا تزالين تظنين بأنني عميلٌ سري ؟!

لمعت اعينها بخبث المحققين ! حتى امسكت غليوناً
ظهر من اللا مكان ووضعته في فمها تجيب بحنكة


- عزيزي السيد سورما ! اجل انت عميلٌ سري ! ولسوف اعرف مؤامرتك !

تفجر بالضحك عليها مجدداً ، ثم اخرج دفعة اخرى من المال وسلمّها إياها !

تمالكت نفسها وهي تنظر للمال ، فهي
لا تريد ان يسيل لعابها امامهم وتلمع اعينها بالجشع المالي هذا !


قهقهت بشكلٍ ارعب الاطفال الواقفين بالقرب منها وهي تعد المال !
لا يمكن لها كبتُ هذا الجشع في النهاية ~


التفت للخلف حالما هبّ نسيمٌ بارد حرك شعرها الليلكي بهدوء ،
فاتسعت حدقتاها وهي تنسخ في ذاكرتها تلك اللوحة


اللوحة التي شاهدتها نابضة للحياة !
بتناحر الاطفال وشجاراتهم الظريفة ، كلام النساء و حركة الرجال في العمل !


محاطة بالخضرة والجمال الطبيعي من كل مكان ..
بدى لها المكان للحظات .. خالداً !


حتى إنها لم تفكر يوماً بأن هذا المنظر الرائع .. سيدمر تماماً !



" يا أبنَاء آدم ، انظروا لجبروت خُلُقِي واعلم مقدار قوتي ،

يا أبناء آدم انصتْوا للشبقِ يوشك أن يفرّ عواءً من صدري ،

انظروا لأثر ابليس المخبوء داخلي .. المعجون بدمع الملائكة في طينة خُلُقِي ،

استشعروا الظلمة بين اضلعي وانسى امر القلب النابض في جذعي ،

أعّرفوا حقيقة الشيطان في جوفي ، انظروا له ينتصب ويكبر ،

ليصبحَ مارداً يستولي على عقلي وروحي ،

يصير هو عينيّ وهو جسديّ ، يحولني لوحشٍ اشّر منكم ! ،

انا الوحش الحقيقي ايها اللعناء ! ،

انا الشرّ وانا السواد وأنا الأثم اذ يحيى ويتنفس ! ،

اهربوا فالدنيا لا تسع كلينا ،

عودوا لحيث تنتمون يا بني البشر ! يا مدمريّ ما يقع على ناظريكم ! ،

يا من جلبّ الموت على ارضِ الاحياء ! ،

ارتدوا السواد ، اذرفوا الدموع على شواهد قبور الاحياء ! ،

خافوا الاحياء وليسَ الاموات ، انظروا لشياطين روحيّ تنقض عليكم بأنياب الهلاك

ممقوتة هي ارواحكم الملعونة ، محمومة عقولكم الصغيرة المدفونة !

لذا اعرفوا الذل والهوان من الزمان وانتصبوا على تماثيل عظماءٍ ماتوا منذ انزال الرحال !

تسربلوا بالقطران ،

تنشقوا خالص كبريت سقر ! "

من بين اللهيب وتطاير اللظى و شرارات النيران ،
اجنحة الموت السوداء التي برزت في السماء القاتمة !


الدمار الذيّ حلّ في ثوانٍ ، وهمسٌ من بين فكيّ الموت بتلك العبارات !

تطايرتّ الجثث المحترقة والاخرى الممزقة ،
تناثرت الاشلاء وعمّ الذعر والفزع الارجاء


واذا بالمخلوق الاسطوري يدمر الارض بيديه ،
يقف على الركام المدمر ينفثّ النيران من رئتيه !


عيناه الحمراوتان الميتتان ، متسعتان حتى الممات !

وهي على الحد الفاصل بين الحياة والممات ،
عينان فقدتا البريق في لحظات !


ولوحة الجمال التي ارتسمت على عينيها قد
زالت في دقيقة هي من الخيال المحال !


قطرات الدماء تناثرت على وجهها وجروحٌ انتشرت على كامل جسدها ! ،

شفتاها اهتزتا بمضمون الحياة رغم ان عينيها قد فقدتا كامل الادراك ! ،

وفي لحظة لم تفقه إليها كان يقفُ امامها ،
يرمقها بالإحتقار والتذليل تلك رغبته ! ،


شعلتها قد عادت للإدراك حينما تصادمت
اعينها بأعين الشرّ الحقيقية !


وإذا بها دون أن تشعر قد مدت يدها صوبه تردد بمفهوم التعجب والانكار :-

- منا أنت وجدت في الحياة ونحن منك لسنا إلا في هلاك !

إتسعت عيناه ، توقف الزمن في عقله لثوانٍ
وهو لا يدرك خوفاً في عينيّ الفتاة الهامدة في الخيال !


وحالما شاهد شعلة الروح داخلها حتى توهجّ قلبه ،
تحرك عقله وانقضّ عليها ممسكاً إياها بيده الضخمة ! ،


ودون أن تشعر كانت قد ارتفعت في الهواء ،
ترى منظر الدمار والخراب من اعلى بقعة في السماء
المشبعة بالغيوم الرمادية والسخام الاسود السامّ !



لم تتمكّن من الصراخ ، فالرعب والهلع قد
تمّلكاها كالجارية التي لا حول لها إلا الانصياع ،


عبّر بها الجبال شاهقة الارتفاع ،
لحينّ بانّت لها تلك الانقاض الاثرية التي اهترئت ارواحها الهرمة ،


السماء الحمراء التي حمّلت البدر الابيض والغيوم السوداء ،

وفي الأسفل على امتداد اميالٍ لا حصر لها غابةٌ سوداء ،
جذوع الاشجار العالية المدببة المنتصبة على جانبي الطريق كآلاف الخوازيق ، محملة بالجثث الدامية المهترئة ،


افواهٌ لا تحصى اخترقتها تلك النهايات المدببة ،
محاجر العيون التي ترتع فيها الديدان ، تلك الاشجار
التي نبتت من تشّبع الارض بالدماء ،


حتى وإن حملت حفنة من ترابها لاشتممت رائحة الصدأ فيها ،
وغربانها التي تنعق بعيونها الحمراء ، شؤمٌ حيٌ في ديجور الضياع ،


وعلى تلةٍ ليست ذات ارتفاعٍ يسير قلعة سوداء مدمرة الاطراف ،
ضخمة البنيان ! حتى وإن رأيتها لاستحلت ان البشر قد بنوها بالبنان ! ،


دلف اليها من فتحة ضخمة في السقف ،
رماها في الحجرة التي وفد اليها وحدجها ببضع شراراتٍ في عينه !


تراجعت هي مرتعبة ، واذا به يستلقي على الارض فيغمض عينيه بنومٍ عميق !

تعجبت من سرعة نومه فانتفضت حالما سمعت صوت شهيقه وزفيره ،
غطّ في النوم بسرعة خيالية رمشت على اثرها بإنكار !


ولكن فضولاً – من نوعٍ ما – سرى فيها لتقترب منه وقد ولّى الخوف
فجأة من وجدانها ، جلسّت بقربه وهي تتذكر اوصاف الكتبِ لنوعه ،


مرعبٌة كانت الدقة التي لم تنصفه حقه ، تناقضٌ مبهم .. ،

ترددت حينما امتدت يدها تحاول لمس حراشفه الحديدية ،
إلا ان هدوئه قد اراحها فلمسته بهدوء وقد توردت وجنتاها من السعادة ،


ولكن ذكرى قريتها قد عادت فاشتعل الحقد لترجع القهقرى
غاضبة تريد الثأر لدماء اهلها !


رغم انها ادركتْ أن لا رحمة ستظهر منه إن هجمت !
فقررت التريث وعدم المبالغة الان ..


- فانون أنتم يا معشر بني آدم ، مضحكون بالأنتقام وسفهاء في اتخاذ القرارات !

رعشة ارعبتها سرتْ في جسدها حينما التفت على
اثِر الصوت فكان ينظر اليها بحمرة عينيه بهدوء


بدأت ترتجف وهي قد ادركت للتو مدى ضخامته !
ظنّت بأنها قد لمحت ابتسامة سخرية على فاهه الضخم فغضبت


وقفّت امامه وإذا بها تصرخ مزمجرة بهيبة الذئاب :-

- انتصب على حوافرك واستشعر لهيب نيران الجحيم ، فالموت ولو اراد لانتشلك إلى ظلام الإبادة !

ضاقت مقلتاه ، اهتزت الارض وسقطت بعض
الاحجار من انحاء متفرقة من الغرفة ، وإذا بالتنين يقفُ شامخاً بعظمته يبتسم


- مثيرة كلماتك يا من كنتِ للوحدة برفيق !
اتظنين إلى الموت لي افضل من حياة التدمير ؟!


وكأنما نبرته الساخرة المرعبة لم تكفها ،
واذا بسؤالٍ حطّ على مسامعها بغرابة الزرنيخ الذي تريد ان تقتله به الآن ،


- لا حقّ لي في اختيار فناء الارواح من خلودها ، وليس لكَ الحق في قتلها كما اؤمن !

طأطأت رأسها واجابته بغصة ،
عاد للإستلقاء واغمض عينيه بهمهمة تدّل على التفهّم العميق !


اما هي فقد اختارت زاوية من زوايا الجدران ،
وضمت نفسها تاركة عنان روحها للظلام بتلفّظ الاستسلام


- مرحباً ايتها الظلمة ، يا صديقتي القديمة !



فقّدت الاحساس بالوقتِ وقد مرّت الاشهر سريعاً في هذه القلعة
النائية المهجورة ،


تفقدت كل انحائها ! وقرأت كثيراً من الكتب التي لا تزال تظهر
بشكلٍ غامض ،


لا تنكر استمتاعها ، ولا تنكر خوفها كذلك ! ،

ولكن على مّر الوقت وجدت هذا التنين الاسود احمر العينين
لطيفاً من عدة نواحٍ ،


اُعجبت به وشعرت بالأمان معه ، رغم ان بعض البغض
له لم يمحى من داخلها بعد .. ! ،


يخرجُ هو كلّ يومٍ ويعود على مشارف الليل ،
محملاً عادة بكيسٍ ابيض ضخم مملوء بالجواهر والكتب ،


سألته كثيراً عن مصدرها فتكون اجابته الاعتيادية : -

- من حيث لن تصل له أيادِ البشر المدمرة بعد اليوم !

كانت عائدة من المكتبة المهجورة التي مهما نظفتها
لن تختفي الاغبرة منها ، وجدته يمعّن النظر في جوهرةٍ ما ،


ابتسمت بهدوء وازمعت ناحية فجلست مستندة عليه تردد بحماسّ :-

- هيّ هيّ ، اسمعت يوماً بأسطورة الرجل الذئب ؟!

إبتسم التنين الاسود ، عيناه قد ضاقتا بحنانٍ عجيب
يحيل ناظريه اليها ويجيب :-


- التقيتُ ببعضهم سابقاً ، هم فصيلة نادرة هذه الايام ! هل تحبينهم ، ديفا ؟!

بدأت تفّكر قليلاً قبيلما تجيب مبتسمة بفتنة

- تعجبني حكاياتهم ولكن لطالما احببتُ التنانين والذئاب اكثر من تحول البشر لها !

لم تكن تعّلم هذه الفتاة بأنها قد سحّرت قلب هذا التنين القاسي ،
اصبح يحبها ! وقع في شراكِ بشرية خلال اشهرٍ قلال ،


هو قد عرف بأنها مميزة منذ ان شاهدها تقف وسط النيران
ترمقه بإعجاب وصدمة !


- هل تريدين ان تريّ البحر ؟!

سؤاله كان التعويذة التي سحرت قلبها بجمال الاساطير ،
التفت اليه بوجنتين محمّرتين وهي تتأكد متحمسة :-


- هل أنتَ جاد ؟! ستريني البحر ؟!

اتسعت ابتسامته الهادئة التي تريح كيانها وقد قرّب رأسه منها بحب

- اعلم بأنكِ لم تريه من قبل ، لأنكِ عشتِ في قرية محصورة بين جبلين !

دون أن تشعر كانت قد عانقته بحبّ وهي تجيب بحماس وهدوء

- اجل كم ارغبُ برؤيته ، البحر الازرق الصافي !

ركبت فوقه وطلبّ منها التمسك جيداً ،
فرد جناحيه وبدأ يحركهما لتنتج الرياحُ القوية ويطفو في الجو طائراً بحرية ! ،


كان سريعاً ! والمناظر من تحتها تتحرك بسرعة خيالية ،
شعرها يتطاير للخلف ، وعلى عينيها تنعكس اول اشعة
لخيوط الفجر الذهبية ، !


وخلال لحظات كان قد شقّ طريقه برفقتها على امتداد
الغابات التي اختفت فجأة ليظهر البحرُ الشاسع امام ناظريها ، !


فسيحٌ ازرقٌ و لا نهاية له ، امواجٌ متلاطمة وانعكاسٌ
لصور الجبال الطافية في السماء على سطحه !


فردت يديها وهي تصرخ وكأنما هي تعيش الان فقط : -

- لم اشعر في حياتي كلها بأني حيّة كما أنا الان !

تراقص قلبه ، شعر بالألفة معها وأن الحياة
لا تحلو بالدمار كما كان يظنّ ، دون ان يعلم السبب نطقَ بعهدٍ لها :-


- لن اقتل البشر بعد اليوم ! هذا وعدٌ لكِ ديفا !

اتسعت مقلتاها لثوانٍ ليتحول الاتساعُ لابتسامة هادئة
مليئة بالحب ، فاقتربت منه وقبلت رأسه وهي تردد بفرح :-


- اجل اعلم بأنكَ جديرٌ بهذا العهد !



حروبٌ تطغى منكَ يا ابن آدم !

انا قد عاصرت دهوراً كنتم فيها الوحوش الكاسرة !

قتلتهم ونهبتهم بنيّ جنسكم ! تقتلون البشر امثالكم !

وتنبذوننا نحن الوحوش إن قتلناكم !

انتم الوحوش المتجردة من الرحمة

انتم لن تكفيّ سقر لمحو ذنوبكم !

انتم الشّر إن اردتم اظهار الخير !

انتم الدمار إن ابتسم رضيعكم على بياض الثلوج !

انتم تسفكون الدماء .. تصنعون الوحوش .. بعدها تدمرون !

أنتم يا بني البشر .. خطيئة تتنفس على مرأى الجحيم !

كان يردد تلك الكلمات المتحشرجة المتألمة
ريثما الفارس يلوح بنصله الحاد على جسده ،


ادمته الجراح من كلِ مكان ،
التنين المنيع الحصين الذي خشيّ هذا النصل طوال قرون ،


السلاح الوحيد الذي يمكنه قتله هو الان بيد
يديّ هذا الفارس الذي اتى لنجدة آخر فردٍ من قرية " ميداردس "


تصرخ هي مطالبة بأن لا يقتله ،
لم يستمع اليها ! يريد قتل المسخ وكفى !


والتنين المرهق على عهده ! لن يقتل البشر مرة اخرى !

لذا فالفارس يطعنه ويسبب له الجراح القاتلة
وهو فقط ينظر ناحيتها ! لتلك الفتاة التي تبكي لأجله مرتعبة ،


يبتسم وسط سيل دمائه وقد تشوشت الرؤية في مقلتيه ،
يراها تهرع ناحيته صارخة بألم !


- توقف ! لا تقتله ! انا احبه !!!

كانت تلك الكلمة هي كل ما تمناها التنين الجريح على عتبة الموت ،

فابتسم بسعادة والدماء سيلٌ من ثغره الباسم ،
واذا بدموع السعادة من عينه اليمنى تسقط !


والرؤية تعتم شيئاً فشيئاً في ناظريه ،
يمد يده صوبها وهو يعلم ان لا مناص من موته الان ،!


وقبيلما يصل لمحبوبته البشرية ، يخترق ذلك السيف قلبه !

فتسّود الرؤية في عالمه ، وتفقد عيناه الحمراوتان بريقهما ! ،
يتوقف قلبه عن النبضِ ويسقط صريعاً فتصرخ هيّ اكثر
حتى فقدت قدرتها على الصراخ !


ارتمت على جثته تناديه ! تحثّه على الكلام والتوقف عن العبث معها !
ولكن هيهات من ان يعود الموتى للحياة !


فتشعر ببرودة جسده وخفوتِ روحه وإلى تدفق دمه تحت اقدامها !

فيشتعل فتيل الحقد في قلبها وتعمى بصيرتها ،
تقف مترنحة تنظر صوب الفارس بحقد وهو قد انحنى
بعض الشيء قائلاً باحترام :-


- انا كلوديوس فارتنر ، من مملكة " والدوس " اتيت لنجدتك بعدما سمعنا اشاعاتٍ عن كونك رهينة لذا التنين المسخ !

اثارت آخر كلمتين حفيظتها ،
فإذا بها تسرق السيف من بين يديه على لحظة بغتة منه ،
تصوبه ناحيته فتصيبه بجرحٍ عميقٍ في صدره ! تصرخ متوعدةً إياه :-


- اغرب عن وجهي ايها الوحش المدمر ! لا اريدك لي منقذاً !
قتلت محبوبي ايها اللعين ! اخرج من هنا واتركني لوحدي !!!!!
وإلا انتزعت الحياة من جسدك الواهن !


ما كان من الفارس إلا إن استجمع شتات كرامته المهدرة
ويخرج من هذه القلعة التي لم يتوقع فيها هذا النوع من البشر !


اما هي فقد سقطت على ركبتيها !
ثم ارتمت على جثته تبكي بحرقة حتى انقطعت انفاسها وصرخاتها !


ثلاثة أيامٍ بلياليها لم تكف عن البكاء والنحيب ..

وعلى شروق فجر اليوم الرابع ... كانت ديفا قد فارقت الحياة !

ضامة إياه بين يديها الصغيرتين ،
مبتسمة وخطٌ احمر من اثر البكاء قد استولى على وجهها !


وبقيت تلك القلعة من حينها ..
موحشة مهجورة بلا روح ! او ضحكاتٍ من فاهيهما !




الامير قاتل ببسالة ..

هو قد ذبح التنين !

الاميرة بكت لأيام ..

هي قد احبتْ ذلك التنين !


برب
[/align][/cell][/tabletext][/align]
__________________
رد مع اقتباس