عرض مشاركة واحدة
  #59  
قديم 04-27-2014, 09:43 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-color:black;border:7px inset white;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]





أيها القمر الآن وقد أظلم الليل وبدأت النجوم تنضخ وجه الطبيعة التي أعيت من طول ما انبعثت في النهار ، برشاش من النور الندي يتحدر قطرات دقيقة منتشرة كأنها أنفاس تتثائب بها الأمواج المستيقظة في بحر النسيان التي تجري به السفن الكبيرة من قلوب عشاق مهجورين برّحت بهم الآلام ، والزوارق الصغيرة من قلوب أطفال مساكين تنتزعها منهم الأحلام ، تلك تحمل إلى الغيب تعباً وترحاً ، وهذه لعباً وفرحاً. والغيب كسجل أسماء الموتى تختلف فيه الألقاب وتتباين الأحساب والأنساب ، وتتنافر معاني الشيب من معاني الشباب ، وهو يعجب من الذين يسمونه بغير اسمه ولا يعلمون أنه كتاب في تاريخ عصر من عصور التراب.
والآن وقد بدأت الطبيعة تتنهد كأنها تُنفس بعض أكدارها ، أو هي تُملي في الكتاب الأسود أخبار نهارها ، وبدأ قلبي يتنفس معها كأنه ليس منها قطعة صغرى . بل طبيعة أخرى ....

....والآن وقد رقّت صفحة السماء رقة المنديل ، أبلته قُبل العاشق في بعاد طويل ، أو هجر غير جميل ، وتلألأت النجوم كالابتسام الحائر على شفتي الحسناء البخيلة حيرة القطرة من الندى إذ تلمع في نور الضحى بين ورقتين من الورد ، وأقبل الفضاء يشرق من أحد جوانبه كالقلب الحزين حين ينبع فيه الأمل ، ومرت النسمات بليلة كأنها قطع رقيقة تناثرت في الهواء من غمامة ممزقة وأقبلت كل نفس شجية ترسل آمالها إلى نفس أخرى كأن الآمال بينهما أحلام اليقظة ، ونظر الحزين في نفسه ، والعاشق في قلبه ، ونام قوم قد خلت جنوبهم فليس لهم نفوس ولا قلوب ، ولبس الكون تاجه العظيم فأشرق عليه القمر .

....والآن وقد طلعت أيها القمر لتملأ الدنيا أحلاماً وتشرف على الأرض كأنك روح النهار الميت ما ينفك يتلمس جوانب السماء حتى يجد منها منفذاً فيغيب ، فهلم أبثك نجواي أيها الروح المعذب ، وأطرح من أشعتك على قلبي لعلي أتبين منبع الدمعة التي فيه فأنزفها .إن روحي لا تزال في مذهب الحس كأنها تجهش للبكاء ما دامت هذه الدمعة فيه تجيش وتبتدر ، ولكن إذا أنا سفحتها وتعلقت بأشعتك الطويلة المسترسلة كأنها معنى غزلي يحمله النظر الفاتر فلا تلقها على الأرض أيها القمر ، فإن الأرض لا تقدس البكاء ، وكل دموع الناس لا تُبلُّ ظمأ النسيان ولو انحدرت كالسيل يدفع بعضها بعضاً.



من كتابي حديث القمر
للكاتب مصطفى صادق الرافعي
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________


متيقنة
أن الله ب القرب دائماً
اللهم ارحم امي وابي واعفو عنهما واغفر لهما
اللهم إنك أرحم مني عليهم فأدخلهم الجنة من أوسع أبوابها واغفر لهم
















رد مع اقتباس