عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-17-2014, 01:30 AM
 
الطلبات المستجابة

قصة من يوغسلافيا

الطلبات المستجابة

يحكى أنه في قديم الزمان ، كان حداد فقير الحال ،لا يملك من الدنيا شيئا .وكان طيب القلب رحيما يسعف كل من يستنجد به .وبينما هو ذات يوم جالس أمام دكانه ، اذ وقف عليه شيخ أبيض اللحية غريب الهيئة ، يركب حمارا ، فقال له: لقد سقط نعل حماري ، فهل تستطيع أن ترّكب له نعلا آخر .فأخذ الحداد قطعة من الحديد وسوّاها على سندانه ، ثم ركبها في حافر الحمار. فقال له الشيخ: كم تريد على عملك هذا ؟ فقال الحداد: لا شيء .أرى أنك أفقر حالا منّي . ثم انّك غريب عن هذا البلد فمن واجبي أن أكرمك بقدر المستطاع .فقال الشيخ: شكرا لك أيه الرجل الطيب . لكن ما جزاء الإحسان الاّ الإحسان . تستطيع أن تسألني تحقيق ثلاث طلبات وسألبيها لك. فكّر جيدا واطلب ما تشاء . فقال الحداد: أتمنّى أن كل من يجلس على هذا الكرسي لا يقوى على النهوض منه الاّ باءذن منّي . فقال الشيخ: ليكن ذلك . هات الطلب الثاني .

- أتمنّى أن كل من يصعد فوق شجرة الجوز التي أمام دكاني لا يتمكن من النزول منها إلا باءذني .
- ليكن ذلك .بقي لك طلب أخير اختر
- أتمنّى أن من يدخل حقة نفّتي ( نوع من السعوط يستنشق بالأنف) هذه لا يخرج منها أبدا الاّ باءذني . فقال الشيخ الغريب : ليكن ذلك .ثم ركب حماره وغاب عن الأنظار . ومرت الأيام والشهور ، ولم يطرأ على حياة الحداد أي تغيير . فالفقر يلازمه كظله لا يفارقه أبدا . وكان بين حين وآخر ، يتذكر زيارة الشيخ له ، فيتحسّر ويقول في نفسه: ما أبلهني وأشد غباوتي ! لو طلبت الغنى ، لكنت اليوم في رخاء ونعيم .آه ! ليتني أصبح غنيا و أبيع روحي للشيطان مقابل ذلك. وفي يوم من الأيام مثل أمامه الشيطان في صورة رجل رشيق أنيق ، وقال له بعني روحك وسأعطيك ما تشاء من الغنى . فقبل الحداد على شرط أن لا تتجاوز الفترة عشر سنوات ، وتراضيا بذلك . وفعلا تحسنت أحوال الحداد وعاش مدة عشر سنوات في رخاء وسعادة . لكن أيام السعادة تطير وتطير وسرعان ما انقضت ، فأتى الشيطان مطالبا بحقه . فقال له الحداد اجلس دقيقة على هذا الكرسي ريثما ألبس ثيابي النظيفة وأكون تحت أمرك .
فجلس الشيطان على الكرسي لكنه لم يستطع أن ينهض منه .فقال له الحداد : امنحني عشر سنوات أخرى من الغنى وأسمح لك بالنهوض . فقبل الشيطان ، لكن أيام السعادة تطير وتطير ، وسرعان ما انقضت فأتى الشيطان مطالبا بحقه . فقال له الحداد : سأكون تحت تصرفك بعد لحظة . اصعد إلى شجرة الجوز التي أمام الدكان وكل منها ما شئت ريثما استعد . فطلع الشيطان فوق الشجرة لكنه لم يقدر على النزول منها ، فقال له الحداد : امنحني عشر سنوات أخرى من الغنى أسمح لك بالنزول من الشجرة . فقبل الشيطان ذلك، لكن أيام السعادة تطير وتطير ، وسرعان ما انقضت ، فأتى الشيطان مطالبا بحقه . فقال له الحداد : أنا تحت أمرك . لكن أخبرني : هل صحيح أنكم معشر الشياطين تستطيعون أن تصغروا أنفسكم كما تشاءون . فقال : نعم فقال الحداد: لا اصدق أنك تستطيع أن تنقلب نملة مثلا ! فقال الشيطان : سترى إذن . وفي الحين أصبح نملة فبادر الحداد بحبسها في حقة نفّته . ومنذ ذلك الحين آمنت الدنيا شر الشيطان ، فانتهت الحروب و كفّت الخصومات والنزاعات وعاش الناس عصرا ذهبيا . إلا أنه لم يدم طويلا ، لأن الحكام و المحامين بقوا بلا شغل ، فاشتكوا إلى الملك كساد مهنتهم ، وطالبوا بإطلاق سراح الشيطان . فأضطر الحداد إلى السماح له بالخروج من حقة نفّته . ومن ذلك الحين عادت الخصومات والحروب ولم تنتهي إلى يومنا هذا....


عبد الرزاق الحليوي- مجلة أزهار
رد مع اقتباس