عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-25-2014, 04:52 AM
 



تحت امواج البحر المتلاطمة ، تيارات راحة ابدية

] الولايات المتحدة الامريكية – نيويورك – منزل عائلة تايلور - 2012[
سنين مضت منذ حادثة والدي المأساوية التي رافقها الكثير من الالم والعذاب وتأنيب الضمير ، فتاة انا في مقتبل في عمري ، في ربيعي السابع عشر الان
كئيبة ومنطوية على نفسها ، كارهة للعرق البشري وباحثة عن حقيقة موت من احبت يوماً ، اختبأتُ وراء قضبان منزلي منذ اليوم الذي هربتُ فيه من الميتم ، او بعد احراقه لا يهم بعد الان
انوار المنزل مطفأة ، تحركاتي فيه ساكنة وكأنما انا ظل قد تكون بفعل انارته الخافتة وراح يبحث في اغوار اسراره المغبرة والتي لم يعرف لها الزمن من مكيدة تمحوها
ارتكزت واقفة على احدى عتبات السلالم وانا ارمق ملف عمل والدي بين يدي بنظرات غامضة ، متفحصة ومتلهفة لبعض الحقائق
مهما حاول الناس ان يقنعوني بأن موت والدي حادثة ، صددتهم وتركتهم يضيعون طاقاتهم هباءً منهورا وانا احاول ان اقطع الشك باليقين ما دام لي بقايا من عقلي الذي ضاع على اثر النحيب و الصراخ الجنوني
اغلقت الملف لأصفع به بقوة على الجدار ويرتد ساقطاً على الارض وقد صدى صوت ارتطامه في ارجاء المنزل كافة
ترجلتُ من السلالم على حين غرة وانا انتشل معطفي من على الاريكة الحمراء القانية لأرتديه خارجة من حبسي الانفرادي هذا الى العلن الذي طالما كننتُ له الكره والحقد .
بين اكتظاظ البشر كنتُ سائرة واضعة يدي في جيوبي الدافئة وانا على ملامحي الغاضبة باقية ، رغم جمالي الذي تحدث عنه جميع من عرفتهم الا اني ارى نفسي مجرد وهم انسان ميت ، خالٍ من الحياة والإنسانية ، خالٍ من المشاعر والرغبة في الاستمرار
وما الذي يفعله من فقد الرغبة بالاستمرار ؟ ، سؤال طرحته على نفسي لأجد الجواب امامي ممتثلاً في ثلاثة خيارات صعبة الانتقاء ، اما حبل يلتف كالأفاعي حول عنقي حتى يجردني من انفاسي ، و اما سم حارق يدمر كل ما في جوفي ويلقيني صريعة على سجادة من دمائي والخيار الثالث كان اكثرهم محبة الى قلبي ، الى المياه قفزة واحدة تخترق طبقة الجليد السميكة وتحوله الى جسدي البارد حتى اناضل من اجل الحياة وانا في غياهب الظلام غارقة ، كلما نظرتُ الناس من حولي يتراءى لي بأنهم يسبحون ريثما اغرق في ذكريات لا استطيع الفرار من وهما وكوابيسها ، قد لا اكون جميلة كما ابدو ، وقد لا اكون مثالية كما يعتقد الكثير ، فأنا في النهاية من عرق البشرية الضعيف الذي امتزج بالكثير من السخائم لا المنتهية والأمراض الفتاكة
توقفتُ عند احد المحال التي اقصدها عادة ، دلفتُ اليه بخطوات باردة ناحية البراد متجهة ، فتحته وانتشلت علبة صودا فوارة واتجهت بها ناحية الرجل العجوز كيفين كي ادفع الحساب ، هذا الرجل الطيب طالما كان حنوناً وعطوفاً علي ، بلغ الستين شتاءً ، وهو على ابواب الموت يقرع ، لم يحظى بالأولاد ولم يعرف الاسرة لذا اعتبر كل يتيم في هذه المدينة ابنه الذي لم يلده وتكفل برعاية ذوي النفوس الضعيفة مثلي
شكرته وخرجت لاهثة من البرد الذي نخر عظامي نخراً مؤلماً ، تابعتُ سيري وانا افتح علبة السودا وارتشفها بسرعة الى جوفي الخالِ من الطعام لعدة ايام وكل ما في يصرخ طلباً لحصة طعام حرمتها على نفسي للوقت الحالي
انتبهتُ بعد فترة على فتى في عمري كان يراقب تحركاتي منذُ امدٍ ليس ببعيد ، شُقرة شعره اقتربتْ الى البياض اكثر منها الى الشقرة وعيناه الزرقاوات شابهت عيني ، الفارق الوحيد كان ان عينيه حيتان ، لم تكونا ميتتين كعيني انا
اسمه جاك ، انجليزي الاصل واتى الى الولايات المتحدة بسبب اعمال والديه ، فهما طبيبان مشهوران جداً وبارعان في عملهما ، اصبح يلاحقني منذ بضعة اسابيع بعدما وصل الى حقيقة كوني اريد الانتحار حقاً
تكلمتُ معه بضع مرات وحسب ، رغم ان البرود يغلب طباعه الا ان ابتسامته اسرت قلبي الحجري بصورة لن يتخيلها احد ابداً
اتجهتُ ناحية شاطئ البحر وانا اراقب امواجه المتلاطمة وسط سكون الليل الدامس ، صوته كان تهويدةً اعتدت على ان استمع اليها قبل ان انام وكأنما كل الحياة قد تلخصت في صوته الذي حمل احلام الناس منذ دهور مضت وساعد بعضهم على الوصول الى حيث يريد
رددتُ بهدوء ولاول مرة انا باسمة
- ارغب حقاً بأن اموت وسط امواج البحر الهادئة
لم اكن انتظر اجابة حتى ، ولكن ما اجاب عبارتي كان صوتاً غير انسيّ ، بعيداً ابعد البعد عن كونه كياناً حياً ، ارسى الرعب في قلبي كما فعل قبل سنوات في لحيظة موت والدي ، انه صوتُ عقلي الذي لم يرحم حال انسان واقف على هاوية الهلاك مثلي ، هرعت راكضة وسط الطرقات وانا لا اعلم ما الحل لمثل هذا الجنون الذي اصبتُ به
استوقفني جاك بيده التي امسكت بعضدي بقوة وعلى وجهه ملامح التعجب والصدمة ، بصوت بارد الاعصاب ولكن مليء بالدفء الذي لم اكن اكن له العداء قال لي
- ما الامر ؟
- لا شيء
- شارلوت ، لا تقدمي على أي عملٍ غبي
- لا شأن لك
سحبتُ يدي من بين اغلاله بسرعة ، لازمع الى حيث منزلي هاربة من واقع قد شيد شباك عناكبه على يقضتي ومنامي ليفتك بما تبقى لي من عقلانية مستديمة



يتبع لا احد يرد ~ !
__________________
رد مع اقتباس