عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 01-11-2014, 04:23 PM
 


وتر الضيآعْ .. !

لم أكن قادرةً على النوم في تلك الفترة ، كنت أدفن رأسي تحت الوسادة كي لا أسمع شجاراتهم .. عنفه .. وقسوته .. وصياحها ، حتى هجرني النوم لأيام ، وفقدت الأحساس بنفسي .. لم أستطع التفكير في شيء ، والرؤية ببيانٍ ،
الى ان جائت تلك الليلة السوداء ، ليلة كانت فيها مستلقيةً .. تنظر الى القمر ، وتنادي علي ..
- حبيبتي ، أقتربي مني ..

كنت أراقبها دائماً ، فدنوت من مرقدها كما طلبت ، وجلست صامتةً .. !
أحتضنتني ، قبّلتني .. وأخذت تمسح على شعري وهي تبتسم ، وأنا أستسلم لدفءٍ افتقدته زمناً وخشيت فراقه .. !

- صغيرتي ، كم أنتي جميلة .. !
حركت رأسها للنافذة ، اكملت بحنيّةٍ
- خارج هذه النافذة يطل عالم خارجي ضخم ، يمتد الى أبعد الحدود التي لا نستطيع تيقنها ، وأنتي يا حبيبتي ستصبحين جزءً مهماً من هذا العالم .. وهذا المجتمع ، حين يزهر مستقبلكِ .

لم أدرك لماذا تتلاحق أنفاسها بطريقة مريبة ، ولكن ما شدّني للاقتراب منها هو قفلٌ مبهم شعرت بأنه سيُفَك عما قريب .. وشعرت معه باضطراب داخل رأسي .. !
فجعلت أكسب نفسي حافزاً وأطلق كلماتي بارتجاف
- ماما ، لما تخبريني بهذا الكلام ؟

نظرت الى عيناي ،
- أصغي الي عزيزتي ، هذا العالم مهما رأيتي بداخله الكثير وعجزتي عن فهمه ، ما بين قسوة قلوب متحجرة ، وأناس لا ضمير لهم ، وعقول لا تفقه سوى الجشع والحصول على ما يسد جوعهم الضاري .. فهناك أيضاً ، الرحمة والمحبة في قلوب نقيّة .. لم تدخلها الضغينة والكراهية ، ولم تمسسها مخالب الشيطان

سكِنت ، واستقر نظري الى الأرض .. !
ربما كان المعنى عميقاً .. متفرعاً الى أوجه عديدة ، وكان فكري تلك اللحظة فيما حصل على سطح حقيقةٍ مظلمة ظننتها كابوسً سأتخلص منه عما قريب ، و لم أخله يوماً يصبح مكاناً لعيشي .. !

باغتتني بصوتها حين تخللت نبراتها شيئاً ضئيلاً من نشاط غريب ، وفاجئتني بقولها
- اليوم ستحضر لزيارتنا جارتنا الطيبة .. السيدة جولييت، كي تأخذكِ الى منزلها للعب مع أطفال الحي

أتسع فمي معترضاً ، وعجزت عن الكلام .. أحسست بالخوف ،
-ولكن ماما ، أنا أرريد البقاء بجوارك .. ستشعرين بالوحدة ، أنا لا أحب هذا !

قطع حوارنا ارتفاع رنين الجرس .. !"
فنظرت بسرعة الى وجه والدتي ، وما كان منها الا أن طلبت مني فتح الباب ! ،
أن أفتح الباب لدخيل مجهول الهوية أمر لم أعتد عليه ، وشيء ذو غرابة كبيرة حين يأتي منها ، فمنذ انقضاء مدة طويلة جداً تبرّمت فيها من العيش .. لم يطأ منزلنا قدم انسان واحد ،سواه عندما قدم مسرعاً ليجمع كل شيء يخصه في حقيبته ويغادر .. !
وتلك اللحظة التي اكتسبتها ، واستعصى علي التقدم أكثر لاكتشاف هوية الشخص الواقف .. ظننت لوهلة أنه وراء الباب .. قد عاد الينا .. !
فسارعت الخطى كي أرفع جسدي وألتقط المقبض بخفة ثم أديره ،
وعيناي تبرق لهفةً وفضولاً مطلق ، وسؤالاً يدور بين ثنايا عقلي ، اهذا انت عدت الينا ؟
لكني حصلت على اجابة من نوع مختلف .. اختلافاً شاسعاً !

سيدة مسنة بنظارات مستديرة ، وشعر قصير مجعد كسى طبقة رأسها .. ظهرت من العدم !
تقترب مني وهي ترمقني بوجه باسم حتى كشفت تجاعيدها الرفيعة المتفرعة بجانب عيناها .. !
أخذتني الرهبة فتراجعت ، وأنا أحدق في ملمحها العجيب بشيء من الخوف
- من أنتي ؟
فنطقت بصوتها الهرم ،
- مرحباً أيتها الصغيرة ، أنا جارتكم السيدة جولييت ، الا تعرفينني ؟ .. بائعة الحلوى المسنة !
وأخذت تضحك !!
يالها من مصادفة استثنائية ، بائعة الحلوى التي لم أسمع عنها في حياتي قط ، واقفة على باب المنزل .. !!

وعندها أسرعت الخطى عائدة الى أمي ، احتضنها بقوة وأنا أراقبها وهي تغلق الباب وتدنو من والدتي ،فاحكمت التمسك بها وانا اود الاضجاع في حجرها خشية من السيدة الغريبة ، التي لم تشهدها عيناي من قبل في مكان ما .. !
فأخرجت ضحكة صغيرة بوهن ، وهي ترمقني بحنان
- لا تخافي حبيبتي ، انها السيدة الطيبة التي حدثتكِ عنها ، قد جائت لتأخذكِ معها
فلتت نفسي ، في توتر بارز وأنا أقاطعها
-لكن ماما ستبقين وحدكِ
- لا يا عزيزتي لن أبقى وحدي
- اذاً .. هل سيأتي بابا ليجلس معكِ ؟

استشعرت في خلدي أحساساً مرتفعاً لم استطع كبحه ،أردت التيقن في اجابتها انها ستحمل اسمه ، وسيصدق حدسي البائس .. ! لكني لم أبصر شيئاً بعد أن وجدت جسدي عالقةً بين احضانها وهي تحيطني بقوة .. تأن الماً ، وترتعش .. !

تُتَمتِم بعبارات خالدة في أذني ، وهي تعتصر دموعها التي تكاد تفيض نهراً لا ينضب ، لا تود أن أرى ما سيخرج من عيناها .. التي أحمرّت من فرط حرارة الدموع !

- لا تقلقي حبيبتي ، لا تخافي .. كل شيء سيكون بخير ، أذهبي معها والعبي ولا تكوني مشاغبة ، اهتمي بنفسكِ جيداً وبصحتك وعديني أن تبتسمي فالذة الحياة هي الابتسامة ، وأنا أعطيكِ وعداً ثابتاً أني ساكون بجواركِ دوماً ولن أترككِ للحظة ابداً

وما لبثت أريد عناقها بشدة حتى تحسست كف السيدة يحيطني بكتفي ليبعدني بهدوء
- هيا يا صغيرتي ، لنترك والدتكِ قليلاً فهي تريد الراحة

وأنتشلتني من مكاني المفضل الذي وددت الاتصاق فيه، تمسك يدي برفق وتمسح على رأسي بحنيّة ونحن نغادر ..
تبتعد خطواتي ،
##
تتراجع أكثر .. و ما برحت أحدق في قسماتها التي حاكت لي أبهى ابتسامة شهدتها في حياتي ، .. والعقارب بدت حركتها في بطء وهمي وأنا أراقب صورتها تود الاختفاء .. والتلاشي الى اللاعودة ،
والشيء الثمين الذي يتلألأ بجوهره النقي فيها .. يرتحل من امام ناظري .. ينخفض بريقه .. يتحرر .. !
لم أصمد طويلا .. !!
حى أفلتٌّ كفي بقوة سرت في شراييني كالوقود المشتعل ، وبدّلت وجهت خطاي عائدة اليها عند آخر لحظة !

لحظةٌ ثقيلة على انفاسي ، لم يكن وضعاً ترتاب منه النفس مثلما هاجمتني الظنون والشكوك قبل سويعات بسيطة .. ! ، ولكن هالة الهدوء الهابطة على صمت الجدران .. أغرقتني الى حافة توقعات غير صائبة .. الى أن نفضت رأسي ، اهزّه يمنة ويسره .. وغدوت الى مهاد أطمأن عقلي .. وأهدأ من روعي ، في ذات الوقت الذي تناثرت فيه كقطع مشتتة .. كالمشوشة !

قربّت جسدي ببطءٍ ودققت في ملامحها ،
مغمضة العينين ، مُمددة الساقين واليدين .. !
ما الخطب المفاجئ الواقع في هذه اللحظات المصيرية .. ايعقل أنها غفت بهذه السرعة ..؟!!
كانت تود الراحة بعيداً عن صخب الحياة ، أو هذا ما عنته السيدة .. ؟
كل ما في الأمر أنني تراجعت حتى الباب ثم عدت .. لأتفقدها .. ! فتتطمأن دواخلي ويهدأ فكري .. !
رفعت يدي لتلامس يدها .. وتتحسس ملمس الكدمة التي شوّهت منظر جلدها الناعم .. ، وكم هي باردة كالثلج .. !

- ماما ؟ .. ماما ؟

أنتظرت ، وفتحت مسامعي كي أنصت الى جوابها ،
لكن .. لم تنطق .. !!
أعدت النداء كرّةً بعد كرّة ، لعلها لم تستيقظ بعد .. ورأسها متعب ومنهك .. فتريد الاستقرار في راحة داخل غفوة حلم قصيرة حتى تستفيق ، ليسلب النوم منها جزء من آلام الجسد .. والروح .. !
ومع تردد النداء .. لم تتحرك شفتاها المتشققتان .. لم يهتز جفناها ، لم تحرّك ساكناً .. !!
سوى ملمح بسمة ضئيلة تكاد تبان لوحت على قسماتها النورانية .. بدت سعيدة .. مبتهجة ، نائمة بأريحةٍ بعد أن تخلصت من حرارة أوجاعها .. وأحزانها .. !

أرتعشت أوصالي في تدرج أبتدأ بالهدوء حتى ازداد قوةً ، شعرت بالعبرة تخنقني .. أشتدت تحيط أذرعها بعنقي لتفقدني قدرة النطق .. لكني صمدت في وجه تيارات الخوف والرهبة .. مع صراخ يتأجج داخلي .. يهتز له وجداني ، بدأت أحادثها بصوت مبحوحٍ ، بابتسامة خائفة
- ماما ، .. أعلم أنكِ نائمة لهذا لا تردين علي ، اليس كذلك ؟

حينها انصت الى المتلقي المجيب ،
حديث صامت بادلتني أياه جدران الغرفة .. وصفير رياح الشتاءالذي مر من بين فراغات زجاج النافذة التي بدت تحت ضغط أجواء عاصفة ..، أنها هي .. تخاطبني لتعلمني بالاجابة المحجوبة خلف قناع الحقيقة المرّة .. التي تحاشيت النظر أليها !
فزاغت بصيرتي للأعلى في جزعٍ أسر كياني ، وارتفعت ذراعي تحيط بعنقها وهي ترتجف وتحكي مع قطرات الدموع .. كلماتٍ أبلغ من أن تُنطَق على لسان ، حروفٌ موجعة تفتت القلوب
هل رحلتي وتركتني ؟ .. يا من كنتي شمعة وضاءة تنير لي مسلكي الحالك .. !

غرقت داخل بحر من العويل ، حتى قاعه .. أصبحت أصرخ بأسمها .. أصبحت أناديها ، وأنادي معها كل جمادٍ يأن مع أنيني ،
مع هبوب رياح الشتاء .. وتساقط الثلج البارد ، شدتني السيدة تضمني الى صدرها وهي تذرف دموعاً
- لا تخافي يا صغيرتي لن تبقي وحيدة ، ستبقين معي دائماً منذ هذه اللحظة كما أعطتني أياها والدتكِ .. وصية غالية سأحافظ عليها ،

تبدد ضباب آمالي وأمنياتي المنسية .. لينكشف وجه الواقع وأمسي رماداً يتلاشى مع عواصف الزمان العاتية، سواد تغلف بأشواك رفيعة تدميني حتى الانهيار ،
مابين آهاتي وصيحاتي .. آخر ما تبقى لي قد رحل ، الشيء الثمين الذي احتميت في أحضانه .. البلسم الشافي لأحزاني .. ذهب بعيداً ولن يعود .. لقد ماتت !!
،،

##
وددت فقط أن أهديها قبلة ترطّب وجنتها قبل أن أغادر .. ولكنها لم تستيقظ .. !!

وأقترب العقرب من قرينه ، لتدق ساعة القدر ..
و صداها .. كان مرعباً ، وكأني بها أنصت الى خطابها المشؤوم .. وهي تحادثني بالجرآح ، ومرارة الزمن التي تلقيتها للتو :
عيد ميلادٍ سعيد يا إيملي ، أنها هديتي لكِ في ليلة ميلادك ، .. أمسية شتاء ترقص على أوتار الضياع .. !!

تمت





يتبع،
الرجاء عدم الرد !~\
__________________








THINKING IN OWN SPACE BETWEEN PIECES FROM ME
[ LOST BETWEEN MIRAGE AND REALITY ]



BLOG#NOTE#ART#NOVEL#

رد مع اقتباس