عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 09-24-2013, 11:07 PM
 







شبهات والرد عليها:


جوّز كثير من أهل البدع إدخال أشياء في دين الله لم ترد في الكتاب ولا السنة، واحتجوا لذلك بأشياء:

1- قول عمر رضي الله عنه: "نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ"(1) قالوا البدع تنقسم إلى قسمين بدعة حسنة وبدعة سيئة لقول عمر رضي الله عنه.

الرد:

قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"(2)، وهذا نص عام يشمل كل بدعة في الدين، وأما قول عمر رضي الله عنه "نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ" "كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" ومن المحال أن يختلف عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول إن البدعة نعمة، إلا أنه كان يقصد المعنى اللغوي وهذا ظاهر.

ودليل ذلك: أن هذا الذي فعله عمر رضي الله عنه من جمعه للناس على أبي بن كعب رضي الله عنه ليصلوا التراويح في جماعة مشروع، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة، من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد ثم قال: "قال أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا.." (2).

وبالتالي فالذي فعله عمر رضي الله عنه فعله النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وتركه لعلة زالت بموته صلى الله عليه وسلم فلا دليل في ذلك على أن من البدع ما هو حسن، بل كما قال صلى الله عليه وسلم "كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"(3).



2- احتجوا بجمع الصحابة للقرآن في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم قالوا: وهذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.


الرد:

أولاً: لا بدَّ أن نفرق بين الاستصلاح وهو ما يسمى بالمصالح المرسلة وبين البدعة.

قال العلامة الشنقيطي رحمه الله(5):

معنى الاستصلاح: أن لا يشهد الشرع لاعتبار تلك المصلحة بدليل خاص، ولا لإلغائها بدليل خاص، وهذا بعينه هو الاستصلاح، ويسمى المرسل، والمصلحة المرسلة، والمصالح المرسلة، وسمي مصلحة لاشتماله على المصلحة، وسميت مرسلة لعدم التنصيص على اعتبارها ولا على إلغائها... ثم ذكر أنواع المصالح.

قال: واعلم أن المصالح من حيث هي ثلاثة أقسام:

الأول: مصلحة درء المفاسد، وهي المعروفة بالضروريات، وهي ستة؛ لأن درء المفسدة إما عن الدين أو النفس أو العقل أو النسب أو المال أو العِرض.

الثاني: مصلحة جلب المصالح.

الثالث: التحسينات: وتسمى التتميمات وهي الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العبادات... انتهى.

* إذا ما تأملنا ما قاله الشيخ، نجد أن جمع القرآن فيه النوع الأول والثاني من المصالح، ففي جمعه دفع المفاسد عن الدين وجلب المصالح.

أما جلب المصالح: فيتمثل في حفظ القرآن من الضياع؛ لأنه لو ظل في صدور الصحابة وعلى عُسُب النخل ورقاع الجلود والحجارة كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لضاع القرآن بموت الصحابة الكرام، وتفرق المصادر التي كانت وسيلة لحفظه حينئذ، فهل توجد مصلحة في الدين أعظم من حفظ كتاب الله...؟؟؟

أما درء المفاسد: فمن المعلوم أن القرآن نزل على سبعة أحرف(6)، ومع انتشار الإسلام واتساع الفتوحات الإسلامية، اختلف الناس في القراءة بحسب اختلاف الصحف التي في أيدي الصحابة، فأمر عثمان رضي الله عنه أن تجمع هذه الصحف في مصحف واحد لئلا يختلف الناس(7)، فدفع بذلك أعظم المفاسد وهي فتنة الاختلاف بين المسلمين وتنازعهم في كتاب الله.

* ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى قاعدة أصولية هامة وهي: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"(8)، وحفظ القرآن فرضٌ واجبٌ، بل هو أعظم الفروض على الإطلاق.

مثال آخر: تسوية الصفوف في صلاة الجماعة واجب(9)، ومع كثرة أعداد المصلين لا يمكن تحقيق ذلك إلا بوضع علامة على الأرض، كرسم خط مثلاً(10)، فهل هذا من البدع؟ لا، بل إذا كانت تسوية الصفوف لا تتم إلا بوضع علامة أو خط أصبح ذلك واجباً عملاً بالقاعدة الأصولية التي ذكرناها آنفاً.

ثانياً: الصحابة أفضل البشر بعد الأنبياء وقد أثنى الله عليهم في كتابه في مواضع كثيرة(11)، وأمرنا سبحانه وتعالى باتباع سبيلهم وحثنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنتهم والعض عليها، فلا يجوز لأحد أن ينزل نفسه منزلة الصحابة مهما كانت مكانته، لأنهم خير الناس وخير القرون رضي الله عنهم أجمعين.

قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} فهو محمول على المعنى اللغوي للبدعة لا المعنى الشرعي لها الذي هو: طريقة مخترعة في الدين بقصد التقرب إلى الله عز وجل، لأن عمر رضي الله عنه علم أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: [النساء: 115]

. قال شيخ الإسلام رحمه الله(12) في معرض كلامه عن أهل البدع قال:
{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}
قال العلماء: من لم يكن متبعاً سبيلهم كان متبعاً غير سبيلهم، فاستدلوا بذلك على أن اتباع سبيلهم واجب فليس لأحد أن يخرج عما أجمعوا عليه.


قال العلامة العثيمين رحمه الله(13):

وأما الغرض من جمعه في عهد عثمان رضي الله عنه فهو تقييد القرآن كله مجموعاً في مصحف واحد، يحمل الناس على الاجتماع عليه، وقد ظهرت نتائج هذا الجمع، حيث حصلت به المصلحة العظمى للمسلمين من اجتماع الأمة واتفاق الكلمة وحلول الألفة.. إلى أن قال: هذه الجمعة الثالثة التي أجمع المسلمون عليها وبقيت إلى يومنا هذا والحمد لله محفوظة بحفظ الله.






(1) جزء من حديث أخرجه البخاري (2010) ومسلم (761).

(2) صحيح سنن الترمذي (4607) من حديث العرباض بن سارية. وقد تقدم.

(3) أخرجه البخاري (1012)).

(4) صحيح تقدم تخريجه.

(5) مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر للعلامة ابن قدامة (ص: 166، 167) باختصار.

(6) عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرأني جبريل على حرف، فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" أخرجه البخاري (4991)، ومسلم (819).

(7) انظر صحيح البخاري حديث (4987). ، باب: فضائل القرآن.

(8) القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة للسعدي (ص: 36)، ونظم الورقات لشرف الدين العمريطي (ص: 20).

(9) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" أخرجه البخاري (723)، ومسلم (433).

(10) هذا المثال ذكره الشيخ العثيمين في شرح مقدمة أصول التفسير لابن تيمية (ص: 80).

(11) سيأتي ذكر فضائل الصحابة.

(12) الفتاوى (7/172).

(13) مقدمة التفسير لابن تيمية (ص: 79) بشرح العثيمين رحمه الله.
__________________
ليلى
رد مع اقتباس