عرض مشاركة واحدة
  #85  
قديم 08-12-2013, 11:18 PM
 
الفصل الخَامِس..

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:80%;background-image:url('http://im31.gulfup.com/Qww9m.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


في خِضمِ الذّكرى ..
لستُ أحِنُ إلى الأشخَاص .. وإنما إلى ذَاتِي حِين عشتُ تفاصِيل يومِي مَعهم..
حَنِين إليّ حِين كنتُ أشعر بالغَضب , الشّجن , البهَجة والسُّرور..
صَدَقَ مَن قَال أن الحَنين حنينُ قلبٍ لا ذَاكِرة..





مستلقية على سريرها تحدّق بالسقف بشرود يشوبه غضب , تمٌقت كل شيء في هذا المنزل , كآبته الرمادية المُتمثلة في الجدان , سكونه المُخيف حين تذهب ليلى لعملها , سوداوية غريبة هُنا حيث لا أحد سواها ..

هذا هو السكُونُ الذي كانت تحلمُ به سابِقاً , و ياللعَجب حَتى الهُدوء غَدا مُزعِجاً !



أدَارت عَينيها إلى الساعة مُستدركة أن اليوم عطلةُ والِدتها , على الأقل ليلى ستبقَى في المنزل , ورغم أن بقاءها كالغياب , إلا أنه يُبعد قليلاً من الرهبة التي تعتريها حين تظلُ وحِيدة ..

خرجَت من غُرفتها ومشَت بتثاقُل نحو الطاوِلة الصغِيرة , تثاءبت وهِي تأخُذ قِطعة خُبز لتجلِس وتَتناولها بصمتٍ معتاد يصاحِبه ضَجرٌ شعرت به ليلى..

الوالِدة عادت تشعُر بالتقصير , تقصير في حقِ ابنتها التي لا تُعطِيها فُرصة المحاولة حتى , واعترفت لنفسها في خزي أنها عَاجِزة تماماً عن إعَادة البهجَة إلى وجهِ من تكونُ ابنتها , فاتخذت قَراراً بدا استِسلاماً ..


هَمّت إيملي بالعودة إلى غُرفتها مجدّداً لكن ليلى استوقفَتها قائلة..
_إيملي..

التفتت في صمتٍ يشوبه استغراب في حين أكملت..

_أترغَبين في الذهَاب لمنزل أماندا؟


ارتاحَت ليلى حِين اتسعَت ابتسامة ابنتها والتي سَألت بغير تصدِيق..
_أحقاً يُمكنني؟



_بالطبع يُمكنك..



وضَعَ رآوند حَقِيبته جَانباً وجَلس على الأريكة , ارتشَف من قَهوته وهو ينظُر إلى ساعته ثم أطلق تنهيدة تنم عن الراحة..
كانت سام تُتابعه ببصرها مُبتسمة , إلا أن تِلك الابتِسامة لم تكُن لوالدها بالتحدِيد , بل لماثيو الذي تراهُ دائماً في رآوند ..

أهو شبه ظاهري فقط؟ , في الشعر الأسود المُصفف باهتمام , أم مظهره الرسمي المُخالف لشخصيته؟
لا تُدرك أين يكمُن التشابُه بالضَبط , لكِنه حتماً موجُود ..



قفزت صوفيا آخر دَرجات من الدرج وهي تُدندن بسعَادة , في حِين حيّت سَام ووالدها الذي عَاد إلى المنزل بعد غِياب, التفتت سام إليها قائلة..
_هنيئاً لكِ..

عقّب رآوند ..

_ستكون بهذه البهجة لعِدةِ أيام قادِمة..


تلاها إيثان بسرور مُضاعف , مردّداً أن شاهين سيصطحِبهما إلى الخارِج..
فاستوقفه رآوند وهو يبعد القبعة عن رأس ابنه..
_هكذا اتضحَت مَعالم وجهِك..



_صباحُ الخير..

هكذا تَمتم شاهين وهو يُشارِكهم المجلِس.. حينها طَوقَت صوفيا يدها حَول عُنقِه مُتسائلة بفرحَة..
_هل أستطيع أخذ دراجتي وكُرة إيثان؟

هَمهم مُوافِقاً بلا أدنى اهتِمَام , غافِلاً تمامَاً عن الفَتاة التِي أخذَت مَفاتِيحه بخِفة , ثم انسحَبت إلى الخارِج بهُدوء..

لم يخفَ على الوَالد الضّيق الذّي يراود ابنه , لم يكُن بإمكانه أن يُخمن ما حَدث , لكِن إن كان الأمر قد أزعجه لدرجة الشُّرود فهَو ليس هَيناً على الإطلاق..

_كيف كانَت أيام عُطلتك؟
أجاب شَاهين غير سعِيد..

_مُتشابِهة..
_الإنسان الطبيعِي يبتسمُ حين يُسأل عَن شيء كَهذا ..

وافقته سام بإيماءة في حين سألت..
_ ماذا يشغلُك؟
_لا شيء..

الفَتاة ووالدها على عِلم بأن "لا شيء" في قَاموس شاهِين تعني "لا شَأن لكُما" فالتزما الصمت لثوانٍ حتى سأل رآوند ..


_هل أصبحتَ طيباً بما يكفِي لتصطَحِب العِفرِيتَين مَعك؟
_لا .. الأمر ليسَ كذلك ..

ثم أردف وهو يقِف ..
_سأذهبُ الآن ..

عادَت صوفيا راسِمة على وجهها عبوساً بدا مُصطنعاً..
_أخِي .. لم أستطِع إدخَال الدرّاجة في السَيارة..
_لكنكِ لا تملكِين الـ..-


قطع عبارته وهو يتحسس جيبه بتعجب في حين نظر مُتململاً إلى المفاتيح في يدها فقال بهدوء..
_لن نذهب بالسيارة , و.. متى فعَلَتِ هذا؟

_حين كنتَ غَارقاً بالتفكِير في "اللا شيء"..
أجَابت سَام وهي تتجِه إلى الدرج فاستوقَفها شاهِين..
_يُمكنكِ المجيء..


مرة أخرى كانت مدرِكة أن "يُمكنكِ المجيء" تعني أنه يريدها أن تعتني بهِما بدلاً عنه ..
_أنتَ ماهِر في التلاعُب بالكلِمات .. لكنني تعلمتُ من دُروسٍ سابِقة ..

توجهت إلى الباب حين رنّ الجرس , فتحته وقبل أن تنطق بحرف عانقتها إيملي قائلة..
_صباح الخير .. كنتُ أعلم أنكِ ستعتذرين , لكنكِ كنتِ أسرع فيما مضى , أين صوفيا ؟ , لم المنزل هادئ هكذا ؟ , إيثان ليس هُنا صحيح , آه وأين هي أمي؟..

_أهلاً.. صوفيا وإيثان خرجا مع شاهين , والدتُكِ في غرفتها , لقد كانت بانتظارك ..

توقفت وهي تنظر من فوق كتف صديقتها فقالت بتساؤل..
_أتيتِ وحدك؟


بشيء من التعاطف نظرت إليها إيملي وقد انجلَت اللمعة المُتلهِفة التي ظهرت في عيني سام , ومسحت ابتسامة كادت أن تكتمل لولا اختفاء المرأة المُنتظرة ..
_لم تأتِ..
_فهِمت..

تحدّثت إيملي بهدوء..
_أنتِ تعلمين أنني لم أكُن أعني شيئاً مما قلته .. صحيح؟

_أكِيد .. هذا ما تفعلينه حين تدخُلين طور الغُوريلا..

رسمَت إيملي ابتسامة وهِي تحدّق بالمنزل ثم قَالت بشيء من الشُّرود..
_نعم صحيح..

جَلَسَ شَاهِين مُتكئاً على الشجرة ، ظهرت ابتسامة هادئة على شفتيه بينما أغمض عينيه وقد تناسى ما حدَث في المخزن ..

غضبٌ كان قد تمكّن منه تماماً , كونه قد سئم رؤية الرجل ذو الأقدام الطويلة يطارده في كل مكان , حتى في أحلامه , أن تكون مُراقباً ليس بالمُمتع حتماً ..

مضت فترة ليست بالقصيرة منذ أن لوْح بسلاحه في وجه أحدهم ..
ذلك شيء .. يعيد الذّكريات..



حذّرت صُوفيا شقِيقها بقَلق , لكنه أبى إلا أن يُعيد كُرته التي سقطَت في النهر والتي كادت أن تُجرفَ مع المياه لولا الحجارة المُتراكمة في المنتصف, وفي حركة غير متوازنة حدّث ما توقعته صوفيا حين سقط إيثان في المياه البارِدة..

أطلقَت صرخَة عَالية مما نبّه الشاب لما يحدث , ركَض وأمسَك بأخِيه , وبسهُولة استطاعَ انتشاله من المياه ..

تنهدت صُوفيا بارتياح وهي تقترِب منهما , إيثان كان يحبس دموعه بصعوبة ينظر إلى أخيه كمن هو مُستعِد لتلقي توبيخٍ قاس , لكن الأخير سأل بهدوء..
_هل تأذيت؟


فهز إيثان رأسه بمعنى لا..
الدموع التي تلمع في عيني الصغير لم تمنع الشاب من توجيه لكمة ليست قوية إلى وجه إيثان , لكن الأمر نفسي أكثر منه جسدي , فلو كانت ضربة مُمازِحة لما بكى على الإطلاق , عكس ما يحدثُ الآن .. فقد ارتفع نحيبُ إيثان في حين أنّبه شاهين دون أن يبدو عليه الغضب ..
_ألم أحذرك من الاقتراب من النهر؟ , أخبرني .. كم مرة فعلت هذا ؟

ثم أردف بهدوء..
_أنت لا تتعلم أبداً


مسح إيثان دموعه وهو يأخذ شهقة تلو أخرى , خلع شاهين معطفه وغطى به شقيقه ..
_صوفيا سنعُود إلى المنزل..
_حاضِر..

أمسك يد الطفل المُرتجِف , والفتاة تجر دراجتها محاولة أن تُجاري خطواتهما..
_أيعجبك ما حل بكَ الآن؟ , ستُصابُ بالبرد..
_أنا آسف ... لا تغضَب..

_لا عَليك..


سئمت صوفيا حقيقة وجودها في الخلف دائماً , فصعدت على دراجتها ووصلت إلى جانب شقيقيها قائلة..
_هل أنت مُجبر على اصطحابنا إلى هُنا؟ , يا قاتل البهجة!

قالت عبارتها الأخيرة بخفوت فأجاب ..

_إن بقيتُما في المنزل ستُصبحان قاتلا بهجةٍ مثلي.. إنه كالسجن..


ابتسمت صوفيا وحين تقول بحَالمية..
_لا أريد أن أصبح مثلك , أريد أن أصبح مثل إيملي , كم سيكون جميلاً لو أنني أحقِقُ حلمي في سنٍ مُبكِرة..
ثم أردفت بعد تردّد..

_بعد التفكير , ربما أن أكون مثلك ليس بهذا السوء..
التفت إليها شاهين بتساؤل فأكملت مُبتسِمة..
_لأنك دائماً تعلم ما الذي يجب عليك فعله!



_لأنني لم أصرخ بفزع حين سقط هو في الماء؟ ,دعيني أخبركِ سراً :
يستحيل أن يغرق أحدٌ في ذاك الجدوَل..


ضحِكت صوفيا وهي تتخيل منظرُها , شاكِرةً أن إيثان لم يرها حتى لا يعايرها بهذا إلى الأبد..
_حسنٌ، هذا كان مُخيفاً , وأيضاً.. أحقاً لن تأخُذنا إلى هناك مجدّداً؟

_لن أفعل .. فهو سيستمر بالسقوط هناك حتى يشيخ..
هكذا أجاب مُشيراً إلى الصبي الذي ابتسم قائلاً..
-لكِنكَ حتماً ستُمسك بي..


زادت صوفيا من سُرعتها وهي تهتف..
_إيث.. حاوِل أن تُمسِك بي الآن..
_موافِق..
فاستجاب للتحدّي راكِضاً نحو المنزل..

خرجَت إيملي من المطبخ ثم جَلست بإنهاك على الأريكَة , وقَفت مجدّداً بتململ وهي تتجه نحو جهاز التكييف..
_لِم الجو حَار , صوفي .. هّلا أحضرتِ لي كوبَ ماء؟
_حسنٌ..
حدّثت نفسها باستغراب.
_هل ذَهبتْ؟ أم أنني أهذي؟



عادت صوفيا قائلة..
_خُذي..
اقتربت إيملي منها بشك..

_اعترفي .. ماذا وضعتِ به ؟ , ملح؟
تراجعت صُوفيا وهي تسْأل
_لماذا تقُولِين هذا؟
_ربما .. لأنكِ فعلتِ هذا مِن قبل..


نفَت الصغيرة من فورها..
_ليسَ بهِ شيء..
_إن حدثَ لي شيء .. أنتِ المسؤولة..

قالت وهي تُشِير إلى شقيقتها التي ابتسمت براحة , ثم سَألت بتردّد..
_هل يُمكنكِ البقاء هُنا لبعض الوقت ؟ , يومٌ واحدُ على الأقل..

عبثت إيملي بشعر صوفيا بابتسامة..

_سآتي إلى هُنا بين الحِينِ والآخر .. هل تشعُرِين بالوحدة؟ , ألا تقضِين الوقتَ مع سام؟
كانت تسألُ دُون أن تترُك لصوفي فرصة الإجابة , لكِن الفتاة قاطعتها ..
_لا .. دئماً ما أجلسُ معها .. لكنها ستذهَب مثل أخي, وأنتِ ستبقِين صحيح؟

_نَعم سأبقى .. ولكن مع... مع والدَتي..
تلكأت وكأنها لا ترى أُمَاً سوى أمَاندا , جَاهَدت حتى لا تذرِف دمعة كتمتها منذُ وقتٍ طويل بالأخص أمام صُوفيا والتي وقفت قائلة بحماس..

_إذاً أيمكنني المجيء معك؟ .. إلى منزل السيدة ليلى..
هكذا سنكون معاً دائماً! , تخيلي الأمر معي , هناك نستطيع أن نتشارك غُرفةً حتى..
أطلقت ضحكة تواري بها ألمها ، في حين اتسعت عينا إيملي دهشة , صوفيا تفاجئها في العادة , لكن .. أن تترُك والديها حتى تبقى مع إيملي! .. هذا ضربٌ من الجُنون , حدّثت نفسها بألم..

" أريد .. أن أبقى مع صوفي ..
أحب إزعاج إيثان ويعجبُني برودُ شاهين"
لم تشعُر إلا ودموعها قد تساقطت تِباعاً على وجهها فعانقت شقيقتها دافِنةً حُزنها ..
_أتمنى هذا .. أتمنى..

في مساءِ ذلك اليوم..
نفَضَ ليو الغُبار عن يدَيه ومَلابسَه وقد اعتَلت وجهه ابتسَامة مُنتصر وهُو يرقب ألسنةَ لهب التي أضفت إلى خُضرة عينيه لوناً بُرتقالياً مُحمراً , التفت إلى شاهِين الذي ينظُر إليه من نافذة السيارة ..

_الكتب تحترق جيداً .. مثل النُفايات !
_ارتحت الآن؟

أومأ ليو برأسه وهو يعيد شعره الأشقر إلى الخلف , لكِن ابتسامته اختفت حين شعر بقطرة ماء على يده , فنظر إلى السماء التي تلبدت بالغيوم..
_لا.. الأمطار التعيسة ستُفسِدُ كل شيء..
أردف وهو يسير نحو الكُتب في حين ارتدى قُبعة معطفه..
_هل يجبُ أن تُمطر في هذا اليُوم تحدِيداً..

رنّ هَاتف ليو الذي في السّيارة فأخذهُ شاهِين , حينها قال لويس بلا مُقدمات..
_إياك .. إياك أن تُحرق الكتُب ليونارد , سأكونُ معكما بعد دقائق..
أجَاب شاهين بتعجب..
_لقد تأخرتَ قليلاً..
أعاد الهَاتف إلى مكانه ونظر إلى ليو المشغول بإشعال أعواد الثقاب والتي تنطفئ بعد ثوانٍ..
_أتعلم ! أصبحتُ شاكِراً لأنك تدعوني رايبرن .. كيف تضع للويس لقب "الفزّاعة البالية" في هَاتِفك..


ظهرتْ ابتِسامة خبيثة على شفتي ليو ..
_هل أنتَ مُهتمٌ بمعرِفة سببَ التسمية؟

_لا .. أريدُ أن أعرِف معنَى رايبرَن..
اتسعت ابتسامَة ليونارد ..
_سأخبِركَ في الوقتِ المُناسب..

_ألا يحقُ لي مَعرفة مَعنى اسمي؟

_الآن أصبحتَ تعُدُّه اسْماً؟

_انسَ الأمر..
استهزأ ليو ضاحِكاً في حين هَروَل لويس نحوهم ثم وقفَ يلتقطُ أنفاسَه بصعُوبة..
التفت نحو ليونارد بغضَب وأمسكَه من تلابِيب قميصه قائلاً..

_هل أضعتَ عقلكَ في مكان ما؟
حَاول ليو ابعاده بارتياع من النظرة الفيروزية الغاضِبة..
_هَدئ مِن روعك .. إنها كتبُ العام الماضي , أوراقٌ لا فَائدِة منها..
صَاح لويس غاضِباً ..
_الملفات يا رجُل!
_ها؟


شَرح لويس بطريقته الاستفزَازية ..
_مَلفاتي..-..بالداخِل..-..وأنت..-..ستُخرِجها..-..الآن..


_كُف عن مُعاملتي كالغَبي..
اعترضَ وهو يبحثُ بين الكُتب علّه يجد ما يريد , مُتجاهِلاً تذمّر لويس من كل شيء..
_احترقت .. سحقاً..
هتف لويس أثناء سيره نحو ليو..
_ لقد تعبتُ في كتابتِها حقاً .. سأقتُلك ليونارد..


عقّب ليو بانزعاج ..
_من يكترث للملفات أعني نقودي .. علي ألا أضع أشيائي بداخل الكتب مرة أخرى ..
جز لويس على أسنانه بغضب شديد بات واضِحاً في نبرته ..
_الآن .. أخرِجها حالاً..



_خُذ..

هذا ما قاله شاهين وهو يحمِل الملفات في يدِه , تعجّب الشابان في حين ردّد لويس..
_كَيف؟

أبعَد شعره المبلل عن وجهه بانزعاج وأجاب..
_كنتُ أعلم أنه سَينسى أمَرها , لذا وضعتها في السّيارة..
_ولم تُخبرني حتى .. لقد حرقتُ أعصابي على لا شيء ..
صاح لويس بغضب و وافقه ليونارد بقوله..
_أما كَان عليكَ اخراج النقود أيضاً؟


قلّب شاهين نظره بينهما ..
_أنقذتُ أوراقك.. وحَياته! , لا داعي للشُّكر..
ثم توجه نحو السّيارة حتى لا يبتَل أكثر , التفت لويس إلى ليونارد قائلاً..
_ سأعود إلى المنزل لأعمل عليها , إلى اللقاء..
_مهلاً .. لمَ أنت مهتمٌ بها؟
نظر لويس إلى ليو باستنكار ..


_هذه أشياء لن تفهمها أنت :صديقُ الأسلِحة والحواسيب..
_حسنٌ أيها العبقري يمكنكَ أن تعود معنا , بشرط أنك من سيقود..
_لا مانع..

ثم ساروا معاً إلى السيارة فابتدر ليو بقوله..
_من أمسكتُه سابِقاً كان امرأة , الحمقاء بدأت بالبُكاء والكلام بلغة أجنبية غريبة , فتركتُها تذهب..
نظر إليه شاهين مُتعجباً..

_الفتياتُ أكثر خُبثاً ودهاءً من الرجال , وما تُسميه بكاءً أدعوه دموع تماسيح..
عقّد ليونارد حاجبيه مما دفع شاهين ليوضّح أكثر..
_لم تكُن تبكي .. ليست أجنبية..

_لويس , ما يقوله رَايبرَن ليس صَحِيحاً , أليس كَذلك؟


هَكذا قال واثقاً مِن أن لُويس سيوافقه الرّأي , فقَال الأخِير..
_ليو.. ليون .. ليونارد .. دائماً ما تجْعلُني أتسَاءل : هَل أنتَ زائرُ جديد لكوكبِ الأرض؟
تمتَم بغير رضى..
_هذِه مُؤامرة..
ثم أردفَ وهو ينظر لشاهين..

_ما الذي فعلته أنت على كلِ حال؟

_كان رجلاً .. لم أفعل له شيئاً إلا أنني كِدُّتُ أجزِم أنه سيفقدُ وعيه ..
لم يملك لويس سوى أن يُعلّق..
_ أنت مُرعِب .. رغم أن هذا لا يظهرُ على وجهك..

فقال ليو وشَاهِين معاً..
_لا تنطق بحرفٍ أثناء القِيادة..
_أوه عظِيم.. استمِرا في التآمر عَلي..

صَمتٌ قصير , ثم سأل ليو مجدّداً..
_رَايبرن .. ألديك فِكرة عن رئيسِهم ذاك؟
أجَاب..
_سفاحٌ لا يعرفُ مَاذا يفعَل !


في غُرفة شاهين بين العديد من الأوراق , وأسلاك الحاسوب قد أحاطَت ليو الذي كان مُركِزاً بكل حَواسِه في الشّاشَةِ المضيئة , مُحاولاً اختراق الموقع بصعوبة كانت أكبر من الجهدِ الذي بذله لويس في جلب العنوان ..
بعد ساعة من الانتظار الذي أصاب شاهين بالملل صَاحَ ليو بسعادة..

_فعلتُها .. أنا أسطورة , لا مَثِيل لنَباغَتِي..
رفع شاهِين رأسه باهتِمام في حين أكمل ليو..
_انظر راي .. أستطيع العبث بالمبنى الذي هم فيه , والرؤية عبر كاميرات المُراقبة , يمكننا أن نطلق أجهزة الإنذار أو نتحكم بالكهرباء و..-
_لا تشتت تركيزك..

عَبَسَ ليو وهو يتمنى أن يُشارِكه شاهين حماسه لمرةٍ واحِدة أو يتظاهَر بالاهتِمام على الأقل .. تمتم باعتِذار وبدأ يقرأ معلُومات أكّدت لهُم أن هؤلاء ليسُو أشخاصاً طيبين , كل ما يخصهم كان على الشاشة..
والتي تحولت بعد دقائق إلى اللون الأسود , والعديد من الأرقام والرموز قد ظهرت ثم اختفت فجأة , ليعودوا مجدداً إلى نقطة الصفر..

تنهد شاهين يائساً ..
_على الأقل تأكدنا أنهم مجموعة من السفاحِين..

_ما مُشكلتك مع السّفاحين؟ , الاثنان في المخزن كانا ضُعفاء , حتى نحنُ الهُواة تغلّبنا عليهم..

_لأنهم لا يثقُون ببعضهم.. كما أن هَدفهما كان الهَرب لا القِتال..

ثوانٍ من الصّمت استوعب بها ليو ما حدث ..
_أتعني أن الفَتاة تركَته لتنجُو بحيَاتها؟

_تركته مرعوباً حين كَانا في خَطر , فلم يستطِع فعل شيء ..
الثقة معدُومة بينهما..

قال عبارته بشيء من الانزعاج حينها تحدّث ليو..
_ألسنَا مِثلهما ؟ أنا وأنت نتدرّب معاً , ولا أظن أنكَ تثِق بأحد..
نظر إليه شاهين بغرابة دلّت على أنه ليس راضٍياً بالتشبيه , أخذ يُعيد الحاسوب إلى مكانه في حِين أجاب..

_أتعلم ما هِي الثِقة؟
لم يكُن بانتظار إجابة من ليو فعلياً , لأنه أجاب بنفسه..
_إنه شيء كــ.. أن أصوب سلاحي نحوك ولا تشعر بالخوف , أطلق وتعذرني , أعتذر وتُسامحني ..
وهل تظنُ أنني سأترُكُكَ خَلفِي إن واجَهنا الخطَر؟



دَقائق صمتٍ أخرى ثم..
_أتعتقد أننا سنواجِه هَذا النوعَ من الخطر؟
_ربما .... على الأرجح نعم , لأننا فعلنا هذا..
ابتسم مشيراً إلى الحاسوب و المأزق الذي أوقعوا به أنفسهم , فأومأ ليو برأسه مُتفهِماً..
_الثِقة مُخيفة حقاً .. وتَتطلب شجاعةً لا أملِكُها..
فقال شاهين بلا اكتراث..
_تَعلّمها..


أخذ يفصل الأسلاك عن بعضها بعشوائية ثم التفت قائلاً..
_أتعَلّمُها ؟ وهَل فعلتَ أنتْ؟
_فَعلت .. لكن الثمنَ كان حياةَ أحدهم , لأنني.. كنتُ أصغر من أن أدْرِك الأمر..


أعَاد ليو نظرهُ إلى شاهين بارتِياع , إلا أن الأخير لم يبد مُهتماً..
_مهلاً .. هل يجبُ أن يموتَ أحدُهم حتى أتعلّم؟

_لم أقُل هذا .. لكن إن فكرتَ بالأمر من هذِه الناحية , فـموت هذا الشخص سيُنقذ حياةَ آخرين..
قضّب ليو حاجبيه بغير رضى وقد استفزه حدِيث شاهين..
_أنا أرفضُ هذه الطريقة , في الواقع .. لا أعلم كيف تتحدّث عن أمر كهذا بهدوء..
أنت قاسٍ..

ردّ شاهين ..
_وأنت لا تنظُر للصورةِ الكامِلة..
أشاح ليو بوجهه في غضب..

_إن كنتُ سأصبِحُ مِثلك , فأفَضِّلُ ألا أنظُرَ إليها أبداً..
_كَما تشَاء..

صوتُ رنين خافت دل على أن رسالةً قد وصلت في البريد الالكتروني , فتحها ليو فقرأ الآتي..
'أستطيع مُساعدتك .. تبحثُ عن باكرا ؟ '

تبادلا نظرات استغراب..
_خُدعة؟
_لا أظُن.. هل أحادثه؟

سأل شاهين فأومأ ليو برأسه وهو يبتعد عن المقعد الدوار , فدارت بينها المُحادثة التالية:
ستُجيب على أسئلتي؟
سأُجِيب على بعضِ أسئلتك!

ماذا تكُون "باكرا"؟
أشخصا يبحثون عن المال والقوة..

من يكون رئيسها؟
لن أُجِيب..

كم عددكم؟ وأين أنتم؟
الكثير .. لكن سبعة هُم النخبة .. ونحنُ في لندن

_من تكون؟ وما علاقتُك بهم؟
_ لن أُجيب..

_ لم تُساعِدنا؟
إنه سبب شخصي..


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
وأنا على عَهدِك ووَعدك ما استَطَعت، حتَى آتيك بقلبٍ سليم و نفسٍ مُطْمئنة..




التعديل الأخير تم بواسطة Angelic ray ; 08-13-2013 الساعة 02:59 AM