عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 07-10-2013, 06:00 PM
 
part 16
توقفت السيارة بعد أن وصلنا إلى ذلك المنزل الصغير حيث ذلك الحي الهادئ ..!
نزلت و ريكايل أيضاً إلا أنه كان ينظر إلى جهة ما : ما الأمر ؟!!..
- إنها سيارة الطبيب .. لقد غادرة منذ لحظات ..!
- هل تعاني الخالة من مرض خطير ؟!..
- منذ فترة أجرت عملية زراعة كبد .. رغم ذلك يبدو أن الأمور لم تدم على ما يرام بعدها خاصة أنها منذ طفولتها تعاني فقر دم حاد ..!
- أرجوا أن تشفى قريباً ..!
- و أنا أرجوا ذلك أيضاً .. هيا لندخل ..!
تقدمنا و صعدنا درجاً من ثلاث درجات فرن هو الجرس حينها .. لم تمضي لحظات حتى فتح أحدهم الباب ..!
تنهدت حين رأيت أنها جوليا فذلك أفضل من أن تكون ميشيل : أهلاً رايل ..!
لم تنتبه فأنا كنت أقف خلفه لكن ما إن تنحى حتى شهقت : و لينك أيضاً !!!..
ابتسمت لها حينها : كيف حالك آنسه جوليا ؟!..
أتعلمون ؟!.. لقد دمعت عيناها حينها بدموع الفرح و بسعادة قالت : أنا بخير .. تفضلا بالدخول ..!
دخل ريكايل و أنا من خلفه و اتجهنا مباشرة إلى غرفة المعيشة .. استأذنت جوليا بأنها ستعد القهوة و تأتي ..!
حين دخلنا .. كانت الخالة آنا تجلس على سريرها و في يدها سنارة الصوف و قد بدا أنها تقوم بخياطة قفاز شتوي صغير أحمر ..!
تقدم رايل إليها وهو يقول : مرحباً خالتي ..كيف حالك اليوم ؟!..
رفعت رأسها حينها و خلعت نظارتها مستطيلة العدسات و قالت بابتسامه : أهلاً بني ريكايل .. أنا بخير كما ترى ..! معك ضيف ؟!..
واضح أن نظرها ضعيف فهي لم تتمكن من تميزي و أنا واقف قرب الباب ..!
التفت ريكايل ناحيتي بابتسامة : نعم .. لقد جاء أخي لينك معي إلى هنا ..!
بادلته الابتسامة و تقدمت بضع خطوات حتى وقفت بجانبه : مرحباً خالتي ..!
أخذت تنظر إلي برهة و إلى أخي برهة أخرى حتى فاضت عيناها بالدموع : يا لسعادتي و أنا أراكما سويةً مرةً أخرى .. لكم انتظرت هذه اللحظة ..!
ربت ريكايل على كتفها حينها : و هاهو انتظارك قد أثمر .. لذا اطمئني علينا فنحن بخير ..!
دخلت جوليا في تلك اللحظة : القهوة جاهزة ..!
أردت أن أسأل سؤالاً لكني ترددت قليلاً : أين ميشيل يا جوليا ؟!!..
أراحني رايل حين سأل السؤال عني .. و كأنه شعر بأني أريد أن أسأل .. أو ربما هي إحدى معجزات التوائم !!..
ابتسمت جوليا و هي تسكب القهوة في الأكواب : لم تعد بعد .. لقد ذهبت لمكان عملها .. سوف تأتي في المساء ..!
- في المقهى ؟!!..
- لا .. لقد انتقلت للعمل في مطعم صغير بالقرب من هنا ؟!..
- لما ؟!!.. لقد قالت أنها مرتاحة بالعمل هناك !!..
- لا أعلم السبب الحقيقي .. لكنها قالت أن ذلك المطعم أقرب للمنزل حيث يمكنها القدوم للاطمئنان على أمي وقت الاستراحات ..!
بطريقة ما و من خلال حوارهما شعرت أني السبب في ترك ميشيل لعملها في ذلك المقهى حيث رأتني من ليديا ..!
لكني سأصحح كل شيء عما قريب : ريكايل .. لينك .. أعلم لما أنتما هنا ..! أعتقد أنكما تريدان معرفة كل شيء منذ البداية ..!
انتبهنا للخالة آنا التي قالت تلك الكلمات بصوت هادئ ..!
جلست أنا على كرسي قرب السرير و بجانبي أخي على الكرسي الآخر .. بينما جلست جوليا على حافة السرير و بدا أنها الأخرى متشوقة لمعرفة القصة ..!
بهدوء قلت حينها : نحن نستمع خالتي .. ابدئي بالحديث ..!
نظرت إلي للحظات .. ثم لأخي لحظة أخرى : كان هذا منذ سبعة عشر عاماً .. لا أزال أذكر تلك الفترة و كأنها كانت الأمس ..! كان عمر جوليا حينها شهرين و قد كانت مريضة حين ولدت و أخبرني الأطباء أنها قد تموت لو لم تجرى لها بعض العمليات التي تحتاج لمبالغ مالية كبيرة .. زوجي كان يعمل سائقاً لسيارة أجرة .. و قد تعرض لحادث أدى لكسر ساقه فكان عليه أن يلزم الفراش لعدة أسابيع و ألا يقود قبل ثلاثة أشهر ..! لذا كنت أنا رأس المال الوحيد في الأسرة و قد كانت حالتنا صعبة بعض الشيء ..! عملي كمربية في ملجأ الأيتام كان جيداً ففي تلك الفترة كان الملجأ مزدهراً على عكس الفترة الحالية ..! أذكر أني في ذلك اليوم تركت جوليا مع والدها و ذهبت للعمل حيث كنت مضطرة للذهاب من أجل الراتب الذي يدفع لي ..! في ذلك اليوم قدمت إلي مديرة الملجأ و قالت بأن هناك طفلين وصلا و أني سأكون المسؤولة عنهما ..! كنت أعتقد أنهما طفلان من أسرتين مختلفتين ..! لكني حين رأيتكما صدمت .. فللمرة الأولى أرى توأماً بذلك الحجم الصغير .. حينها علمت أن عمركما ثلاثة أيام فقط .. وأن والداكما توفيا في اليوم السابق بحادث سير ..! ما فهمته أن والدتكما خرجت أولاً من المشفى بينما طلب الطبيب منها ترك الطفلين لأربعة وعشرين ساعة لتفقد حالتهما لكنها تعرضت و والدكما لحادث حينها أدى بحياتهما ..!
كان الأمر مؤلماً للغاية .. فأمي في ذلك اليوم خرجت من المشفى لتعود لمنزلها و تجهز غرفة الطفلين و تبني أحلامها و تستعد لاستقبالهما كفردين جديدين في العائلة .. لكنها ماتت قبل ذلك .. و أبي أيضاً ..!
لا أعتقد أن الخالة آنا تعرف الكثير عنهما .. لذا لم أتكلم و كذلك ريكايل .. لقد بدت عليه نظرة ألم مشابهة .. يبدو أنه يفكر كما أفكر تماماً ..!
تابعت الخالة آنا حديثها بعض ذلك الصمت القصير : لقد كنتما أصغر طفلين توليت الاهتمام بهم فأصغر طفل كان ابن الثلاثة سنين لكن أنتما كنتما بعمر الثلاثة أيام ..! علمت أن أسمكما لينك و ريكايل .. كان يصعب علي التفريق خاصة بعمركما ذاك .. لكن بسبب شريطين على يديكما الأولى زرقاء كانت في يد ريكايل و الحمراء في يد لينك استطعت أن أفرق بينكما ..! كانت الأمور تسير على ما يرام طيلة اليومين الأولين لكن حتى ظهيرة ذلك اليوم يومكما الخامس في هذا العالم .. طلبتني المديرة و أخبرتني أن أحدهم سيتبنى أحد التوأمين .. سألتها عن مصير الآخر فقالت أنه سيبقى هنا في الملجأ ..! صدمت لذلك فهناك قانون في الملجأ ينص على أن التوأم يتم تبنيهم معاً حتى لا يفترقا .. لكن المديرة حينها قالت بأن تبني أحدهما على حدا سيجلب المزيد من الدخل لأن المال المدفوع مقابل التوأم مساوي للمال المدفوع مقابل الطفل الواحد و أنه لو تم تبني أحدهما على حدا سيحصل الملجأ على الضعف ..!
يا للحقارة !!.. أبسبب المال يتم تفريقي عن أخي لمدة سبعة عشر عاماً !!.. حقاً شيء لا يصدق !!..
تنهدت الخالة حينها و تابعت : في البداية رفضت قطعاً .. أخبرت المديرة أني سأبلغ الشركة المسؤولة عن هذا لكنها أخبرتني بأنها ستطردني قبل ذلك ولن تعطيني راتب ذلك الشهر كما أنها ستخبر الجميع بأن لا يقبلوا بتوظيفي ..! لقد كنت بحاجة ماسة للمال من أجل علاج ابنتي و مصاريف المنزل و كذلك من أجل زوجي ..! لذا كنت مضطرة للسكوت وقد قررت أن أتصرف في وقت لاحق .. حينها أخبرتني بأنهم سوف يأتون بعد أسبوعين و أن علي أن أسلمهم أحد الطفلين ..! كان الأمر صعباً فأنا لم أعلم أيهما أترك و أيهما أسلم ..! بدا الأمر لي كقنبلة موقوتة و أن علي أن أختار إما السلك الأحمر أو الأزرق ..! أذكر حينها أن طفلاً جاء إلي و قال : ( الطفل ذو الشريط الأزرق لطيف .. أما ذو الشريط الأحمر فهو يبكي كثيراً ) ..! حينها قلت لنفسي .. الذي يبكي كثيراً يحتاج لأم ترعاه ..! لقد سمعت عن سادة مارسنلي و أنهما لطيفان و ليس لديهما أبناء ..! لذا سأسلمهم ذو الشريط الأحمر .. لينك !!..
شريط أحمر حدد مصيري .. لأنني كنت أبكي بكل براءة كأي طفل رضيع ..!
بصراحة .. هذا أكثر مما توقعت !!..
دمعت عينا الخالة آنا لسبب أجهله : بعدها مضى أسبوعان و أنتما في رعايتي .. و قدمت وصيفة مارسنلي العجوز .. حين أعطيتها الطفل أخبرتها بأن أسمه لينك و أني أرجوا أن لا تغير أسمه فهو الاسم الذي أختاره والداه الراحلان له ..! لم استطع النوم في تلك الليلة .. كنت أشعر بتأنيب الضمير بسبب موافقتي على تفريق التوأمين .. قررت حينها أن أهتم بالطفل الآخر حتى يكبر و أخبره عن أخيه ..! مضت بضع سنوات و أنا أربي في ريكايل دون أن أخبره بأمر أخيه التوأم ..! و حين دخل المدرسة صرت أنا مديرة الملجأ لذا قررت البحث عن لينك ..! علمت حينها أن السيد مارسنلي توفي منذ سنوات و أن السيدة انتقلت للعيش في بريطانيا مع أبنها الوحيد ..! لكن أكثر ما صدمني هو أن لا أحد يعلم بأن لينك متبنى من قبل مارسنلي ..! حينها تحدث إلي رجل .. علم بأني أبحث عن لينك براون فأخبرني بأنه إن لم أتوقف عن البحث فأنه سيقطع عيشي !!.. لقد كان الأمر مروعاً بالنسبة لي خاصة بعد وفاة زوجي منذ عامين و ليس لدي أي شخص يساعدني على تأمين حياة كريمة لطفلتي ..! فكرت حينها .. كلا الطفلان يعيش حياة جيدة .. ربما ريكايل لا لكن ذلك لن يغير شيئاً ..! لذا قررت أن أترك كل هذه الأمور و لا أحاول جمع التوأمين مرة أخرى لأن ذلك سيسبب هلاكي و هلاك أطفالي ..! لقد كرهتكما لفترة لكن قلبي لم يحتمل فكرة أني أنانية لتلك الدرجة ..! أعلم أني كنت مخطأة .. لقد كنت ضعيفة و طائشة ..! لم يعد لي أي شيء إلا أن أطلب الصفح منكما فقط !!.. سامحاني .. سامحاني على كل ما فعلته ..! سامحاني لأني لم استطع جعلكما تعيشان سوية !!.. أرجوكما .. لينك .. ريكايل .. إنها أمنيتي الأخيرة قبل أن أموت ..!
لقد كانت تبكي بالفعل بصوت أنين نادم للغاية و قد طأطأت رأسها و غطت وجهها بكفيها بعنف ..!
لم أعلم ما الذي يجب علي فعله ..!
إن مسامحتها صعبة علي .. ربما ريكايل قد يسامحها لأنها اهتمت به و ربته أما أنا فذلك صعب ..!
رغم ذلك حاولت أن أستجمع أفكاري .. أخذت نفساً عميقاً ..!
اهدأ لينك .. لقد كان هذا القدر ..! لا ذنب لها فهي أيضاً ليدها طفلتان تريد تأمين حياة كريمة لهما ..! لقد منحتك هذه التجربة فرصة معرفة إلينا التي ربتك .. و جاستن أيضاً و إن لم تكن تذكره .. كذلك العم رونالد و الخالة كاثرن و أبناءهم ..! لقد اعتنت بريكايل رغم كل شيء ..! و قد حاولت أيضاً جمعك بأخيك ..!
نظرت إليها حينها .. و ابتسمت بهدوء .. ربتت على كتفها حينها و أنا أقول بنبرة بدت حانية نوعاً ما : اهدئي خالتي ..! رغم كل شيء ففضلك علينا كبير ..! لذا لا داعي لأن تطلبي الصفح ..!
وضع رايل يده فوق يدي و قال بذات نبرتي : صحيح .. أنا لم أنسى أنك رعيتني حتى صرت مدركاً بما حولي و عملتي جاهدة لتعويضي عن فقدان والدتي ..!
رفعت رأسها إلينا .. لقد كان مشبعاً بالاحمرار و الدموع قد غسلته كلياً : أحقاً ما تقولانه ؟!..
أومأ كلانا إيجاباً وقد رسمنا ابتسامات امتنان لهذه المرأة التي رغم أنها لم تستطع لم شملنا إلا أنها فعلت الكثير من أجل ريكايل على الأقل .. و الدليل الأكبر هو مشاعر الأخوة بينه و بين ميشيل و التي لم تأتي من فراغ ..!
ابتسمت هي الأخرى و نظرت إلينا بتأمل : لقد كبرتما و صرتما شابين يافعين .. حقاً تمنيت دوماً أن أراكما سوية ..! كل ما أتمناه في حياتي أن تعيشا معاً بسعادة .. هكذا سيرتاح ضميري إلى الأبد ..!
أمسكت بيدها بين كفي و قلت : اطمئني خالتي .. أمنيتك هذه لن تضيع ..! أعدك أني لن أتخلى عن ريكايل .. و هو أيضاً سيفعل المثل ..!
علق هو الأخر موافقاً على كلامي : بالتأكيد .. خالة آنا .. أنا و لينك سنبقى معاً كما تمنيت دائماً ..! لذا اطمئني و لا تحملي في قلبك أي قلق علينا ..!
سالت الدموع مجدداً من عينيها .. لكنها هذه المرة كانت دموع فرح و سعادة و سرور و كل ما يمكن أن يبهج القلب : أني حقاً سعيدة و مطمئنة الآن ..! بما أنكما بخير ..!
بمرح قالت جوليا حينها و قد اتضحت السعادة عليها هي الأخرى : لكن رايل .. لا تنسني و ميشيل بما أنه صار لديك شقيق ..! تذكر أني لا أزال أعدك أخي الصغير مهما حدث ..!
ضحك بخفة حينها : لا تغترِ كثيراً جوليا .. أنتي أكبر مني بشهرين فقط ..!
نظرت إلى ريكايل بطرف عين حينها و بابتسامة ماكرة : يا ترى من الأكبر منا ؟!!..
رفع حاجبه بغرور : بالتأكيد سأكون أنا ..!
بدا التساؤل على جوليا : صحيح .. كيف يمكنكما معرفة الأكبر بينكما ؟!!..
نظرت الخالة آنا ناحيتنا : أعتقد أن ذلك كان مكتوباً في شهادة الولادة الخاصة بكلٍ منكما .. التاريخ مكتوب فيها .. و كذلك الساعة و الدقائق .. هذا يعني أنكما ستعرفان من أكبر و ما الفرق بعدد الدقائق ..!
ركزت النظر علي حينها : أعتقد أن شهادة ميلادك يا لينك موجودة مع السيدة مارسنلي .. أما أنت يا ريكايل فستجدها في أرشيف الملجأ ..!
ابتسمت لها بهدوء : شكراً لك خالتي .. لقد أعطتني إياها أمي إلينا .. لكني لا أتذكر الوقت بالضبط ..!
بادلتني الابتسامة حينها ثم قالت و كأنها تذكرت شيئاً : آه صحيح .. جوليا .. هلا أحضرتِ صندوقي الخشبي من غرفتي في الأعلى ..!
وقفت حينها و قالت بمرح : بالتأكيد أمي ..!
خرجت جوليا من الغرفة و حينها التفت الخالة فوراً إلي : لينك .. لقد أخبرتني جوليا بكل شيء عن قصتك مع السيدة مارسنلي حين علمت أنك لست ابنها ..! أعلم أن جوليا وعدتك بأن لا تخبر أحداً .. لكنني أجبرتها على الكلام لأني سألتها عن كيفية معرفتك لريكايل مسبقاً ..! و لأنها لم ترد أن تغضبني حكت لي القصة ..! لذا أرجوا أن لا تغضب منها فأنا أتحمل كافة المسؤولية ..!
بذات ابتسامتي الهادئة قلت : لا بأس خالتي .. كنت سأخبرك بكل شيء على العموم ..!
تنهدت براحة قبل أن تسأل : و الآن أخبرني .. كيف كانت حياتك مع مارنسلي ؟!..
بلا شعور اتسعت ابتسامتي و أنا أقول : أنه شيء يصعب علي وصفه ..! أمي إلينا و أبي جاستن قدما لي الكثير .. ربما أنا لا أتذكر أبي لأنه توفي في طفولتي لكني أعتقد أنه حتى و إن كان موجوداً فسأكون أكثر سعادةً بوجوده ..! أمي إنسانة عظيمة بالفعل و هي حنون بشكل مفرط .. لم تكن تسمح لي بأن أحزن من شيء فكل شيء أريده كانت تحققه لي بنفس طيبة ..! أعتقد أني متعلق بها بشكل فضيع ..! فهي لم تشعرني يوماً بأنني لست ابنها بل على العكس .. ربما لو كان لها ابن لما عاملته هكذا ..! أني حقاً لا أستطيع العيش بدونها ..! مهما تكلمت و تكلمت فأنا لن أوفي جزءاً بسيطاً من حقها العظيم علي مهما بذلت من جهد ..!
بالفعل .. أمي شيء لا يمكنني وصفه مهما حاولت ..!
كانت الخالة آنا لا تزال محافظةً على ابتسامتها : بالفعل أراحني كلامك .. فقد قلقت سابقاً نوعاً ما عن كيفية حياتك هناك و إن كنت سعيداً أم لا ..! لكن كلامك طمأنني بالفعل ..!
لم أعلق بل اكتفيت بابتسامة هادئة على محياي ..!
وصلت حينها جوليا و هي تحمل صندوقاً خشبياً متوسط الحجم بين يديها ..!
أخذته الخالة آنا منها و أخرجت مفتاحاً صغيراً من درج الخزانة الصغيرة الذي بجانب السرير ..!
أدخلت المفتاح في فتحة في الصندوق ثم فتحته .. كان مليئاً بأوراق قديمة و أشياء صغيرة كثيرة ..!
في النهاية أخرجت كيساً أسود صغير من المخمل و فيه خيوط ذهبية بحيث تسحبينها من الجانبين فيغلق الكيس .. لكنها حينها فتحته ..!
بانت ابتسامة شاردة عليها بينما كنا الثلاثة متشوقين لمعرفة ما في داخل ذلك الكيس الذي كان بحجم الكف ..!
نظرت إلينا ثم أخرجت شيئاً من الكيس .. إنهما شريطان .. الأولى زرقاء و الأخرى حمراء !!..
من فوري علمت أنهما ذات الشريطين في القصة التي حكتها منذ قليل : واااااو .. أمي أكنت تحتفظين بهمَ طيلة هذه السنوات ..!
كانت هذه جوليا التي قالت تلك الكلمات بذهول و سعادة .. و بسرعة التقطت الشريطين من يد والدتها و أمسكت بيدي دون أن أستوعب الأمر ..!
و في لحظات كان الشريط الأحمر مربوطاً حول معصمي بطريقة لطيفة للغاية .. كما حدث الأمر مع ريكايل و الشريط الأزرق ..!
بقيت أتأمل ذلك الشريط .. لقد ربطته جوليا الآن لكن من ربطه قبلاً ؟!..
ربما تكون أمي .. أو أبي .. و ربما ممرضة كانت تعبث في المكان ..!
لكن احتمال أنه أحد والدي وارد .. لذا لم أشعر بنفسي إلا بعدما بدأت أتحسس ذلك الشريط الذي حيك بخيوط الستان بيدي الأخرى ..!
ابتسمت حينها بلا شعور .. فهذه الأحاسيس التي أشعر بها الآن قد تكون رابطي الأول بوالدي ..!
نظرت إلى الخالة آنا حينها : شكراً لك خالتي ..!
التفت إلى ريكايل حينها بذهول فقد نطق بتلك الكلمة معي في ذات اللحظة .. لست أنا فقط بالجميع كانوا مذهولين بيمن فيهم ريكايل ..!
لكننا حينها ضحكنا جراء ذلك الموقف .. جوليا و الخالة كانتا تضحكان أيضاً ..!
أي لحظة هذه التي تعيشها يا لينك ؟!!!..
خلال شهر واحد يحدث كل هذا ؟!!..
تحب فتاة من النظرة الأولى .. تعين خادماً خاصاً رغم كرهك للخدم .. تذهب مع الفتاة للحفل لتكتشف أنها أخت الخادم بالتربية فتتشاجر معها .. تصير صديق خادمك فيما بعد و تحكي له عن طفولتك .. تكتشف أن إلينا ليست أمك الحقيقية بل أخذتك من دار للأيتام و تتشاجر معها للمرة الأولى .. تعرف القصة كاملة و تشتري دار الأيتام دون أن تعلم بأنه من احتضنك في أيامك الأولى .. و بعد كل هذا تكتشف أن ذلك الخادم ما هو إلا أخوك التوأم فترفض ذلك .. تقوم بمقابلة زواج مع فتاة رائعة لم تستطع أن تنسيك حبك للفتاة الأولى التي رفضتك بعنف .. لكن شريكة مقابلة الزواج تقرر مساعدتك و دون أن تلاحظ تعيد صلتك بأخيك ..!
و ها أنت الآن تضحك معه و مع الأسرة التي اهتمت به ..!
حقاً .. أنا ممتن لكل ما حدث لأنه أوصلني لهذه اللحظة ..!
رغم كل المشاكل .. و رغم كل المصائب .. كان للسعادة نصيب من حياتي ..!
حتى شخصيتي تغيرت بالكامل .. للأفضل بشكل كبير فأنا لم أعد ذلك الطائش المغرور ..!
و كأنني ولدت من جديد و بدأت حياتي من الصفر !!..
كل هذا في شهر واحد فقط ..!
.................................................. .........
كانت الساعة هي الثانية حين خرجنا من منزل الخالة آنا ..!
و قد قررنا البدء بالبحث عن معلومات عن والدينا بعدما قالت الخالة بأسف بأنها لا تعلم شيئاً غير ما ذكر في الأوراق الخاصة في الملجأ ..!
لكن هناك شيء جيد .. فحسب ما قالت يوجد عنوان للمنزل الذي عاشا فيه قبل موتهما ..!
ربما نعرف شيئاً إن ذهبنا إلى هناك .. و لذا في خطوة أولى ذهبنا للملجأ..!
ريكايل كان يتولى القيادة .. كلانا كان متوتراً فنحن نخشى أن مرور سبعة عشر عاماً قد قلب الأمور رأساً على عقب ..!
- هيه لينك .. أتعتقد أن لدينا أقرباء ؟!..
- لا .. لأنه لو كان لدينا لقاموا برعايتنا .!
- ربما لم يكن لديهم المال الكافي لحمل مصاريف طفلين ..!
- لا أعتقد أن زيارتنا على الأقل ستكلف شيئاً ..! لكن عموماً .. ربما يكون هناك من لديه ظرف كبير فلم يتمكن من رعايتنا ..!
- قد تكون على حق ..! كان لدي صديق في المدرسة الداخلية .. رغم أن والده كان حياً إلا أن الظروف أجبرته على وضعه في المدرسة الداخلية .. والده كان مضطراً للعمل في الجيش و والدته توفيت في طفولته أثر مرض ألم بها .. لذا لم يكن هناك من يعتني به ..!
- قد تكون لنا الظروف ذاتها .. لا نعلم حقاً ما هي الحقيقة ..!
كنا محاطين بالأسئلة من كل جانب ..!
التوقعات لم تكن تنتهي ..!
و رغم كل شيء تمنينا لو يكون لنا قريب واحد .. شخص قد يحكي لنا عن والدينا على الأقل ..!
هناك أيضاً بعض القضايا التي شغلتنا ..!
نظرت إلى ريكايل بطرف عين و بتردد قلت : أخي .. ألا زلت مصراً على إخفاء الأمر ؟!!..
تنهد بتعب حينها : لينك أرجوك .. على الأقل في الفترة الحالية ..!
- صدقني هذا لن يسبب أي مشكلة ..! أمي ستكون سعيدة بهذا ..!
- أعلم ذلك ..! لكن إخبار السيدة مارسنلي بأخوتنا الآن يؤرقني .. أفضل أن أخفي الأمر عنها و عن الجميع بعض الوقت ..!
- إني أشعر بالخيانة هكذا ..! إنها قلقة علي لذا أريد أن أطمئنها ..!
- أخي من فضلك .. أنهي الحديث الآن ..!
- لما ؟!!.. لن يكون الأمر بهذا السوء ..! فقط هي .. لن يعلم أحد لا أدريان و لا جيسكا و لا حتى العم رونالد ..!
- اسمع .. إخبار السيدة بالأمر بالنسبة لي مثل إخبار ميشيل بالنسبة لك ..! لذا إن أخبرنا السيدة فسنخبر ميشيل أيضاً ..!
تنهدت حينها ..هو يعلم أني أريد أن أخفي الأمر عن ميشيل : ماكر ..!
هكذا همست لكنه سمعني فظهرت على شفتيه ابتسامة جانبية ..!
بالفعل .. ماذا سيكون موقف ميشيل لو علمت بالأمر ؟!!..
أشعر أنها ستكرهني ..!
بالتأكيد .. سوف تعتقد أني أخذت أخاها منها !!..
نعم إنها من ذلك النوع من الفتيات ..!
غيورة و أنانية و غير صبورة و متسرعة في الحكم !!..
تفسر الأمور على سجيتها و تريد أن يسير كل شيء كما تريد !!..
سريعة الغضب و لا تسامح بسهولة !!..
طفولية للغاية رغم أن لها نظرة حقد مفزعة !!..
كل هذه كانت صفات ميشيل التي استنتجتها في الآونة الأخيرة ..!
مرعب صحيح ؟!!.. بالتأكيد !!..
لكن .. رغم كل هذا فقلبي لم يهتم لهذا كله !!..
فهو ما إن يراها حتى يبدأ بالنبض بعنف و كأنه يريد أن يفارقني و يذهب إليها .. هي فقط !!..
تنهدت حينها ..إنها تشغل ثلث تفكيري بينما كان الثلث الثاني لريكايل و أسرتي الحقيقية و الأخير شغلته أمي إلينا ..!
عقلي لا يريد المزيد من المشاكل فليس هناك متسع لها !!..
لذا لن أستطيع فعل شيء حتى أتخلص من القلق على أحد هذه الأقسام : لينك .. لينك !!.. أين شردت يا فتى ؟!!..
انتبهت حينها لأخي الذي كان من الواضح أنه نادى علي مراراً دون تلقي إجابة : عذراً .. كنت أفكر فقط ..!
- لقد وصلنا إلى الملجأ .. لكن هناك شيء ما ..!
- ما الأمر ؟!..
- انظر أمامك ..!
نظرت إلى الأمام إلى شيء وقف أمام بوابة الملجأ .. كانت سيارة .. بل حافلة كبيرة !!..
نزلت كما فعل ريكايل .. و حينها رأينا الأطفال يخرجون من البوابة بانتظام .. و العجيب أن جوليا كانت هناك : كيف وصلت جوليا قبلنا ؟!!!!..
قلت هذا بصدمة فالتفت إلي رايل باستغراب و ضرب رأسي بخفة : أكنت نائماً أم ماذا ؟!!.. لقد توقفنا في محطة الوقود كي نملأ السيارة .. و قد كانت مزدحمة للغاية .. و أيضاً توقفنا قرب سوبر ماركت لأني نزلت و اشتريت زجاجة ماء و علبة كعك محلى للأطفال !!.. بينما كان بإمكان جوليا أن تأتي إلى هنا بالنقل الجماعي مباشرةً و تصل قبلنا ..!
كنت متفاجئاً من كل هذا .. و حينها أيقنت أني غفوت بينما كنت أفكر !!..
تجاهلت الأمر و سرت مع ريكايل ناحية الأطفال ..!
و ما إن انتبهوا إلينا حتى انطلقت جين أصغرهم باتجاهنا بسعادة ..!
لكن العجيب أنها تجاوزت ريكايل و تشبثت بقدمي أنا و هي تقول ببراءة : سننتقل لبيت جديد .. و هناك حديقة كبيرة بجانبه ..!
تذكرت حينها ذلك اليوم الذي تعرفت فيه إلى الأطفال و كيف أني وعدت جين بأن تذهب للحديقة دائماً ..!
ابتسمت حينها بهدوء و حملتها بين يدي .. كانت المرة الأولى التي أحمل فيها طفلاً !!..
نعم لا تستغربوا !!.. إنها المرة الأولى في حياتي !!..
فأنا لم أحب الأطفال قط مسبقاً ..!
لكن أكثر ما جعلني أستغرب هو خفة الوزن و كأن هذه الطفلة عصفور صغير بين ذراعي : أنتي سعيدة ؟!!..
- كثيراً .. يمكنني اللعب متى شئت هناك .. الآنسة جوليا تقول هذا ..!
- بالتأكيد يمكنك ذلك ..!
كانت ابتسامتها بريئة للغاية و لطيفة و قد تجمع فرح الكون كله فيها ..!
في تلك اللحظة أدركت أن الأطفال و إن كانوا مزعجين أحياناً فهم يعدون نعمة لا تعوض ..!
قبلت وجنتها حينها قبل أن أنزلها إلى الأرض و أسير معها حيث بقية الأطفال : يبدو أن جين صارت تحبك أكثر مني ..!
هذا ما قاله ريكايل و نبرة غيرة اتضحت في صوته رغم تظاهره بعدم المبالاة : ربما .. لقد خطفتها منك ..!
قلت هذا بغرور لكن جين قالت حينها : أنا أحب لينك .. و أحب ريكايل أيضاً ..!
ابتسم و ربت على رأسها بلطف : و أنا أحبك كذلك ..!
قاطعنا حينها صوت ايريك الذي وصفه ريكايل بزعيم العصابة سابقاً : رايل .. ألن تعود للعيش معنا ؟!!..
أومأ سلباً و هو يقول : لا يمكن ايريك .. لديكم الآن مربيات شابات .. لذا لا يمكنني البقاء معكم ..!
قطب جون حاجبيه حينها : هيه رايل .. ألن تأتي للعب معنا مجدداً ..!
ابتسم له حينها : بلا جون .. سآتي بالتأكيد لرؤيتكم دائماً ..!
انتبهنا حينها لتلك الفتاة التي بدأت تبكي : لا أريد .. أريد أن يعود رايل ليعيش معنا ..!
لقد كانت لورا .. كما قال ريكايل سابقاً هي حساسة للغاية : لورا لا يجوز أن تبكي .. سيحزن رايل هكذا ..!
ديالا قالت تلك الكلمات و هي تربت على رأس لورا كأختها الكبرى ..! لقد قال ريكايل أنها حكيمة و هذا كان بادٍ عليها ..!
لكن أخي تقدم حينها إليها و ربت على رأسها : لورا .. اطمئني فأنا سآتي دائماً دائماً للبقاء معكم ..! لذا لا تبكي اتفقنا ..!
انتبهت حينها لطفل صغير تشبث ببنطال ريكايل .. لقد كان مارسيل الفتى الخجول ذو السنوات الأربع : رايل .. أنا لن أبكي أبداً بل سأنتظر زيارتك دائماً ..!
جثا رايل كي يصل لمستواه و قبل أن يتكلم كانت تلك المشاكسة قد أسرعت للقفز على ظهره و التعلق برقبته : لما جميعكم حزينون .. انظروا إن رايل سعيد و كذلك جين .. سنذهب لبيت جديد و الآنسة جوليا ستبقى معنا لذا لا داعي للحزن ..!
ضحكت بخفة على تلك الصغيرة رينا بينما قال ريكايل بصوت مخنوق بسبب ذراعيها الصغيرين المحيطين برقبته : رينا أنزلي حالاً .. ستقتلينني ..!
فعلت ما طلب منها فأخذ هو يستعيد أنفاسه .. رغم أن طفلة فقط فعلت هذا إلا أن مدى تأثره كان واضحاً ..!
ساورني الشك و القلق .. لما يفقد القدرة على التنفس بسرعة و لا يستعيدها بسهولة ؟!!..
علي أن أسأله قريباً ..!
كان قد وقف حينها و نظر إليهم جميعاً بابتسامة : المهم أن تكونوا مطيعين للآنسة جوليا .. و أيضاً لا تتعبوا المربيات الجدد ..! خاصة أنتي يا رينا ..!
بدا عليها الضجر بينما كتم الجميع ضحكته إلا أحد الفتية الذي ضحك بعنف فنظر ريكايل إليه بمكر : و أنت غير مستثنى من هذا ايريك ..! إياك أن تسرق الطعام كما تفعل دائماً ..!
تظاهر بأنه لم يسمع شيئاً بينما سكتوا جميعاً حتى لا يتعرض أحدهم لإهانة مشابهة ..!
لكن هناك من لم يمسك ضحكنه الساخرة : ايريك سيتسلل في الليل ليسرق الحلوى !!..
وجه ريكايل نظراته لذلك الصغير حينها : اسمعوا من يتكلم .. أنت أكثر من يسبب الفوضى في المكان مايك ..! لذا لست مختلفاً عنه كثيراً ..!
هذه المرة ضحكوا جميعاً عادا مايك الذي ابتسم بمشاكسة ليخفي إحراجه ..!
بينما عاد ريكايل للسيارة قليلاً ليحضر شيئاً .. لحظات حتى وصل إلينا و هو يقول :على ذكر الحلوى .. هذه علبة كعك محلى هدية مني و من لينك .. سأعطيها للآنسة جوليا و حين تصلون للمنزل الجديد تناولوها سويةً ..!
بدت أمارات السعادة عليهم و هم يرون ريكايل يناول جوليا تلك العلبة : ماذا تقولون الآن ؟!..
هكذا سألتهم معلمتهم الصغيرة لذا قالوا بصوت واحد : شكراً لك ..!
ابتسمت لهم .. إن البراءة تشع من عيني كل منهم رغم الظروف القاسية التي عاشوها ..!
يبدو أن للأطفال قدرة على هضم الظروف المحيطة مهما كانت صعبة على عكس الكبار ..!
صفقت جوليا بكفيها و هي تقول : حسناً يا صغار .. لقد تأخرنا على السائق لذا اصعدوا إلى الحافلة بانتظام و ليجلس كلن منكم في احد المقاعد ..!
أومؤا موافقين لكن جين سألتني : ألن تأتيا معنا ؟!..
أومأت لها سلباً : لا يا عزيزتي .. لدينا بعض الأعمال .. لكننا سنأتي لزيارتكم قريباً ..!
ابتسمت بلطف ثم سارت لتصعد الحافلة مع الجميع .. بينما وقفت جوليا أمامنا : أتمنى لكما التوفيق في رحلة البحث .. إلى اللقاء ..!
بادلها ريكايل ابتسامتها اللطيفة : شكراً .. نراكم على خير ..!
ركبت هي فأُغلق الباب و انطلقت الحافلة للمبنى الجديد الذي اشتريته ..!
بينما اتجهت أنا و ريكايل إلى الداخل بصمت كي نبحث في الأوراق عن عنوان المنزل ..!
كنت اتبعه إلى الداخل في ذلك المكان الذي صار خالياً الآن كمبنى مهجور ..!
أنا لم أتعمق مسبقاً هنا فكل ما رأيته هو غرفة المديرة و غرفة المعيشة ..!
لكننا بعد سير بين الممرات التي أثبتت لي أن المبنى ليس صغيراً إطلاقاً وصلنا إلى باب خشبي صغير : هنا ؟!!..
هكذا سألت : ليس بعد ..!
كانت هذه إجابته المختصرة قبل أن يفتح الباب ليظهر درج قديم ينزل للأسفل : سننزل ..!
- هل المكان آمن في الأسفل ؟!!..
- لا توجد ضوء لذا احذر .. المكان معتم لكن في الأسفل يوجد إنارة ..!
- حسناً ..!
نزلنا سويةً خلال ذلك الدرج ..قال أن المكان معتم لكنه كان أشد من ذلك : ريكايل .. أأنت هنا ؟!..
- نعم .. أنا أمامك مباشرةً ..!
لم استطع أن أكمل بعد أن التففنا فلم يعد ضوء الباب المفتوح في الأعلى يفيد ..!
فقط صار المكان أشد ظلمة و بدأت الهلاوس تدخل إلى باطن دماغي !!..
شعرت أن ركبتاي صارتا مرتخيتين و أني لا أستطيع الوقوف !!..
جلست على أحدى الدرجات و وضعت يدي على رأسي بعد أن أسندت مرفقي على ركبتي ..!
كنت أشعر برعب حقيقي يسري بداخلي و ضربات قلبي تسارعت و كأن ثوراً هائجاً يطاردها ..!
و السبب .. درج معتم ينزل لقبو أسفل مبنى مهجور ..!
يبدو أن ذكريات الطفولة تلك لن ترحمني حتى بعد مرور عشرة أعوام : لينك .. أأنت بخير ؟!!..
كان هذا ريكايل .. كنت أسمع صوته قريباً لكني لا أراه .. ربما بسبب عتمة المكان .. و ربما بصري بدأ يخونني ..!
شعرته به يربت على كتفي لكنه فوراً أبعد يديه و قال بقلق : جسدك يرتجف !!.. ما بك ؟!!..
لم أجب فعاد ليربت على كتفي و قد ثبت يديه هذه المرة هو يقول : أأنت مريض ؟!!..
- خائف !!..
قلتها بنبرة مهزوزة للغاية و صوت خافت : لما ؟!!.. هل حدث شيء لينك أخبرني !!..
- لاشك أنها في الأسفل !!..
- ماذا تقصد ؟!!..
- أليس !!.. لا بل جثة أليس !!!.. إنها في الأسفل داخل القبو صحيح ؟!!..
صمت لبرهة مما زاد خوفي !!..
أكره ضعفي في هذه اللحظات !!..
أكره نفسي و أتمنى لو أموت !!..
ربما كان من الأفضل أن أموت أنا عوضاً عن أليس ذلك اليوم !!!!..
شعرت بشيء أحاط برأسي .. و قد كانت ذراع رايل : اهدأ .. لا شيء في الأسفل ..!
قال هذا بنبرة حانية في محاولة لطرد فزعي و كأنه يحدث طفلا و يخبره أن لا وحش داخل خزانة الملابس ..!
تابع حينها بذات الهدوء : أنه مستودع فقط ..! لا توجد أشياء سيئة !!..
لم أقل شيئاً بل أغمضت عيني و أرحت رأسي على كتفه للحظات ..!
مضت دقيقتان و نحن في ذلك الصمت حتى في النهاية وقف ريكايل و ساعدني على الوقوف و هو يقول : لنخرج من هنا الآن ..!
بقيت على صمتي فأحاط كتفي بذراعه ثم سار معي إلى الأعلى ..!
شعرت حينها بالاطمئنان و الامتنان له لأني لو بقيت هناك أكثر لكنت قد جننت بالفعل ..!
بعد أن خرجنا أخذني إلى غرفة المعيشة مباشرة دون نطق شيء ..!
جلست على تلك الأريكة أستعيد أنفاسي و اخفي تلك الدموع التي تجمعت في مقلتي ..!
ربت على كتفي حينها و ابتسم : انتظر هنا .. سأذهب لإحضار الملفات من المستودع في الأسفل ..!
لم أقل شيئاً فسار ناحية الباب بهدوء و حينها : ريكايل ..!
- ماذا ؟!!..
أوشحت بوجهي بتردد و بخفوت قلت : شكراً ..!
ابتسم بهدوء و لم يرد .. بل غادر الغرفة حينها ..!
أخذت نفساً عميقاً .. لقد كان موقفاً محرجاً بالفعل ..!
لكن .. بما أنه أخي التوأم فلا مشكلة ..!
فأنا واثق أنه حتى لو لم أنطق بحرف .. كان سيشعر بي على الأرجح ..!
اعتقد أن هذا ما يسمى .. معجزات التوأم ..!
..................................................
__________________
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم











رد مع اقتباس