عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 06-29-2013, 04:55 PM
 
" جلالتك , أفيقي أرجوك... "
صدرت شهقة بكاء مرير و تردد الصوت في صدى الظلام..... حثتها مجدداً و صوتها ينزف ألماً...
رفت بعينيها كثيراً وهي تشعر بأن جفونها تحترق... فتحت غاردينيا عقلها و وعيها لم هي عليه.... وهذا الصوت المألوف الحزين... أنها وصيفتها هنا...!
" عزيزتي... آوه حبا بالرب لا تموتِ...!
حدقت غاردينيا بالظلام ولم ترى شيئا لدقائق.... همست بأرهاق ... لكن لم يظهر صوت... فحاولت مجدداً ..
" كارلا ؟!.
" آوه .. آوه نعم عزيزتي.. أنا هنا..!!
تحركت و تألمت وهي تقول شاعرة بالبرد الشديد : أين...؟! أين نحن ؟!.
بكت كارلا بحرقة وهي تضم الأميرة المضطجعة على الأرضية الباردة القاسية.... قالت ببكاء :
" لقد اختطفنا... حبسنا هنا في زنزانة... آواه ماذا سنفعل ؟!! يا ألهي..!!
اتسعت عينا غاردينيا و تحول لونهما من التركواز الغائم إلى تركواز محروق مسود من شدة الهلع ..
قالت وقلبها قد خلع من مكانه رعباً : لـ... لست أدري ! , أنني .. لا أرى شيئا...!
تركتها كارلا قليلا و حدقت بها برعب قالت بارتجاف : المكان مظلم و بارد .. و أنا أيضا لا أرى شيئا.. لقد اجتروني إلى هنا و وجدتك ملقيه على الأرض بلا حراك فظننتك ...
ثم أخذت تبكي مجدداً.... بكت غاردينيا أيضا ببؤس , كيف يمكن أن يكون مصير أميرة هكذا ؟! محبوسة في زنزانة قاسية و مظلمة و باردة ... مسحت على شعر كارلا و فكرت بألم أن عليهما أن تواجهان الواقع و تتحملان ما يحدث.. مهما يكن على الأقل يجب على واحدة منهما أن تكون قوية كفاية لأجل الأخرى... آواه من أين أجلب هذه القوة ؟؟!
شعرت بذراعي كارلا عاريتين ... و شعرت أيضا بمعطفها أسفل منها.. فقالت بفزع : كــارلا !!!
حاولت النهوض مستندة على الجدار البارد وهي تكمل بتعب : لا تفعلي هذا.. المكان بارد..!
" لا... لا مولاتي... أنا استطيع التحمل . أنتِ مريضة..!
ضمت الأميرة نفسها و بدأ بصرها يعتاد على الظلمة... كانت زنزانة مريعة صغيرة بثلاث جدران و الرابع كله أعمدة حديدية و ممر بلا نهاية مظلم بلا مشاعل... و كارلا تقف قربها وهي تهمس بارتجاف بصلوات و أدعية قلبية ..
" ماذا سنفعل ؟! "
من الواضح أنهما لا يستطيعان فعل شيء قط... فتاتين مسكينتين بلا حول و لا قوة .. و الأميرة فيهما مريضة !!
هسمت لها كارلا وهي تمسك بكتفيها الهشين , : أجلسي مولاتي... أرجوك و لنحاول أن نتماسك...
جيد لقد تماسكت كارلا قليلا... إذا لا بأس بأن تجزع هي....
صرخت الأميرة فجأة من ألم أنتابها في جوانبها : آه .. يا ألهي..!
" مولاتي...!! "
انزلقت ساقطة على المعطف و بجانبها كارلا وهي تهدأها و تضمها ... ذكرتها أن تتنفس بعمق.. فحاولت أن تفعل لكن الهواء هنا ثقيل و بارد و قذر لا يشجع أبداً على التنفس بأي شكل كان !!
" آووه عزيزتي أين الألم ..؟!."
صكت الأميرة على أسنانها وهي تهمس و دموعها تسيل : أنه في كل مكان.. أشعر بأنني أتقطع !!.
" ألهي " ... و بكت كارلا وهي تمسح بشدة جيئة و ذهابا على ذارعي الأميرة المعقودين على بطنها...
انحسر الألم تلقائيا و هدأت الأميرة بللت شفتيها الجافتين و حلقها المحترق.
قالت بهمس ضعيف : منذ .. منذ متى و نحن.... و ضاعت صوتها عند الكلمة الأخيرة...
" لست واثقة من الوقت .. ربما قبيل الفجر !! لقد مر وقت طويل قبل نهوضك..
تنفست الأميرة عميقا و نامت بتعب... همست كارلا مراراً باسمها و جزعت... لكنها تسمعت لتنفسها و ضربات قلبها فعلمت بأنها قد نامت... لا تدري هل هما بالنهار أم الليل ؟! و في أي مكان ...!!

مرت بعض لحظات من السكون الثقيل ... حتى تناهى لسمعها صوت كارلا الجزع و قبضتها تشتد على ذراعيها ..
" ممـ.. ما ذا تريدون منا ..؟! "
تخبطت غاردينيا حولها وهي تستند على ذراع وصيفتها لتجلس , كانت تشعر بأن عظامها تحولت إلى فتات , لا يقدر شيء على حملها و لم تقوى على التماسك...
حدقت بحارسين مرعبي المظهر ضخمي الجثة يمسكان برماح طويلة و نظراتهم مرعبة باردة و وجوههم عابسة ..
أشار أحدهما برأسه بازدراء على الأميرة و عيناه تلمعان بشرر ..
جحظت عينا كارلا و توقف تنفسها و وجهها يشحب بشدة , بينما بقيت غاردينيا جامدة لم تعي ما يحدث ...
قال الحارس الآخر بقسوة : اللــورد المظلم يريد رؤيتها... الأميرة.." نطق اسمها و كأنه قذارة !!
جاء الوقت لتشحب فيه الأميرة و تختفى الدماء من وجهها ليصبح كلون الطباشير من شدة الرعب , بينما عاد تماسك كارلا وهي تنتفض و دموعها تسيل .. صرخت بهم بصوت معذب : الأميرة مريضة جداَ ..
تمسكت غاردينيا بـ كارلا بقوة ... خائفة جداً أن تسحب كتلك المرة , أنها متأكدة بأنها ستموت إن فعلوا هذا مجدداً..!!!
احتضنتها كارلا بشدة و ارتجف صوتها كثيرا حتى أنه أصبح غير مفهوم تقريباً : أرجوكم أنها بحاجة للدواء .. أرجوكم دعونا...
لكن رجاءها و بكاءها لم ينفع , تقدم الأول العابس وهو يرفع رمحه عالياً يريد أن يحشره بينهما حتى يفك عناقهما الشديد ... ثم ليسحب هو ورفيقة الأميرة الشقراء من شعرها الطويل هذا...!
صرخت غاردينيا و كارلا تشد ذراعيها حولها ... لكن فجأة توقف كل شيء... و خطوات الحارس المجنونة...
ساد صمت مريب... فرفت الأميرة برموشها الثقيلة المدمعة و رفعت بصرها ثانية فقط كانت تسمع ضربات قلبيهما التي جنت فوق الصمت... انحنى الحارسان لشخص ما , رفعت بصرها المرهق أكثر , و وجدت ظلا نحيلا طويلا و عصا ..
ثم شعلة ضوء باهتة أضاء وجه العجوز الحاد , أشار برأسه و هرب الحارسان .... حدق بها بعينين باردتين كلون الحديد... رفعت كارلا رأسها و حدقت به أيضا , اقترب خطوتين بعصاه الطويلة السوداء كلون عباءته التي ترفرف بخفة...
ظل يراقب الأميرة طويلاً ثم إلى شعرها و يديها النحيلة ووجهها الأبيض الشاحب و عينيها الزرقاء التي صغرت بؤبؤها من شدة الخوف ... ضاقت عيناه الباردة و لم يعجبه ما رآه ... رفع يده عالياً شهقت الأميرة و خبأت رأسها في صدر كارلا...
" لا تخافـي , أنا أريد معالجتك !. "
صرخت كارلا بشهقة وحيدة : أنت ساحر !!
كان صوته مبحوح بارد وهو يرد عليها : أنا عـالم , و أرى أن الليلة هي آخر ليلة لأميرتك إن لم تعالج .. أنها تحتضر .
كانت غاردينيا قد تجاوزت مرحلة الألم إلى مرحلة الخدر التام و اللاوعي بالواقع ! , كانت على حافة الموت حقا .
اقترب الرجل العجوز الطويل منهما و ركع على ركبتيه ثم أمسك برقة بذقنها و تفحص وجهها لثانية و كانت قد أغمضت عينيها خوفا من أصابعه الباردة , تمتم بشيء ما .... ثم نظر إلى كارلا و قال ببرود : سأحملها معي الآن ... و أنت اتبعيني أن كنت تستطيعين الوقوف ..
كانت كارلا تشك بأنها تقدر على الوقوف , لكنها الآن شعرت بالأمل لرؤية هذا العجوز فأومت برأسها و العجوز بدا أقوى مما تظن و أطول قامة وهو يرفع الأميرة بين ذراعيه و ساروا معاً للخارج.... عبر دهاليز مظلمة طويلة ..
همست كارلا بعد أن وجدت صوتها : أنت .. تـ.. تساعدنا ؟! .
" هذه ليست الكلمة ! " ألقى إليها نظرة باردة مخيفة ساخرة لكن حادة ..







تم الجزء ... ^^