عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-28-2013, 04:11 PM
 

المعروف:
يطلق المعروف على كل ما تعرفه النفس من الخير، وتطمئن إليه، فهو معروف بين الناس لا ينكرونه. وقيل: هو ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً.‏

‎‎المنكر:
ضد المعروف، وهو ما عرف قبحه شرعاً وعقلاً وسمّي منكراً، لأن أهل الأيمان ينكرونه ويستعظمون فعله.‏


‎‎والمعروف يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله من الأمور الظاهرة والباطنة ، مثل:
شرائع الإسلام والإيمان بالله والصلوات الخمس والزكاة والحج، والإحسان في عبادة الله وإخلاص الدين لله، والتوكل عليه ومحبته ورجائه، وغيرها من أعمال القلوب، وصدق الحديث والوفاء بالعهود وأداء الأمانات وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار واليتيم، ومكارم الأخلاق.‏

‎‎والمنكر يدخل فيه كل ما نهى الله عنه ورسوله مثل:
الشرك بالله صغيره وكبيره، وكبائر الذنوب: كالزنا والقتل والسحر وأكل أموال الناس بالباطل، والمعاملات المحرمة: كالربا والميسر والقمار، وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وسائر البدع الاعتقادية والعملية، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.




حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد يكون هذا الواجب فرض عين على بعض الناس، إذا رأى المنكر، وليس عنده من يزيله غيره، فإنه يجب عليه أن يزيله مع القدرة.

أما إن كانوا جماعة فإنه يكون في حقهم فرض كفاية في البلد أو القرية أو القبيلة، فمن أزاله منهم حصل به المقصود وفاز بالأجر.. وإن تركوه جميعا أثموا كسائر فروض الكفايات.

وإذا لم يكن في البلد أو القبيلة إلا عالم واحد وجب عليه عينا أن يعلم الناس، ويدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر حسب طاقته، لما تقدم من الأحاديث، ولقوله سبحانه وتعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن:16].




مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [خرجه الإمام مسلم في صحيحه].

فبين مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الثلاث:

المرتبة الأولى:
الإنكار باليد مع القدرة، وذلك بإراقة أواني الخمر، وكسر آلات اللهو، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده إن استطاع ذلك كالسلطان ونحوه من أهل القدرة، وكإلزام الناس بالصلاة، وبحكم الله الواجب اتباعه ممن يقدر على ذلك، إلى غير هذا مما أوجب الله.

وهكذا المؤمن مع أهله وولده، يلزمهم بأمر الله ويمنعهم مما حرم الله باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام.
وهكذا من له ولاية من أمر أو محتسب، أو شيخ قبيلة أو غيرهم ممن له ولاية من جهة ولي الأمر، أو من جهة جماعته، حيث ولوه عليهم، عند فقد الولاية العامة يقوم بهذا الواجب حسب طاقته.
فإن عجز انتقل إلى:

المرتبة الثانية:
وهي اللسان، يأمرهم باللسان وينهاهم كأن يقول: يا قوم اتقوا الله، يا إخواني اتقوا الله، صلوا وأدوا الزكاة، اتركوا هذا المنكر، افعلوا كذا، دعوا ما حرم الله، بروا والديكم، صلوا أرحامكم، إلى غير هذا، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر باللسان، ويعظهم ويذكرهم، ويتحرى الأشياء التي يفعلونها، حتى ينبههم عليها.
ويعاملهم بالأسلوب الحسن، مع الرفق، يقول عليه الصلاة والسلام: { إن الله يحب الرفق في الأمر كله }، ويقول صلى الله عليه وسلم : { إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه }.

المرتبة الثالثة:
إذا عجز المؤمن عن الإنكار باليد واللسان انتهي إلى القلب، يكره المنكر بقلبه، ويبغضه ولا يكون جليسا لأهله.
وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال له بعض الناس: "هلكت أن لم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فقال له رضي الله عنه: هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر".



أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الخصائص والميزات التي أختص الله تعالى بها هذه الأمة من بين سائر الأمم الكافرة الضالة عن سواء السبيل، يقول الله عز وجل: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
إذاً سبب وسر خيريتكم هو أنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، وسبب فشل وضلال غيركم، أنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ويقول الله عز وجل:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) [التوبة:71]


ومن أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من تكافل الأمة
الإنسان في الإسلام ليس فقط شهوة، إنما هو جسد وروح، فكما أننا مطالبون بالمحافظة -مثلاً- على أموال الآخرين، وعلى أرواحهم، كذلك، نحن مطالبون بالمحافظة على أخلاقهم وعلى أديانهم. فالإسلام ضمن الحقوق الكلية للإنسان، فلا يجوز أن يجلس مسلم جائع ونحن نأكل ملئ بطوننا، ولو حصل هذا لكان واجباً عليه أن يأخذ منا بالقوة إذا لم نتبرع، يأخذ ما يسد رمقه، ونكون نحن آثمون، وكذلك الحال في أي حاجة من الحاجات الضرورية التي يحتاجها الفرد المسلم، مثله سواء بسواء، قضية المحافظة على الأخلاق والمحافظة على عقيدته، والمحافظة على دينه هي -أيضاً- جزء كذلك من هذا الواجب، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيق هذا الأمر أنك إذا وجدت على أخيك المسلم نقصاً في دينه أو عقيدته أو خلقه تقوم بتكميل هذا النقص.

2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمان للبيئة من التلوث
أحياناً قد ينتشر في البيئة جرثومة معينة تنتشر في الهواء مثلما وصل إلى أسماع الناس اليوم من قضية ما يسمى اليوم بالحرب الكيماوية، أو الأسلحة الكيماوية، ومثلها تماماً جراثيم الأخلاق والأفكار تنتشر في الهواء مثلما تنتشر الجراثيم القاتلة للجسم
نشر الشبهات التي تشكك الناس في دينهم من خلال الكتاب والمجلة والجريدة والشريط والمحاضرة والقصيدة والأمسية هي الأخرى أيضاً تلوث البيئة العامة، بحيث تجد أن الإنسان يبدأ يسمع شبهة هنا وشبهة هنا، وشبهة هنا، وليس صحيحاً أبداً أن الناس كلهم محصنون ضد الشهوات والشبهات، حتى الإنسان التقي النقي الطاهر العَلَم قد يسمع شبهة، فتظل تدور في عقله أياماً، حتى يطردها بإذن الله عز وجل
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يطهران وينقيان البيئة من التلوث الأخلاقي

3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمانة لعدم نزول العقوبات
فضلاً عن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ضمانة دون نـزول العقوبات الإلهية التي تصيب المجتمعات في العاجل أو الآجل
فإذا حق العذاب على أمة من الأمم فإن الله تعالى لا ينجي إلا الذين ينهون عن السوء. فإذا كانت هناك أمة من الأمم لا يوجد فيها الذين ينهون عن السوء، لا ينجو منها أحد، ولذلك قال الله عز وجل:( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ [هو66]

فإذا وجد في الأمة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر نجا إذا نـزل العذاب، فإن حقق فعلا المعروف وأزال المنكر نجا ونجت الأمة، فإذا فُقِد هذا الصنف حق العذاب على الأمة بأكملها ولم ينج منها أحد. ولذلك روى البخاري ومسلم في صحيحهيما أن النبي صلى الله عليه وسلم نام ثم استيقظ فزعاً، وهو يقول: {لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد أقترب، لقد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وأشار بإصبعيه السبابة والإبهام، فقالت له زينب بنت جحش -راوية الحديث- رضي الله عنها: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث}.




فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة الرسل وأتباعهم.
2-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهمان من سهام الإسلام
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوعان من أنواع الجهاد.
4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة على الإيمان وترك ذلك علامة على النفاق.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببان من أسباب الرحمة والرضوان والفوز بالسعادة الأبدية.
6- الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم خير الناس.
7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببان من أسباب النصر والتأييد وتركهما سبب للذل والخذلان.
8- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببان من أسباب قبول الأعمال ورفعها إلى الله تعالى وتركهما سبب لرد الأعمال وعدم قبولها.
9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببان من أسباب استجابة الدعاء وتركهما سبب للرد والحرمان.
10- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل الأعمال.
11- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مكفرات الخطايا.
12- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوعان من أنواع الصدقة.
13- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب النجاة من عذاب الدنيا والآخرة وتركهما من أعظم أسباب الهلاك وعموم العقوبات.
14- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستنقذان صاحبهما من ملائكة العذاب.
15- القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه حسم لمواد الشر والفساد.
16- القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه أمان من لعنة الله وسخطه ومقته وفي ترك القيام بهما تعرض لذلك كله وفيه أمان عن تعلق العصاة بالعبد يوم القيامة.
17- القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه أمان من الذم والتوبيخ في الدنيا والآخرة.
18- القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه أمان من مشاركة العاصين في وزر المعصية وعارها وفيه إعزاز لدين الإسلام وحراسة له ولأهله وفي تركه سلب الملك وإبدال العز بالذل والأمن بالخوف ولا حول ولا قوة إلا بالله.


يتبع
آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر

الرفق
إنك قلما أغضبت شخصاً فقبل منك، وكلما أمكن أن تأمر وتنهى برفق، كان هذا هو المتعين عليك.

الحلم
من الممكن أن تواجه من المُنْكَر عليه كلمات جارحة وأسلوباً غير مناسب. فعود نفسك على أن تكون واسع البال، واسع القلب بطيء الانفعال، واجه الكلمة بالابتسامة، واجهها برد حسن واجهها بنكتة أحياناً وطرفة، فوِّت الفرصة على هذا الإنسان؛ لأنه يجن جنونه إذا رأى أنه في ذروة الانفعال والغضب وأنت أعصابك كما يقال: في الثلاجة، لم تتحرك ولا انفعلت، إنما قابلت كلامه الغليظ بابتسامة أو بنظرة أو بكلمة حلوة أو بنكتة قلتها له، فإن هذا أعظم ما تستطيع أن تغلبه به.

العدل
العدل يأخذ صوراً شتى، منها:
أن هذا الإنسان الذي وقع في المنكر لا تنس أن له حسنات، فلو أتيت وقلت له: يا أخي في الحقيقة أنت رجل صالح، وأنا أشهد لك، ليس على سبيل المجاملة، لكن من باب العدل الذي أمرنا الله به، أنك محافظ على الصلاة في جماعة، وهذا هو الذي أغراني أن أقول لك كذا وكذا، فهذا من أسباب القبول لأنك عادل، لكن إذا تجاهلت كل حسنات هذا الإنسان وأهدرتها ربما لم يقبل منك. وكذلك العدل تحتاج إليه فربما يحصل من جراء إنكار المنكر -أحياناً- موضوعات تطول مثل قضية مخاصمة أو رفع إلى القضاء أو ما أشبه ذلك، فهنا أكون عادلاً وأقول الكلام الذي لي، والكلام الذي علي، وأراقب الله عز وجل في ذلك.

الصبر
إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يلقى الأذى: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) [لقمان:17].

الإسرار والإعلان
قضية الإسرار والإعلان في موضوع المصلحة، هل تنكر سراً أم تنكر علناً؟ كلاهما وارد في الشرع، فقد يكون من المصلحة أن تنكر علانية وقد يكون من المصلحة أن تنكر سراً.

الحكمة
الحكمة قضية مشكلة جداً؛ لأن كثيراً من الناس لا يستطيع أن يعرف بالضبط ما المقصود بالحكمة، فبعض الناس يعتقد أن الحكمة تعني ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا قلت لشخص: يا أخي بارك الله فيك صلِّ، قال: ادع بالحكمة، تكلم لكن بحكمة، تكلم بحكمة، فماذا فعلنا نحن؟ كل ما في الأمر أننا وجهنا إليك نداء ودعاء بأن تصلي! قال لك: يا أخي بحكمة.
ولا شك أن هذه من الأشياء التي أصبح كثير من الناس لا يعرفونها حق معرفتها، وبالمقابل قد يخفى على بعض الناس وجه الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يقوم بعمل لا تتوفر فيه الحكمة بشكل كافٍ، فلا بد من الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكمة في كل شيء بحسبه كما يقول الشاعر: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى من الحكمة أن تستخدم اللين في موضعه، لكن من الحكمة أن تستخدم الشدة في موضعها أيضاً.

النظر في المصالح والمفاسد
هي قضية مهمة وهي قضية المصلحة والمفسدة، لماذا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟
نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر حتى نحقق المصالح وندفع المفاسد، وإنما بعث الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من أجل جلب المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها، فأنت حين تأمر أو تنهى تقصد المصلحة. فلو علمت أن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر يترتب عليه مفسدة حينئذ يكون ممنوعاً عليك



الصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا بد أن يكون لدينا الصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: {رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد}، ونحن اليوم نملُّ من الدعوة؛ لأن بعض الناس استجابوا وبعضهم لم يستجب!

لقد ظل نوح - عليه السلام - يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولم يمل ولم يكل، والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاهد قومه، ودعاهم إلى الله - عز وجل - كثيرًا، فطريق الدعوة هو طريق الصبر على الأذى: ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا ﴾[إبراهيم:12]، والصبر إما على الطاعة أو عن المعصية أو على الابتلاء.

إن تخويف الشيطان إياكم أولياءه أو تسليطهم عليكم لا ينبغي أن يمنعكم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ذلك أمر لا بد منه إلا أن يشاء الله امتحانا من الله وابتلاء إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قائم مقام الرسل كما قال الله تعالى في وصف خاتمهم وسيدهم محمدا : ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ) فإذا كان قائما مقام الرسل فلا بد أن يناله من الأذى ما يناله كما قد لاقى الرسل.

ولقد لاقى الأنبياء والرسل من أقوامهم أشد الأذى وأعظمه حتى بلغ ذلك إلى حد القتل قال الله تعالى: ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )فهذا أول الرسل نوح عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فكان ملؤهم وأشرافهم يسخرون منه ولكنه صامد في دعوته يقول: ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) حتى قالوا متحدين له: ( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) وقالوا مهددين له: ( لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ) أي من المقتولين رجما بالحجارة.

والأنبياء كلهم تعرضوا للأذى في سبيل دعوتهم ولم يسلم منهم أحد

وهذا خاتم الرسل وأفضلهم وسيدهم أعظم الخلق جاها عند الله هل سلم من الأذى في دعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر؟
لا بل ناله على ذلك من الأذى القولي والفعلي ما لا يصبر عليه إلا من كان مثله ولم يثنه ذلك عن دعوته إلى الله عز وجل دعاهم إلى عبادة إله واحد: ( وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحداً إن هذا لشيء عجاب ) وكانوا إذا رأوا النبي اتخذوه هزوا وقالوا ساخرين به: ( أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها )، (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) ، ( وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) ، ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون )فآذوا النبي بكل ألقاب السوء و السخرية ولم يقتصروا على ذلك فحسب بل آذوه الأذى الفعلي فكان أبو لهب وهو عمه وجاره يرمي بالقذر على باب النبي فيخرج النبي فيزيله ويقول: ((يا بني عبد مناف أي جوار هذا)). وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: ((بينما النبي قائم يصلي عند الكعبة وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال قائل منهم: أيكم يذهب إلى جزور آل فلان أي ناقتهم فيجئ بسلاها ودمها وفرثها فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فذهب أشقى القوم فجاء به فلما سجد النبي وضعه على ظهره بين كتفيه قال ابن مسعود وأنا أنظر لا أغني شيئا لو كانت لي منعة فجعل أبو جهل ومن معه يضحكون حتى يميل بعضهم إلى بعض من الضحك ورسول الله ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءت ابنته فاطمة تسعى وهي جويرية حتى ألقته عنه فلما قضى النبي الصلاة قال: اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش ثم سمى فلانا وفلانا)). وفي صحيح البخاري أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ((بينا رسول الله يصلي بفناء الكعبة إذا أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبي عدو الله ودفعه عن النبي قائلا: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ ولما اشتد به الأذى من قومه خرج إلى الطائف رجاء أن يؤوه ويمنعوه من قومه)). فلقى منهم أشد ما يلقى من أذى وقالوا: اخرج من بلادنا وأغروا به سفهاءهم يقفون له في الطريق ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه قال النبي : ((فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب)).

إن هذا الصبر العظيم على هذا الأذى الشديد الذي لقيه النبي وإخوانه لأكبر عبرة يعتبرها المؤمنون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ليصبروا على ما أصابهم ويحتسبوا الأجر من الله ويعلموا أن للجنة ثمنا: ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) .













يتبع :
رد مع اقتباس