الموضوع: قصـص قـرآنيـة
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-17-2013, 01:34 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:80%;background-image:url('http://vb.arabseyes.com/backgrounds/19.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






تمثل قصص الأنبياء في القرآن الكريم منارات يهتدي بها المؤمنون عموماً والدعاة منهم خصوصاً في درب هذه الحياة، التي يسود فيها صراع الحق والباطل، والإيمان والشرك، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة.


ومن القصص القرآني الذي يندرج تحت هذا المعنى قصة هود عليه السلام، حيث ذُكرت هذه القصة في سور متعددة من سور القرآن الكريم، تارة بصورة فيها بعض التفصيل، كما في سور: الأعراف، هود، المؤمنون، الشعراء، الأحقاف. وتارة بصورة موجزة، كما في سور: فصلت، الذاريات، القمر، الحاقة، الفجر. وقد سميت سورة كاملة بسورة هود، تضمنت قصص عدد من الرسل عليهم السلام، وكان من بينها قصة هود مع قومه. قال ابن كثير: وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع؛ ليعتبر بمصرعهم المؤمنون.

وقد وقعت مجريات قصة هود عليه السلام في منطقة اسمها (الأحقاف)، (جمع حقف: الجبل من الرمل)، وهي منطقة تُعرف اليوم باسم (الربع الخالي) في أرض الجزيرة العربية، ما بين عُمان وحضرموت.

حاصل القصة


محصل القصة أن الله سبحانه أرسل رسوله هوداً عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله الواحد الصمد، ويطلب منهم نبذ عبادة غيره من الأوثان والآلهة، فاستخف به قومه، وسخروا منه، واستمروا في طغيانهم يعمهون، فعاقبهم الله على موقفهم، بأن أرسل عليهم ريحاً قوية، استأصلت شأفتهم، وجعلتهم حصيداً، ونجَّا الله هوداً والذين معه من المؤمنين.

تحليل عناصر القصة


إن الحقيقة الأولى التي واجه بها هود عليه السلام قومه هي تقرير أن المستحق للعبادة هو الله وحده، ولا أحد سواه يستحق العبادة، فها هو ذا يخاطب قومه بقوله: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} (الأعراف:65).

وقد كان خطابه لقومه عليه السلام خطاب الناصح المشفق عليهم، الذي يريد الخير لهم، ويتألم لما هم عليه من الشرك والضلال، يرشد لهذا قوله: {أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين} (الأعراف:68).

ثم أعلن لهم مبدأ المفاصلة، فبين لهم أن موقفه منهم موقف المتبرئ من شركهم، والمتحدي لطغيانهم، والمعتمد على الله في الانتصار عليهم، وهذا ما عبر عنه بقوله: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم} (هود:54-56).

ثم هو بعدُ يذكر قومه أنه لا يريد على دعوته جزاء ولا شكوراً، {ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله} (هود:29)، فهو عليه السلام -كغيره من الرسل والدعاة الصادقين- يلتمس أجره من الله.

ليس هذا فحسب، بل إن هوداًيذهب في دعوته أبعد من ذلك، فيبين لقومه أنهم إن تركوا ما هم فيه من الضلال والغي، والتزموا شرع الله، فإن الله سوف يفتح عليهم من خزائن رحمته، ويمدهم من فضله، ويزيدهم قوة إلى قوتهم، وغنى إلى غناهم، {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم} (هود:52).

وأردف ذلك بتذكير قومه بما أنعم الله عليهم من نعم، وما منَّ عليهم من منن، {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة} (الأعراف:69)، وتخبرنا بعض الآيات الواردة، أنه عليه السلام بذل أقصى جهده في تذكير قومه بنعم الله عليهم، وتحذيره إياهم من كفرانها، وختم إرشاده لهم بأن بين لهم أنه حريص على مصلحتهم، وأنه يخشى عليهم إذا لم يستجيبوا لدعوته أن ينزل بهم عذاب عظيم، {أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} (الشعراء:133-135).

غير أن هذا التذكير لم يزيد قومه إلا إصراراً في غيهم، وعناداً في ضلالهم، حيث أجابوه بقولهم: {قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} (الأحقاف:22)، وكان موقفهم من دعوته موقف المتكبر والمتجبر والمستعلي، حيث خاطبوه بقولهم: {إنا لنراك في ضلال مبين} (الأعراف:60)، وقالوا له أخرى: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} (هود:54).

ولما لم يفلح هود في ثني قومه عما هم فيه من الضلال والغي، واجههم بالعاقبة التي سيؤول إليها أمرهم، فقال لهم فيما حكاه القرآن عنه: {قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب} (الأعراف:71).

وقد أخبر القرآن الكريم عن العذاب الذي حلَّ بقوم هود بعبارات متنوعة ومعبرة، ونجى الله هوداً والذين آمنوا معه، فقال: {فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين} (الأعراف:72)، وقال: {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود} (هود:60)، وقال: {فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} (الشعراء:189). وقال: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} (فصلت:16). وقال: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} (الأحقاف:24-25)، وقال: {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} (الذاريات:41): وقال: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} (الحاقة:6). وقال: {فصب عليهم ربك سوط عذاب} (الفجر:13).

ما يستفاد من القصة


تضمنت قصة هود عليه السلام العديد من العبر والعظات، نذكر منها:

أولاً: أن الغرور والبطر والتباهي بالقوة وشدة البطش يؤدي إلى أسوأ العواقب، وأوخم النتائج؛ ذلك أن قوم هود كانوا يتفاخرون بقوتهم، ويتباهون ببطشهم، ويتطاولون بشدة بأسهم، {وقالوا من أشد منا قوة} (فصلت:15)، ويقولون لرسولهم وهو ينصح لهم: {سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين} (الشعراء:136)، فكانت نتيجة تكبرهم وغرورهم، أن أرسل الله عليهم ريحاً صرصراً، عصفت بهم عصفاً، وجعلتهم عبرة لمن يعتبر.

ثانياً: مداومة التذكير بنعم الله على عباده، وبيان أن هذه النعم تزداد بشكر الله، وتنمو بطاعته، {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم}.

ثالثاً: من المهم للدعاة إلى الله أن يجمعوا في أسلوب دعوتهم بين الترغيب والترهيب، ولا يقتصروا على أحدهما؛ إذ في الاقتصار على أحدهما قد لا تحقق الدعوة الغرض المرجو منها، بل قد تأتي بعكس النتائج المرجوة منها.

رابعاً: من أعظم العبر المستفادة من هذه القصة، أن الداعي إلى الله عندما يخلص في دعوته، ويعتمد على الله سبحانه في تبليغ رسالته، ويغار عليها كما يغار على عرضه أو أشد..فإنه في هذه الحالة سيقف في وجه الطغاة المناوئين للحق كالجبل الراسخ، الذي لا تنال منه ريح عاصف، ولا سيل جارف، بل يقف شامخاً برأسه، لا يلوي على أحد يعترض سبيل دعوته؛ لأنه يأوي إلى ركن شديد. وهكذا الدعاة المخلصين يبلغون رسالة ربهم، ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، ويغارون عليها، ويدافعون عنها بكل شجاعة وثبات، وبكل عزم وإصرار.





[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
ليلى
رد مع اقتباس