عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 01-02-2013, 10:46 AM
 
3

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-color:black;border:5px inset crimson;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




-3-




في صباح اليوم التالي ، كان زين يقطع الشارع نحو مدرسته و قد نسي كل شيء عن إيلاي.

كان مايزال مرهقا و مشتتا بسبب إحدى النوبات التي إنتابته باكرا هذا الصباح ، كانت الشمس مشرقة و السماء صافية تبشر بيوم صحو خالي من المطر.

توقف زين قليلا أمام مبنى المدرسة ، أغمض عينيه و رفع وجهه إلى الشمس ، هبت الرياح محملة ببرودة أعلنت قرب فصل الشتاء ، لكن الهواء كان منعشا تحت أشعة الشمس الدافئة ، و شعر به يساعده على الإسترخاء.

تراقصت خصلات شعره الأسود المبعثرة فوق جبهته مع الهواء ، وهو يأخذ نفسا عميقا و يملأ رئتيه ، ثم فتح عينيه زافرا ببطء ، أدخل يديه في جيوب بنطاله كعادته قبل أن يواصل طريقه إلى داخل المبنى.

لم ينتبه زين إلى فتاتين كانتا تقفان قريبا من البوابة ، تحملان تعبير الإنبهار و هما تتبعانه بأعينهما ، لقد بدا قبل لحظة ، و وجهه البالغ الوسامة مرفوع نحو السماء معقود الحاجبين و مغمض العينين بتأمل هادئ لطيف ، بينما الهواء يلهو بخصل شعره الكثيف الناعم حول وجهه ، لوحة جسدت جمالا خياليا مهيبا ، إنسانا ملتفا بهالة من الغموض الآسر.

و لم تستطيعا تحويل عينيهما عنه حتى توارى داخل المبنى.

قالت إحداهما ما إن استعادت قدرتها على الحديث ، كما لو أنها تبرر خطأ تضيع وقتها بمراقبته :

(زين سوينر حسن المظهر كثيرا !)

لكنها ارتاحت عندما أجابتها صديقتها بتنهيدة ثقيلة و هي تردف :

(نعم ساحر جدا ... لكن .. إنه .. أقصد هو ... !)

قاطعتها الأخرى ضاحكة و هما تواصلان طريقهما :

(أعرف .. إنه كذلك بالفعل ، لا أحد بوسعه تفسير السبب لكنه رغم وسامته يجعلكي تشعرين بإختلافه عن الآخرين ، إنه غامض مهيب و ... لا أدري ماذا أيضا !)

ضحكت الفتاة ثم قالت :

(صحيح ... لكن جاكسون من الناحية الأخرى حقيقي تماما !)

(عليك الإعتراف أن زين أوسم منه بأضعاف !)

(لقد قلت إنه حقيقي ، لا يمكنك التعلق بزين إن الفتى مريب كليا !)

أوقفت الفتاتان ثرثرتهما حين إنظمت زميلة أخرى اليهما و حولتا الحديث إلى موضوع آخر.

كان هناك هذا التفكير الذي يشترك فيه الجميع دون أن يعلموا بخصوص زين ، الشاب الذي يثير الإهتمام بقدر ما يثير الريبة التي تجبرهم على انتزاعه من أذهانهم ، تفكير سخيف ... في نظرهم يجب أن يبقوه لأنفسهم !


لكنه كان أمرا واقعا حاضرا في تعامل الناس مع زين ، و في تعامله هو نفسه معهم كأن طاقة عليا تمنع أي تواصل بين الطرفين.

سار زين بين الطلاب نحو خزانة كتبه ، ثم توجه إلى درسه الأول لم يكن الأستاذ قد وصل بعد ،

جلس بهدوء فيما دارت الأحاديث و الضحكات من حوله ، كان زين جادا و هادئا أغلب الوقت ، و كان يبدو شديد النضج و المسؤولية و رغم كونه مراهقا في السادسة عشرة ، إلا انه كان رزينا و ما كنت لتراه يوما يضحك أو يلهو بعبث صبياني.

ما كان المرح أو العبث يستهويه ، فكر أنه لا يذكر آخر مرة ضحك فيها أو حتى ابتسم مجرد ابتسامة ، لكنه شعر وهو يسمع ضحكات زملائه الآن انهم لا شك ينعمون بحياة طبيعية خالية من أي تعقيدات هم سعداء في الغالب ، و هذه صفة أخرى لا يعرف كيف يكون الشعور بها.

أحس زين أن هناك شخصا يراقبه ، فأدار رأسه لتلتقي عيناه بعيون خضراء واسعة و مألوفة ، "لايزا" تمتم لنفسه ، و هو يرى الفتاة تبعد عينيها بسرعة.

لم تكن المرة الأولى التي ينتبه فيها إلى تحديقها به ، لكنها المرة الأولى التي يهتم فيها بذلك.

هذه الفتاة تخفي سرا ما ، هناك تفسير حتما لنظراتها التي تحمل معنى أعمق من أي نظرة سطحية يراها في عيني أي فتاة أخرى تنظر اليه.

راحت تقرأ في كتاب بين يديها بارتباك ، كانت تجلس على بعد مقعدين إلى يمينه و حولها مجموعة صغيرة من الأصدقاء ، فتاتان و شاب و كانوا يتحدثون و يتمازحون.

لايزا كانت أيضا جارته ، و تسكن في المنزل المجاور لبيته هي و جدتها العجوز الغريبة التي ترمقه بنظرة ثاقبة مزعجة حين تراه ، لقد انتقلوا إلى جوارهم منذ ثلاث سنوات ، ذلك حدث في العام الذي غاب فيه كما يعتقد.

انتبه من أفكاره على صوت الأستاذ و هو يلقي التحية و يعلن بدء الدرس ، فإلتفت اليه يحاول الانتباه.

ما كان التركيز على الدرس سهلا ، فبغض النظر عن كونه غير مهتم به ، لقد اختارت لايزا هذا اليوم لتستحوذ على تركيزه ، فقد ظلت _على نحو غير معهود منها_ تراقبه بإستمرار بينما يتشاغل هو بالدرس أو بكتابة الملاحظات محاولا تجاهلها.

بدأ يشعر بنفاذ الصبر .. ما خطب هذه الفتاة ؟! التفت إليها يرمقها بحدة ، لكن لايزا لم تهرب ببصرها كما في المرة السابقة !

تعلقت عيناه بتلك العيون الخضراء ذات النظرات الحانية و البريئة لثوان أحسها زمنا طويلا ، كيف يكون هناك دفء بهذا القدر في نظرة ؟! كيف تحمل عينين لا يربطه بصاحبتها سوى المعرفة السطحية إهتماما خالصا كالذي يراه ؟!

رأى عينيها تتوسعان و حمرة طفيفة تلون وجنتيها قبل أن تنتزع عينيها عنه انتزاعا لتطرق برأسها إلى طاولتها بخجل.

مجددا ... ما خطب هذه الفتاة ؟!

من غير المعقول أن يكون ما يقرأه في تعبير وجهها إعجابا !

لكنه بدا كذلك ، ليس مثل ما يظهر على باقي الفتيات من نظرات سطحية حين يرمقنه ، نظرات جوفاء تقدر جمال تحفة فنية من نوع ما !

أما لايزا فهي تنظر اليه كما لو كان إنسانا لا تحفة !

اللعنة .. ما هذا الذي يفكر فيه ؟ إنه يفقد صوابه ، و كيف له ألا يفعل مع كل ما يصيبه ؟ تنهد ببؤس.

..

مر بقية ذلك النهار مملا و رتيبا ، لم يرى لايزا بعد انتهاء الدرس الأول الذي يتشاركانه ، و حتى موعد الدرس الثاني الذي يجمعهما وهو الدرس الأخير لليوم ، أما هي فلم تنظر بإتجاهه ثانية.

عند وقت الإنصراف ، و بينما يسير بتباطؤ مبتعدا عن مجموعات التلاميذ ملتفا عند زاوية الطريق عبر التقاطع ، أحس بشخص يتبعه ، لم يعر ذلك أهمية في بادئ الأمر ، حتى لاحظ عند وصوله لشاطئ البحر_ الذي لا يبعد عن بيته كثيرا_ أن الخطوات الخفيفة المستعجلة خلفه لازالت تطارده ، لقد شعر بها تتوقف مع كل وقفة أو إلتفاتة يقوم بها ثم تواصل حركتها عندما يواصل هو السير.

كان هذا غريبا و ما كان لدى زين أي فكرة عن السبب الذي قد يجعل أحدهم يلاحقه ،

ظل زين عند الشاطئ يتأمل البحر لبعض الوقت منتعشا بنسماته الباردة ، كان قد ألقى بحقيبته و جلس ثانيا إحدى ساقيه فاردا الأخرى على الرمال الذهبية ، الجو كان باردا إلى حد يمنع الناس من التفكير في التواجد هنا خاصة و قد اقترب الوقت من المغيب ، لكن هذه البرودة هي ما جاء ينشده فهو يحسها كالبلسم لصراعاته الداخلية الملتهبة.

مستندا على إحدى يديه أرجع زين رأسه إلى الخلف سامحا للنسيم بتخلل شعره الأسود الكثيف و بعثرته ، ضيق عينيه و هو ينظر إلى خط الأفق يتلون بألوان الغروب.

لقد جلس أطول مما أراد ، هل مازال ذلك الشخص يراقبه ؟ سيعرف الجواب حالا.

حين بدأ ضوء الشمس ينحسر ، و بأكثر طريقة طبيعية استطاع تمثيلها ، إعتدل واقفا و رمى حقيبته المدرسية على كتفه ثم و بدلا من التوجه إلى المنزل ، سار نحو الغابة التي تحف بالشاطئ من جهة الشرق.

ما كانت أشجار الغابة كثيفة عند هذا الجزء القريب من المدنية ، تهادى الكم الباقي من ضوء الشمس أمامه راسما ظلالا طويلة متداخلة للأشجار و الأغصان.

واصل زين السير وهو يحاول الاصغاء لوقع الخطوات من خلفه ، جعل هدير البحر القريب من ذلك مهمة شاقة ، لكن الشخص كان هناك فقد كان يرى حركة ظله الطويل بين بقية ظلال الأشجار الممتدة أمامه ، أما تبين هويته فما كان أمرا ممكنا !

توقف زين حين وصل إلى وجهته و تأمل المكان من حوله.

كانت بقعة شبه دائرية مكشوفة و خالية من الأشجار تصل مساحتها إلى عدة أمتار ، تقف في منتصفها صخرة حادة ضخمة. كانت الأرض خالية من الأعشاب بشكل لافت للنظر ، ذلك التباين بين التربة البنية هنا و بين الأرض الخضراء تحت الأشجار البعيدة كان عجيبا فالنباتات لا تنمو في هذا الجزء من الغابة !

وقف زين أمام الصخرة الضخمة البيضاء المنتصبة في منتصف هذه البقعة دون أن تجاورها أي صخور أخرى ، و راقب كيف جعلها الشفق تتلون بلون بنفسجي باهت ، لقد كان يأتي إلى هنا كثيرا وهو صغير ، مضى زمن لكنها ماتزال على حالها هذه الصخرة العجيبة الملساء.

قال زين بصوت مرتفع لكن بنبرة هادئة و دون أن يستدير :

(لما لا تظهر يا هذا ؟)

لم يلقى جوابا ، لكنه سمع بوضوح حركة قدمي ذلك الشخص وهو يخرج مقتربا من هذه البقعة.استدار زين بهدوء نحوه و ارتفع أحد حاجبيه حين حددت عيناه هوية ذلك الجسد الانثوي الصغير ، و وجد نفسه يهتف :

(أنت !)

كانت لايزا تقف أمامه و رأسها شبه منخفض ، لم يكن قادرا على رؤية وجهها جيدا فقد كانت تولي ظهرها ناحية الضوء الذي يغدو أكثر خفوتا في كل لحظة.

رآها تأخذ نفسها عميقا ثم تطلقه ، فعلت ذلك ثلاث مرات.

(لماذا تتبعينني ؟)

(اسمع ... !)

قالت و هي تتحرك بخطوات خفيفة سريعة بإتجاهه ، وقفت أمامه تفصلهما خطوة وهي تواصل :

(عليك أن لا تكون هنا.)

كانت المرة الأولى التي تخاطبه فيها ، صوتها كان ناعما مناسبا لرقتها لكنه كان مشوبا بشيء من التوتر و العصبية ، مال زين برأسه جانبا ينظر إليها وهو يقول :

(عما تتحدثين ؟!)

رفعت رأسها إليه ، وجنتاها متوردتان و حاجباها معقودان بدت متوترة و محرجة أيضا ، همت بالإجابة لكن فجأة .. اتسعت عيناها و هما معلقتان بشيء ما خلفه ..

شيء أطلق ذلك الزعيق المدوي ..

و كانت صدمته كبيرة عندما التفت و رأى ماذا كان ... ذلك الشيء أرعبها !






[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________




افتَقِدُني
music4