عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-02-2013, 10:41 AM
 
2

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-color:black;border:5px inset crimson;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


-2-





كان يغلق آخر أزرار معطفه بيد ، و يدير بالأخرى مقبض الباب الخارجي عندما انتبه فجأة إلى صوت التلفاز الذي يعمل. كان قد نزل الدرج و خطى بسرعة متجاوزا غرفة المعيشة نحو الباب ، و لكنه انتبه الآن فتوقف قليلا في الردهة الصغيرة أمام الباب الخارجي ليصغي إلى صوت التلفاز الذي يصله.

كان متأكدا من انه ترك التلفاز مطفأ طيلة اليوم ، و لا أحد غيره في المنزل فوالدته مسافرة منذ يومين ، لكنه عاد يهز رأسه بلا اكتراث متمتما شيئا ما عن كونه ربما يتوهم.

أطل زين على غرفة الجلوس ليفاجأ بشاب في مثل سنه تقريبا يجلس على الأريكة وسط الغرفة طاويا ساقيه ، يهز جهاز التحكم في يده و يقلبه متفحصا و كأنه شيء عجيب ، ثم يعود و ينظر إلى التلفاز و شاشته بإنبهار كلما تغيرت المحطة إثر عبثه بجهاز التحكم.

مال الفتى الغريب برأسه إلى الأمام نحو شاشة التلفاز ، ليعود فيرتد للخلف بحركة متحمسة جدا عندما عرضت الشاشة مشهدا لانفجار أحد المنازل ، اتسعت عيناه و بدا في غاية الإندهاش !

و بينما زين يقف خلفه و يداه في جيبه يحاول اكتشاف الخطأ في هذه الصورة ، انتبه اليه الفتى فجأة و دار برأسه نحوه ، ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه و ألقى بجهاز التحكم ليستدير بجسده و يواجهه من خلف ظهر الأريكة ، حياه بصوت مرح مشاغب :

(مرحبا !)

ارتفع أحد حاجبي زين مستنكرا هذا الشاب المرتاح جدا في بيته كما لو كان أحد قاطنيه ، لم يبد كلص وهو يشاهد التلفاز في غرفة المعيشة ، ما الذي يفعله هنا بحق السماء ؟

(أي سحر هذا الذي لديك أيها الأمير ؟)

سأله الشاب بصوته المرح الشقي و هو يثب من فوق الأريكة حتى يقف بمنتصف المسافة بينهما ، و أشار برأسه ناحية التلفاز موضحا حين رأى التساؤل في ملامح زين.

و للحظات بقي زين صامتا و هو يتأمل زائره العجيب و دهشته تتضاعف.

كان الفتى طويل القامة بمثل طوله تقريبا ، و كان له شعر مموج كثيف بلون أحمر داكن و عيون ذهبية تبدو لمعتها متناقضة مع بشرته البيضاء و حمرة شعره الشديدة ، بدت ثيابه فريدة أيضا كثيرة الألوان ، كتلك الملابس التي تراها في عروض الازياء الأكثر جموحا و ابداعا فتتساءل هل قد يرتدي أحد ذلك فعلا ؟ لكن الشاب الغريب كان وسيما جدا رغم كل تلك الألوان المتناقضة !

(لما لا تتكلم أيها الأمير ؟)

خاطبه الشاب من جديد و هو يحرك رأسه و يتطلع اليه باهتمام.

(من أنت ؟!)

سأله زين بهدوء و كأنه لا يخاطب شخصا غريبا تسلل إلى بيته بعد منتصف الليل.

(اوه ...)

هتف الشاب الغريب و كأنه انتبه إلى نقطة هامة ، وضع يده اليمنى على جانب صدره الأيسر ، ثم احنى رأسه قليلا كما اعتاد بعض الناس أن يفعلوا قديما عند التحية ، و بدا ذلك متكلفا لا يناسب مظهره الحيوي الشقي ، ثم قال معتدلا في وقفته :

(اعذرني لأني لم أقدم إليك نفسي ، أنا "إيلاي بيتاليان" أيها الأمير !)

(إيلاي بيتاليان ؟!)

ردد زين عاقدا حاجبيه و قد لاحظ لهجته الغريبة في الحديث ، ثم واصل :

(حسنا يا إيلاي ... و ماذا تفعل في منزلي ؟)

(لم أطق أن أكون بالقرب من هنا و لا آتي لأرى أين تعيش !)

(أين بالقرب من هنا ؟ المدينة ؟!)

ابتسم إيلاي و راح يجول في الغرفة متأملا ارجائها كما لو كان يشاهد متحفا شيقا :

(أقصد ... هنا في عالم الأرض !)

هز زين رأسه ببطء وهو يتتبعه بنظراته :

(عالم الأرض ؟! همممم .. و من أين أنت إذا ؟)

عاد التلفاز يسترعي اهتمام إيلاي من جديد فانحنى ينظر إليه ، مجيبا ببساطة :

(أنا من "زيركان" !)

(و هذه "الزيركان" تقع في .. ؟!)

(في عالم آخر أيها الأمير ، إن شرح ذلك يطول و أنت .... كما هو واضح ليس لديك علم بأي شيء !)

قال إيلاي الجزء الأخير ضاحكا بمرح.

رمقه زين و أحد حاجبيه مرفوع _التعبير الوحيد الذي يظهر عليه_ و سأله :

(هل أنا أعرفك ؟)

كان إيلاي غريب الاطوار مبهورا بإعلان لسائل تنظيف الصحون ، ينظر في شاشة التلفاز عندما أجابه :

(كلا.)

(لماذا أنت هنا إذا ؟)

سأله زين بكلمات بطيئة واضحة. أجاب إيلاي :

(لقد أخبرتك ، كان لدي فضول شديد فأتيت أرى أين تعيش ، لن تروق هذه الفكرة لـ"فان" حتما ، أريد رؤية وجهه عندما يعلم !)

إلتمعت عيناه الذهبيتان بخبث بعد عبارته الأخيرة قبل أن يضحك على نحو مشاكس من جديد.

أخذ زين نفسا عميقا ، هذا ما كان يحتاجه ..

شخص مجنون كليا يتسكع في منزله في الوقت الذي يشعر فيه انه سينفجر من الضيق. المشكلة أنه لا يبدو مجنونا ، لقد قضى وقتا طويلا يراقب سلوك الناس ، يتعلم الكثير عن الطريقة الصحيحة للتعامل و التصرف كإنسان عادي ، و أصبح بوسعه معرفة متى يحاول أحدهم اخباره أكاذيب خيالية ، لم يبدو أن إيلاي هذا يقول ترهات غير معقولة ، هو يبدو صادقا فيما يقول.

و إن يكن ، لايزال مجنونا ، فقط مجنون واثق جدا بما يقوله ! وهو لا يختلف عنه إن فكر في الأمر ، المرء لا يقوم بحوار هادئ مع شخص وجده يعبث في بيته بعد منتصف الليل ،

قد لا يصدر عنه أي من ردود الفعل الطبيعية ، لكنه يمتلك نظرة إلى الناس لا تخيب ... و هذا الشاب الغريب الاطوار _أيا كان ما يعنيه ذلك_ جاد تماما في حديثه !

(علي الإنصراف الآن !)

قاطعت جملة إيلاي أفكاره ، فانتبه اليه بينما واصل الأخير بجدية أظهرته بمظهر مختلف :

(لا يفترض بي ازعاجك فلم يحن الوقت بعد ، و الآن من بعد إذنك أيها الأمير.)

أومأ زين برأسه موافقا دون أن يستفسر عما يعنيه بكلامه :

(بالطبع ... بالطبع تفضل !)

قالها وهو يشير إلى باب الخروج ، فتقدم إيلاي إلى حيث يشير و تجاوزه وصولا إلى الباب ، تبعه زين بهدوء و يداه ماتزال في جيوب بنطاله بإسترخاء ، ربما ظنه مختلا لكنه كان واثقا من كونه غير مؤذي.

فتح إيلاي الباب و تحرك خارجا ، ثم توقف فجأة و استدار يقول :

(لا أنصحك بالخروج في مثل هذا الوقت أيها الأمير ، الجو ليس لطيفا.)

مط زين شفتيه و قال بلا اكتراث :

(لن أقول الشيء ذاته لك ، سأكون ممتنا إن غادرت الآن و لم تعد ثانية.)

(عليك أن تكون أكثر حذرا و انتباها لنفسك.)

(أنا حقا لست في مزاج ملائم لحديث كهذا خاصة مع شخص مثلك !)

هز إيلاي رأسه و مازال تعبير الجدية مرتسم عليه ، قال :

(حسنا .. أنت شخص مختلف آه .. أقصد مختلف بشكل .. مهم ، لكن عليك الانتباه لنفسك فعلا .. ستفهم ما أعنيه فيما بعد !)

(وداعا !)

هتف زين بنفاذ صبر ، ثم صفق الباب في وجه إيلاي الذاهل ، لقد ازعجه هذا المجنون بكلامه العجيب الغامض أكثر مما كان منزعجا في البدء.

تنهد بضيق وهو يعود لغرفة المعيشة و يلتقط جهاز التحكم ليطفئ التلفاز.


¤ ¤ ¤




[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________




افتَقِدُني
music4