عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-15-2007, 05:30 PM
 
رد: حتى لا ننساهم .................. وليتذكرهم غيرنا تفضل وشو


نبدة موجزة عن لاعب المنتخب المغربي في التمانينات : عزيز بودربالة

في حياة اللاعب الدولي السابق عزيز بودربالة العديد من المفارقات الغريبة ، فقد استطاع التمرد على نمط تقليدي يحاول إغلاق النوافذ في وجه الانفتاح خاصة وأن والده سليل شجرة عائلة متأصلة في الورع والتقوى، بل إن عزيز انضم للرجاء البيضاوي قبل أن يغير وجهته نحو الوداد، وظل أسير كرسي الاحتياط داخل النادي «الأحمر» وقطعة غيار أساسية في المنتخب الوطني، ثم إنه استطاع في ظرف وجيز أن يحرق الكثير من المراحل فيلعب للوداد والمنتخب ويحترف في دوريات أوربية قبل أن يعود إلى أصوله ليمارس مهنة التدريب. « شوارع المراوغة» كما يلقبه الرياضيون يروي ل«المساء» محطات من كتاب حياة الملاعب المتربة والمعشوشبة.

قرر عزيز الانضمام للوداد البيضاوي وهو قرار أغضب زميله البشير، الذي لم يجد ردا على تساؤلات مدرب شبان الرجاء وبرر تغيير مسار زميله من الرجاء إلى الوداد بوجود نزعة حمراء تسكن المقربين من بودربالة، لكن مشكلا آخر صادف الوافد الجديد على الحمراء، فقد تعذر على مدرب الشبان إقحامه ضمن اللائحة الرسمية للفريق وتمكينه من رخصة تبيح له خوض المباريات الرسمية ببطاقة مسلمة من العصبة،أمام هذا الإشكال القانوني اضطر المدرب للجوء لحيلة تمكنه من إشراك بودربالة في اللقاءات الرسمية دون المرور عبر المساطر المعمول بها والتي تتطلب وقتا طويلا، قرر المدرب منح رخصة لاعب يدعى الإدريسي لعزيز وطلب منه التعامل بحذر مع هذا المعطى ودعاه للاستجابة لنداء الحكم كلما ناداه باسم لاعب آخرو لحسن الصدف أو لسوئها أنه وقع للوداد واختفى عن الأنظار بعد أن ضاق ذرعا برطوبة كرسي البدلاء.
انتحل ولد درب الطاليان كما يسميه زملاؤه صفة واسم لاعب آخر، فانطلت الحيلة على الخصوم والحكام الذين لم ينتبهوا للاعب يخوض المباريات الرسمية باسم مستعار دون أن يتقدم أي نادي باعتراض.
في منتصف شهر أكتوبر من سنة 1977 خاض بودربالة أول مباراة رسمية بقميص شبان الوداد البيضاوي، بالملعب البلدي لمدينة مكناس ضد النادي المحلي في رفع الستار لمباراة الكبار بين الناديين، يتذكر عزيز هذه اللحظة بجاذبية كبيرة «كان فريق الشبان يتنقل لخوض مباريات البطولة في نفس الحافلة التي تقل الكبار بل وكنا نقيم في نفس الفندق ونتناول نفس المأكل ونحظى بمتابعة يومية من طرف مدرب الفريق الأول، رافقت الوداد وكنت على امتداد الرحلة من الدار البيضاء إلى مكناس أسترجع شريط الذكريات وأرسم في مخيلتي السيناريوهات المحتملة لأول مواجهة رسمية في حياتي كناشئ لم يتخلص من مقابلات الأحياء إلا منذ أسبوع فقط، وكأنني أحرق المراحل».
لم يشعر بالارتباك وهو يخوض اللقاء الأول، بل استطاع أن يندمج بسرعة مع النمط الرسمي الذي يفرض عليه احترام الاختصاصات والمراكز واللعب وفق خطة، تصادر في لاعب كان يطارد الكرة دون اعتبار للخطوط الحمراء هوس المراوغة.
اجتاز عزيز الاختبار الأول ووجد نفسه أمام امتحان عسير أمام الرجاء البيضاوي، في هذه المقابلة انكشف زيف المبرر الذي قدمه كاباطاس، وتبين لمدرب الرجاء أن اللاعب الذي اعتذر قبل أسبوعين عن الانضمام لشبان الفريق تحت ذريعة انتقال الأسرة للإقامة بعيدا عن الدار البيضاء يحمل ألوان الوداد ويشكل في الجهة اليمنى خطرا دائما، اكتفى الطرفان بتبادل نظرات تختزل حجم الشماتة التي تسيطر على مدرب الرجاء مقابل خجل دفين من اللاعب الشاب
تألق عزيز وتمكن من قيادة فريقه نحو النصر فبدأت أسهمه تصعد تدريجيا واكتسب بالتالي مركزا رسميا داخل تشكيلة تتطلع بنهم لحمل قميص الكبار.
كانت الثالثة ثابتة في مسار اللاعب الواعد فقد خاض مباراة قوية أمام النهضة السطاتية قادته للمنتخب الوطني للشبان، بعد أن عاين المدرب حسن أقصبي النسق التصاعدي للاعب يراوغ خصومه فيحيلهم إلى سكارى وما هم بسكارى.
لم يفرح عزيز كثيرا لدعوة الناخب الوطني للشبان كما أصيب مدرب الوداد بالغضب لسبب بسيط هو أن الفتى يلعب باسم مستعار، نودي على اللاعب الإدريسي لكن المقصود بدعوة حسن أقصبي هو بودربالة فكيف السبيل لحل هذه المعضلة، يروي عزيز الحكاية التي كادت أن تكشف عن تزوير مع سبق الإصرار، «كانت ثلاث مباريات كافية لضمي لمنتخب الشبان لم أفرح كثيرا وكنت طيلة الليل أبحث عن مخرج من الورطة لأن رسالة الجامعة وجهت دعوة للاعب ودادي اسمه الإدريسي الذي أنتحل اسمه وصفته، ومن الصدف الغريبة أن اسمي الكامل هو الادريسي السباعي بودربالة مولاي عبد العزيز أي أن انتحال الصفة غير وارد إذا أخذنا بعين الاعتبار عقد الازدياد».
تقرر بعد طول تفكير أن يلبي بودربالة نداء أقصبي ويلعب للفريق الوطني دون الكشف عن حالة التزوير لأن كلمة الادريسي يشترك فيها الشخصان، التحق الفتى بالمعسكر بأقل تركيز ممكن ففي ذهنه تتزاحم رغبة البوح بالحقيقة ورغبة التكتم من أجل غد أفضل اختار الصمت بناء على وصية مدربه الذي يذكره بين الفينة والأخرى بمقولة الصمت حكمة.
بعد أن قضى شهرين ونصف في صفوف شبان الوداد رفقة عناصر سيصبح لها شأن داخل الوداد، نودي عليه من طرف البطاش لتعزيز كبار النادي بناء على فتوى من المدرب الخلفي، لم يستعجل الأمر وظل ينتظر نصف فرصة كي يعض عليها بالأسنان والنواجذ، رغم أن وجود لاعبين من قيمة سحيتة وعبد الخالق والشريف وبريجة، تقلص حجم الأحلام لدى كل شاب يراوده في حلمه ويقظته أمل ارتداء القميص الرسمي للوداد، وإيجاد موطئ قدم داخل تشكيلة حجز فيها الرواد مراكزهم الأساسية وسمحوا للشبان بالجلوس على دكة الانتظار. آمن عزيز بالقدر خيره وشره ولم يجرؤ على طرح السؤال الصعب على المدرب: متى سأصبح أساسيا في تشكيلة الوداد؟
جاء الجواب من الطاقم التقني للوداد الذي طلب من بودربالة الاستعداد لليوم الكبير، حيث تقرر إشراك المراوغ الداهية على حد تعبير المرحوم الخلفي ضمن تشكيلة الوداد التي تواجه الفتح الرباطي، انتهى اللقاء بالتعادل هدف لكل فريق وخرج عزيز تحت عاصفة من التصفيق بعد أدائه الجيد وتوقيعه لهدف التعادل بعد أن كان الوداد منهزما، يقول عزيز وهو يحاول سحب خيط التذكر «سعدت كثيرا لأنني كنت ألعب على مقربة من اللاعب الكبير بيتشو، لقد تحقق جزء من حلمي وأنا أتبادل الكرات مع نجم من العيار الثقيل، بل إن الهدف الذي سجلته جاء إثر تمريرة محكمة من بيتشو نفسه لذا هرولت تجاهه لأعانقه وأشكره».
لكن ما كل مرة تسلم الجرة فقد نودي علي من طرف محمد العماري الذي كان حينها مدربا للمنتخب الوطني للكبار، لكنني تذكرت الاسم المستعار وتبين أن الأمر يحتاج لتدخل جديد.
مرة أخرى استنجد المسيرون بالمحب الودادي كاباطاس الذي تعهد بحل المشكل مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومع المدرب الوطني، ولحسن الحظ تفهم العماري الموقف وقرر إنهاء الإشكال والمناداة مستقبلا على بودربالة وليس الإدريسي.
وهو ما حصل حيث خاض عزيز أول لقاء رفقة المنتخب الوطني في مواجهة ودية أمام سبارطاك موسكو بملعب البشير بالمحمدية بل واستطاع أن يسجل هدف النصر، لكن تألقه مع المنتخب لم يمنحه تأشيرة العبور للتشكيلة الأساسية للوداد إذ ظل أسير كرسي البدلاء دون أن يوجه استفسارا لأولي الأمر. «لم أسأل المدرب أو الرئيس عن سر جلوسي على دكة الاحتياط لأنني كنت أعلم أنه من الصعب نيل مكانة رسمية داخل مجموعة تتكون من بيتشو ولشهب والزعراري ومجاهد والشريف وعبد الخالق والعربي وعبد الحق وغيرهم من الأسماء المتميزة لهذا انتظرت تباشير فرصة لم تتأخر طويلا».
أن تكون أساسيا مع المنتخب احتياطيا مع الوداد مفارقة غريبة لكنها على الأقل أفضل من أن تكون رسميا في النادي دون أن تنال صفة لاعب دولي.
__________________
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{...فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ}(الرعد : 17)