عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 06-13-2007, 01:06 PM
 
رد: لمحبي القصص الواقعية المفيدة حقا حقا حقا

القصة الثالثة

نطيعك أم نطيعه

أثار حجاب المشرفة التربوية الوسط الاجتماعي كله في البلدة ما بين مكذب للخبر أو مشكك في صحته ، وبين مؤكد له ومدافع عن حقيقته .
وكثرٌ هم الذين قالوا إنها تقليعة من تقليعاتها التي اشتهرت بها فهي تسبق ( الموضات ) في أنماط ملابسها وطرازات تسريحة شعرها وأشكال زينتها ، وألوان تبرجها .
وكانت تقليعاتها حديث البلدة التي كانت حتى فترة قريبة مدينة محافظة قبل أن يغزوها شكل المدني وزيف الحضارة.
ومن الطبيعي أن يتناقل الناس نبأ آخر صرعة وصلت إليها تلك المشرفة التربوية .

قلت لها : شيء جميل أن تلتزمي بالحجاب الذي فرضه الله على المسلمات ، ولكن ما الذي ذكرك به بعد هذا العمر ؟ ، هل هو ( موضة ) جديدة ؟.
قالت بثبات : إنه أحسن ( موضة ) ومن أحسن ذوقاً من الله ، وقد اختاره لأحب خلقه إليه المؤمنات المسلمات ؟ ، ولكنني للأسف لم أتوصل لذلك بنفسي , لكنها إحدى طالباتي في المرحلة الإعدادية ,إسمها عائشة مثل إسمي تماما .

قلت لها : وهل يعقل أن أحدا لم يذكرك بالحجاب من قبل ؟!
قالت : بلى كانت بعض زميلاتي المحجبات يذكرن لي ذلك , ولكن بمنطق مختلف , فقد كان أغلب أسلوبهن : (ما الذي ينقصك لكي تتحجبي ؟) فكنت أجيبهن : (تنقصني القناعة إذ أنني لا أفعل شيئا غير مقتنعة به ).
ولكنني كنت أظن أن كلامهن من قبيل الغيرة مني , حيث لا يسمح لهن أهلهن بنزع الحجاب , وقد قالت لي بعض المحجبات : هنيئا لك فأهلك يسمحون لك بكشف رأسك وساقيك , ليت أهلي يفعلون ذلك معي , إن أبي معقد , وأمي متخلفة , وأخي غيرته عمياء , تصوري حتى الجلباب الذي على الموضة لا يسمحون لي بلبسه . وحتى التنورة الطويلة لا يسمحون لي بالخروج بها دون جلباب !.

فأشعرتني كلماتها بالزهو بأسرتي المنفتحة , وزادتني تمسكا بما أنا عليه من السفور والتهتك , بل صرت أعتقد أن من تنصحني بالحجاب تحسدني في نفسها على ما أنا عليه من التحرر.

ورغم أن أسرتي كانت مسلمة تحافظ على الصلاة وتصوم وتتصدق , إلا أن موضوع الحجاب كان بالنسبة لنا موضوعا إستثنائيا يرتبط بالمجتمع أكثر مما يرتبط بالدين . لم يأمرني به أبي , ولم تنصحني به أمي , رغم أنها محجبة , ولكنها كانت تقول لي أن القضية قضية قناعة , فإن كنتي مقتنعة بالحجاب فتحجبي .

وكان يلوح لي في كثير من الأحيان أنها هي نفسها غير مقتنعة بالحجاب .

كان منطق أمي عجيبا , وهي لا تلبس الحجاب ولا العبائة من منطق القناعة هذا , لم تعلم هي ولم تعلمني أن أوامر الله غير قابلة للنقاشحتى تعرض على النفس وأهوائها , فكثير من أوامر الله يتعارض على هوى النفس ولا يقتنع به .

ومع الأيام أصبح الداء يتطور , فأصبحت أتبع التقليعات الغربية وأقلد اليهوديات والنصرانيات في الملابس والمشية والتبرج وغير ذلك .

لم يقل لي أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) , كان بعض الرجال ينظرون إلي بإزدراء أو إحتقار , لكن الشيطان جعلني أعتقد أن هؤلاء معقدون , يريدون أن تظل المرأة محجوبة عن الحرية والحضارة , ليتحكموا في مصيرها , ولتبقى بحاجة إليهم , هذا منطق الدعاة إلى الشذوذ وانقلاب موازين الحياة تشربه عقلي فصار قناعة , وفاتني أن مصائر الرجال والنساء بيد الله وحده لا يتحكم به أحد سواه , وأن الرجل بحاجة إلى المرأة , والمرأة بحاجة إلى الرجل , كل ضمن حدود وأسس وطبيعة حددها الله , فكما أن الغسالة لا يمكن أن تكون ثلاجة , والمكواة لا يمكن أن تكون هاتفا , فإن المرأة لا يمكن أن تكون رجلا , والرجل لا يمكن أن يكون إمرأة , فكل مهيأ لما خلق له .

وجعل الله حاجة كل طرف للأخر ضمن هذه التهيئة , ففاتني كل هذا وساهمت البيئة الأسرية المنفتحة في تفاقم هذا الداء , بل لقد أتخذت من الرجال عدوا أو ندا يجب أن أساويه وأثبت لنفسي التفوق عليه , بل كان يصل بي الطموح إلى التحكم به , ونسيت في خضم ذلك كله أن الله يسمع ويرى ويتحكم بملكه كما يشاء وأن الإراده إرادته وحده , وأننا مجرد عبيد نفعل ما يأمرنا به دون عرضه على قناعاتنا , وهو يضمن لنا بطاعتنا له سعادة الدنيا والأخرة .

قلت لها : وهل أقنعتك تلميذتك بهذا كله ؟.

قالت لي : ليس الأمر كذلك تماما , ولكنها وجهت إلي الصفعة التي أيقظتني من سباتي العميق , ونبهتني من غفلتي , وأرتني ما أنا عليه من الضلال .

قلت لها : صفعتك ؟!.
قالت : لم تصفعني بيدها , وإنما صفعتني بإيمانها وإلتزامها بأمر الله سبحانه .

قلت : يعني أنك أعجبتي بها فقلدتها !.
قالت : لا . . لا . . اسمع القصة , جرت العادة أن تأتينا طالبات الصف الأول وقد أعتدن نظاما نختلفا في المرحلة الإبتدائية , وأغلبهن بغير حجاب , لكن بنات بعض الأسر التي تمكن الإيمان من قلوب أفرادها يتحجبن منذ المرحلة الإبتدائية , ومهمتي أن ألقي على مسامعهن خطبية في أول يوم دراسي أبين لهن فيه نظام المدرسة في هذه المرحلة , وأهمها أنه لا حجاب ولا جلباب بعد اليوم , وإنما اللباس المدرسي النظامي , وأهدد بإحراق حجاب أي طالبة تأتي متحجبة في اليوم التالي .

وكثيرا ما أحرقت في السنوات السابقة , وفي هذه المرة ألقيت الخطبة المعتادة , وفي اليوم التالي قمت بالتفتيش على الطالبات , فإذا بطالبة واحدة جاءت بحجابها وجلبابها , فصرخت في وجهها : ألم تسمعي ما قلت بالأمس ؟ .

فاحمر وجه الطالبة وأرتعشت شفتاها الغضتان وهي تقول : بلى ! .
فأزدادت حدة كلامي وقلت : فلماذا جئت بحجابك وجلبابك ؟ .
فأنفجرت الطالبة باكية وقالت : والله أصبحنا في حيرة يا أنسة فلم نعد ندري أنطيعك أم نطيعه ؟ , أنت تقولين لا تتحجبين , وهو يقول : تحجبن , عند ذلك ترددت في الكلام ثم صرخت : ومن هذا الذي ......وقاطعتني الطالبة صارخة : الله .. الله يا انسة , الله يقول لنا تحجبن , وأنت تقولين أنزعن الحجاب , أنطيعك أم نطيع الله يا انسة ؟ , ثم أزداد بكاؤها وهي تقول : إن الله يهددنا بإحراق رؤوسنا إن لم نتحجب , وأنت تهددينا بإحراق الحجاب إن تحجبنا , وحرق الحجاب أهون من إحراق رأسي في نار الله الموقدة , وأستسلمت الطالبة لموجة بكاؤها وأنا ذاهلة , ثم أضافت : أرجوك يا انسة قولي لي أنطيعك أم نطيعه ؟ .
لم أجب على سؤال طالبتي ذات الإثني عشر ربيعا .
عدت إلى البيت وقلبي يحترق , هل يعقل أن أكون أنا ندا لله ؟ . الله يأمر الناس بأمر , وأنا امرهم بأن لا يفعلو , وأستغل سلطتي في المدرسة لإجبارهن على ذلك , هل سيحرقني الله كما أحقت الجلابيب والحجب ؟ , هل أنا مسلمة ؟ , كيف أجعل من نفسي خصما لله ؟ , عند ذلك أخذني بكاء شديد , بكيت حتى خشيت أمي أن أموت لفرط نحيبي وشهقاتي , ولم أنم ليلتي إلا بعد أن أعددت حجابي وجلبابي .

دخلت المدرسة غير مبالية بنظرات الدهشة والإستغراب , كان يخيل إلي أن كل من حولي ينظرون إلي , لكنني تابعت مسيري بثبات توجهت إلى الصف الأول , ووقفت أمام طالبتي عائشة , وقلت لها أنا وأنت نطيع الله يا ابنتي , أنا وأنت نطيعه .
__________________