عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-14-2012, 10:50 PM
 


" الحُــب و الثــورة "


من بين أصوات المسددات ،
و زخات الطلقات ..
وصرخات الثكالى ..
و بكاء الأرامل ..
و نحيب الأبرياء ،
و تعاسة الأشقياء
وضياع الفقراء ..
و ظلم الطغاة ،
و حزن الأبرياء ..

في ثوراتٍ عربية رسم لها الشباب مجداً ..
و ألف لأجلها التاريخ كتباً ..
فامتلأت الأوطان العربية بقصصٍ جميلة و حزينة ..

رغم الألم و رغم الوجع و تجرع المرض السهر ، كانت هناك حكاوي و قصص ،
لا بد للكتب أن تكتبها و لا بد للمبدعين أن يصفوها ، لأنها نوادرٌ لن تتكرر :

كتضحية البعض بحياتهم لأجل أبنائهم ..
و تضحية البعض بأبنائهم لأجل أوطانهم ،
و تضحية البعض بأوطانهم لأجل أحقادهم و سذاجة عقولهم ..
كانا العامين ( 2011 – 2012) أعوام ، أذهلت العالم الغربي من الشرق ..
مِصر الطليقة والرقيقة ، باتت هرمة و متعبة ،
و ليبيا البعيدة و السعيدة ، أصبحت مسكينةُ و وحيدة ..
و سوريا الصغيرة و المبتسمة ، تغيَر حالها فخلقت لها لباساً حمصي من الدَم ،
و كساءً أسوداً ، من الأشلاء الممزقة ، والأنفس المُزهقة !
كذلك تونس واليمن ..








الفصل الأول /






جنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاح المــــــــــــــــــــــــــوت










" البادئة "

فتح باب المستشفى بسرعة جنونية ،
والممرضات مسرعات لسحب المريضة من سيارة الإسعاف ،
كان الجميع يصرخ و يهتف قائلاً :
.. ستغادر الحياة .. الطلقة في رأسها .. لا أمل .. لا نجاة ..
و هو لم ييأس ظل يترقب بعينيه الحال ..
تجمع الممرضين و حملوا سرير الإسعاف الذي يحمل المريضة للأعلى كي لا يؤذيها ، أو يكتمها زحام المستشفى .. ولا يزعجها صخب المصابين

أسرعوا بوضع المريضة في غرفة الإنعاش .
طلب الطبيب ؛ المُنعش الكهربائي ، بعد أن باءت كل المحاولات بالفشل
حاول إنعاش قلبها .. رئتيها ..
حاول بكل قدراته ، رفع معدل السرعة ،
يبدو أن حياة المريضة تحتاج لقوة إلهية يعجز علمه عن تمكينها و خلقها!

انتفضت الجثة بقوة على السرير .. بدون حراك ..
ماتت في عمرٍ لا يتجاوز الـ 22 عاماً
بدون تهمة ولا جرمٌ ، بدون قتلٍ و لا ظلم !

خرج الطبيب بوجه عابس ، لأن أكثر ما يؤرقه وفاة مخلصي البلد الأبرياء ،
ولكنه بذل ما بوسعه والخيار للقدر ..
و في أقصى يمين مقاعد الانتظار الممتلئة بالأحبة المتلهفون لأخوتهم و ذويهم
استوقف الطبيب شاب ، لا يزيد عمره عن الخامسة والعشرين عاماً ..
فارع الطول ، أبيض البشرة ، قوي البنية ، قائلاً : هل ماتت ؟

عرف الدكتور أن هذا السؤال غير خالي من الدوافع الشخصية فقلق الشاب على ناديا
بدا واضحاً لجميع الحاضرين في المستشفى ..
و من ناحية أخرى فلم ينسى عبد الجليل أن هذا الشاب هو من أحضر المريضة
إلى المستشفى ، و قد قابلته حافلة الإسعاف في وسط الطريق ..

قال له مكرراً السؤال و بعينين دامعتين :

ماتت ناديا يا دكتور ؟
أرجـــــــــــــــــــوك أخبرني ؟

الدكتور عبد الجليل ( وهو طبيب مصري ، يعمل متطوعاُ في مستشفى الثورة ) :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. بذلنا كل الجهد .. وهذا قدرها ..



قال سامي : لكنه اليوم موعد خطبتنا ..
لم يكن والدها ليوافق على زواجنا إلا بقدرة عجيبة ..
وعدتني أن تملأ منزلي أنساً وحياة ، بعد أن فقدت والدتي وأخواتي في الثورة ..

هي الأمل لي بعد أن انطفأت كل أمالي ..
هي السر لي بعد أن عرَفت كل أسراري ..
هي الحب الذي لطالما كنت أبحث عنه بين أزقة الجامعة ،
لكنني وجدته في وجنتيها ، وكفيها اللامعين ، و صوتها الدافئ ..
منذ أكثر من عام و نحن نحاول إقناع والدها بزواجنا وحين اتفقنا .. ماتت ناديا !

لماذا يا دكتور ؟ لماذا لم تنقذها ؟

لم يكن الدكتور عبد الجليل يتأمل عيني سامي بملل أو ينصت لحديثة بإكراه ..
فقد امتلأت عيناه هو الآخر بالدموع ......
هو كذلك في نفس هذا اليوم مات له ابن عم ، قريب كثيراً له ،
بعد أن أصيب بطلق نار عشوائي في أحد السجون ..
و بسبب جنود الثورة المقنعين ..

فقال له بصوت إختزلة الحزن : لا بأس يا أخي .. هذا مصير الجميع ..
قٌتل اليوم أكثر من 130 شهيداً وشهيدة ..
إن كان البكاء منهجنا فستمتلئ مِصر بالدموع ..
ولكن لعل هذه المشاكل والأحزان تزيدنا إصراراً و قوة وعزماً
لنتمسك بأحلامنا أكثر ، وبحرية بلادنا أكثر .. لأن الوطن ، يستحق!

سامي ( بقنوط تملك وجهه ، جعل بؤرتي عيناه تتسعان و حاجبيه ينكسران ،
بدا الحزن والتعاسة على وجهه لكل المارة و لكن لأن الحزن سمة مِصر تلك الأوقات لم
يكترث حتى هو لنفسه فالكل فاقد والكل متمسك بحلم الحرية وأمل الحياة ) :
شكراً ~

كانت كلمات الدكتور عبد الجليل ، بلسماً بارداً داوى قلب العاشق ،
المحتــرق حسرةً وألم ..
خرج سامي من المستشفى ،

وهو يجر معه أذيال الخيبة والندم ، وبعض من الذكريات المؤرقة ..
كانت الساعة السابعة صباحاً في مصر ، الأجواء هادئة ، المدارس مُعلقة ،
والطيور مُحلقة ، والنسور منتظرة ..
لأن ثلاجات الموتى ممتلئة !!


أخذ له كوباً من القهوة العربية الساخنة و جلس على قارعة الطريق ..
يحتسي القهوة .. و صوت الطرب العربي أم كلثوم يصدح في المكان ،
و بات يقلب في رأسه ذكريات عاماً كاملاً من الحب أفناه مع نادياً ..

لأن محبتهم بريئة ، كانت راسخة وباقية ..
إن أول لقاءاً لهم كان في منطقة شعبية تعيش ناديا بها ،
أما سامي ، تعتبر عائلته ذات مكانة كبيرة في المجتمع المصري ،
ولكن جامعته رتبت له .. ولأصدقائه المتميزين رحلة لتلك المنطقة القروية البسيطة
التي ذهب لها بدون أن يعلم أو يتوقع ..
أنه سيجد حباً و إخلاصاً و وفاءاً ..
و جمالاً و روعةً و عفويةً ..
لم يعد له حساب ولم يرتب لها حيز و مجال في حياته
داهمته عيناها الخضراوتين .. اختزلت أيامه و لحظاته ..

وباتت نادياً !
عنواناً لكل كتاباته و أشعاره ..
و مجمل كل حديث يتفوه به عن الحب الجميل ..
ومع الأيام صار يرتاد هذه المنطقة السكنية التي تسكن بها ناديا أكثر من ذي قبل ،
حتى اشترى له سوق خضروات صغير ، و أختارها البائعة فيه ..
بمرتب يساوي كل أرباح المحل ..

أما ناديا كفتاة بسيطة وفقيرة ، قبلت بهذا العرض ..
حتى غدا يزورها ، و يطل عليها ، و أشترى لها هاتفاً خليوياً .

ثم تعرَف على أسرتها ومنزلها ، وتخلى عن رفقة السوء التي كانت تسرق وقته
و تسلب منه راحته .. فانشغل بالحب عن كل ما كان و كل ما يكون !

لم تواجهه مشاكل ماعدا أسرة ناديا فلم تقبل به كزوج لابنتهم إلا بعد عامــــاً كاملاً
من المحاولات و كلما باءت أحد محاولاته بالفشل كان يزيد إصــراره و عزيمته ،
لمحاولة أكثر جدية من الأخرى ..

لأن ناديا و سامي مؤمنين بمبدأ يجعلهم يتمسكون بغيوم الأمل وإن أطل الشروق
سيخفيها و يدمرها .. و لكن ضوءه و جماله سيبدل محل النجوم !

ظل سامي و ظلت ناديا متمسكين بالحياة والحب رغم ظروف البُعد و الفراق
ورغم الثورة و الحرب ؛ وحين التقيا و اتفقا كان يوماً أبيضاً بالنسبة لهم ،
لم تسع الدنيا الفرحة التي في قلب ناديا ..



فلم تتمالك يديها حتى
أرسلت رسالة لسامي ، كتبت فيها :


" كنت أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر ..
لأقول لك : أحبك ..
ولأذكرك ..
أنني ما قبلت بك لأنني سعيدة بك فحسب بل لأسعدك كذلك ..
أرى أيامنا الجميلة أمامي .. "
و حين قرأ الرسالة سامي ..
ارتسمت بسمة على شفتيه أعربت عن كل الحب المخبئ بداخل صدره لهذه الفتاة التي داهمت حياته بأقصى السرعة
فكان رد سامي :
" للحب مذاق آخر معك ..
لم أكن لأعرف أن هناك من سيغير حياتي بهذا الشكل سواك !
أنا مٌحلق من السعادة ..
غداً سأحضِر المأذون الشرعي لمنزلكم "

في تلك اللحظة انغمس الاثنين في قدراً مليئاً بهواجس العشق و الهيام
و بقيت أمنيتهم المُعلقة .. معلقة ..
أن يجتمعا تحت سقف واحدٍ أمام الملأ بدون ريبة ولا قلق !
لم يتوقع سامي يا ناديا أنه غداً سيحضر لمغسلة الموتى ليودعكم
بعد أن دُمر بطلقات نارية منزلكم ..




وقفة لأنصت لأرائكم و مقترحاتكم ..
لا أجيز النقل بدون ذكر المصدر و اسم الكاتبة ..

أنتظركم .............