الموضوع: آداب الإسلام
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 01-22-2012, 04:59 AM
 
آداب العمل والمعاش والبيع والشعار


الإسلام دين العمل، ولكنه العمل الصالح النافع، وإيمان بدون عمل تمنّ وإدعاء، وعمل بدون إيمان فسوق وعصيان.

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً الكهف 107. والرجولة في الإسلام، وكمال النضج فيه، أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحا، وإلى أبواب الرزق ساعيا، ولكن قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره.

قال تعالى: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) النور..

وهو بذلك يضع حدا لمن يتخشعون أمام الناس في المساجد ركعا سجدا وقياما، فإذا عاملتهم بالأموال أو التجارات تبين أنهم أفاع سامة، أو عقارب مؤذية.

عن جابر قال: قال رسول الله : من أخذ أموال الناس يريد أداءها أجى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله. رواه البخاري.

وإن نظام هذه الحياة، يتطلب السعي والعمل، وحركة الأعمال فيها تتوقف على الجد والاجتهاد ولذلك كان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل مستشعرا بشعار الجد والنشاط، طارحا القعود والكسل وراءه ظهريا، حتى يقوم بما فرضته عليه الطبيعة وهي سنة الله في خلقه، ويعمل بما أوحته إليه القوانين الشرعية، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كلا على غيره، وهو لا يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل.

قال تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) الجمعة.

والعمل على أنواع كثيرة فمنها ما له علاقة بالدين ومنها ما له علاقة بالدنيا فما له علاقة بالدين فهو العبادات وغيرها من الأعمال الصالحة المختلفة.

وما له علاقة بالدنيا من معاملة وبيع وشراء وتكسب وتجارة أو أي حرفة كانت فهو وإن كان بابا للرزق والسعي للتكسب والعيش والحصول على المال من أجل القيام بحاجات الإنسان الضرورية في حياته. فهو مع كل ذلك اعتبره الإسلام عملا مرتبطا بالدين بل حثّ الدين عى العمل وجعل له الثواب العظيم.

قال تعالى: وجعلنا النهار معاشا النبأ 11.

وقال أيضا سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك.

وقال رسول الله : ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده رواه البخاري.

قال ابن عباس : كان آدم عليه السلام حراثا، ونوح نجارا، وإدريس خياطا، وإبراهيم ولوط زراعين، وصالح تاجرا، وداود زرادا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم رعاة.

وأما الآثار فروي أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته وأعظم من هذه الخصال استخفاف الناس به.

وقيل لأحمد بن حنبل: ما تقول في رجل جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني روقي، فقال أحمد: هذا رجل جهم العلم أما سمع قول النبي : إن الله جعل رزقي تحت ظل روحي وقال حين ذكر الطير: تغدو خماصا وتروح بطانا وكان أصحاب رسول الله يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخلهم، والقدوة بهم مطلوبة وإليكم بعض آداب هذا الموضوع:

1 »» حسن النية في التجارة، فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس، والقيام بكفاية العيال ليكون بذلك من جملة المجاهدين ولينو النصح للمسلمين.

عن أنس قال: مرّ بالنبي رجل، فرأى أصحاب النبي من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا ـ يعنون النشاط والقوة ـ في سبيل الله؟ فقال رسول الله : إن كان يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان رواه الطبراني والبيهقي.

2 »» أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، وسوق الآخرة المساجد فينبغي أن يجعل أول النهار الى وقت دخول السوق لآخرته، فيواظب على الأوراد والأذكار والصلوات، فقد كان صالحوا السلف من التجار يجعلون أول النهار وآخره للآخرة ووسطه للجتارة، وإذا سمع أذان الظهر والعصر فينبغي أن يترك المعاش اشتغالا بأداء الفرائض.

قال تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار النور 37.

3 »» أن يلازم ذكر الله تعالى في السوق ويشتغل بالتسبيح والتهليل وأن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة. فلا يكون أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منه.

4 »» أن يطلب الحلال ويجتنب الحرام ويتوقى مواقع الشبه ومواضع الريب، وطلب الحلالا فرض على كل مسلم.

عن النعمان بن بشير أن النبي قال: الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات رواه البخاري ومسلم.

قال الله تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا المؤمنون 51.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا رواه مسلم.

5 »» البعد عن الاحتكار فهو حرام.

عن ابن عمر ما عن النبي قال: من احتكر الطعام أربعين يوما فقد بريء من الله والله بريء منه رواه أحمد والحاكم.

وقال : لا يحتكر إلا خاطئ. رواه مسلم.
وخاطئ أي آثم.

والاحتكار هو أن يخفي التاجر ما يحتاج الناس إليه حاجة ضرورية ليتحكم بالسعر في الوقت المناسب كالمواد التموينية بشكل عام.

6 »» البعد عن البيع عن طريق الغش لما ورد عن رسول الله : أنه مر برجل يبيع طعاما "حبوبا فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء أي المطر فقال عليه الصلاة والسلام: فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا ليس منا رواه مسلم.

وروي عن رسول الله أنه قال: لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا بيّن ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بيّنه رواه الحاكم والبيهقي.

والغش هو إظهار الشيء على خلاف حقيقته دون علم المشتري به.

7 »» تجنب حلف الإيمان لترويج البضاعة.

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب متفق عليه.

وعن أبي قتادة أنه سمع رسول الله يقول:" إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق" رواه مسلم.

ثم والذي يحلف وهو متيقن الكذب يكون حالفا بيمين الغموس.

واليمين الغموس: هو من الكبائر وسمي غموسا لأنه يغمس صاحبه في النار وليس له كفارة سوى التوبة الصادقة النصوح.

8 »» عدم التطفيف في الكيل والميزان وإتمام الكيل والميزان، وإرجاح الوزن زيادة في الاحتياط.

قال تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) الإسراء.

قال تعالى: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) المطففين.

وعن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة عبدي بزا من هجر. فجاءنا النبي فساومنا سراويل، وعندي وازن يزن بالأجر فقال النبي للوزان: زن وأرجح رواه أبو داود والترمذي.
والتطفيف هو إنقاص المكيال والميزان أثناء التعامل التجاري ومزاولة البيع والشراء.

9 »» تجنب الثناء على البضاعة عند البيع ووصفها بما ليس فيها فهو كذب وتدليس وتمويه وخداع، وتجنب ذمها عند الشراء، والقيام بالتجارة بالصدق الحق والعدل والاستقامة والأمانة.

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء. رواه الترمذي.

10 »» البعد عن النجش. قال رسول الله : لا تناجشوا رواه البخاري ومسلم.
والنجش أن يكون هناك بائع ومشتري وبينهما سلعة معينة وقد أوضح البائع للمشتري الراغب في ثمنها فيأتي شخص آخر لا رغبة له في السلعة فيقول للبائع:" أنا أشتريها منك بثمن أكثر من الثمن المذكور" وقد قصد من ذلك تحريك رغبة المشتري الأول فيها.

11 »» تجنب الجلوس في طريق المسلمين من أجل البيع أو الشراء فيضيّق عليهم وتجنب الخوض في الباطل والإثم والخصومات ورفع الصوت والصياح أو الشتم.

12 »» الرضا بالربح القليل وهذا يؤدي الى محبة الناس وكثرة الزبائن وطيب المعاملة والبركة في الرزق.

13 »» تجنب البيع والشراء عن طريق السرقة والاغتصاب.

عن رسول الله أنه قال: من اشترى سرقة ـ أي مسروقا ـ وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها وعارها. رواه البيهقي.

14 »» تجنب التكسب عن طريق الربا والميسر.

قال تعالى: وأحلّ الله البيع وحرّم الربا البقرة 275.

ولقوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) البقرة.

ولما ورد عن النبي : لعن رسول الله آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء. أصحاب السنن.

15 »» تجنب بيع الأشياء المحرمة لما ورد عن رسول الله أنه قال: إن الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه رواه أحمد وأبو داود.
وعلى هذا فإن بيع الخمر وكل محرم محرم في نظر الإسلام.

16 »» عدم إعانة المشتري الظالم فإعانة التاجر للمشتري في الشر محرمة ويأثم منها التاجر ومثال ذلك التاجر الذي يبيع العنب أو التمر لمن يعلم أنه يتخذه خمرا.

17 »» الإحسان في المعاملة وفي إستيفاء الثمن إما بالمسامحة أو بالمساهلة أو بالإهمال أو بالتأخير.
قال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) البقرة.

وعن جابر قال: قال رسول الله : رحم الله امرئ سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء رواه البخاري.

18 »» تجنب شراء شيء يساوم غيرنا لشرائه حتى ينتهي بشرائه أو بتركه.

عن ابن عمر ما عن النبي قال: لا يبع بعضكم على بيع أخيه رواه البخاري.

19 »» البعد عن ترويج النقود المزيفة فقد ترد أحيانا الى يد التاجر نقود مزيفة أو نقود قديمة انتهى التعامل بها أو نقود بلد آخر لا يتعامل بها في بلده، فيجب على التاجر في هذه الحالة أن لا يروج هذه النقود بإعطائها لشخص آخر وإلا كان ظالما لأنه أضرّ بغيره من المسلمين وقد ذكر صاحب كتاب (موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين في شأن ترويج النقود المزيفة) ما نصه: قال بعضهم: إنفاق درهم زيف أشد من سرقة مائة درهم لأن لبسرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت ومعصية إنفاق الزيف قد يكون عليه وزرها بعد موته الى مائة سنة أو مائتي سنة الى أن يفنى ذلك الدرهم والويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسأل عنها الى آخر انقراضها.

قال تعالى:ونكتب ما قدموا وآثارهم يس 12.


20 »» إقالة النادم: في بعض الأحيان قد يشتري أحدهم السلعة ثم يتضح له أنه في غير حاجة لها أو يرى أنه محتاج لثمنها فيندم على شرائه ويأتي الى التاجر ليقيله ( أي يقبل السلعة ويرد إليه ثمنها) فمن حسن المعاملة الشرعية أن يقبل التاجر السلعة من المشتري النادم وله من الله في هذا الفعل ثواب كثير كما يشير الى ذلك حديث المصطفى .


عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من أقال مسلما بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة. رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان.

21 »» أن يتجنب العامل والموظف التأخر عن موعد العمل المتفق عليه واستغلال وقت العمل بكامله لصالح العمل وعدم إضاعة الوقت والانشغال بغير العمل فهذا الوقت من حق صاحب العمل وإلا فإن الإضاعة للوقت والانشغال عن العمل المطلوب تجعل أجرة هذا الوقت موضع شبهة لأنه أخذ أجرة بدون عمل.

22 »» أن يتجنب الموظف تأخير المعاملات وتأجيل أصحاب الحاجة ومماطلتهم والإسراع في أداء الأعمال وحل مشاكل الناس بوجه طلق وكلام حسن طيب لأنه يعمل في مضمار خدمة الناس وهذا عمله ولا يجوز له التصرف بما يؤذي الناس وتأخير حاجاتهم وإضاعة أوقاتهم والفرص لديهم.

آداب الصحبة


اهتم الاسلام بالصحبة اهتماما بالغا، لما لها من شأن كبير، وأمر خطير، فأمر بإلتزام الصادقين، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ التوبة 116. زحض على صحبة العابدين قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الكهف 28. ورغب باتباع طريق المنيبين، قال سبحانه: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ لقمان 15، ونهى عن صحبة الظالمين، فرب صحبة ساعة كشفت صاحبها الى قيام الساعة، وأعقبته ندما لا ينتهي، قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28) الفرقان، وجعل كل صحبة لا تجتمع أواصرها على تقوى الله تعالى فمصيرها الى عداوة محققة، قال سبحانه: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف.

ولا عجب فالصاحب ما هو إلا معلم لصاحبه من حيث لا يشعر، تنطبع صفاته في نقس صاحبه، وتنتقل أخلاقه الى أخلاقه، وتسري معاملاته الى معاملاته، بتأثير القرب، وعن طريق الحب، فلا يلبث إلا وهو نسخة عن صاحبه تتردد على لسانه كلماته، وتظهر في أعماله تصرفاته من حيث لا يدري، ولذلك فقد حذر الله تعالى من صحبة من قال فيهم فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) النجم، وقال النبي : المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة.

وقال علي رضي الله عنه :

وصاحب تقيا عالما تنتفع به ***** فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب
وإياك والفساد لا تصحبنّهم ***** فصحبتهم تعدي وذاك مجرب
واحذر مؤاخاة الدنيء فإنه **** يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخرا ***** إن القرين الى المقارن ينسب


وإذا كان المرء ينتقي من أطيب الطعام والشراب لبطنه، ويحرص على صحة جسمه فيتقي ما يسبب مرضها وضعفها، فأولى به أن ينتقي لروحه وقلبه وأخلاقه من يغذيها بأحسن الصفات، وأجمل الآداب، وأكمل العادات، وأكرم الأخلاق، ويتقي مرضى النفوس، ويتجنب ضعيفي الإيمان خوفا على دينه، وضنا على أخلاقه، أن يصيبها ما أصابهم، قال : لا تصاحب إلا مؤمنا،ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أبو داود والترمذي وأحمد عن أبي سعيد. وقال سيدنا عمر " عليك بإخوان الصدق، تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء".

ولئن كان أشرف لقب في الإسلام هو لقب ( الصحابي)، وهو من لقي النبي وآمن به، وتشرف بصحبته، فإن الصحابة يتفاوتون فيما بينهم في الفضل بمقدار صدق صحبتهم للنبي وعمق محبتهم له، وشدة إخلاصهم في خدمته، وقد حصل للنبي وعمق محبتهم له، وشدة إخلاصهم في خدمته، وقد حصل على النصيب الأوفى من هذه الأفضلية من قال الله تعالى في حقه:إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا وكان سيدنا أبو بكر بفضل هذه الصحبة المشرفة، الخليفة الأول لسيد النبيين .

ولقد ضرب لنا رسول الله هذا المثل في أهمية الصحبة وما لها من تأثير عظيم على مصير صاحبها فقال: إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة متفق عليه عن أبي موسى.

وقال سيدنا عمر : اعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين من القوم، ولا أمين إلا من خشي الله، فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخافون الله تعالى.

ويؤكد لنا الواقع العملي المنظور أنه من صحب الأبرار الصالحين صار منهم، ومن التزم الذاكرين ثوى في قلبه ذكرهم، ومن لصق بالعلماء إنتقل إليه نور العلم والإيمان، وامتد هذا النفخ الى يوم القيامة، روي أن أعرابيا قال لرسول الله متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: حبّ الله ورسوله. قال: أنت مع من أحببت. متفق عليه عن أنس.

كما أنه لم يصبح سارقا إلا من صاحب السارقين، ولم يشرب التبغ أو يحتس الخمر إلا من سهر مع المدمنين، ولم يتقلب شقيا إلا من صادق الأشقياء المجرمين قال الشاعر:

عدوى الشقي الى السعيد سريعة ***** والجمر يوضع في الرماد فيخمد

ولا يمكن للمؤمن أن يأنس بأهل الغفلة والبطالة والعصيان، أو يميل قلبه إلى مخالطتهم، أو يتخذهم أصحابا وخلانا يجتمعون على مائدة واحدة، وفي مجلس سمر واحد، ولو كانوا أقرب الأقرباء إليه.

قال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ المجادلة 22.

وقال عليه الصلاة والسلام : الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف متفق عليه عن عائشة وأبي هريرة.

وقال علي :

فلا تصحب أخا الجهـ ***** ـل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى ***** حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء***** إذا ما المرء ما شاه
وللشيء من الشيء ***** مقاييس وأشباه
وللقلب على القلـ ***** ـب دليل حين يلقاه


وإذا كان للصحبة هذا الاهتمام، فإن لكل من المتصاحبين آداب وواجبات، كل تجاه صاحبه، وهي أشد اهتماما، لتدوم عرى هذه الصحبة، وتؤتي ثمارها من رضوان الله في الدارين..

ومنها نذكر ما يلي:

1 »» انتقاء الصاحب واختياره قبل مصاحبته، ممن توافر فيه الشروط التالية:

أ‌ »» العقل الحصيف.
ب‌ »» الدين الصحيح.
ت‌ »» الأخلاق الحميدة.

قال لقمان الحكيم لإبنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن القلوب لتحيا بالحكمة، كما تحيا الأرض الميتة بوابل القطر.

2 »» تجنب صحبة الجهلة والفسقة، والأراذل والحمقى، فالصاحب ساحب، ومن جالس جانس.

قال جعفر الصادق : لا تصحب خمسة:
الكذاب: فإنك منه على غرور، وهو مثل السراب يقرب منك البعيد، ويبعد منك القريب.
والأحمق: فإنك لست منه على شيء، يريد أن ينفعك فيضربك.
والبخيل: فإنه يقطع بك أحوج ما تكون إليه.
والجبان: فإنه يسلمك ويفر عند الشدة.
والفاسق: فإنه يبيعك بأكلة أو أقل منها، قيل: وما أقل منها؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها.
وقد رود: لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله.

3 »» الإخلاص في صحبة من تصاحب لوجه الله تعالى، دون النظر الى غاية دنيوية، أو مصلحة عاجلة، والصحبة لوجه الله تعالى هي أن تصاحبه لعلمه أو حسن خلقه أو صلاحه أو قربه من الله ومحبته لرسول الله .

قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الكهف 28.

وعن أنس عن النبي صلى الله قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعوده في الكفر بعد أن أنقذه الله منها كما يكره أن يقذف في النار. متفق عليه.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي رواه مسلم.

4 »» اخبار صاحبه بمحبته له في الله، ليكون تواصلهما أكبر وارتباطهما أشد وإخلاصهما أعمق..

قال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ الحشر: 9.

وعن المقداد بن معديكرب عن النبي قال: إذا أحب الرجل أخله فليخبره أنه يحبه رواه أبو داود والترمذي.

وعن أنس أن رجلا كان عند النبي فمر رجل فقال يا رسول الله: إني لأحب هذا، فقال له النبي : أعلمته؟ قال: لا، قال: أعلمه. فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك في الله الذي أحببتني له رواه أبو داود.

5 »» التعارف قبل الصحبة، والسؤال عن اسم صاحبه وعمله ومسكنه، وما يتبع ذلك من أصول التعارف.

عن ابن عمر ما عن النبي قال: إذا آخيت أخا فسله عن اسمه، واسم أبيه، فإن كان غائبا حفظته، وإن كان مريضا عدته، وإن مات شهدته البيهقي .

وعن يزيد بن نعامة الضبي أن النبي قال: إذا آخى الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو، فإنه أوصل للمودة رواه الترمذي.

6 »» اعتبار صاحبه كنفسه في محبة إيصال الخير له، والحرص على ما ينفعه، وبذل الغالي والنفيس من أجله. قال أبو سليمان الداراني: لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من إخواني لاستقللتها له.

عن أنس عن النبي قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متفق عليه.

7 »» الإكثار من التواصل والتناصح والتباذل والتزاور في سبيل الله.

عن أبي هريرة عن النبي أن رجلا زار أخا له في قرية فأرصد على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تريها عليه؟ ـ أي تقوم بها وتسعى فلا صلاحها ـ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه رواه مسلم.

وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله : قال الله تعالى في الحديث القدسي ( حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ،وحقت محبتي للمتباذلين في، المتحابون فيّ على منابر من نور، يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء) رواه الترمذي.

وعنه قال: قال رسول الله من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا. رواه الترمذي.

8 »» الإسراع في المعونة بالنفس والمال، لتفريج الهم، وتنفيس الكرب، ولو كان في ذلك إيثار على النفس.

قال تعالى: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة الحشر 9.

وعن أبي هريرة عن النبي قال: من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه رواه مسلم.

9 »» الاعتدال في المحبة، والاقتصاد في المديح، والإنصاف في المعاملة، والتوسط في المعاشرة، والإلتزام بالشرع في المخالطة.

قال سيدنا عمر : لا يكن حبك كلفا، ولا تبغضك تلفا.
والكلف شدة التعلق بالشيء، والتلف: الإهمال.

عن أبي هريرة عن النبي قال: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما رواه الترمذي.

10 »» تبادل الهدايا والأعطيات؛ في المواسم والمناسبات، والإبتداء في ذلك على قدر الإمكان. فإن الهدية تزيد في المحبة، وتزيل ما في الصدر من عداوة وبغضاء.

عن أبي هريرة أن رسول الله قال: تهادوا تحابوا رواه أبو يعلى.

11 »» الابتداء بالسلام والمصافحة كلما تجدد اللقاء، مع بشاشة الوجه، وطيب الكلام.

عن البراء قال: قال رسول الله : ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا رواه أبو داود.

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله : لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق. رواه مسلم.

11 »» تجنب السخرية والغيبة والحسد والبغضاء والظن السوء، والتماس الأعذار له في كل أمر لم يجر حسب مراده.

قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم الحجرات 11 – 12.

وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا ـ وأشار الى صدره ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله رواه مسلم.

13 »» تجنب إفشاء سر ائتمنه عليه صاحبه مهما كانت الأسباب، قال أحد العلماء: لا تصحب من الناس من لا يكتم سرك، ويستر عيبك، ويكون معك في النوائب، ويؤثرك في بالرغائاب، وينشر حسنتك، ويطوي سيئتك، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك.

14 »» أداء حقوق الصحبة، وهي كثيرة يضيق المجال لذكرها مع شواهدها، ونكتفي بعرض بعضها كما جمعها كثير من السلف الصالح:

قال سيدنا عمر ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وأن توسع له في المجلس وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه.

وقال: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا، ولما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وعليك بإخوان الصدق وأكثر في إكتسابهم فإنهم زين في الرخاء، وعدة عند عظم البلاء.

وقال أحد العلماء: آداب الأخ مع أخيه بل يظن به ظنا سيئا، ولا يظلمه ولا يستغيبه، ويرد غيبته، ويدعو له، ويطلب الدعاء منه، ويصبر في صحبته، ويوالي وليه، ويعادي عدوه، ويتفقده إذا غاب، ويعوده إذا مرض، ويزوره إذا دعاه، ويسير في حاجته، ويفرج كربته، ويدخل السرور عليه، ويستر عورته، ويسلم عليه، ويبتسم في وجهه ويوسع له في مجلسه، وينصحه في سره، ويساعده في ماله، ويكتم سره، ولا يبلغه ما يسؤوه من تانتس، ويبلغه ثناء الناس عليه، ويشكره على معروفه، ويكون صادقا في وده سرا وعلانية، ويذكره بعد موته، ويكون وفيا مع أهله وأقاربه.

وقال آخر: حق أخيك عليك أن تغفر زلته، وترحم عبرته، وتقبل معذرته، وتحفظ خلته، وترعى ذمته، وتشهد ميتته، وتجيب دعوته، وتقبل هديته، وتكافئ صلته، وتشكر نعمته، وتحفظ حرمته، وتقبل شفاعته، ولا تخيب مقصده، وتشمت عطسته، وتنشد ضالته وتطيب كلامه، ولا تقاطعه في حديثه، وأن تبر أنعامه، وتصدق أقسامه، وأن تواليه ولا تعاديه، ولا تخذله ولا تشمته، وأن تحب له من الخير ما تحب لنفسك، وتكره له من الشر ما تكره لنفسك.

وقال آخر: من حقوق أخيك: الإيثار بالمال، والإعانة بالنفس، وكتمان السر، وستر العيوب، والشكر على المعروف، والإعانة على الإحسان، والنصح عند الإساءة، والحفظ بظهر الغيب إذا غاب عنك، والمحبة الخالصة لله تعالى، وعدم إيذائه بقول أو فعل، وأن يتواضع له، ولا يتكبر عليه، ويعفو عنه، وقد أوحى الله الى يوسف: بعفوك عن إخوتك رفعت ذكرك في الدارين.

قال تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون. الحجرات 10.

وقال سبحانه: واخفظ جناحك للمؤمنين .
وعن أبي موسى قال رسول الله : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه متفق عليه.

وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، وإتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس متفق عليه.

وعن أبي أيوب أن رسول الله قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

آداب الإستئذان


الإستئذان أدب رفيع، يدل على حياء صاحبه وشهامته، وتربيته وعفته، وتزاهة نفسه وتكريمها عن رؤية ما لا يحب أن يراه عليه الناس، أو سمعا حديث لا يحل له أن يسترقه دون معرفة المتحادثين، أو الدخول على قوم وإيقاعهم بالمفاجأة والإحراج.

والإستئذان هو طلب الأذن، ويكون لدخول بيت، أو الانضمام الى مجلس، أو الخروج منه، أو التصرف في متاع غيره، أو ابداء رأي في مجتمعات الناس، أو سماع حديثهم.

أخرج ابن جرير عن عدي بن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وانا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ولا يخفى ما في هذه الآية من معنى الإستئناس، الذي هو أبلغ من الاستئذان، إذ هو بالإضافة الى ما فيه منمعنى طلب الإذن، فيه معرفة أنس أهل البيت، واستعدادهم لاستقباله، ورضاهم عن دخوله عليهم.

وروي أن رسول الله بعث غلاما من الأنصار يقال له مدلج الى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فوجده نائما قد أغلق عليه الباب، فدق عليه الغلام الباب ودخل فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء، فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق الى رسول الله صلى الله عليه سولم فوجدهذه الآية: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات... قد نزلت، فخرّ ساجدا شكرا لله تعالى.

ومع تقدم الحضارة، وصناعة البيوت المغلقة، والأبواب المحكمة، فما زال هناك من يدخل بيته دون سلام، أو يغشى غرفة غيره، أو يقتحم مجلسه دون إعلام أو إستئذان.

وإذا ما تعود الغلام منذ نعومة أظافره أن يستأذن على والديه كما أمر الله تعالى، نشأ على هذه العادة الحميدة، وهي ملكة في نفسه وطبع كريم، يقدره عليه الناس ويحبونه، ويثقون في أمانته وكرامته.

وهذه طائفة من آداب الإستئذان التي جاء بها ديننا الحنيف قبل أن يعرف الناس، أصول الأعراف وفن المعاملات، وحسن التصرف واللباقة في البيوت والمجتمعات..

1 »» يجب الإستئذان لدخول بيت الناس، والإستئناس لمعرفة أنس أهل البيت بالدخول عليهم، فيأنس الداخل الى إذنهم، ويأنسون الى إستئذانه.

قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها .

2 »» يجب قرن الإستئذان بالسلام، بل تقديمه عليه، لأن السلام قبل الكلام.

عن كلدة بن الحنبل قال: أتيت النبي ، فدخلت عليه ولم أسلم، فقال : ارجع فقل السلام عليكم أأدخل رواه أبو داود والترمذي.

وعن ربعي بن نحراش قال: حدثنا رجل من بني عامر إستأذن على النبي وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال رسول الله لخادمه: أخرج الى هذا فعلمه الإستئذان، فقل له قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي فدخل. رواه أبو داود.

وعن ابن عباس ما أن عمر إستأذن على النبي فقال: السلام على رسول الله، السلام عليكم، أيدخل عمر. رواه ابن عبدالبر.

وعن أبي هريرة أنه سئل فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال: لا يؤذن له حتى يسلم. رواه البخاري.

3 »» ينبغي على من قرع الباب مستأذنا أن يقف بجانب الباب الذي لا يظهر منه البيت عند فتحه، وظهره للباب، وعليه أن يغض بصره ما استطاع.

عن سهل بن سعد قال: اطّلع رجل في حجر من حجر النبي ومع النبي مدرى ـ آلة رفيعة من الحديد ـ يحك بها رأسه، فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينيك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر. متفق عليه.

وعن عبدالله بن بسر قال: كان رسول الله إذا أتى على باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيسر ويقول: السلام عليكم السلام عليكم رواه أبو داود وأحمد.

4 »» يشمل الأمر بالإستئذان النساء كما يشمل الرجال، لأنه شرع لئلا يطلع أحد على أحد على ما يطو الناس في بيوتهم مما لا يحبون أن يطلع عليه أحد، إلى جانب عدم النظر الى ما لا يحل له أن ينظر إليه.

عن أم أياس قالت: كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة رضي الله عنها فقلت: ندخل؟ فقالت: لا فقالت واحدة: لا فقالت واحدة: السلام عليكم أندخل؟ قالت: أدخلوا، ثم قالت: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها.

5 »» يكون الإستئذان ثلاثا، فينتظر بعد طرق الباب بمقدار صلاة ركعتين، ثم يطرقه ثانية وينتظر المدة نفسها، ثم يطرق الثالثة فإن لم يجب إنصرف ولو كان متأكدا من وجود أهل البيت فيه. لما روي عن ابي هريرة أنه قال: الإستئذان ثلاث بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردون، وينبغي أن لا يحزن أو يغضب إن لم يؤذن له.

قال تعالى: وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا، هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم. النور 28.

وعن أبي موسى قال: قال رسول الله : الإستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع متفق عليه.

6 »» ينبغي عند إستعلام صاحب البيت عن المستأذن أن يذكر اسمه، ويكره أن يقول ( أنا) لعدم كفايتها في معرفة قائلها.

عن جابر قال: أتيت النبي ، فدققت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا؟ كأنه يكرهها. متفق عليه.

وعن أبي ذر قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر. متفق عليه.

وعن أنس في حديثه المشهور في الإسراء قال: قال رسول الله : ثم صعد بي جبريل الى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، ثم صعد الى السماء الثانية والثالثة والرابعة وسائرهن، ويقال في باب كل سماء: من هذا؟ فيقول: جبريل. متفق عليه.

7 »» يطلب الإستئذان بين الأهل في الدار الواحدة، عند إرادة الدخول على غرفة أحدهم، حتى مع أقرب الأقربين إليه، كأمه وأبيه..

عن زيد بن أسامة عن عطاء أن رجلا سأل النبي أأستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: إنها ليس لها خادم غيري فأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال:" أتحب أن تراها عريانة"؟ قال: لا، قال:" فاستأذن عليها". رواه مالك في الموطأ.

8 »» تعليم الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف أن يستأنسوا في أوقات ثلاثة: وقت الفجر، وهو وقت النوم أو التهيؤ لصلاة الفجر، ووقت الظهيرة، وهو وقت القيلولة والراحة والتخفف من الثياب، ووقت العشاء، وهو وقت الخلود الى النوم، وكلها أوقات فيها مظنة التكشف، ومحبة الخلوة، وهذا التعليم من باب التأديب والتعويد، حتى إذا بلغوا سن المراهقة والرشد إستأنسوا في جميع الأوقات.

عن أسماء بنت أبي مرثد أنها دخل عليها غلام لها في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) النور.

9 »» ينبغي للمرأة أن تتعفف في ثيابها، وتلتزم الحشمة والكمال والأدب في مظهرها في منزلها، أمام أولادها وإخوتها ومحارمها لأن الله ستير يحب الستر والعفة والحياء.

قال تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) النور.
وقال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا النور 31.

آداب النزهات


1 »» إخلاص النية في ترويح القلب، وإراحة الجسم للتقوي على طاعة الله تعالى، والعودة لتنفيذ أوامر الله بهمة أعلى، وعزيمة اقوى.
2 »» السمع والطاعة للمشرف على الرحلة أو النزهة بشكل كامل ومطلق.
3 »» التقيد التام، والإلتزام المطلق ببرنامج الرحلة ومواقيت حركاته، وخطوات تنقلها.
4 »» تجنب الإبتعاد عن الركب، وترك الجماعة لأي سبب كان إلا بإذن من المشرف.
5 »» التحلي بالأخلاق الحسنة الخاصة بالمعاملات، كالصدق والأمانة والإيثار، والصبر والحلم والتواضع، وطلاقة الوجه، ولين الكلام.
6 »» إغتنام الوقت بالتفكير في بديع صنع الله، وذكر الله تعالى، وأداء فرائض الله والمحافظة عليها، وسرد الأحاديث المعينة والممتعة لجميع الحاضرين.
7 »» المسارعة الى الخدمة، والمشاركة في إعداد متطلبات الرحلة وتحضير لوازمها.
8 »» تجنب الإختلاط، والإبتعاد عن الممنوعات والمحرمات، والحرص على راحة الأصدقاء.
رد مع اقتباس